بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

التعليم العتيق بجهة مراكش أسفي تاريخ وإشعاع مدرسة سيد الزوين نموذجا

تاريخ نشر المقال 29-05-22 04:38:54

    يأتي هذا الموضوع في تمهيد و مبحثين كالآتي :
تمهيد : يبدو أن مسيرة التعليم عند المسلمين انطلقت منذ أوأئل البعثة النبوية مقترنة بالدعوة إلى دين الإسلام متكيفة مع الظروف المحيطة بذلك، خصوصا في العهد المكي وعلى الرغم من عدم توفرنا على معلومات كافية في هذا الصدد فإن فيما بين أيدينا من إشارات ما يكفي لتكوين فكرة عن ذلك حيث يمكن اعتبار دار الأرقم بن أبي الأرقم بمكة المكرمة المدرسة الأولى التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم و تخرج بها الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم ففيها كان عليه الصلاة والسلام مستخفيا عن قريش يدعو الناس إلى الإسلام قبل أن يتسع مجال التربية والتعليم في المدينة خصوصا في رحاب المسجد النبوي ، فقد كان خباب بن الأرث في مكة يعلم فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد القرآن الكريم وكانا قد أسلما كما روى ابن إسحاق في سبب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهنا تجدر الإشارة إلى ما صدر منه بعد أن خف أو زال غضبه وهو طلبه من أخته الصحيفة التي كان يقريئهما منها خباب القرآن مما يدل على كان يعرف القراءة والكتابة و هناك أمثلة أخرى لا يتسع المجال لذكرها
ومعلوم أن الإسلام جاء والذين يعرفون الكتابة من العرب لا يتجاوز عددهم سبعة عشر رجلا، كما ذكر البلاذُري في فتوح البلدان . وكان لابد للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، من كتاب يكتبون الوحي ( القرآن الكريم ) فكان أوَّل من كتب الوحي في مكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سَرح أسلم قبل الفتح وكان أخا لعثمان رضي الله عنه من الرضاعة وقصة ارتداده مشركا ثم أوبته إلى الإسلام بعد أن أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه معروفة...
و قبيل الهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم - وهذا في غير كتابة القرآن - أبا بكر الصديق أن يكتب لسراقة بن مالك كتاب أمان
ومع تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة بعد الهجرة النبوية مباشرة كان التعليم في مقدمة الأولويات التي اهتم بها الرسول الكريم فبنى المسجد النبوي الذي كان في بداية الإسلام مُلتقى كل مؤسسات الدولة الفتية ومن ضمنها المؤسسة التعليمية ، وهو النموذج الأول للمدرسة الإسلامية بل للجامعة الإسلامية حيث كانت يضم كل مراحل التعليم ، و في سيرة الإمام مالك بن أنس العلمية منذ أن جلس بالمسجد النبوي تلميذا مبتدئا بحلقة ربيعة إلى أن أصبحت له فيه حلقة أكبر من حلقة ربيعة وغيره من الشيوخ ما يدل على ذلك بوضوح ...
ويستفاد من قصة أوردها الزَّبيدي في تاج العروس في سياق الحديث عن كلمة أبجد أن الكتاب كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و ملخص ذلك أن هذا الخليفة الراشد لقي أعرابيا فقال له : هل تحسن أن تقرأ القرآن ؟ قال : نعم ، قال فاقرأ أم القرآن ، قال : والله ما أحسن البنات فكيف الأم؟ قال فضربه ثم أسلمه إلى الكتاب الخ "
المبحث الأول - من تاريخ التعليم العتيق و إشعاعه بجهة مراكش أسفي
قدم العلامة محمد المختار السوسي نبذة موجزة عن تاريخ المدارس العتيقة وحقيقتها في كتاب سوس العالمة في مبحث بعنوان : "مدارس سوس العتيقة " ومن جملة ما جاء فيها تعريفه لهذه المدارس بأنها " مدارس شعبية يقوم بها الشعب بجهوده الخاصة ولم تعرف قط إعانة حكومية ... وهذه المدارس تسمى مدارس علمية ليكون فرق بينها وبين كتاتيب القرآن ..."
