بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

دخول صحيح الإمام مسلم الى المغرب وجهود علماء المغرب في خدمته و التأليف حوله

تاريخ نشر المقال 07-01-24 01:17:24

    بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
تعتبر - في الوقت الراهن- العناية بصحيح الإمام مسلم، عناية بصحيح الإمام البخاري وتقوية لجبهة الدفاع عنه ضد خصوم السنة النبوية من روافض وعلمانيين بفتح العين ، وتجدر الإشارة إلى أنه قبل ثلاثة و أربعين عاما مضت، أحيت المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة – الإيسيسكو ، ذكرى مرور ألف ومائتي عام على ولادة الإمام مسلم {206 - 1406 هـ} و أقامت بالمناسبة في المغرب ندوة علمية بتعاون مع دار الحديث الحسنية بالرباط، ولم يفت كلية اللغة العربية بمراكش - في ذلك الوقت - أن تنظم ندوة علمية حافلة بالمناسبة ، جمعت مداخلاتها في كراسة - عندي نسخة منها - تستحق النشر ...
وبعد فيأتي هذا الموضوع في ثلاثة محاور كالتالي :
أولا - دخول صحيح الإمام مسلم إلى المغرب :
أول ما دخل إلى بلاد الغرب الإسلامي من كتب الحديث - كما هو معلوم - هو موطأ الأمام مالك {ت179هـ} أدخله تلامذته في حياته كما دخل معه جامع سفيان الثوري {ت157 هـ} ثم دخل كما ذكر ابن خير في فهرسته كتاب سنن أبي داود السجستاني {ت 275 هـ} ثم دخل الصحيحان في وقت متقارب مع سبق صحيح مسلم في الدخول
و كما لا يخفى فقد -دخل صحيح مسلم إلى المغرب من خلال روايتين : روايةِ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري {ت308هـ} و رواية أبي محمد بن علي القلانسي ، أدخله عدد من الراحلين من المغرب الى المشرق لعل أقدمهم مسلمة بن القاسم {ت 340هـ} ومنهم أحمد بن فتح ابن الرسان القرطبي {ت403هـ} رحل ولقي بمصر حمزة بن محمد الكناني الحافظ {ت357هـ} و غيره و روى عن أبي العلاء بن ماهان صحيح مسلم، واشتهر الحافظ أبو عبد الله محمد ابن الحذاء القرطبي {ت416هـ} بإدخال صحيح مسلم واعتمدت روايته عند المحدثين,
قال الحافظ ابن الصلاح : و أما القلانسي فهو أبو محمد أحمد بن علي بن الحسين بن المغيرة بن عبد الرحمن القلانسي و قعت بروايته عن مسلم عند المغاربة و لم أجد له ذكرا عند غيرهم ، دخلت روايته إليهم من مصر علي يدي من رحل منهم إلى جهة المشرق كأبي عبد الله محمد بن يحيى الحذاء التميمي القرطبي و غيره
وكان ابن الحذاء قد رحل حوالي 370 هـ وحج سنة 372 ، لقي أبا العلاء عبد الوهاب بن ماهان بمصر، فسمع منه صحيح مسلم،
قال ابن عطية في فهرسته : سمعت أبا عمر ابن الحذاء يقول : سمعت أبي يقول :أخبرني ثقات من أهل مصر أن أبا الحسن الدارقطني كتب إلى أهل مصر أن اكتبوا عن أبي العلاء بن ماهان كتاب مسلم الصحيح و وصف أبا العلاء بالثقة والتمييز "
وفي كلام الدارقطني هذا كما هو واضح توثيق لابن ماهان والأشقر والقلانسي جميعا هذا الأخير الذي لم يحظ - للأسف الشديد بالعناية اللائقة في الوقت المناسب فلم تكتب له ترجمة وافية تعرف به، فأهم ما بين أيدي الباحثين عنه هو ما ذكره ابن الصلاح، و ما نجده عند السمعاني في كتاب الأنساب في سياق ترجمته لتلميذه أبي بكر أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم الأشقر النيسابوري شيخ أهل الكلام في عصره بنيسابور من أهل الصدق في رواية الحديث، قال :"سمع المسند الصحيح من أحمد بن علي القلانسي ورواه، وهو أحسن راوية لذلك الكتاب، وأنهم ثقات، وتوفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وثلاث مئة."
