بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

كتاب " أبو القاسم السهيلي " للدكتور محمد اليوسفي ( رحمه الله )

تاريخ نشر المقال 01-05-24 11:09:32

    تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المخلوقين ، و على آله وصحبه أجمعين ، و التابعين ومن سار على نهجهم القويم إلى يوم الدين .
أما بعد فيقف الإمام أبو زيد السهيلي ، بين علماء الغرب الإسلامي في القرن السادس الهجري ، قامة شامخة في عصر عمالقة كبار ، يطول سرد أسمائهم ...
لكن على الرغم من هذه المكانة السامقة ، ومن الشموخ و الرسوخ في العلم ، فما تزال الأبحاث و الدراسات التي اهتمت به و بتراثه معدودة محدودة ، لعل من أوعبها هذا الكتاب ، الذي يسعد المجلس العلمي المحلي لمراكش إخراجه ، ضمن سلسة كتاب المجلس ، ليسد فراغا طالما عانى منه الباحثون في هذا المجال .
و هو في الأصل بحث جامعي تقدم به المؤلف لنيل دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية ، ثم راجعه و نقحه و أضاف إليه بعض ما جد في الساحة من معلومات كانت غميسة في ذلك الوقت ...
و قد انصب الاهتمام في القسم الأول من البحث على حياة الإمام فكانت البداية بالحديث عن نشأته في بيت علم و أدب و خطابة ، كما عبر ابن قاضي شهبة ، و كيف أنه لم يكد يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى فقد كريمتيه ، فعاش طول حياته ضريرا ، قد ضرب بينه و بين الدنيا بحجاب
و يبدو أن العاهة لم تقف حائلا بين الفتى السهيلي و بين طموحه ، بل تسلح بالإيمان بقضاء الله و قدره ، و بأن الله قادر على تحويل السلبيات إلى إيجابيات ، كما يستشف من مثل قوله :" و قد عُزم لي بعد طول مطالبة من الزمان ، و مجاذبة لأيدي الحدثان، و أمراض همة لا تغيب، و زمانة مرض الخاطر ، فلا يهب على جميع نبذ من نتائج الفكر اقتبستها في خلس الدهر "
و إذا كان قد قضى معظم حياته في مالقة بالأندلس ، يشكو إلى جانب فقد البصر من قلة ذات اليد ، مثله في ذلك مثل كثير من العلماء الذين عاكسهم الحظ ، وأهملهم الناس لإملاقهم ، فإنه لم يلبث أن ابتسم لـه الحظ ، و وافته الفرصة لعيش كريم ، في أخريات حياته ، في ظل سياسة ثقافية منفتحة يقظة ، نهجها الخليفتان الموحديان ، يوسف وابنه يعقوب، في استقدام العلماء والأدباء من شتى الجهات ليكونوا تحت الأنظار ، حيث تم في هذا الإطار ، استدعاء السهيلي إلى مدينة مراكش.
ويأبى ابن دحية إلا أن ينسب إلى نفسه، فضل التعريف بالإمام السهيلي، لدى الموحدين فيقول :" وكان ببلده يتسوغ بالعفاف و يتبلغ بالكفاف إلى أن وصلت إليه وصحح "الروض الأنف" بين يديه فطلعت به إلى حضرة مراكش ،فأوقفت الحضرة عليه فأمروا بوصوله إلى حضرتهم ، وبذلوا لـه من مراكبهم وخيلهم ونعمتهم وقوبل بمكارم الأخلاق ، وأزال الله عنه علام الإملاق"
و الظاهر أن ابن دحية وغيره من تلامذة السهيلي ساهموا – جميعا- كل من موقعه في التعريف بأستاذهم وبكتابه النفيس " الروض الأنف" وكان بعضهم مكينا عند ملوك وأمراء الموحدين كأبي سليمان بن حوط الله و أبي القاسم بن بقي ...
وتجمع معظم المصادر والمراجع على أن مدة إقامة السهيلي بمدينة مراكش، كانت في حدود ثلاث سنوات، هي تمام العمر ونهاية الأمر، و إن كانت كما قال ابن دحية :" كلها أضغاث أحلام
و على الرغم من قصر المدة التي عاشها السهيلي تحت سماء مراكش ،قبل أن يلحق بجوار ربه ، فقد كان له مع ذلك ، نشاط علمي متميز.
يقول صاحبا كتاب أعلام مالقة :" ثم امتد به أجله وأنساه في شأو الحياة مهله، حتى تطلع في سماء مجلس أمير المومنين بدرا، وتبوأ منه بعلمه البارع محلة ووكراً ، فخلع على أهله من مُنَمنم أمداحه خِلعا وابتدع من مليح قريضه بدعا ، أصارت إليه منهم قلوبا، وأنالت من أكفهم مأمولا و مطلوبا.."
و هكذا سنجد السهيلي إلى جانب حضوره المجالس السلطانية يجلس للتدريس ، و يتولى القضاء قبل أن يمتحن و يتعرض للإقصاء ، و هي مجالات وقف عندها البحث بما يكفي من التحصيل و البيان ...
و في مقابل هذا القسم يأتي القسم الثاني ، الذي اهتم بالتراث العلمي للإمام السهيلي ، وفق تعدد مجالات اهتمامه ، و تكوينه العلمي المتين ، و فهمه الثاقب الدقيق ، مع ما أكرمه الله به من صفاء الروح و ذكاء القلب...
و قد تعبر عن هذه الموسوعية من جهة أولى : مصنفاته و رسائله ما طبع منها و ما لم يطبع ، كما تعبر عنها من جهة ثانية : المصادر التي ترجمته في تنوعها ، فهو مقرئ و مفسر ومحدث و مؤرخ و فقيه و أصولي و لغوي و نحوي و كاتب و شاعر ... مما فصله هذا الكتاب تفصيلا ، معززا بالشواهد و الأمثلة ...
يقول ابن الزبير الغرناطي في صلة الصلة :"كان رحمه الله واسع المعرفة غزير العلم نحويا متقدما أديبا لغويا عالما بالتفسير و صناعة الحديث حافظا للرجال و الأنساب ، عارفا بعلم الكلام و أصول الفقه حافظا للتاريخ القديم والحديث نبيها ذكيا صاحب اختراعات و استنباطات مستغربة و اهتداءات نبيهة و تواليف جليلة "
و كان أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري المالقي ابن الفخار {ت590هـ} أحفظ أهل زمانه حتى قال :" ثلاثة كتب هي عندي كسورة من القرآن : كتاب " مسلم " - يعني الصحيح - و" المقدمات" لأبي الوليد ابن رشد و " التقصي " لأبي عمر بن عبد البر
و لعلمه و جلال قدره ، استجلبه المنصور الموحدي سنة 580هـ إلى مراكش .
قال أبو سليمان ابن حوط الله : سمعت شيخنا أبا زيد السهيلي يقول :" لما شهدت من حفظ أبي عبد الله ابن الفخار صاحبنا ما عجز عنه غيره ، و رأيته قد تقدم في ذلك ، قلت كيف أسود مع هذا ؟ فرزقني الله من الفقه ما قصر عنه و سواه و الحمد لله على ذلك كثيرا "
إلى حديث لا يمل ، و تناول بديع متقن ، بأسلوب سلس متين ...
رحم الله مؤلف الكتاب الزميل العلامة الأديب الرقيق الدكتور محمد اليوسفي برحمته الواسعة و أسكنه فسيح الجنان مع النبئين و الصديقين و الشهداء الصاحين و حسن ـأولئك رفيقا