شخصية يوسف بن تاشفين
تتفق المصادر و المراجع على جوانب من شخصية يوسف بن تاشفين لا يختلف فيها اثنان منها : صلاحه و شدة خوفه من ربه، و تشبثه المتين بالدين الحنيف ، واستشارته لأهل العلم في كل شادة و فادة، مع كثرة العفو وبساطة المسكن و الملبس، و المأكل والمشرب، و هو الزعيم السياسي العظيم، والقائد العسكري الكبير، مرسي دعائم الدولة المرابطية، وناصر الدين، ومرسخ الثوابت بالمغرب، في تواضع جم واضح، ونكران ذات تام... فهو وارث أسلافه الممهدين لقيام هذه الدولة ، يلتقي فيه العمق المنقبي لوكاك بن زلوان اللمطي ، و الحرص التشريعي لعبد الله بن ياسين الجزولي، والطموح العسكري لأبي بكر بن عمر اللمتوني .
لم يتدخل في الأندلس أولا و أخيرا، إلا بعد أن أفتاه الفقهاء بذلك ، وفي طليعتهم أبو حامد الغزالي الذي كتب إليه بشرعية جهاده كما نصت على ذلك رسالته التي أوردها أبو بكر بن العربي في كتاب شواهد الجلة، كما رفض يوسف بن تاشفين بعد انتصاره في الزلاقة، أن يتسمى بأمير المومنين، قائلا لمن اقترح عليه من أشياخ لمتونة أن يتسمى بذلك :" ... هذا اسم إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك السلالة الكريمة ..." مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الأئمة من قريش" و هو الذي دانت له أكثر بلاد الغرب الإسلامي، وكان في إمكانه لو شاء - كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء - أن يبسط نفوذه على مصر و الشام ...
ولم يكن الخليفة في بغداد في مكانته و لا قريبا منها ... و مع ذلك فقد طلب شخصيا، أو طلب له غيره الحصول على التقليد الخليفي من بغداد حفاظا على وحدة الأمة وجمع كلمتها، تحت لواء إمارة المومنين التي كان يمثلها الخليفة العباسي في عهده أحمد المستظهر بالله .
شخصية يوسف بن تاشفين ( الجانب المعرفي )
تفيد المعلومات القليلة التي تمدنا بها المصادر عن حياة يوسف بن تاشفين قبل ظهوره في تاريخ المغرب عند زحفه نحو الشمال، ضمن الجيوش المرابطية ،ثم بدأت شخصيته تتجلى أكثر فأكثر، منذ أن تسلم زمام السلطة من يد ابن عمه أبي بكر بن عمر. و قد عرفنا فيما تقدم جملة من صفاته و أخلاقه و هي غاية في النبل و السمو و علو الهمة، لم يغب عنها سوى جانب واحد سكت عنه مترجموه هو الجانب المعرفي، وفي غمرة البحث و التنقيب عما يمكن أن يفيد في هذا الجانب استوقفتني جملة للمؤرخ المغربي الراحل الدكتور إبراهيم حركات تقول :" ... كانت معارفه بسيطة، ولكنه كان شديد الذكاء قوي العزيمة" فعدت إلى تتبع ما هو متاح عن مراحل حياة يوسف بن تاشفين، و البيئة التي نشأ فيها و ترعرع...
لقد كانت المرحلة التي سبقت مجيء عبد الله بن ياسين في البيئة التي عاش فيها يوسف بن تاشفين ، مرحلة أولية للتعليم المحضري في الصحراء المغربية، حيث كان هذا التعليم في بداية التكوين، يقتصر غالبا على محاضر لحفظ القرآن الكريم، و مباديء الدين.
ولم يتشكل التعليم المحضري و يأخذ صورته الحقيقية، إلا بعد مجيء عبد الله بن ياسين، الذي يعد رباطه المحضرة الأم، لكل المحاضر التي انتشرت بعد ذلك...