و هذا كله يدعو إلى مزيد من البحث لإقامة ترجمة متكاملة لهذا الرجل الذي تفرد أهل المغرب بروايتة لصحيح الإمام مسلم
و كما عرف المغاربة دخول صحيح مسلم عن طريق الرواية بالأسانيد المتصلة عرفوه
- كما دخل صحيح مسلم مرويا بالأسانيد المتصلة دخل مسطورا في نسخ خطية نفيسة منها نسخ الأمير المرابطي أبي عمر ميمون بن ياسين اللمتوني {ت530هـ} رحل إلى المشرق وحج و أخذ بمكة عن أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري صحيح مسلم وقد كان عدد من الأندلسيين الذين حجوا قبل ميمون بن ياسين سمعوا عليه صحيح مسلم استخرج أستاذنا الراحل الدكتور محمد بن شريفة رحمه الله أسماء بعضهم من مختلف المصادر
قال ابن عبد الملك عن ميمون بن ياسين:"... حج و أخذ بمكة شرفها الله عن أبي عبد الله الطبري و مما أخذ عنه صحيح مسلم بقراءة محمد بن هبة الله ( بن مميل) الدمشقي في مجالس بتاريخ ثلاث بقين من شوال سبع وتسعين و أربعمائة( في نسخة سَفَرية) عدة ورقها مائة ورقة وثلاث وسبعون ورقة ( في كل صفح) منها خمسون سطرا بخط المتقن البارع أبي عبد الله مالك بن يحيى بن أحمد ابن وهيب، و باقتراح أبي عمر المذكور نسخها كذلك عليه في نسخة أصغر منها قصد بها تخفيف محملها للرحلة والإغراب بها وإنها لمن أغرب ما رأيت من نسخ صحيح مسلم و أشرفه ... وابتاع أبو عمر أيضا هناك نسخة أخرى مشرقية الخط من صحيح مسلم مجزأة تسعة و عشرين جزءا تجمعها ستة مجلدات، سمع فيها أيضا على الطبري وقفت عليها"
كما عرف المغرب نسخا غابة في الضبط و الإتقان منها نسخة أبي عمران موسى بن سعادة{ت 522هـ} وذكر ابن الأبار أنه " انتسخ صحيحي البخاري ومسلم بخطه، وسمعهما على صهره أبي علي و كانا أصلين لا يكاد يوجد في الصحة مثلهما "...
ومنها نسخة ابن خير اللمتوني الفاسي الإشبيلي{ت 575 هـ } الذي قال عنه محمد الصغير الفاسي في المنح البادية: "هو صاحب النسخة المعتمدة عندنا " وكانت كتبه وأصوله كما قال ابن عبد الملك المراكشي :"في غاية الصحة و نهاية الإتقان ، لتهممه بمقابلتها وعكوفه على تصحيحها مؤيدا على ذلك بحسن الخط و إتقان التقييد و الضبط اللذين برز فيهما على متقدمي الأكابر من مشاهير أهلهما ..."
و اعتنى الحافظ ابو الحسن ابن القطان{ ت 628هـ} بصحيح مسلم عناية فائقة ذكر ابن عبد الملك في الذيل و التكملة أنه :" كتب بخطه على ضعفه الكثير، وعني بخدمة كتب بلغ فيها الغاية، منها نسخة بخطه من صحيح مسلم "
ومن أقدم النسخ المخطوطة بالمغرب من صحيح مسلم نسخة بالخزانة الحسنية كان نسخها بتاريخ 12 صفر562هـ} 254 ورقة مبتورة الأول بمقدار وجه ورقة ونيف وتامة الأخير مصححة وعليها طرر مفيدة بقلم ناسخها السيد أحمد بن يوسف بن عبد العزيز بن محمد بن رشد القيسي
و من النسخ المغربية القديمة من صحيح مسلم في الخزائن المغربية نسخة خزانة القرويين بفاس انتسخت بتاريخ شعبان 573هـ بخط أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عفير الأموي اللبلي و توجد بالخزانة الحسنية وحدها من النسخ المخطوطة من صحيح مسلم 48 نسخة
ومن مظاهر عناية المغرب بهذا الشأن اهتمام المرأة إلى جانب الرجل بصحيح مسلم كفاطمة بنت أبي القاسم الأنصاري الشراط التي قابلت مع أبيها صحيح مسلم كما ذكر ابن عبد الملك
المحور الثاني - من مظاهر عناية المغاربة بصحيح مسلم
من مظاهر عناية المغاربة بصحيح مسلم أن ملوك الموحدين كانوا يحملون في حروبهم و أسفارهم المصحف العثماني على جمل ضخم يسمى جمل المصحف و قد جعل في قبة حرير مرتفعة وأعلاها جامور محكم الصنعة و خلف الجمل بغل فاره محلى عليه مصحف يقال إنه بخط ابن تومرت دون مصحف عثمان في الحجم ويتبعه بغل آخر فاره يحمل ربعة كبيرة مربعة الشكل و قد غشيت بحرير وضمنت الموطأ و الصحيحين وسنني أبي داود و النسائي وجامع الترمذي
و من مظاهر هذه العناية ما كان لصحيح مسلم بالمغرب من مجالي لتدريسه في الدور و المساجد و غيرها من الأماكن كمجلس أبي القاسم خلف بن عمر التجيبي ابن أخي أبي الوليد الباجي{توفي بعد الخمسمئة للهجرة } استوطن أغمات، و ولي قضاءها، سمع بها من ابن الصيقل صحيح الإمام مسلم بأغمات و كانت له فيه دروس بأغمات يحضرها شيخه المذكور ابن الصيقل
كما اهتمت المرأة المغربية كأخيها الرجل بصحيح مسلم كفاطمة بنت أبي القاسم الأنصاري الشراط التي قابلت مع أبيها صحيح مسلم
و من المعروف أن عناية المغاربة بصحيح مسلم بلغت درجة أن فضله بعضهم على كتاب البخاري من غير الصحيح بل منهم من فضله عليه مطلقا و هذا لا يصح و لن أطيل في هذا الموضوع بإيراد ما قيل في ذلك شعرا و نثرا، و أكتفي - هنا - بجزء من كلام النووي على ذلك في مقدمة شرحه لصحيح مسلم قال :" كتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد و معارف ظاهرة و غامضة، و قد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، و يعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث ، و هذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير و أ؟هل الإتقان و الحذق و الغوص على أسرار الحديث ."
