بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

أحاديث عن القاضي عياض بمناسبة مرور تسعة قرون على وفاته {(544 – 1444 هـ}

تاريخ نشر المقال 11-12-24 12:28:40

    أحاديث عن القاضي عياض
بمناسبة مرور تسعة قرون على وفاته {(544 – 1444 هـ}
الحديث الأول - تقديم
لم تبق إلا أيام قلائل، وينقضي عام، ويأتي آخر، فيطوي النسيان كالمعتاد الكثير من الأسماء والأحداث، ويطمس الكثير من الحقائق والمعطيات، لا يبقى من ذلك إلا ما ترسخ في العقول والأذهان، واستعصى عن الإقصاء و جور الزمان ...
في هذا السياق يأتي اسم القاضي عياض لبنة أساس، في بناء شامخ، وجوهرة ثمينة متلألئة،وسط عقد نفيس، علامة مشرقة مضيئة في تاريخ العلم والدين في هذا البلد الأمين، مما لخصته تلكم العبارة الشهيرة، و الشهادة الأثيرة : (لولا عياض ما ذكر المغرب)
ومشاركة في استدراك ما قد يفوت، فلا يذكر هذا الرجل العظيم، في مناسبة لا تتكرر إلا مرة كل مئة عام هذه بعض الأحاديث المقتضبة عن القاضي عياض في ذكراه التسعمئة، اقتصرنا فيها على آخر فصل من فصول حياته، خلال أقل من عام واحد، من لدن خروجه من سبتة السليبة إلى وصوله إلى مراكش المحروسة ، إلى لحاقه بالرفيق الأعلى شهيدا ، في ظروف مأساوية ... تقديرا لما لعلمائنا علينا من حق إحياء ذكراهم ، وواجب الترحم عليهم، وفاء لما قدموا لدينهم وأمتهم من جزيل الخدمات وعظيم المنجزات، واقتداء بمثل ما كان القاضي عياض يردده مما سمعه من شيخه أبي علي الصدفي أنه سمع الإمام أبا محمد التميمي ببغداد يقول :" ما لكم تأخذون العلم عنا و تستفيدون منا ثم لا تترحمون علينا"
الحديث الثاني : لولا عياض ما ذكر المغرب
يبدو أن هذه الكلمة - التي سارت مسار الأمثال ـ تستحق منا أكثر من مقال ، لكشف النقاب عما وراءها من أسرار ، ومعرفة أسباب نزولها ...
إنها كلمة مثيرة، بل مستفزة ، خصوصا لمن يسمعها لأول مرة، وهو يعلم أن تاريخ المغرب حافل بأخبار وسير رجال أفذاذ في شتى الميادين و مختلف المجالات، قبل عياض و بعده، وليس من العدل أن نظلمهم جميعا لحسابه ...
فما قصة هذه الكلمة التي شاعت على الألسنة ؟ متى ظهرت، ومن أطلقها ؟ وما أسباب وملابسات ظهورها ؟ وبماذا نال عياض هذا الاعتبار الخاص و هذه المكانة الرفيعة، التي اختص بها دون غيره من أعلام المغرب ؟ إلى أسئلة شتى ... نؤجل الكلام عليها جميعا إلى آخر هذه الأحاديث ...
الحديث الثالث : الخروج من سبتة نحو مراكش:
لم يستطع أهل سبتة عند قيام دولة الموحدين تحديد موقفهم منها بسهولة ، بل ظلوا مترددين في اتخاذ القرار، يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى، يعيشون بين اليأس و الأمل ..
تذرعوا أولا بإن بيعة تاشفين ما تزال في أعناقهم، فلما قتل بوهران وسقطت تلمسان وجدوا أنفسهم مضطرين بزعامة القاضي عياض إلى بيعة الموحدين وتمكينهم من مدينتهم، في لقاء جمعهم بعبد المومن بن علي، في مدينة سلا في وقت تناهى إلى علمهم أن مدينة فاس سقطت هي الأخرى و أصابها ما أصابها من دمار وخراب ...