وهناك كتاب آخر للعلامة المختار السوسي طبع بعد وفاته بعنوان" مدارس سوس العتيقة " و كتاب ثالث بعنوان " نيف وأربعون مدرسة في نواحي مراكش " نأمل أن يرى النور قريبا قال في مقدمته :"يمتاز الجنوب المغربي من بين ما يمتاز به بكثرة المدارس البدوية - هكذا - يُتلقى فيها من الفنون ما كان معهودا أن يُتلقى في فاس فما دونها ... "
هكذا كان ينظر إلى التعليم العتيق إلى وقت قريب قبل الإصلاح الكبير الذي يعيشه التعليم العتيق اليوم و انتشاره في المدن والقرى و احتضان الدولة للكثير منه
ونعود إلى تتبع مسار هذا التعليم بجهة مراكش أسفي على وجه الخصوص فنقول إن رباط شاكر كان من أوائل المؤسسات التعليمية المغربية، ومؤسسه من التابعين أصحاب عقبة بن نافع ومكانه اليوم في المكان المعروف بسيدي شيكر بإقليم اليوسفية ( انظر:مدخل إلى تاريخ العلوم لحركات :1/15)
و لا يخفى أن محور التعليم منذ تلكم العهود هو القرآن العظيم ، و هو ما أكده كل من ابن سحنون في "رسالة آداب المعلمين " و القابسي في " الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين و المتعلمين " ثم تحدث عنه ابن خلدون فيما بعد في مقدمته وكلهم من المالكية ومن أهل الغرب الإسلامي
كما أنه قبل تأسيس مدينة مراكش ، كانت أغمات البعيدة عن مدينة مراكش بنحو 30 كلمترا مقصد أهل العلم والصلاح من مختلف الجهات ، نزح إليها عدد من الأندلسيين ، أوائل القرن الثالث الهجري ، بعد فرارهم من فتنة الربض بقرطبة ، على عهد الحكم الأموي (الربضي) ،كما نزح إليها عدد من القيروانيين ، وكان رباطها المعروف إذ ذاك ، المقر الأول لزعماء المرابطين ، والمركز الهام للعلماء والصالحين ، يقصدونه من سائر أنحاء الشمال الإفريقي ... وكان بها علماء كبار يرجع إليهم من أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين و كان عبد العزيز التونسي الزاهد {ت 486هـ} قد درس الفقه بأغمات كما في الصلة لابن بشكوال و التشوف للتادلي ثم تركه لما رأى الناس نالوا به الخطط والعمالات وقال :" صرنا بتعليمنا لهم كبائع السلاح من اللصوص "
وقال أبو طاهر السلفي في معجم السفر سمعت أبا العباس أحمد بن طاهر بن شيبة الفاسي بالثغر يقول : أبو علي المتيحي من فقهاء أغمات و إلى فتاويه يرجع السلطان ابن تاشفين لدينه ...
و كانت في مدينة مراكش كتاتيب ورجال كانت لهم مخالطة بعدد من معلمي الكتاتيب ،كمحمد بن أحمد الزناتي الذي نشأ بمراكش.. و آخرون كانوا يعتنون بالتلاميذ ويشجعونهم على التعلم كأبي ابراهيم إسحاق بن محمد الهزرجي {ت581هـ} من أهل الجانب الشرقي من مراكش ، الذي كان يتفقد الصبيان في مكاتبهم ، فيسأل عن الأيتام و أولاد الفقراء فيكسوهم ويشتري الطرف في أول إبانها فيفرقها عليهم .