و لعل من أسباب هذا التفضيل أيضا ما ورد في صحيح مسلم من أحاديث جاء فيها ذكر لفظ الغرب أو المغرب
قال القاضي عياض في الشفا :" ذهب ابن المديني إلى أنهم العرب لأنهم المختصون بالسقي بالغَرْب - وهي الدلو - وغيره يذهب إلى أنهم أهل المغرب و قد ورد المغرب كذا في الحديث بمعناه " كحديث " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " و حديث نافع بن عتبة قال :" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف " الحديث... وحديث " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " الحديث و قد اهتم بهذه الأحاديث و شرحها أبو العباس القرطبي في المفهم في اعتدال تام دون تعصب أو تأويل بعيد ... فقال عن الحديث الأول :" إن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو الشام وآخره حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى و ما بينهما كل ذلك يقال عليه مغرب فهل أراد المغرب كله أو أوله؟ كل ذلك محتمل "
و قال عن الحديث الأخير:" كان ذلك من دلائل نبوته، و ذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب ..."
أما الحديث الثاني فاستدل به بعض القائلين من المغاربة بصحبة رجال رجراجة على وصولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم و لا يصح في ذلك شيء
وقد عبر عن هذا السبب للتفضيل العلامة السيد محمد المدني بن الحسني حين قال:
فليس تزال طائفة بغـــرب . . . بفضل الله قائمة السنام
كما جاء الحديث بذا صريحا . . . عن المختار مولانا التهامي
فمسلم في الصحيح روى فأضحى . . . صحيحا عندنا دون اتهام
نعم عرف العصر الموحدي عناية خاصة بصحيح مسلم و كان من بين ما أُمِروا بقراءته وحفظه صحيح مسلم. ومن الأدلة لنفاق علم الحديث في هذا العهد قصة امتحان ابن عات ببيت الطلبة بمراكش في أحاديث بأسانيد ذكروها له حولوا متونها، فأعاد الأمور إلى نصابها ، فإنها تدل بدورها على عناية القوم بالحديث، وامتحان الواردين عليهم من أهله، ولقد كان من أثر هذه النهضة أن ظهر بالمغرب محدثون كبار "
وعن المقَّري في "نفح الطِّيب" 2(/602): عن أبي عمر ابن عات، وهو أحمد بن هارون بن عات النَّفْزي، حُكِي أنَّه حضَر في جماعةٍ مِن طلبة العِلم لسماع السِّير على بعضِ شيوخهم، فغاب الكتابُ أو القارئ بكِتابه، فقال أبو عمر: أنا أقرأُ لكم، فقرأ لهم مِن حِفْظه، وقال أبو عمر عامر بن نذير: لازمتُه مُدَّة سِتَّة أشهر، فلم أرَ أحفظَ منه، وحضرت إسماع الموطأ وصحيح البخاري منه، فكان يقرأ من كلِّ واحد مِن الكتابَيْن نحوَ عشر أوراق عرضًا بلَفْظه كلَّ يوم عقِب صلاة الصُّبح، لا يتوقَّف في شيءٍ مِن ذلك. اهـ.
وكان ابن دحية الكلبي {ت633هـ} يقول إنه حفظ صحيح مسلم كله ، و قد امتحن علماء مصر حفظه ففعلوا به مثل ما فعل الموحدون لابن عات حيث ذكرول له أحاديث بأسانيدحولوا متونها فأعاد المتون المحولة ثم ذكر الأحاديث على ماهي من متونها الأصلية.