(تكتب كلمة المحضرة بالضاد أخذا من مكان الحضور، أو من المحاضرة التي تلقى على المتعلمين، كما تكتب بالظاء من الحظيرة ...وبالظاء تنطق بالحسانية و الظاهر أن لغة تعليم عبد الله بن ياسين للمرابطين كانت هي الأمازيغية )
و بعد استشهاد عبد الله بن ياسين، ورجوع أبي بكر بن عمر الى الصحراء، اسندت مهمة التدريس ونشر التعليم إلى بعض العلماء، كأبي بكر المرادي الحضرمي القيرواني {ت489 هـ} الذي أسس ثاني رباط للعلم بمدينة أزوكي القريبة الآن من مدينة أطار الحالية بموريتانيا ، و إبراهيم الأموي{توفي في حدود 500هـ} وهو جد قبيلة مدلش الحالية...
في هذه الأجواء كانت بداية تعلم يوسف بن تاشفين وتربيته ... ثم ارتقت معارفه وصقلت مواهبه بالتلمذة لعبد الله بن ياسين و مصاحبته...
و عن لغة التعليم في هذه المحاضر و في رباط عبد الله بن ياسين المشار إليه آنفا يستوقفنا هذه المرة نص مشرقي ورد في ترجمة ابن خلكان ليوسف بن تاشفين نقلا عن "كتاب المعرب عن سيرة ملك المغرب" لمجهول فرغ من تأليفه بمدينة الموصل بالعراق في غرة ذي القعدة من سنة تسع وسبعين وخمسمئة جاء فيه مما له صلة بموضوع الجانب المعرفي في شخصية يوسف بن تاشفين قوله :"كان يوسف بن تاشفين لا يعرف اللسان العربي، لكنه كان يجيد فهم المقاصد، وكان له كاتب يعرف اللغتين العربية والمرابطية " يقرأ عليه ما يكتب بلسانه...
و تفيد المعلومات القليلة التي تمدنا بها المصادر عن حياة يوسف بن تاشفين قبل ظهوره في تاريخ المغرب عند زحفه نحو الشمال، ضمن الجيوش المرابطية ،ثم بدأت شخصيته تتجلى أكثر فأكثر، منذ أن تسلم زمام السلطة من يد ابن عمه أبي بكر بن عمر. و قد عرفنا فيما تقدم جملة من صفاته و أخلاقه و هي غاية في النبل و السمو و علو الهمة، لم يغب عنها سوى جانب واحد سكت عنه مترجموه هو الجانب المعرفي، وفي غمرة البحث و التنقيب عما يمكن أن يفيد في هذا الجانب استوقفتني جملة للمؤرخ المغربي الراحل الدكتور إبراهيم حركات تقول :" ... كانت معارفه بسيطة، ولكنه كان شديد الذكاء قوي العزيمة" فعدت إلى تتبع ما هو متاح عن مراحل حياة يوسف بن تاشفين، و البيئة التي نشأ فيها و ترعرع...
لقد كانت المرحلة التي سبقت مجيء عبد الله بن ياسين في البيئة التي عاش فيها يوسف بن تاشفين ، مرحلة أولية للتعليم المحضري في الصحراء المغربية، حيث كان هذا التعليم في بداية التكوين، يقتصر غالبا على محاضر لحفظ القرآن الكريم، و مباديء الدين.
ولم يتشكل التعليم المحضري و يأخذ صورته الحقيقية، إلا بعد مجيء عبد الله بن ياسين، الذي يعد رباطه المحضرة الأم، لكل المحاضر التي انتشرت بعد ذلك...
