بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين و على آله وصحبه أجمعين و التابعين و من سار على نهجهم القويم إلى يوم الدين.
أما بعد فيبدو أن العلماء أدركوا منذ وقت مبكر، ما كان لملوك الإسلام في طليعتهم ملوك و أمراء المغرب والأندلس، من أثر بالغ في إذكاء جذوة الحياة العلمية و الأدبية بالشكل الذي يقول عنه أبو منصور الثعالبي { ت 429} : " و لما جاءت دولة المغرب بملوك الإسلام ، كانوا أسباب الكتابة الفائقة، والبلاغة الرائقة ، والأشعار السائرة ،
والكتب الفاخرة النادرة ، فلولاهم والرؤساء المتصلون بهم، والمتصرفون على أعمالهم، لماتت خواطر الكتاب والشعراء وصدئت طباع العلماء والحكماء، و انعقدت ألسن الخطباء و الفصحاء ..."1
وهو كلام يصدق على كثير من الملوك الذين تعاقبوا على حكم المغرب، منذ المولى إدريس الأكبر، إلى جلالة الملك محمد السادس، إن لم نقل إنه يصدق عليهم جميعا، مع تميز بعضهم بالاشتغال بالعلم و الفكر والأدب ...
والسلطان سيدي محمد بن عبد الله، مثال ساطع في هذا المجال، فهو بحق :"عالم الملوك
وملك العلماء، الذي أنسى من قبله و أتعب من بعده ..."2 على حد تعبير مولاي عبد الرحمان بن زيدان
شغف بالعلم منذ نعومة أظفاره ، وواظب على الاعتناء بالتعلم والتعليم والتأليف طيلة حياته في سعة أفق تميز باختيار "مذاهب و مناهج لا عهد للمغرب بها من قبل في ميادين العقائد والفقه و الحديث وغيرها "3
اجتمع فيه الأديب الحافظ لديوان العرب ، بالفنان المرهف الحس المولع بالموسيقى والطرب4 ، و المؤرخ المستحضر لأخبار الناس و أيام العرب، و المتضلع في فن التعديل والتوقيت5 و غير ذلك ... و كان فوق كل ما ذكر ، العالم الفحل في مجال العلوم الشرعية المبرز فيها ، المترجم لروحها، في دعوة سلفية رائدة... و التجديد لأمر دين هذه الأمة على رأس المائة كما قال في حقه عبد السلام بن الخياط القادري6
وقد وجه أكبر اهتمامه العلمي إلى الحديث النبوي الشريف، فأقبل عليه منذ اعتلى عرش أسلافه الميامين عقب وفاة والده السلطان المولى عبد الله بن إسماعيل ، متأسفا على ما فاته من ذلك في شبيبته قائلا :" و الله لقد ضيعنا عمرنا في البطالة "7 مع العلم أن دراسة الحدي قبيل هذا العهد، كانت مجرد نصوص مقدسة، تقرأ للتبرك دون تعمق في فهم ما تنطوي عليه من معاني و أسرار ، و كان الدارسون يقتصرون في ذلك على صحيحي الإمامين البخاري و مسلم في أحسن الأحوال، و على ألفية العراقي في مصطلح الحديث ، والاكتفاء للكلاعي في السيرة النبوية ، فلما جاء السلطان سيدي محمد بن عبد الله نهض بالحديث نهضة شاملة ، فنشأ عن ذلك الإقبال إلى جانب ما ذكر على الموطأ لإمام دار
الهجرة مالك بن أنس ، ثم لم يلبث أن استجلب من المشرق ثلاثة مسانيد8 لم تكن متداولة بالمغرب وهي مسانيد بقية أئمة المذاهب الأربعة أبي حنيفة و الشافعي و ابن حنبل ، ونص في البرنامج الدراسي الذي وضعه لجامعة القرويين على دراسة باقي كتب الصحاح و الكتب المستخرجة منها ، وفي السيرة على كتابي الكلاعي وابن سيد الناس اليعمري و أمر بشرح كتابي : مشارق الأنوار في علم الحديث للإمام الصغاني {ت650 هـ } و الأربعين النووية ...
و على الرغم مما كان يتحمله من أعباء الملك ومشاغل السياسة فقد أبى إلا أن يتولى بنفسه التأليف في الحديث النبوي الشريف ، فألف كتبا بعضها فريد من نوعه سياتي الحديث عنها في مقدمة الأستاذ المحقق وحسبنا هنا أن نقف عند الفتوحات الصغرى موضوع هذا الكتاب...
لقد ألف السلطان سيدي محمد بن عبد الله في البداية كتاب أربعين حديثا9 ثم لم يلبث أن وسعه فجعله كتابا آخر، هو هذا الكتاب الذي نقدمه للقراء الكرام10 و يشتمل على ما يفوق ثلاثمائة حديث من الموطأ والصحيحين ومسند أحمد ، ثم جمع فيما بعد كل مؤلفاته الحديثية و من ضمنها الفتوحات الصغرى في كتاب واحد سماه : " الجامع الصحيح الأسانيد المستخرج من ستة مسانيد " ...يقع في عدة مجلدات قال الأستاذ محمد حجي إنه لم يقف إلا على الجزء الأول منه في الخزانة الحسنية، والأخير في الخزانة العلمية الصبيحية بسلا و يوجد منه جزء آخر في خزانة القرويين "11
نسأل الله العلي القدير للأستاذ المحقق الدكتور أحمد غاوش المزيد من العطاء العلمي المفيد الباني في صحة و عافية ،و أن يجعل أعمالنا جميعا خالصة لوجهه الكريم { إنه سميع قريب}
محمد عزالدين المعيار الإدريسي