و من المعلمين في هذا العهد ، محمد بن الأمان الجزولي المعلم من أهل مراكش، جاءه – مرة - أحد الكبراء إلى مكتبه يدعوه إلى الذهاب معه إلى شخص دعاه ويكره أن يذهب عنده ... فلما صرف الصبيان يوم الخميس وصلى صلاة العصر الخ ... ومنهم موسى بن إسحاق الوريكي المعلم {ت592هـ} من أهل مراكش و بها مات
هذا فيما يتصل بالمعلمين بالمكاتب أو الكتاتيب أما فيما يتعلق بالمساجد أو الجوامع فنجد فيها أمثال أبي واجاج عفان بن إسماعيل المطماطي نزيل الجانب الشرقي بمراكش وبه مات { ت604هـ} من أئمة العلم بالقرآن ، وكان أكثر جلوسه بمسجد بئر الجنة ، فمن أراد من المصامدة أن يُجَود عليه القرآن يقصده ... ومسجد بئر الجنة،هذا قال عنه ابن الموقت : هو المعروف اليوم بمسجد سيدي أبي يعقوب الحكيم بباب الدباغ ..."
وكان لأبي موسى الجزولي صاحب الكراسة {ت 607هـ} كرسي لتدريس النحو ، بمسجد على الطريق بباب دكالة وقصته مع العالم النحوي الأندلسي أبي علي الشلوبين { ت645 هـ } مشهورة
قال ابن عبد الملك المراكشي :"و لما شاع ذكر أبي موسى و اشتهر أمره وعُرِف قدره ، تكاثر طلبة العلم عليه ، و انثالوا من كل حدب إليه ، حتى ضاق عنهم ذلك المسجد الذي كان يدرس فيه ، فانتقل إلى مسجد ابن الأبكم ، شمالي محلة الشرقيين أسفل ممر باب أغمات الأعظم إلى جهة العوادين "
ومن الجوامع التي كانت تلقى به دروس العلم جامع المواسين : و كان يسمى مسجد الشرفاء درس فيه أحمد بابا التمبكتي {ت1036هـ} مختصر خليل و تسهيل ابن مالك وألفية العراقي و تحفة الحكام لابن عاصم ، و جمع الجوامع للسبكي و الحكم العطائية و الجامع الصغير للسيوطي و الخصائص الكبرى له و الشفا للقاضي عياض و الشمائل للترمذي والاكتفاء للكلاعي ...
و ذكر أبو عبد الله الحضيكي في الرحلة الحجازية أن من شيوخه أبو عبد الله محمد الدرعي نزيل مراكش {ت1160هـ} وكان مجلسه في جامع سيدي محمد بن صالح في ناحية باب أغمات و كانت له عادة و سيرة حسنة في درسه ، يدرس فيه مختصر الشيخ خليل أول النهار درسا كبيرا حسنا تحضره طلبة المدينة ، و له درس آخر بعد العصر في ألفية ابن مالك يحضره أيضا جل الطلبة ، وله دروس أخرى .
أما المدرسة ففد أسس وكاك بن زلو اللمطي {ت445هـ} أول مدرسة لدراسة العلم بالمغرب بسوس سماها دار المرابطين و تعرف بمدرسة أكلو، وذلك عقب عودته من القيروان، حيث كان يتلقى العلم هناك على شيوخ منهم أبو عمران الفاسي ... و في هذه المدرسة أو الرباط درس عبد الله بن ياسين الذي أسس بدوره رباط السنغال ( المغرب عبر التاريخ :1/175- 176 ) ]
قال العلامة المختار السوسي : " أول مدرسة عرفت في بوادي المغرب الإسلامي هي مدرسة أجلو بضاحية مدينة تزنيت وذلك في أواخر القرن الخامس وربما كانت قبلها مدارس أخرى و إن كنا لا نعرفها الآن ..."