و في العصر المريني عاش أعلام كبار من علماء الحديث كابن رشيد السبتي {721هـ} صاحب "ترجمان التراجم" حول صحيح البخاري و"إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح" و" السَّنَن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين البخاري ومسلم في السند المعنعن" انتصر فيه للإمام البخاري وهي إشارة لبداية مرحلة جديدة في تاريخ الصحيحين بالمغرب حيث شاع من قبل تفضيل مسلم على البخاري ...
مؤلفات مغربية حول صحيح الإمام مسلم :
للمغاربة علي صحيح الإمام مسلم مؤلفات كثيرة من شروحهم لها التي سيرد الحديث عن بعضها في بعض مداخلات السادة الأساتذة وفق ما هو مسطر في برنامج الندوة و هناك مؤلفات أخرى لا تقل عنها أهمية سجلت عددا كبيرا منها لا يتسع المجال لذكر وسأكتفي في هذه المشاركة على ثلاثة منها لثلاثة شخصيات علمية بارزة هم حسب وفياتهم المهدي بن تومرت مهدي الموحدين ، و أبو الحكم ابن برجان، و أبو الفضل عياض و سأقتصر على الإشارة الخفيفة إلى الأول والثالث على أن توسع قليلا في الثاني
أولا - المهدي بن تومرت {ت524 هـ} من مؤلفاته مختصر صحيح مسلم وهو عبارة عن صحيح الإمام مسلم محذوف الأسانيد ، لعله كان إملاء منه للصحيح على أصحابه ، تركيزا لمنهجه في الرجوع إلى الأصلين القرآن و السنة يوجد منه نسخة بمكتبة ابن يوسف بمدينة مراكش رقم 403 باسم " تلخيص كتاب مسلم " ، و توجد نسخة أخرى بمكتبة شيستربيتي في إيرلندا قم 4164 في ترجمة أبي جعفر أحمد بن عتيق بن الحسن بن زياد المعروف بالذهبي {ت601 هـ} أن من تآليفه كتاب الإعلام بفوائد مسلم للمهدي الإمام وقال :"... و نال بخدمة السلطان دنيا عريضة، و رأس نظراءه من الطلبة " قال الأستاذ محمد المنوني كان مختصر صحيح مسلم بين مؤلفات ابن تومرت التي يحللها الشيوخ لتلاميذ الموحدين ، حيث قد يستنتج هذا من اسم مؤلف بعنوان " كتاب الإعلام بفوائد مسلم للمهدي الإمام "تأليف أبي جعفر الذهبي مزوار الطلبة..."
ثانيا - القاضي أبو الفضل عياض {ت544ه} من أهم مؤلفاته كتاب"مشارق الأنوار على صحاح الآثار" الذي طارت شهرته في الآفاق حتى قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح:
مشارقُ أنوار تسنَّت بسبتةِ . . . وذا عجبٌ كونٌ المشارق بالغربِ
والكتاب كما هو معروف في شرح غريب الحديث الوارد في الموطأ للإمام مالك وفي صحيحي الإمامين البخاري ومسلم وضبط الألفاظ و التنبيه على مواقع الأوهام والتصحيفات وضبط أسماء الرجال وهو كتاب كما قال ابن فرحون :"لو كتب بالذهب أو وزن بالجوهر لكان قليلا في حقه" من حيث الأسماء و الألقاب و مبهم الكنى و الأنساب وكذلك ما أشكل من أسماء الأماكن و البلدان مرتبا مواد الكتاب وفق ترتيب المعجمية المغربي قال القاضي عياض بعد أن رأى مسيس الحاجة إلى هذا الكتاب :" أجمعت على تحصيل ما وقع من ذلك في الأمهات الثلاث الجامعة لصحيح الآثار التي أجمع على تقديمها في الأعصار وقبلها العلماء في سائر الأمصار كتب الأئمة الثلاثة "الموطأ" لأبي عبد الله مالك بن أنس المدني. و"الجامع الصحيح" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. و"المسند الصحيح" لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري؛ إذ هي أصول كل أصل ومنتهى كل عمل في هذا الباب" الخ
" ... ولم يؤلَّف في هذا الشأن كتاب مفرد تقلد عهده ما ذكرناه على أحد هذه الكتب أو غيرها إلا ما صنعه الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في "تصحيف المحدّثين", وأكثره مما ليس في هذه الكتب وما صنعه الإمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف, وإلا نكتاً مفترِّقة وقعت أثناء شروحها لغير واحد لو جمعت لم تشف غليلاً ولم تبلغ من البغية إلا قليلا.