لكنهم سرعان ما تراجعوا عن موقفهم هذا، وعادوا إلى التمرد على الموحدين برأي القاضي عياض الذي ركب البحر إلى ابن غانية بالبيعة، وطلب منه واليا فأرسل معه الصحراوي فدخلها وأقام بها إماما..." ثم لم يلبت أهل سبتة أن" كتبوا بيعتهم إلى عبد المومن و أتى بها أشياخ المدينة وطلبتها تائبين فعفا عنهم و عن القاضي عياض، و أمره بسكنى مراكش ..."
من هنا تبدأ مأساة القاضي عياض الذي خرج من بلده سبتة نحو المنفى في مشهد كئيب مؤثر ، يودع قومه باكيا و هو يقول :"جعلني الله فداءكم " غير خائف من العقاب، و لا متنصل من المسؤولية، في رضا تام عن الموقف، الذي أملاه عليه ضميره بناء على قناعات سيأتي الحديث عنها ...
هكذا ودع القاضي مدينة سبتة التي أحبها و أخلص لها ككل السبتيين الذين قال عنهم لسان الدين بن الخطيب :" وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم ، بالبشير الهاجم، وراعي الجديب بالمطر الساجم فلا يفضلون على مدينتهم مدينة الشك – عندي – في مكة و المدينة "
كا ن "ذلك في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة عام ثلاثة و أربعين وخمسمائة في صحبة الشيخ أبي يحيى ابن الجَبْر الصنهاجي - من أهل خمسين - "وتحت بره" على حد تعبير محمد ولد القاضي عياض في رحلة استغرقت ما يقرب من شهر توقف خلالها في ظاهر مكناسة وبه الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي المعروف بعمر أينتي من أصحاب المهدي Hبن تومرت العشرة ... وكانت مكناسة في هذه الفترة محاصرة من قبل الموحدين
الحديث الرابع :القاضي عياض وحديث موضوع عن سبتة :
لم يتورع كثير من الإخباريين من الترويج لأحاديث موضوعة عن بعض المدن - تعصبا لأقاليمهم وبلدانهم - كفاس أو سبتة بالمغرب، والقيروان و المنستير في تونس على سبيل المثال
ذكر المقري في أزهار الرياض أنه قيل عن سبتة بأن " من العجائب أن البلارج لا تعشش فيها ، وقلما تخطر عليها، و يقال إنها بناها سبت بن سام بن نوح ، و إنه دعا لها باليمن و البركة ، و رووا في ذلك حديثا عن مالك عن نافع عن ابن عمر ...
من ذلك هذا الحديث الذي خرجه القاضي عياض في فهرست شيوخه المسمى " الغنية " والذي ينتهي إلى ( سلسلة الذهب ) مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – في سبتة – " إنها على مجمع مجرى المغرب و هي مدينة بناها سبت بن سام بن نوح واشتق لها اسما من اسمه ، فهي سبتة، ودعا لها بالبركة و النصر فلا يريد بها أحد سوءا أو بأهلها سوءا إلا رد الله دائرة السوء عليه "
قال عياض :" هو حديث موضوع لا شك فيه " ، " و أنا أتبرأ من عهدته "
رحم الله القاضي الشهيد ،وجزاه عن العلم والعلماء كل خير ، وحيا سبتة المدينة المغربية السليبة وردها إلى أحضان الوطن - كما كانت - قريبا غير بعيد و ما ذلك على الله بعزيز ...
الحديث الخامس: عياض بمدينة فاس
الحلقة الأولى : نزوله بفاس
بعد اثني عشر أو ثلاثة عشر يوما من خروجه من بلده سبتة ،وصل الى فاس موطن أجداده الأقربين، بعد توقف في ظاهر مكناسة كما سبقت الإشارة إلى ذلك ...