وذكر الوزان انه كان في عهد الموحدين " في القصبة أيضا مدرسة في غاية الحسن أو على الأصح مؤسسة معدة للدراسة وسكنى الطلبة تحتوي على ثلاثين حجرة
و قاعة في الطبقة الأرضية كانت تعطى فيها الدروس فيما سبق وكان كل طالب مقبول في هذه المدرسة ينفق عليه ويكسى مرة في السنة، و يتقاضى الأساتذة مرتبا قدره مئة او مئتا مثقال حسب نوع الدروس المطوقين بإلقائها ....."
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه كانت هناك مدارس أنشأها ملوك المغرب لتكوين أطر خاصة منها بعض مدارس الموحدين التي أنشأها عبد المومن بن علي بمراكش التي تحدث عنها صاحب الحلل الموشية و منها مدرسة الخط التي أسسها أحمد المنصور الذهبي بمراكش كذلك ومنها مدرسة الأمراء التي أسسها السلطان سيدي محمد بن عبد الله في الشماعية بإقليم اليوسفية
و حتى لا أطيل عليكم أنهي هذا المبحث ببعض الأمثلة مما عرفه التعليم الديني بالمغرب من إصلاح على يد ملوك الدولة العلوية الشريفة خصوصا منذ عهدالسلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله الذي لما أحس بأن التعليم في القرويين وابن يوسف و غيرهما من معاهد التعليم قد بدأ يتسرب إليها الضعف و الجمود ، ويستولي على شيوخها و طلابها الكسل والخمول ، هب لإصلاح التعليم بشكل شمولي وتوجيهِهِ نحو المسار الصحيح وعلى ذلك النهج صار من من جاء بعده من ملوك الدولة العلوية الشريفة وأصدروا من أجل ذلك الظهائر و المنشورات ..... وهو ما يمكن تتبعه إلى أن نصل إلى عهد السلطان المولى يوسف المتمثل خصوصا في إصلاح القرويين و إحداث المجلس العلمي التحسيني بها وكذلك إحداث وزارة المعارف لأول مرة ف تاريخ المغرب كما ذكر الحجوي الثعالبي في الفكر السامي كما أنه في عهد جلالة المغفور له محمد الخامس دخل النظام إلى جامعة ابن يوسف بمراكش و تم إحداث مجلس علمي بها كذلك إلى جانب دفاعِه عن تعليم القرآن وحمايتِه للتعليم العتيق من مؤامرات المحتل وفسحِه المجال للمرأة للدراسة بجامعة القرويين في مدرسة خاصة بهن تخرج بها أول فوج منهن أوائل استقلال المغرب سنة 1957
و تخليدا لما أحاط به جلالته الجامعة اليوسفية سنة 1939 ميلادية من رعاية وإصلاح نظم شاعر الحمراء محمد ابن إبراهيم قصيدة مسرحية مختلفة البحور و القوافي تحت عنوان :" بين القديم و الحديث " يستغرق تشخيصها نصف ساعة وتبتدئ بنشيد الافتتاح :
يا خيرَ من في عصره قد نال شعبُه المنى
للــه لا لغيـــــــــــره نضرعُ ان تبقى لنا
, . , . ,
به ازدهى و ازدهرا عصرُ العلوم و الفنونْ
و العلم منه صَيَّرا مالا يكونُ قد يكونْ
مراكش قد زرتها فاللثمُ منهـــــــا ليَديكْ
إذ بالمنى أحييتـــها فهِيَ منــــــــــك و إليكْ
كليةُ ابنِ يوسفـــــا منها إليك شكــــــــرها
أبَنْتَ منها ما اختفى حتى تجلي ســــــــــــــــرُّها
وفي عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني أعيد تنظيم القرويين و معاهد التعليم الإسلامي الذي سمي أولا بالتعليم الأصلي ثم بالتعليم الأصيل ... وكذلك العناية بالتعليم العتيق وتدشين عملية الكتاتيب القرآنية وتأسيس دار الحديث الحسنية وإحداث شعب الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالجامعات المغربية و غير ذلك