وإلا ما جمع الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد الغسَّاني شيخنا رحمه الله في كتابه المسمى "بتقييد المهمل" فإنه تقصَّى فيه أكثر ما اشتمل عليه الصحيحان وقيّده أحسن تقييد وبينه غاية البيان وجوَّده نهاية التجويد لكن اقتصر على ما يتعلّق بالأسماء والكنى والأنساب وألقاب الرجال دون ما في المتون من تغيير وتصحيف وإشكال, وإن كان قد شذَّ عليه من الكتابين أسماء واستدركتُ عليه فيما ذكر أشياء فالإحاطة بيد من يعلم ما في الأرض والسماء.. اختصره ابن قرقول في كتاب مشهور نقل عنه الشراح كثيراً, واسمه: "مطالع الأنوار على صحاح الأخبار".
و قد نشر كتاب المشارق بالمغرب في المطبعة المولوية بفاس في سفرين الأول عام 1328 هـ = 1910م في 405 صفحة و الثاني عام 1329 هـ = 1911م في 408 صفحة عدا الفهارس
وطبعته في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب سنة 1982م, في جزءين بتحقيق (البلعشمي أحمد يكن ).رحمه الله
طبع ونشر المكتبة العتيقة ، تونس ، دار التراث القاهرة .
وطبع في المطبعة المنيرية. وفي دار الفكر بيروت1997 في مجلدين.
و قد جاء اختياره في هذه المشاركة بالإضافة إلى تفرده و سموقه في موضوعه لتناوله للموطأ مع الصحيحين باعتبار الإمام مالك أول من ألف في الصحيح المجرد و البخاري - كما هو معلوم - كان أول ما يستفتح الباب بحديث مالك، و إذا وجد حديثا يؤثر عن مالك لا يكاد يعدل به الى غيره، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية
والذي ذهب إليه الجمهور قديما و حديثا هو أن الموطأ يأتي من حيث الرتبة بعد صحيحي البخاري و مسلم لا يستثنى من ذلك إلا القليل كأبي الحسن ابن القطان {ت 628هـ} الذي كان لا يعتبر الموطأ من الصحاح و لا يضعه في مرتبة الصحيحين لعله تأثر في ذلك بأبي محمد ابن حزم {ت456هـ} الذي كان يجعل الموطأ في المراتب الأخيرة وشذ حديثا سليم بن عيد الهلالي فقسم الموطأ إلى قسمين : كتاب كبير بعنوان صحيح الموطأ ( في 881 صفحة) و كتاب صغير باسم "ضعيف الموطأ" في ( 204 صفحة )
و إلا فإن الأمر كما قال طاش كبري زادة" إن السلف و الخلف ، قد أطبقوا قاطبة على أن أصح الكتب بعد كتاب الله، صحيح البخاري ثم صحيح مسلم ثم الموطأ ثم بقية الكتب الستة"
المحور الثالث - الإرشاد الهادي إلى التوفيق و السداد لابن بَرَّجان
التعريف بالمؤلف : هو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال ابن برجان الإشبيلي المراكشي الإفريقي {ت536هـ} ويبدو أن ابن الأبار لاختلط عليه الأمر حين قال إن اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي الرجال يعرف بابن برجان ويكنى أبا الحكم و أبو الرجال هو الداخل إلى الأندلس في إمارة المعتضد عباد بن محمد
وعاد فترجم لشخص آخر باسم : عبد الرحمن بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال يكنى أبا الحكم و يعرف بابن برجان وجده هو المذكور قبل هذا {ت 627 هـ}
و في المقتطفات التالية من رسائل ابن العريف صاحبه و إن شئت قلت مريده وتلميذه إليه ما يدل على مكانة ابن برجان بين أقرنه :
يقول ابن العريف : " الفقيه الفاضل أبو الحكم كبيري "..." الله ولي الشيخ الفاضل الإمام أبي الحكم وحافظه من البرية " ..." شكايتي التي شكوتها إلى الشيخ الإمام" ..." فأرغب أن لا أخلو من بال الشيخ و دعائه في توبة صالحة صادقة " ..." فتح الله لي في مبرتك ، ونفعني بمعرفتك ومحبتك برحمته "... " الله ولي الفقيه الإمام أبي الحكم شيخي وكبيري "..." اللهم صِل حقيقة وجود الشيخ إمامي و كبيري، بوجود حقيقة المعرفة بك والتعرف منك ، و اجعله لمعالم طهارات النفوس زماما ، و لأعلام الهدايات إماما ، وبارك به وعليه بالبركة التي بدايتها من محمد صلوات الله عليه، و نهاياتها إليه ، كان من همي أن يصل كتاب الشيخ واحدي نظرا، ومتقدمي تسليما و معتبرا"... "وأنت يا إمامي، بحرمة الشيب اذكرني، إذا رقدت عند من له رقدت، أحبَّك الذي أحببتني له "
وقال أبو عبد الله ابن الأبار {ت658 هـ} عن ابن برجان : كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث ، والتحقيق بعلم الكلام والتصوف ، مع الزهد والاجتهاد في العبادة، وله تصانيف مفيدة "