لم تستقبل فاس القاضي الأسبق لسبتة، و لم يعلم أحد من أهلها بذلك غير بيتين من بيوتات فاس و قد أطال الدكتور عبد الهادي التازي رحمه الله القول في هذه النقطة بالذات وانتهى الى" أن التفسير الصحيح للنشاط المحدود للقاضي عياض بفاس يكمن في الجو العام الذي كانت تعيشه البلاد كما يكمن في الرعب و الخوف اللذين كانا يهيمنان على كل شخص تحدثه نفسه بترديد قضية عياض واسم عياض"
لا نعرف – الآن - المدة التي قضاها القاضي عياض بفاس، و إن كان الظاهر أنها كانت قصيرة وتحت أعين الرقباء، كما أن كتب التاريخ و التراجم لم تحتفظ لنا من جهة أخرى فيما يتعلق بنشاطه بها إلا بمعلومات جد ضئيلة سنحاول استنطاقها وقراءة بعض ما توحي به من إيحاءات ...
علاقة عياض بفاس :
علاقة عياض بفاس - التي يزورها لأول وآخر مرة في حياته- علاقة لها جذور ضاربة في التاريخ، ترتبط بأجداده الذين استقروا افي القديم بالأندلس جهة بسطة، قبل أن ينتقلوا إلى مدينة فاس... و كان لهم استقرار بالقيروان لا يدرون هل كان قبل الأندلس أو بعده.
في هذا السياق قال عبد الله بن حكم معاصر عياض وزميله في الأخذ عن بعض الشيوخ :
وكانت لهم بالقيروان مآثر . . . عليها لمحض الحق اوضح برهان
ثم انتقل عمرون {ت 397 هـ} جد والد القاضي عياض من مدينة فاس إلى مدينة سبتة بعد دخول العبيديين المغرب لأسباب عائلية دعته إلى ذلك قال عنها محمد بن عياض إن جد جده هذا (عمرون ) :" كان له ولأبائه بمدينة فاس نباهة، فأخذ ابن أبي عامر رُهُنا من أعيان مدينة فاس فأخذ فيهم أخوي عمرون : عيسى و القاسم ، فخرج عمرون إلى مدينة سبتة ليقرب من أخبارهما بمدينة قرطبة ، فاستحسن سكنى مدينة سبتة ...
الحديث الخامس: عياض بمدينة فاس
الحلقة الثانية : أنشطة القاضي عياض بفاس :
اقترن وجود أبي الفضل عياض في فاس، بثلاثة أنشطة بارزة في ثلاث محطات وازنة ،على الرغم من أن حديث المصادر والمراجع كان في معظمه مقتضبا، يتصل اثنان منها بالعلم وصلة رحمه، ويتصل الثالث بالخلود لعبادة الله ومناجاته وربما للتعليم أيضا... وهي أشياء يصعب الجزم بما إذا كانت من اختياره أم كانت موجهة من المسؤولين على مرافقته ؟ ... مع الاعتراف في جميع الأحوال، بأنها كانت موفقة وفرت الجو المناسب لرجل كبير، إن كان قد جرد من ولاية القضاء و الرئاسة في قومه، فقد ظل شامخا كالطود العظيم، يحظى - بما هو أعظم- بولاية العلم التي قال عنها أبو الوليد الباجي في نصيحته لولديه : "العلم ولاية لا يعزل عنها صاحبها ، و لا يعرى من جمالها لابسها "..." جاهه يتبعه حيث سار، ويتقدمه إلى جميع الآفاق والأقطار ، يبقى بعده في سائر الأعصار"
و يبدو أنه إلى جانب النقاط الثلاث الآنفة الذكر، كانت للقاضي أنشطة أخرى متفرقة ، نتجاوزها - هنا – لأنها تحتاج إلى كثير من التحري و التثبت... و هو ما لاتتسع له هذه الأحاديث
أولا- النزول بدار ابن الغرديس :
لما دخل القاضي عياض مدينة فاس، نزل بدار ابن الغرديس التغلبي بزنقة (حجامة ) قريبا من سكنى آل الملجوم - الآتي ذكرهم – في ( السبع لويات) وكلا الحيين من أرقى أحياء عدوة فاس القرويين في ذلك العهد، وبيتهم بيت علم وفقه وكتابة وعدالة وقضاء.