أما في عهد أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس فحدث عن البحر و لا حرج كما يقال من ذلك عنايته بالتعليم العتيق ابتداء من صدور الظهير الشريف رقم 1.02.09 الصادر في 29 يناير 2002 المتعلق بتفعيل القانون المنظم للتعليق العتيق رقم 13.01 مما نظم التعليم العتيق وحصنه و حماه مما قد يعوق مسيرته الدينية النبيلة ، و فسح المجال لطلبته الانخراط في الحياة الاجتماعية ولولوج الجامعة و حملة الشهادات العليا من الجامعة المغربية في تزايد و الحمد لله
و من مظاهر عناية جلالته بالتعليم الديني فسح المجال للمرأة العالمة والواعظة و المحفظة للقرآن الكريم لتحمل مسؤولية التوعية ونشر العلم إلى جانب شقيقها الرجل وإلقاء الدروس من على مختلف المنابر المعدة لذلك ... مع ما يعرفه هذا العهد الزاهر من تشجيعات وحوافز
المبحث الثاني مدرسة سيد الزوين التاريخ والإشعاع
يذكر العلامة محمد المختار السوسي رحمه الله في مقدمة كتابه الذي سبقت الإشارة إليه والذي نأمل أن يرى النور قريبا :" نيف و أربعون مدرسة في نواحي مراكش" أن الجنوب المغربي يمتاز من بين ما يمتاز به بكثرة المدارس البدوية وهذه الظاهرة ابتدأت من القرن الخامس كما سبقت الإشارة إليه ... وبعد أن ذكر جملة من المدارس قال و هذا هو الشاهد : " وإنما الذي يلفت النظر ظاهرة تلوح كأنها غريبة منذ أواسط القرن الماضي (يقصد القرن الثالث عشر الهجري ) إلى الثلاثين من هذا القرن ( الرابع عشر ) في قبائل الحوز حوالي مراكش عاصمة الجنوب فقد برقت إليه بارقة من سوس من هذا الاعتناء العجيب بتأسيس المدارس ، فلم تنشب قبائل الحوز أن عادت كقبائل حاحة وسوس ودرعة والأطلس الغربي ، فنرى عشرات من المدارس هنا و هناك على أيدي أفذاذ لا يرون المجد إلا في هذا الميدان ثم تأثر بهذه الحركة بعض قليلين من علماء تخرجوا على أيدي هؤلاء فنافسوا كذلك بين قبائلهم بهذه المساهمة "
وقد تحدث في هذا الكتاب عن ست و أربعين مدرسة عدا مدارس بلاد احمر التي تنضوي تحت الزوايا التي كانت كلها مدارس إما كبرى و إما صغرى قرآنية للقراءات السبع أو علمية للفنون فذكر منها تسع زوايا وكان في بعضها أشياخ الفروسية يعلمونها الناس وفي أخرى أساتذة الرماية شيخا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
و ذكر أن هذه الزوايا قد زخرت حينا من الدهر خصوصا في عهد القائد هدي بن الضوء من قواد السلطان مولاي الحسن و أبيه حسب تعبيره و كان لا يجالس و لا يستخدم حتى أعوانه إلا طلبة القرآن ويعلن أن كل من حفظ القرآن محرر فأقبلت القبيلة على حفظ القرآن حتى قل أصحاب المغارم ثم زاد شرطا آخر و هو إما حفظ "خليل في الفقه" مع تفهمه في الجملة و إما إتقان القراءات السبع فمال الناس أيضا إلى هذه الناحية ميلا عجيبا ولهذا قامت الزوايا المذكورة بدور التعليم أعجب دور ... و قال في الخاتمة : وبعد فهذه هي المدارس المستحضرة الآن في القبائل المحيطة بمراكش ، و لا يحسبن القاريء أننا تقصينا فهذا ما لا يدعيه من كتب ما سنح في يوم واحد عن قبائل شتى ..."
