الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين’ أنزل الكتاب على عبده هدى وبشرى للمومنين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد، فقد طلب مني أخ كريم ، و خل وفي عزيز ، من الجمعية اليوسفية بمدينة مراكش ، كتابة تقديم لهذا المجموع اللطيف ، للأستاذ الفقيه المنشد السيد محمد بلمحجوب التبايك ، بمناسبة اعتزام إقامة حفل لتكريمه ، فلم يسعني إلا أن ألبي الدعوة ،عسى أن أحقق الرجاء ، و أن أجعله وفاء بوفاء ، إذ لم يحدث أبدا ، أن احتاج المجلس العلمي لمساعدة الجمعية ، في نشاط من أنشطته ، أو تظاهرة من تظاهراته ، فبخل عليه أعضاؤها بما في وسعهم ، أو تخلفوا عن الحضور والمواكبة بأشخاصهم ، بارك الله فيهم ...
وحينما تصفحت هذا العمل الطيب الوجيز ، ألفيته يعكس شخصية صاحبه بجلاء ووضوح ، فهو من جهة : يجمع بين جلال القرآن من خلال علم التجويد ، وبين جمال النبوة من خلال نظم قصائد في المديح ...
و هو من جهة ثانية يجمع بين قصائد وكلمات ، في تكريم الأحياء من الأصدقاء و المحبين ، أو في الرثاء و التأبين ، للراحلين منهم إلى عفو ربهم الكريم ، و في ذلك من الوفاء و الصفاء ما لا يخفى ...
و بين التجويد و المديح صلات في الأداء ، و في ما يتطلبه من : جمال الصوت و عذوبته ، و ضوابط الفن و قواعده ، مع فارق التعبد بتلاوة القرآن و تجويده ، عن الإنشاد و التغني بشمائل النبي صلى الله عليه و سلم و سيرته ...
و إذا كان علم التجويد فرض كفاية على العموم ، فإنه بات اليوم مطلوبا - في الحد الأدنى منه على الأقل - بإلحاح كبير، حتى كاد يصبح فرض عين ، في حق من يتصدرون اليوم للإمامة بالناس في المساجد ، في زمن غدا صاحب الصوت الجميل مقصودا ، فإذا زاد فرتل القرآن ترتيلا ، نفع الله به العباد و فعل بالقلوب و النفوس الأعاجيب . و تلكم إحدى معجزات الذكر الحكيم ...
و ما التجويد في أبسط تعريفاته سوى تحسين ألفاظه ، بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها ما تستحق من الصفات ، و ما يترتب على ذلك إفرادا وتركيبا ...
أما نظم الأشعار و التغني فيها بشمائل النبي المختار ، فسنة قديمة من لدن حسان بن ثابت رضي الله عنه إلى اليوم و إلى ما شاء الله ، مرورا بأعلام المبدعين في هدا الفن الجميل ، كالإمام البوصيري و ابن نباتة و من بعدهما من القراء المجودين و الشعراء المجيدين ...
غذى كل ذلك الكتاب و السنة في المنطلق ، و أذاعه و أشاعه في الآفاق- فيما بعد- التصوف و رجاله ... و التغني في الأول و الثاني ، ليس هو الغناء المتعارف و إنما هو المعني بقول النبي صلى الله عليه و سلم كما في الصحيح :" ليس منا من لم يتغن بالقرآن "
قال الإمام الشافعي :"إنما هو يتحزن و يترنم به ، و يقرؤه حدرا و تحزينا " وعماده في كلا الحالين الصوت الجميل ، و قد فسر بعض التابعين قول الله عز وجل :{يزيد في الخلق ما يشاء } بالصوت الحسن .
و قد كانت لبعض ملوك المغرب في هذا الشأن ، مجالس طارت بشهرتها الركبان ، كالخليفة الموحدي عمر المرتضى ، و السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي ، و السلطان العلوي محمد الثالث و غيرهم ، خصوصا عند حلول ذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه و سلم .
وأعود إلى صاحب الكتاب ، لأجعل الحديث عنه مسك الختام ، فأقول مستعينا بالله : هو رجل يستحق كل تقدير و احترام ، بسلوكه و أخلاقه ، قبل علمه و إبداعه ، فمنذ عرفته لم أر منه إلا ما يصدق هذا الحكم و يزكيه ، مع امتلاك مؤهلات علمية طيبة ، و قدرة على الكتابة و التصنيف ، و نظم الأشعار فصيحها و عاميها ، لكن يؤخذ عليه الإقلال في الأول ، و التوسط في الثاني ، و كان المنتظر منه أن يعطي أكثر عسى أن يكون نشر هذا العمل بداية عطاءات تثرى في قابل الأيام ، و أول الغيث قطر و الله من وراء القصد ...
محمد عزالدين المعيار الإدريسي