قدم عبد الكبير بن هاشم الكتاني { ت 1350 هـ = 1932 } تفاصيل كثيرة عنهم في بيوتات أهل فاس يعنينا منها هنا الدار المعروفة لبني الغرديس التي نزل بها القاضي عياض في البيت المقابل وجه الداخل لها بالذات، مشيرا إلى إنه لا زال يتبرك بالدخول له، وتقصده الناس إلى الآن... كما يعنينا أنه كانت لهم خزانة علمية يكفي للدلالة على أهميتها أن أبا العباس الونشريسي { ت 914 هـ} استفاد منها في تأليف كتابه في النوازل " المعيار المعرب " وذكر الكتاني أنه وقف بيد ساكنها من بني الغرديس المعاصرين له، على اثني عشر ظهيرا...
وفي نفس الموضوع قال الدكتور عبد الهادي التازي إن أسرة الغرديس التغلبيين "عرفوا كيف يحافظون على صلة أجدادهم بالقاضي عياض، حيث نجدهم إلى الآن يفتحون بيتهم لكل من يريد أن يؤدي زيارة للبقعة التي كان يرقد فيها عياض " ... " و تحتفظ الأسرة إلى الآن بعدد من الرسوم و الظهائر التي تترجم عن المركز الاجتماعي للعائلة سواء لدى الخاصة أو العامة "
الحديث الخامس: عياض بمدينة فاس
الحلقة الثالثة : أنشطة القاضي عياض بفاس - تكملة :
ثانيا - زيارة دار ابن الملجوم : :" قال الشيخ أبو القاسم بن الملجوم : اجتاز علينا القاضي عياض عند انصرافه من سبتة قاصدا إلى الحضرة – مراكش - زائرا لأبي بداره عشية يوم الاثنين الثامن لرجب ستة ثلاث وأربعين وخمس مئة، و في هذه العشية استجزته وسألته عن نسبه ..."
يبدو من خلال هذا النص أن مدة إقامة أبي الفضل بفاس لم تطل كثيرا بل كانت قصيرة جدا، ومن ثم سارع أبو القاسم ابن الملجوم إلى استجازة القاضي عياض فور اجتيازه عليهم قادما من سبتة ... كما اغتنم القاضي عياض من جهته فرصة وجوده بدارهم فزار مكتبتهم الخاصة مخافة ألا يتأتى له ذلك مرة ثانية ...
وقول أبي القاسم : " زائرا لأبي " يعني أبا موسى عيسى بن يوسف بن عيسى الأزدي المعروف بابن الملجوم قاضي بلده فاس إلى أن توفي في شهر رجب 543 ولعل وراء زيارة القاضي عياض له عيادته في الأخير مرضه الذي مات منه بعد ذلك بأيام قلائل
و ذكر المقري في النفح من جهة أخرى أن أحد بني الملجوم قضاة فاس و أصلائها بيعت أوراق كتبه التي هي غير مجلدة بل متفرقة بستة آلاف دينار ويكفيك ذلك في معرفة قدر القوم " مشيرا إلى أنهم مع ذلك لم يتورع أبو العباس الجراوي{ت 209هـ} عن هجوهم متوصلا إلى ذلك بهجو قومه بني غفجوم من بربر تادلا، "و الله يغفر الزلات ":
يا ابن السبيل إذا مررت بتادلا . . . لا تنزلن على بني غفجومِ
أرضٌ أغار بها العدو فلن ترى . . . إلا مجاوبة الصدى للبومِ
قومٌ طووا طنب السماحةِ بينهم . . . لكنهم نشروا لواءَ اللومِ
لاحظ في أموالهم ونوالهم . . . للسائلِ العافي ولا المحرومِ
لا يملكونَ إذا استبيح حريمهم . . . إلا الصراحَ بدعوةِ المظلومِ
يا ليتني من غيرهم ولو أنني . . . من أهلِ فاسٍ من بني الملجومِ
ومهما يكن فيبقى بيت أولاد الملجوم الأزديين من بيوتات أهل فاس العريقة ، جدهم القادم من الأندلس للمغرب الأقصى هو عمير بن مصعب الأزدي وزير المولى إدريس الأصغر
قال عبد الكبير بن هاشم الكتاني رحمه الله :" بيتهم بفاس بيت مروءة و أصالة في العلم والخطط الشرعية وهم أعلام مدينة فاس الذين تولوا القضاء بها و الشورى و الشهادة "... " و اليوم انقرض هذا القبيل من فاس ، ولله عاقبة الأمور"
ثالثا - مسجد القاضي عياض ..."