(تكتب كلمة المحضرة بالضاد أخذا من مكان الحضور، أو من المحاضرة التي تلقى على المتعلمين، كما تكتب بالظاء من الحظيرة ...وبالظاء تنطق بالحسانية و الظاهر أن لغة تعليم عبد الله بن ياسين للمرابطين كانت هي الأمازيغية )
و بعد استشهاد عبد الله بن ياسين، ورجوع أبي بكر بن عمر الى الصحراء، اسندت مهمة التدريس ونشر التعليم إلى بعض العلماء، كأبي بكر المرادي الحضرمي القيرواني {ت489 هـ} الذي أسس ثاني رباط للعلم بمدينة أزوكي القريبة الآن من مدينة أطار الحالية بموريتانيا ، و إبراهيم الأموي{توفي في حدود 500هـ} وهو جد قبيلة مدلش الحا لية ...
في هذه الأجواء كانت بداية تعلم يوسف بن تاشفين وتربيته ... ثم ارتقت معارفه وصقلت مواهبه بالتلمذة لعبد الله بن ياسين و مصاحبته...
و عن لغة التعليم في هذه المحاضر و في رباط عبد الله بن ياسين المشار إليه آنفا يستوقفنا هذه المرة نص مشرقي ورد في ترجمة ابن خلكان ليوسف بن تاشفين نقلا عن "كتاب المعرب عن سيرة ملك المغرب" لمجهول فرغ من تأليفه بمدينة الموصل بالعراق في غرة ذي القعدة من سنة تسع وسبعين وخمسمئة جاء فيه مما له صلة بموضوع الجانب المعرفي في شخصية يوسف بن تاشفين قوله :"كان يوسف بن تاشفين لا يعرف اللسان العربي، لكنه كان يجيد فهم المقاصد، وكان له كاتب يعرف اللغتين العربية والمرابطية " يقرأ عليه ما يكتب بلسانه...
لا يمكن التسليم بأن معارف يوسف بن تاشفين كانت بسيطة، ولا أنه لم يكن يعرف اللغة العربية على الرغم من تألقه السياسي و العسكري مع أن لغة المرابطين التي رضعها في لبان أمه لا تمنع من تلقي المعارف بها، و قد كان استعمال عبد الله بن ياسين للأمازيغية في تعليم المرابطين ضروريا في تلك البيئة في ذلك العهد تيسيرا على الناس لفهم الدين وتعلم لغة القرآن وحفظه كلا أو بعضا وقد كان هناك - كما قال ألفريد بيل - نوع من التوازي بين نشر الإسلام و بين نشر العربية ..."
، وسنرى فيما بعد ما ألفه علماء المغرب من مؤلفات في الدين خاصة بالأمازيغية من جهة، و ما قدم الأمازيغ منهم للغة العربية من خدمات جلى من جهة ثانية...
هذه البيئة التي صورها بدقة يحيى الكدالي لأبي عمران الفاسي عندما سأله : ما مذهبكم ؟ فقال : ما لنا علم من العلوم ولا مذهب من المذاهب، لأننا في الصحراء منقطعون لا يصل إلينا إلا بعض تجار جهال ...
في هذا الوقت كان يوسف بن تاشفين في حدود الثلاثين من عمره وهي سن لا تمنع من أن يتعلم الإنسان، ومن هنا لا تستبعد استفادته من تعليم عبد الله بن ياسين و تربيته و من تعلم اللغة العربية و إن كان يؤثر الحديث بالأمازيغية مع حاشيته ...
والحقيقة التي لا غبار عليها هي أن يوسف بن تاشفين لم يكن شخصا عاديا نستكثر عليه اتساع معارفه وتعدد لغاته و هو ذلكم العبقري الفذ ، الذي استطاع في وقت وجيز ، أن يجعل من المغرب قوة عالمية يحسب لها ألف حساب في ذلك العصر ، و أحدث نهضة علمية كبرى جعلت حاضرة مراكش تضاهى بغداد في أيام مجدها كما سيأتي و هي التي قال عنها الإمام الشافعي ليونس بن عبد الأعلى - كما في تاريخ بغداد - : يا يونس هل دخلت بغداد ؟ قال : لا , قال :" إذن ما رأيت الدنيا "