بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

التوقيت ـ تقديم

تاريخ نشر المقال 2018-03-05 21:19:05

    بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
فاجأني أخي الدكتور مصطفى لغفيري ، بطلب تقريظ عمله الجديد : تحقيق منظومة أبي عبد الله ابن زاكور في التوقيت المسماة " الروضة الجنية في ضبط السنة الشمسية " وهي مهمة لم أستسهلها في يوم من الأيام ، لأن التقريظ ما هو في الحقيقة سوى مدح وثناء على كتاب و صاحبه ، وهو في الوقت ذاته تزكية و شهادة ، و مسؤولية و أمانة ...
من هنا ترددت أول الأمر بين رفض هدا الأمر و قبوله ، ثم لم ألبت أن اخترت الموقف الثاني ، تقديرا لما لرحم العلم في ثقافتنا و قيمنا من حرمة ، و مراعاة لما للأبناء على الآباء من حقوق يجب الوفاء بها ...
لكن هذا كله لم يبعد عني المخاوف ،أو يخرجني من الحرج ، بل لم ألبت أن وجدتني في حيرة أمام التقديم لعمل في موضوع يرتبط بحقل معرفي ، لا أدعي دخوله في دائرة اهتمامي ، فبالأحرى ادعاء معرفة دقائقه و امتلاك أدواته ...
ثم عادت بي الذكريات إلى أيام الدراسة الثانوية بمعهد ابن يوسف بمراكش ، حيث لم يكن التوقيت من بين المواد التي تغري جيلنا المسكون في تلكم العهود بهموم الفكر و السياسة و الأدب ، و إنما كنا نسمع عنه من زملائنا في الشعبة الشرعية ، أو نمر عليه مرور الكرام ، من خلال بعض منظوماته في مجاميع المتون ، كنظم المقنع لأبي مقرع وتعريف المنازل لمحمد المقري، و رسالة بيان صفة المنازل وغيرها ، ثم تكونت لدي مع مرور الزمان و اتساع الآفاق ، و في إطار الفضول العلمي ،معلومات و أفكار جزئية عن المادة، خصوصا فيما له صلة بالأهلة و تحديد القبلة وكل ما تتطلبه الحياة الإسلامية المعاصرة ، كما اقتنيت في مناسبات مختلفة مؤلفات في الموضوع ، و صورت بعض الرسائل الفلكية المخطوطة ...
ولا يخفى أن علم التوقيت أو التعديل حظي في المغرب بعناية فائقة واهتمام بالغ ، سواء الرياضي منه أو الشعبي ، كما تترجمه أسماء العلماء الذين برزوا في هذا المجال ، <br>وأعمالهم التي بقيت شاهدة على ما أعطوا و أنتجوا في هذا المضمار، من آثار تندرج في مجملها تحت العلوم الفلكية عامة ، مع صلات وثيقة ببعض فروعها خاصة علم الأزياج و علم الأنواء و ما ارتبط بذلك من رؤية الأهلة و تحديد سمت القبلة و الأسطرلاب و غير ذلك
وعلى الرغم من أن علم الهيئة ، اندرج في تصنيف علماء المسلمين، تحت ما كان يسمى بالعلوم العقلية ، في مقابل العلوم الشرعية أو النقلية ، فإن ارتباطه بأوقات العبادات، و بالتفكر في ما خلق الله من كواكب و بروج ، يجعله برزخا بين النقل و العقل في بابه
و لا خير فيمن كان بالوقت جاهلا . . . و لم يك ذا علم بما يتعبد
و مما هو محفور في الذاكرة ، ساكن في الوجدان ، ما تحتفظ به آثار مدينة مراكش ، من بصمات حضارية راقية في المجال الفلكي ، وما خلفه علماؤها الأعلام من جهود رائدة في هدا الباب...
فهذا السلطان أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن العلوي {ت1290هـ} كان رحمه الله كما قال عنه ابن الموقت :" ذا خبرة بعلم التوقيت عارفا بتسطير الرخام و من مآثره الباقية الرخامة المنكوسة الموضوعة بلصق منار صومعة ابن يوسف ذات الوجهين الشمالية و الجنوبية "
قال الأستاذ المنوني في سياق الحديث عن تخطيط مزولتين تنسبان للسلطان المذكور:إحداهما " هي للتوقيت طول السنة و تشتمل على وجهين شمالي للأشهر الستة التي تكون فيها الشمس بالبروج الشمالية و الآخر جنوبي للأشهر الستة التي تكون فيها الشمس بالبروج الجنوبية ،أما الثانية فهي للساعات و تعطي الوقت من الساعة الثامنة صباحا حتى الرابعة مساء "
مكتوب على إحدى الرخامتين :
