بسم الله الرحمن الرحيم
أوجب الإسلام على المرأة المعتدة من وفاة شيئين :
الأول : البقاء مدة العدة في البيت، الذي كانت تسكنه مع زوجها الراحل لقوله تعالى :{ لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ما لم يكن هناك مانع يحول بينها وبين ذلك
الثاني : الإحداد ويعني اجتناب كل ما يدعو الرجال إلى الرغبة في الاقتران بالمعتدة من وفاة من زينة وطيب إكراما لزوجها الراحل، و صيانة لنفسها من التعرض لمضايقات الرجال خلال هذه المدة، سدا للذريعة لمكان حفظ الأنساب .
و دليل الإحداد من القرآن الكريم قوله تعالى :{ و الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا } : و معنى التربص في الآية الكريمة بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :" لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تُحِد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا "
ويكون إحداد المعتدة من وفاة بترك الزينة الداعية الرجال إلى النساء، و منها الثياب التي يجوز لها أن تلبس منها ما تشاء ـ ما لم يكن ثوب زينة ،كما في حديث:" المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب ...
واستثنى الفقهاء من ذلك اللون الأسود، و كان الإمام مالك لا يكره لها لباسه، لكن بقيد أن لا يكون زينة أهل البلد، أو ما يزيد ناصعات البياض من المعتدات جاذبية وجمالا وقد قال الشاعر:
قـل للمليحة في الخمار الأسـود * * * مـاذا فعـــــــلت بـــناسك متعــــبد
قــــد كــــان شمر للصلاة ثيــ ـابه * * * حتى و قفــت لـــه بـــباب المسـجد
و يوجد في المذهب المالكي تردد بين الأسود و الأبيض يفضي إلى أن تترك المعتدة من وفاة لباس ما يُزَيَّنُ به من المصبوغات بخلاف هذين اللونين ذكره الحافظ ابن عبد البر في الكافي و علق عليه بقوله : والصواب أنه لا يجوز لها شيء تتزين به بياضا و لا غيره
و الظاهر أن اختيار المرأة المغربية المعتدة من وفاة لباس اللون الأبيض يرجع إلى تقاليد وعادات موروثة لا تختلف عما كان من عادة أهل الأندلس لبس البياض في الحزن على موتاهم قصداً لمخالفة العباسيين في لباسهم السواد، ومن ثم قال أبو الحسن الحصري:
إذا كانَ البياضُ لباسَ حزن ... بأندلسٍ فذاك من الصَّواب
ألم تَرنِي لبستُ بياضَ شَيبي ... لأني قد حَزِنت عل الشَّبَابِ
ثم ترسخ ذلك و اندمج مع الاختيارات المغربية في ارتباط بالثوابت الدينية حين أصبح اللباس الأبيض شعارا للدولة أخذا بقوله صلى الله عليه وسلم : البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ . و اقتداء بالإمام مالك في لباسه للون الأبيض و تفضيله له وقوله : أحب للقاريء أن يكون أبيض الثياب .
ثم كانت الدولة المغربية الوحيدة في العالم التي أصدرت مرسوما ملكيا ( ظهيرا ) عام 684 هـ = 1285 م يقضي باتخاذ الملابس البيضاء شعارا للدولة...
محمد عز الدين المعيار الإدريسي