بعد هذا التمهيد وقبل قبل الحديث عن هذه المدرسة نقدم لها نبذة موجزة عن مؤسسها وهو القاريء الشيخ السيد محمد الملقب بالزوين بن امحمد - فتحا- بن علي الشرادي دفين زاويته بضاحية مراكش. " يقال إنه من ذرية «عمر بن الخطاب رضي الله عنه حسب تعبير القاضي العباس في الإعلام .
ولد حوالي سنة 1217 هـ - 1802م، بزاوية الشرادي بقبيلة الأوداية "بضواحي مدينة مراكش وكان في في صغره يقرئ الطلبة
اختلفت الروايات حول تسميته بالزوين بعد أن كان يعرف بالشوين أو بالثورلخلقته مما لا يتسع المجال لذكره
بدأ تعليمه الأولي و دراسته القرآنية على يد والده الذي غرس فيه حب القرآن الكريم وكان من أهل القرآن المعتنين به ثم أخذ القراءات والطريقة الناصرية عن شيخيه « عبد الله بن علي الرجراجي السكياطي{ ت 1244هـ } و الشيخ محمد التهامي الحمري الأوبيري " كان بقيد الحياة أواخر عام 1249 هـ " ، ومحمد الحاج الشريف الإدريسي أخذ عنه بالمدرسة السباعية بهوارة و هو الذي أذن له بأن يعود إلى بلده ليفتح بها زاويته بعدما تبين له عمق تمكنه مما تعلم .
تلامذته و بعض العلماء المتخرجين بمدرسته :
- عمر بن الحسن السكرادي
- محمد بن محمد البربوشي {ت1331 هـ}
- عمر بن الطاهر الخميلي الرحماني {ت 1345 هـ }
- محمد بن المعطي السرغيني {ت1296 هـ }
- و من المتخرجين بمدرسة سيد الزوين من علماء الجامعة اليوسفية بمراكش :
- الهاشمي بن عمر السرغيني بنميرة {ت 1388 هـ = 1968 م } وصفه العلامة المختار السوسي " في نيف و أربعون مدرسة ..." بالأستاذ الكبير من هيأة كبار العلماء في النظام اليوسفي
- الحسن بن عمر الرحماني الزهراوي { ت 1979 م } الأستاذ الكبير الذائع الصيت وغيرهما من كبار العلماء
كان الشيخ الزوين كما ذكر مترجموه متقشفا في لباسه زاهدا صابرا على تعليم القرآن الكريم.وكان بذلك و ما سيأتي من سلوكه و صلاحه ما جعل الناس يعتقدون فيه الولاية و لاعجب فتعلم القرآن وتعلمه و العناية به و بأهله من علامات الصلاح والولاية مصداقا لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أهلُ القرآنِ، أهلُ اللهِ وخاصَّتُه). يضاف إلى ذلك كما سيأتي نفعه لمجتمعه
كان الشيخ على خلق يتجلى بالصبر والأناة و الزهد والكرم كثير الإطعام للطلبة مهما كان عددهم و للزوار كذلك ، حبس أملاكه كلها على طلبة القرآن بزاويته دون أن يخص أبناءه بشيء من ذلك و في ظهير شريف موجه إليه من السلطان المولى الحسن الأول مؤرخ بـ 26 حجة الحرام عام 1309 ينبهه فيه إلى إغفاله إدخال أبنائه ضمن المحبس عليهم و يأمره بتقديمهم على غيرهم في ذلك ومن زهده أن المولى الحسن الأول لما ورد زاوية الشرادي في بعض توجيهاته لسوس أراد أن يعين له ما يستعين به في إطعام الطلبة والزوار و الفقراء فاعتذر وقال للسلطان : المخزن أحق بها " يقصد الدولة
و إلى جانب عنايته بالقرآن الكريم و تعليمه اعتنى بالحديث الشريف فكان ملازما لحضور قراءة صحيح البخاري وختمه كل سنة بزاويته وكان يرد عليه لأجل ذلك فقهاء مراكش كالعلامة محمد بن ابراهيم السباعي و غيره و هو ما بقي محافظا عليه بالزاوية إلى اليوم
