افتراء و تحامل على يوسف بن تاشفين بسبب المعتمد بن عباد
انتهت الزلاقة بذلكم الانتصار الباهر المعروف و افترق يوسف بن تاشفين و المعتمد بن عباد على أحسن حال...
رجع يوسف بن تاشفين إلى مدينة مراكش، قاعدة ملكه ليدبر أمور مملكته، و عاد المعتمد إلى ما ألفه من أنس و مجون ... وازدادت الرعية سخطا عليه كارهة فيه استهتاره بشؤون الدين وأمور الدولة، شأنه في ذلك شأن باقي ملوك الطوائف فضج الناس وقام العلماء والفقهاء ومن والاهم بالدعاء ضد المعتمد خصوصا و ملوك الطوائف عموما حتى إذا رأوا الأرض خطبة لدعوتهم كتبوا إلى يوسف بن تاشفين يرجونه خلاصهم وخلاص الإسلام من براثين الفجور والطغيان، فلبى الدعوة كعادته في نصرة الإسلام والمسلمين، وأصدر أوامره إلى قائده أبي بكر- الذي خلفه من ورائه قصد التعرف على أحوال المسلمين في الأندلس والاستعداد لكل هجوم قد يصوب إليهم من جيوش النصرانية - بالانقضاض على ملوك الطوائف واحدا واحدا جاعلا المعتمد آخرهم
و ما لبث أبو بكر أن نفذ الخطة
هنا يصف الأدباء و مؤرخو الأدب و من حالفهم، حال المعتمد في منفاه فيصفونه في أسوء حال مقيد الأيدي مثقل الأرجل بالسلاسل و الأغلال مودعا في دهاليز مظلمة متلقيا أسوء غذاء وأرث لباس بالإضافة إلى سوء المعاملة ... و يزيدون على ذلك بوصف أحزانه و أشجانه و ذكرياته لقصوره أيام عزه و صولته مستغلين شعره في ذلك :
غريب بأرض المغربين أسير ... سيبكي عليه منبر و سرير
ـــــــــــــــــــــــــ
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
بل حاولوا تشويه سمعة يوسف بن تاشفين فاتهموه بالانتهازية، وأنه ما حارب ملوك الطوائف إلا لما رآه في بلادهم من خيرات و نعيم وقصور و رياض و هي أمور لا يعنينا منها في هذه الحلقات سوى انعكاساتها على شخصية يوسف بن تاشفين الفكرية والأدبية 4
و العجب كل العجب من الحافظ الذهبي كيف يهاجم يوسف بن تاشفين بمثل الكلام الآتي الذي لا يشرفه كأحد المحدثين النقاد العارفين بالرجال : "... وكان بربريا قحا ، وثارت الفرنج بالأندلس ، فعبر ابن تاشفين ينجد الإسلام ، فطحن العدو ثم أعجبته الأندلس ، فاستولى عليها ، وأخذ ابن عباد وسجنه ، وأساء العشرة ." ... وفيه بخل البربر ... ، وهو وجيشه ملازمون للثام الضيق ، وفيهم شجاعة وعتو وعسف ..."
لم يكن الذهبي {ت 748 هـ} أول من تجرأ على أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بسبب المعتمد بن عباد بكلام كالذي سبق ذكره ، بل سبقه إلى ذلك آخرون كعبد الملك بن مسعود ابن أبي الخصال { ت 539 هـ } وإسماعيل بن محمد الشقندي {ت629هـ} وعز الدين ابن الأثير الجزري {ت 630 هـ} و جاء بعده آخرون كأحمد شوقي - أمير الشعراء { ت 1351 هـ = 1932 م } وأحمد أمين { ت 1374 هـ = 1954 م } و عائض القرني صاحب كتاب "لا تحزن" و غيرهم و قد اهتم بهذه المسألة قبلنا الأستاذ أحمد ابن الشرقي حصري - رحمه الله - في كتابه " ارتسامات و معطيات تاريخية حول مدينة مراكش" مما أعفانا من كثير من الكلام في هذا المقام، و قد صدق حين قال في سياق رده على ابن الأثير إن "أهل المشرق عامة، أجهل الناس بشؤون المغرب ماضيا و حاضرا"كما أجاد في الرد على أحمد أمين و التعريض به حين قال إن :"جناية أحمد أمين على التاريخ، لا تقل عن جناية أحمد أمين على الأدب العربي "
كما ناب عنا ليفي بروفنصال في بيان حقيقة معاملة يوسف بن تاشفين لابن عباد عندما قال بكل تجرد و إنصاف إن المعتمد بن عباد لم ينقل الى مراكش بل نقل :" الى أغمات حيث كان العيش في ذلك العهد ألين، و المقام أقل شظفا، إذ أن ما ينسب للسلطان المرابطي من قسوة .. وما ذكر من قضاء المعتمد .. بقية أيامه في الفاقة والحرمان التام ضرب من ضروب الخرافة" و إن كان لنا من إضافة فتتلخص في أمرين : أولهما ما عرف به يوسف بن تاشفين من أن أكثر عقابه كان الاعتقال الطويل و ثانيهما ما أعطى أمير المسلمين للمعتمد ابن عباد من اعتبار بالمقارنة بباقي ملوك الطوائف و من فرص للاعتذار كما فعل عبد الله بن بلقين الصنهاجي صاحب غرناطة هو وأخوه تميم صاحب مالقة اللذين قال عنهما ابن الخطيب " حل اعتقالهما و رفه عنهما و أجري المرتب و المسامة عليهما ، و أحسن عبد الله أداء الطاعة ، مع لين الكلمة فقضيت مآربه و أسعفت رغباته" و قال الأمير عبد الله نفسه :":" ... و أمرنا أن نستوطن أغمات ، فأتيناها، و لقينا من أمير المسلمين كل جميل، و أنزلنا بداره الصغرى في الحريم، و مل زال يغتقدنا من إنعامه كيفما هيأ الله على يديه، و وجدناه بعد اهأد أرفق بنا، وأحسن مذهب فينا، من الناس أجمعينن و من كل من سبق إليه منا إحسان."
لقد كان الشعر في الماضي وسيلة دعاية و إشهار نافذة ، كما ظل أكثر الشعراء عبر العصور والأحقاب يجعلون من الشعر وسيلة للتكسب و قضاء المآرب...
لهذا لم يكن غريبا أن يقف كثير من الشعراء و الكتاب و من والاهم من المتأدبين في صف المعتمد بن عباد " الشاعر" ضدا على يوسف بن تاشفين " الملك" { والشعراء يتبعهم الغاوون }
كناطح صخرة يوما ليوهنها . . . فلم يَضِرها وأوهى قرنَه الوعِل
أمير المسلمين الذي كان يعرف أن هؤلاء الشعراء، إنما يمدحون من أجل المال، مما نطقت به رسالة إسماعيل بن محمد الشقندي {ت629هـ} في "تفضيل أهل الأندلس على بر العدوة" تقربا منه وتزلفا للموحدين كما سيأتي ...