طلعت علينا جريدة العلم الغراء في الأسابيع الاخيرة بإعلان من الأستاذ الزهراوي يعلن فيه أنه سيعرض خزانته للبيع بالمزاد العلني بمسجد بوكار بمدينة مراكش يوم الجمعة 06 جمادى الأولى 1398 / 14 أبريل 1978 بعد صلاة العصر
قرأت الإعلان المفاجيء فتألمت واستغربت كيف يقدم هذا العالم الجليل على بيع خزانته العامرة و هي الأنيس الوحيد الذي ظل يؤانسه في دروب الحياة الموحشة ؟
و تواردت على ذهني مجموعة من الخواطر و الأسئلة حول الدواعي الممكنة التي دفعت الأستاذ الزهراوي لبيع خزانته ؟
لا أحد يجهل مكانة أستاذنا العلمية فهو علم من أعلام الفكر و الثقافة الإسلامية في بلادنا ، عرفته كلية ابن يوسف و جامعة القرويين واحدا من أبرز رجالاتهما ، و يعرفه الطلاب و الأساتذة في كلية الدراسات العربية بمراكش و في دار الحديث الحسنية بالرباط أستاذا فذا وأبا متفانيا في حب أبنائه مهتما بشؤونهم.
هذا الشيخ الجليل عانى في حياته الكثير رغم ما أنفق من عمره المديد في سبيل إغناء العقول و الذود عن العقيدة الإسلامية ومجادلة خصومها
جاهد جهاد الأبطال و ترهبن للفكر و المعرفة و لم يشتغل بسوى ذلك من متاع الدنيا، ومع ذلك لم يلق إلا العقوق و النكران و في ذلك تكمن مأساته و هي مأساة أليمة يشعر بقساوتها كل من أخلص للعلم و المعرفة، ثم لم يجد من التقدير والاعتبار ما يرد إليعه الثقة في نفسه و يحثه على مواكبة السير ...
إن إعلان الأستاذ الزهراوي عن بيعه لخزانته لم يكن أمرا عاديا و لا مستساغا، ومن ثم استقبله كل الناس بصرف النظر عن المثقفين بكثير من الدهشة و الاستغراب !
- فلماذا يا ترى أخرج أستاذنا خزانته للبيع ؟
- هل هو في حاجة ماسة إلى ثمنها لينتفع به ؟
- أم انه انتهى منها بعد رفقة طويلة، فلم تعد لها قيمة في بيته ؟
- أم أن الأستاذ أراد التخلص من هذه البضاعة التي أشقته طويلا، أعطاها الكثير من وقته وصحته، و أعطته الحسرة والألم ؟
- إنها عملة غير صالحة في عصر اختلت فيه الموازين، أقول هذا و كأني بشيخنا الزهراوي يردد مع الإمام الغزالي :
غزلت لهم غزلا رقيقا و لم أجد . . . لغزلي نساجا فكسرت مغزلي
و مع المرحوم الدكتور زكي مبارك :" لو أنفقت نشاطي في الاتجار بالتراب لأصبحت من كبار الأغنياء ولكنني – بلا أسف – سأموت فقيرا لأنني أنفقت نشاطي في خدمة الأدب العربي "
- أم أن الأستاذ يعلن عن اعتزاله عالم المعرفة و الفكر كما يعتزل الملاكم البطل أو اللاعب الكبير رياضته بعد أن يكون قد بلغ الأوج ؟
كل هذه الخواطر و غيرها تدور بالخاطر امام هذا الموقف المذهل .
إن العقل لا يتصور أبدا أن يبيع لبرجل غذاءه الروحي بأي ثمن و لأي غرض، لكن الذي لاشك فيه هو أن وراء بيع الشيخ الحسن الزهراوي لخزانته سرا عميقا قد يدور بالخواطر وقد لا يدور و قد يبوح به عالمنا الكبير و قد لا يبوح
المهم هو أن الحادث يعطي إشارة الضوء الأصفر لرجال الفكر و الأدب، وطلاب المعرفة بصفة عامة، و للمهتمين بالعلوم الإسلامية و الفكر الإسلامي على وجه الخصوص لينبههم إلى الخطر الذي صار يهددهم و يهدد مستقبلهم إن لم يسارع المسؤولون إلى تصحيح المسار ليضمنوا للعلماء و المفكرين أسباب البيقاء و الاستمرار، و الأمل كبير في ذلك، في القريب العاجل .
هامش
1 - نشر هذا المقال بتاريخ : 25 جمادى الأولى 1398 = 03 ماي 1978 بجريدة العلم باسم مستعار كان شيخنا الزهراوي قد ظنه لأحد العلماء القريب اسمه من ذلك أو لعله قال ذلك على سبيل المجاملة، و لم تطل المدة بين نشر المقال وبين وفاته رحمه الله، فكان بعد ذلك الإفصاح عن اسمي الحقيقي في الكلمة التي نشرتها بصحيفة الميثاق لسان لرابطة علماء المغرب في ذلك العهد كما سيأتي نصها الكامل