توفي الشيخ الزوين بزاويته و بها دفن سنة 1312هـ بعد وفاة السلطان المولى الحسن الأول بثلاثة أشهر
مدرسة سيد الزوين
يرجع تاريخ تأسيس المدرسة القرآنية سيد الزوين إلى سنة 1246م على يد الشيخ محمد الزوين وكان الهدف من إنشائها هو العناية بكتاب الله تعالى حفظا وفهما، وهو الهدف الذي ظلت وفية له إلى اليوم
وكان شيخه محمد الحاج الإدريسي قد أمره و هو عنده بهوارة بسوس بأن يتفرغ لتعليم القرآن لأبناء المسلمين بجميع القراءات وفي طريق عودته من عنده عرج على شيخه الآخر محمد التهامي الأوبيري في قبيلة احمر ليخبره ويستشيره في الأمر فثمن ذلك و شجعه عليه فلم يتردد بعد وصوله إلى بلده بزاوية الشرادي في الشروع في تعليم القرآن في المكان المسمى بزاوية سيدي علي أو مسعود متحاشيا بذلك إعادة تجمع سكاني جديد في زاوية الشرادي بعد أن أجلى سكانها السلطان المولى عبد الرحمن لأسباب انظر : الإعلام :7/272 – 275 / الجيش العرمرم / الاستقصا :8/160
انتقل بعد ذلك الشيخ الزوين إلى الموضع التي توجد به اليوم المدرسة والزاوية و كان عبارة عن غابة كثيفة موحشة خالية من أي ساكن فبدأ من الطلبة من أول يوم بإشارة منه في بناء بيوتهم أو أكواخهم على الأصح وبقي كلما ورد عليه طالب جديد بأن يبني بيته على غرار زملائه السابقين
كان عدد الطلبة في البداية قليلا ثم لم يلبث أن توافدت على المدرسة أعداد كبيرة من الراغبين في التلمذة للشيخ الزوين والأخذ عنه من جهات مختلفة من المغرب مما تضايق منه سكان القرية لأنهم كانوا يرفضون عيش الغريب بينهم لما ألفوه من خروج نسائهم إلى الحقول والبساتين لقضاء الحاجة أو التنزه ل دون أدنى حرج لما كان يربط السكان من روابط النسب والمصاهرة و المعرفة الضرورية القائمة على الاحترام والمراعاة
قال عنها العلامة محمد المختار السوسي هي" أكبر مدرسة في الحوز أسسها الشيخ زوين في أواسط القرن الماضي ( الثالث عشر الهجري ) وقد أخذ عن مدرسة البَعَريرفي هوارة سوس وعن الأستاذ التهامي اليبوري الحمري الشهير وقد زخرت العمارة في هذه المدرسة في صدر هذا القرن حتى ذكروا أن فيها سنة 1310 هـ اثنا عشر مائة وتوفي سيدي زوين 1311هـوخلفه ولده سيدي حامدثم سيدي العربي المتوفى في السنة الماضية ثم قام أبو الطيب اليوم مقام أهله و لا تشتغل المدرسة إلا بالقراءات العشر و لا درس فيه للفنون و قد طبقت شهرتها آفاق المغرب و تبعد عن مراكش بنحو 30كلمترات تقريبا وفي المدرسة اليوم نحو 200 "
وقال في المعسول عند ذكر مدرسة البعارير في ترجمة مؤسسها الطاهر ابن الحاج :" ... فكان من بركتها أن كان من بين المتخرجين منها الشيخ سيدي الزوين أستاذ القراءات ، اللذي أسس هناك بدوره مدرسته التي سارت مسير الأمثال "
و من آثار الشيخ الزوين الباقية في بهوارة في دوار البعارير دكانه الذي كان يسكن فيه إبان دراسته هناك و بقي يعرف بعده بحانوت سيدي الزوين
