بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

عيد الشباب: بهجة وأمل، ومدرسة عليا لتربية الأجيال

تاريخ نشر المقال 22-11-21 03:53:14

    توطئة:
الشباب ربيع العمر وعنفوانه، وزهره وأقحوانه، وأغلى مراحله، وأجدرها بالصيانة من الضياع، إذ فيها تتشكل ملامح شخصية الإنسان، وتتأصل في النفس والوجدان مختلف الميول والعادات التي ستظل مصاحبة للمرء مدى الحياة.
إن الشباب طاقة خلاقة وعزائم لا تلين.
كل شيء على الشباب يهون هكذا همة الرجال تكون
إنهم مصدر كل خير كما قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما " الخير كله في الشباب وروائح الجنة في الشباب".
ومن ثم أولى رجال التربية والإصلاح هذا الطور من الحياة كامل العناية والاهتمام، إيمانا منهم بأن الإنسان كالبنيان يمكنه أن يرتفع ويسمو إلى أن يناطح السحاب، ويعانق السماء إذا قام على أساس قوي متين، ورفق وتصميم معماري دقيق، وعلى العكس من ذلك، يمكن أن ينهار وتتصدع أركانه لأتفه الأسباب إذا لم تراع فيه أبسط مقاييس العمارة والبناء.
من هذا المنطلق ومن وحي عيد الشباب المجيد أقتطف هذه الباقة النضرة الفواحة من سيرة جلالة الحسن الثاني وفكره دروسا عالية في التربية والتوجيه، وفي إعداد شباب صالح متألق، قادرا على مواجهة كل التحديات، وبالتالي على تحقيق أعظم الآمال وذلك من خلال محورين اثنين، هما:

أولا: القدوة الصالحة للشباب:
أبى جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، وهو يؤسس عيد الشباب، إلا أن يقرنه بمناسبة عزيزة غالية هي ذكرى ميلاد فخر الشباب، ولي العهد إذ ذاك – مولاي الحسن باعتباره القدوة الصالحة للشباب.
يقول جلالة الملك الراحل قدس الله روحه: "إنني ربيت ولي العهد تربية إسلامية مثالية صحيحة، أساسها الجد والاستقامة، وحسن الخلق، وأردت أن يكون المثل الأعلى للجيل الصاعد والنموذج الذي أحب أن يتربى عليه شبابنا، باب المغرب المقدم على خوض معارك عنيفة للحصول على ما يتوق إليه م عز وسؤدد".
وقد جاءت هذه الرغبة الملكية السامية تتويجا لحقيقة قائمة فعلا.
يقول المؤرخ البريطاني المعروف"روم لاندو: "عندما اجتمعت بالأمير – ولي العهد مولاي الحسن – لأول مرة ولم يكن قد بلغ العشرين بعد، أدهشني فورا بذهنه الوقاد واتساع مداركه وأهدافه، فحتى في ذلك السن المبكر كان وطنيا مندفعا تكرهه سلطات الحماية وتحبه شبيبة شعبه". (1)
وفي عز الشباب يتربع الحسن الثاني على عرش أسلافه المنعمين، فيظل يقدم من نفسه ومن فلذات أكباده الأمراء والأميرات المثل الأعلى للشباب.
ثانيا: راعي الباب:
إن عيد الشباب يقول جلالة الملك الحسن الثاني : قد سمي كذلك "حتى يمكن أن يبقى للمغرب بلدنا العزيز فرصة يتاح له فيها أن يشيد بالشباب وينصحهم ويخطط لهم".(2)
وبقلب الأب المتفاني في حب كل أبنائه يقول جلالته مخاطبا الشباب سنة 1988.
"أبنائي الأعزاء سأختم كلمي بأن أزف إليكم نبأ أظن أنه سيثلج صدوركم سواء أنتم الحاضرون أو من لم يحضروا هنا. كما قلت لكم: نحن أسرة واحدة. وفرد من هذه الأسرة. اسمه محمد بن الحسن والثاني رشيد بن الحسن قد نجحا في امتحاناتهما، فسيدي محمد نجح في دراساته القانونية العليا، ومولاي رشيد تأهل لخوض الباكالوريا النهائية السنة المقبلة، فاعلموا أيدكم الله ورعاكم وأعانكم أنهم وأنتم إخوة في الله في الوطن وفي الحسن الثاني". (3)
وجلالة الملك الحسن الثاني مؤمن بأن إعداد الأجيال للمستقبل من آكد الأولويات، يقول جلالته مخاطبا الشباب: "... فعلينا إذن أن نهيئك للقرن المقبل وأن لا نجعل منك تفرجا ومنتهزا فقط، بل علينا أن نجعل منك مخترعا ومبتكرا ومشاركا في بناء عالم ومجتمع القرن المقبل". (4)
ثم يشير جلالته إلى أن ذلك يتوقف على أمرين اثنين هما:
أ‌- التربية بالدرجة الأولى، لأن الأخلاق كما قال جلالته ، هي مفتاح كل خير، والشاعر يقول:
وإنما الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ب‌- العلم والمعرفة "ذلك السلاح الذي بدونه لا يمكن لأي شعب من الشعوب أن يقف الوقفة اللازمة في الصراع المستمر مع التاريخ، ومع ما يجاوره من البلدان". (5)
وفي إطار تشجيع المتفوقين من الشباب في كل مجالات المعرفة والإبداع، اعتاد جلالته استقبال هؤلاء النوابغ كل عام وتزويدهم بنصائحه السامية كقوله :"... اعلموا حفظكم الله ورعاكم أن جيلنا حارب المستعمر سياسيا وعسكريا ليحرر بلدنا وليكون في مستوى الدول المستقلة، وعليكم أنتم وعليكن أنتن ولمن يليكم من الطلاب والطالبات في عشرات السنين القادمة أن تحاربوا الجوع، عليكم أن تحاربوا التخلف وأن تتداركوا التأخر عن قافلة التقدم، وعليكم أن تغزوا عالم التكنولوجيا وعالم القانون وعالم الفيزياء والكيمياء وعالم الطب والبيولوجيا وعالم الأدب والتاريخ كذلك". (6)
وكقول جلالته في أحد أفواج القضاة المتخرجين من المعهد الوطني للدراسات القضائية منوها بالمرأة المغربية:
" وكم يسرني أن أرى بينكم المرأة المغربية التي أراها في جميع الميادين القفزة اللازمة (...) ومن هنا تعلمون المرتبة التي أضع فيها المرأة المغربية والمطامح التي أنيطها بها والآمال التي أعلقها عليها". (7)
وبعد فهذه بعض الومضات المضيئة في التربية ورعاية الشباب، استحضرناها بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لميلاد مولانا الإمام اعترافا بالجميل، وبعثا للشباب على المزيد من العمل والتجديد حتى يحققوا لملكهم وشعبهم كل ما هو معقود عليهم من الظنون والآمال.
( دعوة الحق - العدد 303 )
هوامش:
1) روم لاندو: مراكش بعد الاستقلال: 140 (تعريب: خير حماد. دار الطليعة بيروت، ط 1: 1961م).
2) انبعاث أمة: ج 32 / ص: 244.
3) انبعاث أمة: ج 33/ ص: 275.
4) انبعاث أمة: ج 32/ ص: 246.
5) انبعاث أمة: ج 32/ ص: 246.
6) انبعاث أمة: ج 30/ ص: 277.
7) انبعاث أمة: ج 30/ ص: 55