و قال ابن الزبير :"كان – رحمه الله - من أجل رجال المغرب ، إماما في علم الكلام و لغات العرب و الأدب عارفا بالتأويل و التفسير ، نحويا بارعا، نقادا ماهرا ،إماما في كل ما ذكر، لا يماثل بقرين، مشاركا في علم الحساب والهندسة ، قد أخذ من كل علم بأوفر حظ، مؤثرا لطريقة التصوف وعلم الباطن، متصرفا في ذلك، عارفا بمذاهب الناس، متقيدا في نظره بظواهره الكتاب والسنة، ... شديد التمسك بالكتاب والسنة، جاريا في تأويل ذلك على طريق السلف وعلماء المسلمين، و ما عليه السواد الأعظم ... "
وحلاه الحافظ الذهبي في السير بـ : " الشيخ الإمام العارف القدوة شيخ الصوفية" وبعد أن نقل ما حلاه به ابن الأبار من أوصاف قال في آخر الترجمة :" توفي مغربا عن وطنه بمراكش في سنة ست وثلاثين وخمسمئة وقبره بإزاء قبر الزاهد الكبير أبي العباس بن العريف .: أُخِذ هذان ، وغربا ، واعتقلا، توهم ابن تاشفين أن يثورا (ص73) عليه كما فعل ابن تومرت".(ص74)
محنته و نهايته
قال التادلي : " و لما أشخص أبو الحكم ابن بَرَّجان من قرطبة إلى حاضرة مراكش، سئل عن مسائل عيبت عليه، فأخرجها على ما تحتمله من التأويل. فانفصل عما ألزمه من النقد، وقال أبو الحكم: "والله لا عشت ولا عاش الذي أشخصني بعد موتي. يعني السلطان. فمات أبو الحكم. فأمر السلطان أن يطرح على المزبلة، ولا يصلى عليه، وقلد من تكلم فيه من الفقهاء فدخل على ابن حرزهم - أبو الحسن علي بن حرزهم - رجل أسود كان يخدمه و يحضر مجلسه فأخبر أبا الحسن بما أمر به السلطان في شأن أبي الحكم فقال له أبو الحسن :إن كنت تبيع نفسك من الله فافعل ما أقول لك، فقال له: مرني بما شئت أفعله ، فقال له : تنادي في أسواق مراكش وطرقها : يقول لكم ابن حرزهم: احضروا جنازة الشيخ الفاضل الفقيه الزاهد أبي الحكم بن برجان و من قدر على حضورها و لم يحضر فعليه لعنة الله ففعل ما أمره به، فبلغ ذلك السلطان فقال: من عرف فضله و لم يحضر جنازته فعليه لعنة الله"
مؤلفات ابن برجان :
- التفسير المسمى :"تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم و تعرف الآيات و النبأ العظيم "و هو مطبوع وفيه تحدث عن فتح بيت المقدس ...
ثالثا – ترجع صلتي بتفسير ابن برجان وتطلعي للوقوف عليه، إلى أوائل التسعينيات عندما كنت أدرس مادة إعجاز القرآن مع طلبة سنة الإجازة بكلية اللغة العربية بمراكش، وفي غمرة البحث عن نص من التراث في الإعجاز الغيبي ساقتني في صلة الصلة لابن الزير قال فيه إن أبا زكرياء يحيى بن أبي الحجاج "ت590هـ} " استخرج من تفسير أبي الحكم ابن برجان من كلامه على سورة {الم غلبت الروم } فتح بيت المقدس في الوقت الذي فتح فيه على المسلمين و حقق وعين ما كان أغمض فيه ابن برجان و أبهم، ووقف المنصور – الموحدي – فبقي مرتقبا له و معتنيا في نفسه به، حتى كان ذلك على حسب ما قاله ، فأمر أن يحضر مجلسه ، و يرتسم في جملة طلبته "
و وقع في المشرق ما يشبه ذلك لأبي المعالي محيي الدين بن زكي الدين الدمشقي الشافعي {ت598هـ} قال ابن خلكان : " كانت له عند السلطان صلاح الدين رحمه الله المنزلة العالية، و المكانة المكينة ، و لما فتح السلطان المذكور مدينة حلب ، يوم السبت ثامن عشر صفر، سنة تسع و سبعين و خمسمائة أنشده القاضي محيي الدين المذكور قصيدة بائية أجاد فيه كل الإجادة، وكان من جملتها بيت هو متداول بين الناس و هو :
وفتحك القلعة الشهباء في صفر . . . مبشر بفتوح القدس في رجب (وفيات الأعيان :4/ 229) فكان كما قال لأن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و خمسمائة ، وقيل لمحيي الدين من أين لك هذا ؟ فقال : أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى :{الم غلبت الروم في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}
وشاء الله أن أقف بعد ذلك على تفسير ابن برجان فوجدته يقول: " قول الله جل ذكره {غلبت الروم } هو إخبار و بشارة منه عن التقدير المقدر لظهور الكائن ، فكان ذلك زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلبهم على بلاد الشام واستخرج بيت المقدس عن أيديهم ..."
