يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد و حكم التاريخ ( 2)
مبادرتان كريمتان من عاهلين كريمين
ظل قبر المعتمد بن عباد لقرون مهملا ، تحت سدرة في منحدر بأغمات ، وظل قبر يوسف بن تاشفين هو الآخر مهملا لقرون ، تحت كرمة قرب ساقية بمراكش، كانت على جانبيها إلى بداية الاستقلال، مقهى شعبية شهيرة، عرفت بمقهى المصرف فراشها حصائر و سقفها من قصب تغطيه دوال و كروم، كانت من مقاهي مراكش الأثيرة لدى شاعر الحمراء. و تشوف الدكتور طه حسين الى زيارتها عندما زار المغرب ما منعه من ذلك إلا الحر الشديد الذي عرفته مدينة مراكش في شهر يونيه من سنة 1958 م تاريخ زيارة عميد الأدب العربي للمغرب، بالإضافة الى عدم توفر السيارات آنذاك على المكيفات
و بقي القبر لعقود يتبرك بزيارته من أكثر زائريه، لما اشتهر من أن المصدور إذا حج إليه شفي، تأتيه عينة من النساء يوم الخميس بأولادهن ، يطلبن إلى صاحب هذا القبر وهو بزعمهن حاضر أبدا - أن يشفيهن من شر ما بهن ...
و لعل ما بين كلمة الشفاء و اسم تاشفين من اشتراك في حرفي الشين و الفاء ما ساهم في نسج مثل تلك الاعتقادات ...
وذكر ابن الموقت أن من كرامات يوسف بن تاشفين - رضي الله عنه - الشهيرة أن من قصده في تيسير دار له بهذه الحضرة، فإن الله سبحانه بمحض فضله ييسر عليه ذلك، وجرب مرارا فصح ... وقصد الناس تنميق قبره مرارا، فلم يساعدهم الوقت على ذلك"
على أن من قاصدي القبر من كان يعرف قدر صاحبه، بعيدا عن كل المظاهر المحيطة بالمرقد، ومن هؤلاء المؤرخ اللبناني عمر فروخ {ت 1987م } الذي زار مدينة مراكش في الخامس من سبتمبر سنة 1957، و صادف ذلك يوم الخميس، فتخلى عن زيارة بعض معالم المدينة و آثارها لعدم اتساع وقته لذلك، وحتى لا تفوته فرصة الوقوف على قبر يوسف بن تاشفين ، لأنه - كما قال - "إذا كان قد ضاع عليه شيء من زيارة عدد من المشاهد الجليلة في مدينة مراكش، فلا يجوز أن تضيع عليه زيارة قبر يوسف بن تاشفين بحال: قبر ذلك الرجل الذي بنى مدينة مراكش وأقام الأسس الأولى لعظمة المغرب، إن الوقوف على الخطوط المتناسقة والنقوش المفوقة يأخذ بالبصر ويملأ النفس روعة وجمالا، ولكنه كثيرا ما يوحي بإجلال أكبر من ذلك الذي يستحقه أولئك الذين خلفوا لنا هذه الخطوط والنقوش"
و بعد عامين من هذا التاريخ، أمر جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه كما هو مكتوب في الرخامة التي على قبر يوسف بن تاشفين بتشييد هذا الضريح تقديرا لما أسداه من خير للإسلام و المسلمين، و ذلك بتاريخ سابع و عشرين ربيع النبوي عام 1379 الموافق لثالث أكتوبر 1959 ... "
و كتب بالإضافة إلى ما ذكر في الرخامة الأولى عن يوسف بن تاشفين، على رخامة ثانية داخل الضريح موجز لترجمة يوسف بن تاشفين من ذلك :
" . امتدت دولته على مجموع المغرب الأقصى من حدود غانا ( نهر السنغال ) جنوبا، الى البحر المتوسط شمالا ، و من المحيط الأطلسي غربا الى نصف المغرب الأوسط ( الجزائر ) شرقا ، كما امتدت في الأندلس الىطليطلةشمالا، و ضمت عددا من الجزر الكبرى في غربي البحر المتوسطوصل بالدولة المركزية الى مدى لم تبلغه من قبل.
أدى تدخله في الأندلس، الى تمديد عمر حضارة كانت لها آثار باقية في التساكن السلمي بين الأجناس و الأديان، و في الرقي العلمي و الفني ، فكانت من أزهر الحضارات الإنسانية، لا سيما في عهد الدول الموالية
كان يستشير العلماء، في كل المبادرات الكبرى في سياسته ، كان مثال الملك الذي يتصوره المسلمون في العدل و الزهد والصولة
تزوج بزينب بنت شيخ قبيلة وريكة المجاورة لمراكش من جهة الشرق ، و كان يستشيرها في أمور الدولة و لها بنيت مدينة مراكش عام 454/1062 واتخذها عاصمة لدولته
كان عهده حاسما في بناء الدولة المغربية المستمرة، و كان مرحلة مهمة في اندماج عناصر المجتمع ، و في قيام الأمة على مباديء مشتركة "
هذا بالنسبة ليوسف بن تاشفين أما بالنسبة للمعتمد بن عباد، فقد أمر جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بتشييد ضريحه بأغمات سنة 1970م تخليدا لذكراه
و هي التفاتة كريمة من جلالته كسابقتها من والده العظيم ،ولا غرابة في صنيع العاهلين الكريمين، فلا يعرف الفضل إلا ذووه
يضم الضريح:
- قبر المعتمد بن عباد، وعند رأسه شاهد كتبت عليه القصيدة التي أوصى بكتابتها على قبره و التي مطلعها:
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي . . . حقا ظفرت بأشلاء ابن عباد
- قبر اعتماد و كتب على شاهد قبرها :" هذا قبر اعتماد الرميكية، زوج المعتمد التي شاركته في نعيمه و بؤسه"
- قبر ابنهما أبي سليمان الربيع بين قبريهما .
ولأستاذنا مولاي الطيب المريني دنيا رحمه الله، هذه الأبيات على لسان المعتمد بن عباد يشكر جلالة المغفور له الحسن الثاني على بنائه لضريحه بأغمات" :
يـــــا مليكي أعدت لي صرح مجدي . . . مثل ما يفعل الملوك العظام
لك مني تحيــــــة عن جميــــــــــل . . . أنا أرعاه و هو شيء لـــــــــزام
ليس بدعا أن تحتفي بأخ سيـــق . . . إلى أرضه فطاب المقــــــــــــام
فوفائي و عزمتي ، و بيــــــــاني . . . لك شكر و الشكر مني سلام