و قد حظيت مدرسة سيد الزوين بعناية فائقة من ملوك الدولة العلوية الشريفة، حيث كان تأسيس المدرسة بموافقة من السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام و زارها السلطان المولى الحسن الأول كما تقدم ، و خص كل من السلطان المولى يوسف وجلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه الزاوية بظهيرين شريفين الأول بتاريخ ربيع النبوي عام 1345 والثاني بتاريخ 13 رجب عام 1346 في موضوع إسدال أردية التوقير و الاحترام و جلابيب الإجلال و الإعظام و الحمل على كامل المبرة و الإكرام على زاوية الفقيه البركة الخير الصالح الشهير سيدي محمد الزوين الكائنة بالحوز
وأصدر جلالة المغفور له محمد الخامس ظهيرا شريفا ثانيا في حق زاوية سيد الزوين ومدرسته و إقرار حفيده الفقيه السيد بو الطيب بن الفقيه السيد العربي القائم بالزاوية بتاريخ : متم ذي القعدة عام 1367 الموافق لأكتوبر 1948
ونالت الزاوية و المدرسة عناية فائقة من جلالة المغفور الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه باعتبارها من بين المدارس القليلة في العالم الاسلامي التي تدرس القران بالقراءات السبع والعشر ، فقد زارها و تفقد أحوالها جلالته سنة 1987 م و مما لفت انتباه جلالته ضيق حوانيت الطلبة فأمر بإعادة بناء المدرسة و مساكن الطلبة
وفي سنة 1991 قام و لي العهد إذ ذاك أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس بتدشين المدرسة كما تؤرخ لذلك اللوحة الموجودة في الطريق إلى المدرسة :" بسم الله الرحمن الرحيم تفضل صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الجليل سيدي محمد يومه الأربعاء 07 ذي القعدة عام 1411 هـ موافق 22 ماي 1991 م بأمر من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله بتدشين مركب مدرسة سيدي الزوين القرآنية التي أعيد بناؤها ... هذا المقر الذي يعد مبرة من مبرات الدولة العلوية الشريفة وومعلمة تاريخية تنير الطريق أمام الأجيال الصاعدة للحفاظ على تراثنا الإسلامي ، و أصالتنا المغربية و مفخرة من المفاخر التي يمتاز بها العهد الحسني الزاهر " أسس بها يوم 22 ماي 1991 المركب القرآني الجديد الذي اصبح يولي اهتماما خاصا بكتاب الله تعالى حفظا وتعلما ، وذلك بمنهجية علمية حديثة تعتمد الموازنة بين التعليم العتيق والدراسة الحديثة
وتستمر عناية أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره بمدرسة سيد الزوين التي تعرف في عهده الزاهر تطورا نحو الأفضل باطراد
خاتمة : يتضح مما سبق الحديث عنه أهمية التعليم العتيق بالمملكة المغربية عموما وبجة مراكش على وجه الخصوص ما لهذا التعليم من إشعاع تتمثل في أمور كثيرة نشير إلى بعضها في هذه العجالة :
1 - العناية بالعلوم الشرعية والعربية
2 - الدفاع عن الثوابت الدينية وغرس التشبث بها في نفوس الناشئة
3 - الحرص على وحدة الأمة و حمايته من التفرقة والتشرذم كما رأينا في سلوك الشيخ الزوين
4 - التصدي لكل من يحاول المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية
5 - القيام بأدوار دينية واجتماعية كإصلاح ذات البين بين المتخاصمين من السكان
6 - تقريب المعرفة من المواطنين في أماكن سكناهم
7 - التربية على الزهد و مكارم الأخلاق و على السلوك القويم الموصل إلى الله تعالى وعلى المواظبة على الذكر و فعل الخيرات و تفريج الكربات و غير ذلك
مم د عزالدين المعيار الإدريسي