بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

مراكش العالمة - 1 مقدمة

تاريخ نشر المقال 10-12-24 10:20:30

    مقدمة
في غمرة احتفال المراكشيين و المغاربة جميعا بمرور ألف عام على تأسيس مدينة مراكش، وتزامنا مع ذلك و تجاوبا معه، راودتني فكرة المشاركة في هذا الاحتفاء بكتابة سلسلة من الأحاديث التي قد تتناسل و تتحول إلى عمل كبير، خصوصا بما يمكن أن تتعزز به من إضافات الأصدقاء و تعليقاتهم، مع العلم أن الحديث عن هذه الحاضرة الكبيرة ، لا يقف عند حد معين، ولا يمكن في الوقت ذاته حصره في مجال واحد بالذات، بل في عدة مجالات محددة ....
ولما كان الجانب الغائب من أحاديث الناس عن مراكش، هو الجانب العلمي، فقد بات من المتعين، رفع الحجاب عن هذا الجانب المهم من تاريخ هذه المدينة الألفية الشامخة، والذي هو في نهاية المطاف، جزء من التاريخ العلمي العام للمغرب، كما أشار إلى ذلك العلامة محمد المختار السوسي رحمه الله في كلمته التقديمية لكتابه "سوس العالمة :"
" في المغرب حواضر وبواد و تاريخه العلمي العام، لا يمكن أن يتكون تكونا تاما إلا من التواريخ الخاصة لكل حاضرة من تلك الحواضر، و لكل بادية من البوادي..."
يضاف إلى ذلك ما تتميز به مدينة مراكش في التاريخ الإسلامي، أولا من كونها عاصمة الغرب الإسلامي، و ما تنفرد به - ثانيا - من اعتبارها إحدى عواصم الخلافة السبع، الشيء الذي لا يمكن معه، إلا أن تكون دار حضارة وعلم، يلتقي فيها علماء الأمة ومفكروها و مبدعوها، من مختلف الجهات، من داخل بلدان الغرب الإسلامي ومن خارجها ...
مدينة مراكش قبل التأسيس
كانت أغمات وريكة قبل تأسيس مدينة مراكش ، مقصد أهل العلم والصلاح، من مختلف الجهات، وهي مدينة صغيرة معروفة ، تربض على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا جنوب مراكش، وسط قبيلة أوريكة عند قدم جبال الأطلس ، نزح إليها عدد كبير من الأندلسيين ، أوائل القرن الثالث الهجري ، بعد فرارهم من فتنة الربض بقرطبة ، على عهد الحكم الأموي (الربضي)، كما نزح إليها عدد من القيروانيين ، وكان رباطها المعروف إذ ذاك ، المقر الأول لزعماء المرابطين ، والمركز الهام للعلماء و الصالحين ، يقصدونه من سائر أنحاء الشمال الإفريقي ... و كانت على عهد الدولة الإدريسية مقر إقامة الأمير عبد الله بن إدريس الثاني النائب عن شقيقه السلطان محمد بن إدريس .
ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي {ت576هـ} في معجم السفر من علمائها أبا علي المتيجي - بتشديد التاء – من فقهاء أغمات، وأشار إلى أنه إلى فتاويه يرجع سلطان المغرب ابن تاشفين لدينه، كما ترجم التادلي في التشوف لبعض علمائها من تلامذة أبي عمران الفاسي، كأبي محمد عبد العزيز التونسي {ت 486 هـ}
ونتيجة لما عرفته أغمات من اكتظاظ ، بسبب الكثافة السكانية التي عرفتها عقب نزوح المرابطين إليها ، وما لحق أهلها من تضييق عليهم ، قرر الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني ، باتفاق مع قومه ، تأسيس مدينة مراكش ، مما لم يتحقق و يكتمل إلا على يد يوسف بن تاشفين ... حيث ستتوجه الأنظار صوب المدينة الحمراء ، خصوصا بعد الانتصار الباهر، الذي حققه في معركة الزلاقة الشهيرة ، وما تلا ذلك من حرص، على حماية الإسلام والمسلمين بالأندلس ، مما كانت أصداؤه تصل إلى الشرق ، فتجد تجاوبا كبيرا و تعاطفا بعيدا، عبر عنه غير واحد من العلماء الأعلام ، بما بعثوه من رسائل التهاني والتنويه ، إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، كأبي حامد الغزالي {ت 505هـ} الذي لم يقف عند حد الكتابة إليه ، بل هم بالقدوم عليه ، قبل أن يبلغه نعيه رحمه الله ، و قد أبى القاضي العباس بن ابراهيم المراكشي إلا أن يترجمه - بسب تلك النية - في كتاب الإعلام ، وكأبي بكر الطرطوشي {ت 520 هـ}، الذي قال في إحدى فقرات كتابه إلى يوسف بن تاشفين : ... ولقد كنا في الأرض المقدسة – جبر الله مصابها – تثرى علينا أخبارك ، وما قمت به من أداء فريضة الله تعالى ، في جهاد عدوه ، و إعزاز دينه و إعلاء كلمته ، وكان من هناك من العلماء والفقهاء وحماة الدين والعباد والزهاد والمنقطعين إلى الله تعالى ، يدعون الله سبحانه وتعالى في نصرك وتأييدك والفتح على يديك.