بسم الله الرحمن الرحيم  ، الحمد لله رب العالمين  ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ،  و على آله و صحبه أجمعين ،و التابعين  ومن سار على نهجهم القويم إلى يوم الدين ...
   أما بعد فيكتسي موضوع هذا الكتاب ،  أهمية بالغة  في الثقافة الإسلامية  ، لعمق  محتواه و بعد مرماه ،و لتداخل قضاياه  و تشعب مسائله  ، وعلى الرغم من قدم  الخوض فيه  ،  فإن  إخراجه من حيز الخفاء و الغموض، إلى رحاب التجلي  و الوضوح ، شيء يكاد يكون جديدا ، مما يجعل المسؤولية جسيمة  ، والغاية ليست  هينة ، ما لم  تتوفر لذلك الوسائل و الأدوات اللازمة ، مع تحقق علو الهمة و إخلاص النية، في البدء والختام ، وهو ما هيأ الله له عددا من الباحثين المعاصرين  ، نحسب الأخ الدكتور مصطفى الوضيفي من خيرتهم إن شاء الله ...
  و لا يخفى أن طريقة المتكلمين قامت على الاستدلال العقلي، و تجريد المسائل الأصولية عن الفروع الفقهية ، و عدم الجمع بينهما ، باعتبار الأصول علما مستقلا يبنى عليه الفقه ، و في المقابل ذهب الفقهاء ، إلى أن القواعد الأصولية  تأتي على حسب ما نقل من الفروع عن الأئمة  ، دون أن  يعني ذلك القطيعة أو التناقض بينهما ، و إنما هو اختلاف في  المنهج والرؤية ،  و في مدى مركزية علم الكلام ، في أصول الفقه أو هامشيته ...
  و قد نبه العلامة ابن خلدون في مقدمته ، على ما قام به المتكلمون و الفقهاء الحنفية ، من جهود في سبيل إثراء أصول الفقه ، المتكلمون بتجريدهم للمسائل الفقهية مع النزوع إلى الاستدلال العقلي ، و فقهاء الحنفية بغوصهم في مسائل الفقه ، و استخراج القوانين منها وفق الممكن .
   و أضاف قائلا :" و كان من أحسن  ما كتب فيه المتكلمون ، كتاب البرهان لإمام الحرمين ،و المستصفى للغزالي و هما من الأشعرية ، و كتاب العهد لعبد الجبار ، و شرحه المعتمد لأبي الحسين البصري، و هما من المعتزلة ، و كانت الأربعة ،  قواعد هذا الفن و أركانه "  .
  و قد عرفت بلاد الغرب الإسلامي ،أعلاما بارزين وروادا لامعين ، في أصول الفقه  وعلم الكلام ، خلال القرن الخامس الهجري  كعبد الجليل الديباجي ابن الصابوني(المتوفى في حدود منتصف القرن 5هـ) وأبي بكر المرادي الحضرمي (ت489هـ) و محمد بن سعدون القيرواني (ت486هـ) وأبي عمر الطلمنكي (ت 429هـ)و أبي محمد ابن حزم  (456هـ)و أبي الوليد الباجي (474هـ)  وأبي بكر محمد بن سائق الصقلي (ت493هـ) وغيرهم...
   هذه الأمور و غيرها ، هي ما اهتمت به  هذه الدراسة  القيمة - إبان أوج الجدل في الموضوع ، و تطور علم الأصول -  فانطلقت من " نظرية العلم " باعتباره الجانب النظري ،  منتهية بإعادة الاعتبار للعقل و بيان حدوده ، مرورا بالحديث المسهب عن الأصول : الكتاب ،و الخبر،  و القياس ، إلى جانب مسائل كلامية مهمة ، مذيلة بمجموعة من الاستنتاجات ... 
   كل ذلك بأسلوب علمي رصين ، يحترم مناهج البحث وقواعده ، وبلغة أصيلة تغترف من معين الأصوليين و المتكلمين واصطلاحاتهم ...
      وأنا  سعيد بأن أقدم للقراء  الكرام هذا الكتاب الحافل الماتع ، متمنيا لمؤلفه المزيد من التوفيق و السداد،  في مسيرته العلمية ، و أن يجعل أعمالنا جميعا خالصة لوجهه الكريم 
                                                   و الله ولي التوفيق 
                                       محمد عزالدين المعيار الإدريسي