بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن تفسير القرآن الكريم نشأ بين أحضان الحديث النبوي الشريف، وظل بعد ذلك - كالفقه - جزءا من الحديث إلى أن استقل علما قائم الذات، دون أن تنقطع وشائج الارتباط بينهما، كما تتمثل على الأقل في التفسير بالمأثور
ومن ثم كان من الطبيعي أن يكون التفسير النبوي أول تفسير للقرآن الكريم ، ونتساءل بعد الذي تقدم عما قام به علماء المسلمين من جهود في خدمة تفسير القرآن الكريم، فتطالعنا منذ أول خطوة في هذا السبيل تلك المقولة التي نقلها البدر الزركشي {ت794هـ} في كتابه " المنثور في القواعد الفقهية "دون أن يعين قائلها :" إن العوم ثلاثة : علم نضج و ما احترق و هو علم الأصول و النحو ، و علم لا نضج و لا احترق و هو علم البيان والتفسير وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث "
بقدر ما رفض عدد من العلماء و الباحثين هذه المقولة جملة وتفصيلا بقدر ما حاول عدد آخر من العلماء توجيهها بشكل يجعلها مقبولة
ينظر بعض الباحثين فيما يعنينا – هنا – إلى هذه المقولة بتفاؤل و أنها مما يذكي في المشتغلين بالتفسير والمهتمين به مزيدا من العمل الجاد للقيام بالواجب اتجاه هذا العلم الشريف ...
وفي هذا السياق جاء قول الدكتور صبحي الصالح رحمه الله :" لا يمكن أن ينضج ولا أن يحترق، لأنه - لتعلقه بكلام الله - سيظل محتملاً لألوان من التأويل لا تحصى عددًا، مع تصريح أصحابها في كل زمان ومكان بأنهم لم يصيبوا حقيقة المراد بكلام الله العليم الحكيم" ويشهد لهذه الحقيقة حديث علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله و هو حبل الله المتين و هو الذكر الحكيم و هو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به اظلهواء و لا تلتبس به به الألسنة و لا يشبع منه العلماء و لا يخلق على كثرة الرد و لا تنقضي عجائبه و لايخلق على كثرة الرد و لا تنثضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشدمن قال به صدِّق ومن عمل به أُجير ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"
والواقع أن مكتبة التفسير حافلة بكم هائل من التفاسير المتفاوتة من حيث القيمة والجدوى المختلفة من حيث المشارب والمذاهب و المآرب دون أن يدعي أحد أنه قال كلمة الفصل في تفسير كلام الله الذي يجل عن الإحاطة بما ينطوي عليه من حكم و أسرار ...
ويبقى التفسير مطروحا على الأجيال محتاجا للتفسير و البيان في كل عصر و أوان و ليس من الصواب فيما يبد الركون إلى مثل قول ابن عرفة{ ت 803 هـ} في مقدمة تفسيره بأن حكم التفسير : " أنه فرض كفاية ، وهو الآن ساقط لحصوله في الكتب ، وقام به جمع كثير " بل لابد من مواصلة اشتغال طائفة من العلماء بهذا الشأن
وقد كانت لأمتنا في هذا البلد الأمين المغرب الأقصى وما زالت تفاسير تستحق منا كل عناية واهتمام