" ثم قال عز من قائل:{وهم} يعني : الروم {من بعد غلبهم سيغلبون } أي أنهم غُلبوا ثم هم يَغْلبون و من بعد غلبهم هذا سيغلبون ..." ثم ذكر أنه بعد الغلبة الأولى منهم لنا في تلك الأرض هي المقابلة لغلبة الصحابة داخل تسعة و أربعين أو خمسين أسبوعا ، و سبع أسابيع في مثلها ... ثم كانت للمسلمين كرة فانتزعوا عن أيديهم ما كانوا أخذوه و استولوا على جل بلاد أرمينية، ثم أديلوا بغلبة ثانية عام تسعة و ثمانين و أرعمئة فغلبوا على أرض الشامكلها و على بيت المقدس، وذلك عند آخر السنة السادسة التي هي ألف شهر من شهور العرب / يتبع في تفسير ابن برجان : 4/324 -352 - شرح أسماء الله الحسنى و هو أيضا مطبوع
الإرشاد الهادي إلى التوفيق و السداد:
كانت غاية ابن برجان من وراء تأليف هذا الكتاب، استخراجَ معاني أحاديث صحيحة من القرآن الكريم، و قد سار فيه على طريق الصوفية
قال الأستاذ المنوني : يوجد منه نسخة مخطوطة بمكتبة فيض الله باستنبول 35 من الأول إلى آخر سورة النصر و قال محقق تذكرة القرطبي منه نسخة مخطوطة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة النبوية برقم 7292 فلم في حين يقول الدكتورعبد السميع الأنيس :" مما يؤسف له أن هذا الكتاب المهم مفقود فلم أعثر على نسخة منه رغم تتبعي له و بحثي عنهن وسؤالي العارفين بأهميته"
و يكشف عن توافق الحديث النبوي مع القرآن.
و تأتي أهميته في وقت تتعرض فيه السنة النبوية لألوان من الطعن و التشكيك في ثبوتها وفي حجيتها لأنه يعد لونا من ألوان توثيق السنة النبوية عن طريق الكشف عن ارتباط معانيها بالقرآن الكريم.، و يرد على من يطعن في السنة النبوية و يشكك فيها،كما أنه مهم جدا في تربية الأمة على استنباط المعاني من كتاب الله تعالى و ربطهم به.
وفيما يلي ذكر بعض الكتب التي نقلت عنه أو أشارت إليه مرتبة حسب وفيات أصحابها:
1 - كتاب التذكرة بأحوال الموتى و أمور الآخرة لأبي عبد الله القرطبي المفسر {ت671هـ } : في سياق شرح حديث جابر في صحيح مسلم و هو حديث طويل " وفي آخره فقال - رسول الله صلى الله عليه وسلم- : إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفَّه عنهما ما دام الغصنان رطبين" ففي هذا الحديث زيادة على رطوبة الغصن و هي شفاعته صلى الله عليه و سلم " ... وقد خرج أبو داود الطيالسي حديث ابن عباس أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على قبرين فقال :إنهما ليعذبان في كبير....ثم قيل يجوز أن يكونا كافرين ... و لو كانا مومنين لعلما لقرب العهد بتدافن المسلمين يومئذ قاله ابن برجان في كتاب الإرشاد الهادي إلى التوفيق والسداد " قلت : و الأظهر أنهما كالنا مؤمنين و هو ظاهر الأحاديث و الله أعلم"
قال أبو محمد عبد الحق {ت 581 هـ}: حدثني الفقيه أبو الحكم ابن برجان و كان من أهل العلم و العمل رحمه الله : إنهم دفنوا ميتا بقريتهم من شرق إشبيلية ، فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدثون ، ودابة ترعى قريبا منهم فإذا الدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع إلى نهاية الحكاية ... قال أبو الحكم رحمه الله فذكرت عذاب القبر و قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم " و الله عز وجل أعلم بما كان من أمر ذلك الميت، ذكر هذه الحكاية لما قرأ القاريء هذا الحديث في عذاب القبر و نحن إذ ذاك نسمع عليه كتاب مسلم بن الحجاج رضي الله عنه "
22 - صلة الصلة لابن الزبير الغرناطي {ت 708 هـ} قال إن ابن برجان قصد في هذا الكتاب " إلى استخراج أحاديث صحيح مسلم بن الحجاج من كتاب الله تعالى فتارة يريك الحديث من نص آية ، وتارة من فحواها ومفهومها ،وتارة من إشارتها أو من مجموع آيتين مؤتلفتين أو مفترقتين ، ومن عدة آيات إلى أشباه هذه المآخذ»حتى وفى كتابه بالمقصد المذكور بما عليه احتوى ، و أراك عيانا قوله سبحانه في نبيه عليه الصلاة والسلام { وما ينطق عن الهوى } "
3 - كتاب الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي { ت790 هـ } حيث يقول عن هذا الصنيع :" و لقد رام بعض الناس فتح هذا الباب الذي شرع في التنبيه عليه فلم يُوفِ به إلا على التكلف المذكور ، و الرجوعِ إلى المآخذ الأُوَل في مواضع كثيرة ، لم يتأت له فيها نَصٌّ و لا إشارةٌ، إلى خصوصات ما ورد في السنة ، فكان ذلك نازلا بقصده الذي قصد .
