قصر الحجر و مسجد الطوب و بدايات مراكش العمرانية
بعد تأسيس مدينة مراكش منتصف القرن الخامس الهجري ، على موضع اشتراه يوسف بن تاشفين من أصحابه ابتداء أو استئنافا لما بدأه سلفه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني ... وفي عنفوان عمليات بناء المرافق الضرورية للحياة في المدينة الإسلامية التي أجمل أهمها القاضي محمد بن الحسن الحيمي في قوله :
المصر في صحة التجميع مشترط... فاسمع حقيقة ما يحويه تفصيلا
وال وقاض طبيب جامع وكذا ... سوق و نهر وحمام كما قيلا
مع احتلال المسجد مكان الصدارة من بين هذه المرافق
في هذا السياق و من هذا المنطلق جاءت إقامة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين لـ " مسجد الطوب" قرب قصر الحجر، الذي شارك في أشغال بنائه بنفسه، ليكون أول مسجد يتم بناؤه بعاصمة المرابطين، و أبى لما شرع في بنائه، إلا أن يحتزم و يعمل في الطين والبناء بيده مع الخدمة ، تواضعا منه وتورعا من جهة ، وتشجيعا لهم و تحميسا، من جهة ثانية، مقتديا في ذلك كله برسول الله صلى الله عليه وسلم في مشاركته في بناء المسجد النبوي بالمدينة المنورة ونقله التراب معهم، ولسان الحال يردد قول المسلمين و هم يبنون المسجد النبوي:
لا عيش إلا عيش الآخرة . . . اللهم ارحم الأنصار و المهاجرة
و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم المهاجرين و الأنصار"
إنه نموذج واحد من نماذج شتى من سلوك يوسف بن تاشفين وسياسته، المجسدة لما تعلمه و تربى عليه، هو وجيله على يد عبد الله بن ياسين، مما سيأتي الحديث عنه عند الكلام على شخصية يوسف بن تاشفين، و الرد على خصومه والحاقدين عليه...و حسبنا - هنا - أن نشير إلى أنه بسرعة فائقة ، أصبح مسجد يوسف بن تاشفين هذا قبلة أهل العلم ، فكان حلقة وصل بين الدراسة العلمية بأغمات، و بين استئنافها بمراكش، و بمثابة مركز علمي ممهد لجامع ابن يوسف الذي سيتأسس - فيما بعد - على يد أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين. و إلى جانبه عدد من الكتاتيب القرآنية كما سيأتي
و في مسجد صومعة الطوب هذا - كما سماه البيذق - نزل المهدي بن تومرت لما دخل مراكش ، قبل أن يقوم عبد المومن بن علي بهدمه، في سياق تنفيذ وصية المهدي بن تومرت " لا تدعوا على ظهرها مرابطيا" ...
في كتاب الاستبصار لمؤرخ مراكشي مجهول { كان حيا عام 587هـ}: " أول ما بنى فيها دار الأمة و هي الآن معلومة ثم اشتغل الناس فيها ببناء الديار كل واحد على قدر جهده واستطاعته ، فذكروا أن أول دار بنيت بمراكش من ديار لمتونة دار تورزجين بن الحسن الكائنة بموضع أجدال بناها بالطوب وجددها و هي الآن ظاهرة على المقر بالموضع المذكور إلى وقتنا هذا سنة ست و سبعمئة"كما قال ابن عذاري