ظهرت ظلالي في ضياء محمد ... نجل الإمام المالك بن هشام
وبرزت كالغيداء فوق صفيحتي ...هذي الخطوط تلوح مثل وشام
و ازددت واو العطف في مراكش ...فزرت بتاريخي بمصر و شام
و منقوش على الأخرى :
خير الملوك كلهم ...محمد نجل الأمير
أمر أن ترسم لي ...باليمن هذه السطور
و من يرد تاريخه ..."يجده أوقات السرور "
كما عرفت مدينة مراكش عددا من الموقتين الذين ذاع صيتهم كأحمد الولتي الطأطأئي ( توفي أوائل القرن 11هـ )
و محمد الطائع الجنان المكناسي ثم المراكشي {توفي بعد 1290هـ} و محمد بن الطالب الحربيلي المراكشي {ت1290هـ }
و محمد بن عبد الله بن مبارك المسفيوي المراكشي {ت1329هـ } و أدركنا منهم العلامة الفلكي الشهير الأستاذ محمد بن عبد الوهاب ابن عبد الرزاق {ت1432هـ} الذي خلف مؤلفات و أبحاثا قيمة ، وكون تلامذة نجباء ما يزالون يملئون الساحة ، و يحافظون على هذا الإرث الثمين
و أعود إلى موضوع هذا التقديم لأشير إلى أنه سبقت منظومة ابن زاكور و جاءت بعدها منظومات في التوقيت تطول و تقصر حسب مسائلها و قضاياها نذكر منها :
ـ نظم أبي مقرع (أبو عبد الله محمد البطيوي ـ كان حيا في المائة الثامنة )و عليه شروح منها " المقنع في اختصار نظم أبي مقرع " لمحمد بن سعد المرغتي {ت 1089هـ}
ـ "روضة الأزهار في علم وقت الليل و النهار " لعبد الرحمان بن أبي غالب الجادري {ت839هـ = 1435م} وهي أرجوزة في 336 بيتا ، طبعت بشرح "قطف الأنوار من روضة الأزهار" لعبد الرحمن السوسي البوعقيلي المعروف بابن المفتي {ت1020هـ = 1611م} ( طبعة حجرية فاس 1326هـ = 1908م)
ـ شرح قصيدة ابن زكري لمحمد بن عبد الرحمن الفاسي {ت 1134هـ } ( طبعة حجرية ، فاس :1332هـ = 1913م )
ـ اليواقيت في المنتقى من علم المواقيت (أرجوزة من 412 بيتا ) لعلي بن محمد الدادسي ـ مخطوط بالخزانة العلمية بالمسجد الأعظم بتازة أوله :
يقول نجل محمد علي . . . الدادسي الحمد لله العلي
مكور الليل على النهار . . . مسخر الأفلاك و الدراري
تاريخ النسخ 4 رمضان 1178
ـ تحفة الملوك " منظومة في علم التوقيت لمحمد بن عبد السلام متجنوس {ت1344هـ = 1925م} طبعة حجرية
ـ لمح المحور في ذكر ما بالفلك من الصور لمحمد ـ فتحا ـ بن محمد العلمي {ت1373هـ}ـ مطبعة الرايس ، فاس :1350هـ =1931م
و مسك الختام قول كلمة صدق في حق الدكتور مصطفى لغفيري و الجهد المشكور الذي بذله في تقديم و تحقيق "الروضة الجنية في ضبط السنة الشمسية " لأبي عبد الله ابن زاكور و ذلك من زاويتين :
أولا : التقديم
غير خاف على معارف الأستاذ و زملائه صلته الوثيقة بابن زاكور و مؤلفاته ، هذه الصلة التي بدأت منذ أيام اشتغاله بتحقيق جزء مهم من كتاب : "عنوان النفاسة في شرح الحماسة " ، والذي نال به شهادة الدكتوراه سنة 2005 ، ثم تعززت بتحقيق كتاب "الجود بالموجود من دون بدل المجهود في شرح تحفة المودود في المقصور و الممدود" وهاهي تتقوى اليوم و تزداد رسوخا بهذا العمل الجديد
ثانيا : التحقيق :
تبدو شخصية الدكتور لغفيري و بصماته واضحة في هذا العمل ، ولا غرو فهو باحث و محقق متمرس ، يشق طريقه بثقة و ثبات ، نحو أخذ المكان الذي يستحقه بين جيله من الشباب المهتمين بالتراث ، و قد عرف في هذا العمل كيف يعالج النصوص و كيف يوثقها ، و ساعدته على ذلك معرفته ، بصاحب النص كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ... كما عرف كيف يوسع دائرة العمل على الرغم من صغر حجم النص المحقق ( في تسعين بيتا ) فقابل بين النسخ التي صور للباحثين منها ثلاث نسخ كاملة ، و خرج و وثق و شرح و علق ...
نسأل الله له و لنا العصمة من الزلل، و السلامة في القول و العمل ، و أن يجعل أعمالنا و إياه خالصة لوجه الله الكريم ...
و الله ولي التوفيق

أ/د.محمد عزالدين المعيار الإدريسي