و هذا الرجل المشار إليه لم ينصب نفسه في هذا المقام إلا لاستخراج معاني الأحاديث التي خرج مسلم بن الحجاج في كتابه " المسند الصحيح " دون ما سواها ، مما نقله الأيمة سواه، و هو من غرائب المعاني المصنفة في علوم القرآن و الحديث..."
يبدو أن أبا إسحاق الشاطبي تعمد عدم ذكر اسم هذا الرجل بدليل ذكره موضوع كتابه القائم على استخراج معاني الأحاديث التي خرج مسلم بن الحجاج في كتابه المسند الصحيح
قبل مناقشة الإمام الشاطبي فيما قاله أشير الى أن" هذا الرجل " " بعض الناس" في كتاب الموافقات مر عليها عبد الله دراز رحمه الله في تحقيقه له مرور الكرام في علق مشهور حسن آل سلمان في تحقيقه للكتاب على ذلك بقوله :"ليت المصنف أشار الى اسم هذا المؤلف ليمكن العثور على ما صنعه إذ أنه مبحث جدير بالاهتمام و هو كلام وجيه، وعلق زميلنا الدكتور الحسين آيت سعيد في تحقيقه للموافقات على ذلك تعليق يفيد أنه كاد يضع يده على الحقيقة كما يستفاد من تعليقه على قول الشاطبي :"و لقد رام بعض الناس " حيث قال: " لم يتبين لي الى الآن - بعد التتبع - من المقصود بقوله "ببعض الناس"و غالب الظن أنه أندلسي، و لا زال البحث عنه جاريا، حتى ييسر الله الاطلاع عليه، و قد وقع نحو هذا لابن برجان - ينظر البحر المحيط لأبي حيان :4/166 وها نحن نختصر الطريق على الزميل الكريم باليقين الذي لا يدع مجالا للظن ...
و قد ناقش الأمام الشاطبي فيما انتقده على ابن برجان الدكتور عبد الخالق في كتابه حجية السنة بما لا يتسع له المجال هنا و يمكن الرجوع إلي في محله من الكتاب المذكور
وقال بدر الدين الزركشي{ ت 794هـ} في البرهان 2/129 في النوع الأربعون فى بيان معاضدة السنة للقرآن :"اعلم أن القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدارج الحكمة حتى إن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر ويبين إجماله ،ثم منه ما هو ظاهر ومعه ما يغمض وقد اعتنى بإفراد ذلك بالتصنيف الإمام أبو الحكم ابن برجان فى كتابه المسمى بالإرشاد، و قال : ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء فهو في القرآن ، وفي أصله قرب أو بعد، فهمه من فهمه/و عَمِه عنه من عَمِه ..."
و قد حافظ لنا من هذا الكتاب على نحو 100 مثال
و مثل هذا الصنيع جاء عن الصحابة رضي الله عنهم كقوله عبد الله بن مسعود :" إذا جئتكم بحديث أنبأتكم بتصديق ذلك من كتاب الله " و عن التابعين كقول سعيد بن جبير :"ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله عز وجل"
وعن الإمام البخاري :"لستن أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا و لي في ذلك أصل : أحفظ حفظا عن كتاب الله و سنة رسول الله


قال عبد الحي الكتاني في التراتيب الإدارية وهذا الكتاب من أنفس ما ألفه المسلمون وأغربه و هو يلي كتاب الخزاعي عندي في الأهمية و لو ظفرت به لسموت "
و للحديث بقية و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه و الحمد لله رب العالمين