قال ابن القاضي المكناسي " وينسب إليه بها – أي بفاس - مسجد يحمل اسمه إلى الآن يقع قبالة الدرب المعروف بدرب حجر النار
وقال صاحب السلوة : و من مزارات هذه الحومة ( الصاغة ) مسجد القاضي عياض ... و هو مسجد مبارك نزله كثير من أهل الخير و تعبدوا به و أول من اشتهر أنه نزل به وتعبد الشيخ الإمام ...أبو الفضل عياض بن موسى ... و لذا ينسب المسجد المذكور - إلى الآن - إليه"
أحاديث عن القاضي عياض
بمناسبة مرور تسعة قرون على وفاته {(544 – 1444 هـ}
الحديث السادس : القاضي عياض ببلدة داي بتادلا
تضاربت الأقوال حول هذه المحطة من رحلات القاضي بين من يجعلها مجرد مرحلة من مراحل المجيء به أسيرا من سبتة إلى مراكش، وبين يقول هي سابقة عن هذه الرحلة في مجملها بل لا علاقة لها بها، وثالث يقول إنه تولى قضاءها في طريقه من سبتة نحو مراكش وبها كانت وفاته
القول الأول لولد القاضي عياض { ت 575هـ} في التعريف جاء في سياق تقديم نماذج من شعر والده حين قال :" وله رضي الله عنه ما قاله ببلد داي عند توجهه لحضرة سيدنا أمير المومنين" { سنة 543هـ }:
أَقمريّة الأدواحِ بِاللَه طارِحي . . . أَخا شجنٍ بالنوحِ أَو بغناءِ
فَقَد أَرّقتني مِن هديلك دنسة. . . تُهيّجُ مِن شَوقي وَمِن بُرَحائي
لعلّك مِثلي يا حمام فَإِنَّني . . . غَريب بداي قد بليتُ بداءِ
فَكَم مِن فلاةٍ بين دايٍ وسبتةٍ . . .و خرق بعيد الخافقين قواءِ
تصفّق فيهِ للرّياحِ لواقح . . . كَما ضَعضتني زَفرة الصعداءِ
يذكّرني سحّ المياهِ بأَرضها . . . دموعاً أُريقت يومَ بنت ورائي
وَيُعجبني في سَهلِها وحزونِها. . . خَمائل أَشجارٍ ترفّ رواء
لعلّ الَّذي كانَ التَفرّق حكمه . . . سَيَجمَع منّا الشمل بعد تنائي
القول الثاني ذكره المقري في أزهار الرياض معزوا إلى الحافظ ابن رشيد السبتي { ت 721 هـ } قال : أنشدني أبو عبد الله محمد بن مسعود بن الحسن التادلي الفقيه للقاضي عياض – رحمه الله – وقالها حين ولي القضاء بمدينة داي ببلاد تادلة سنة واحد و أربعين و خمسمائة "
أَقمريّة الأدواحِ بِاللَه طارِحي . . . أَخا شجنٍ بالنوحِ أَو بغناءِ
الأبيات
القول الثالث للعلامة ابن خلدون { ت 808 هـ} : " ... واستمر عبد المومن على حاله فنازل سبتة وامتنعت عليه وتولى كبر دفاعه عنها القاضي عياض الشهير الذكر كان رئيسها يومئذ بدينه وأبوته ومنصبه ولذلك سَخِطته الدولة آخر الأيام حتى مات مغربا عن سبتة بتادلا مُستعمَلا في خطة القضاء بالبادية” سنة { 543 – 544 هـ} و تابعه على ذلك الناصري في الاستقصا مع بعض الاختلاف البسيط قائلا : والصحيح أنه ولاه القضاء بتادلا ثم دخل مراكش ، قيل دخلها مريضا مرض موته وقيل مات بالطريق وحمل إليها" رافضا في الوقت قول ابن خلدون: "سخطته الدولة " إلى آخره لأنها كما قال في المجد الطارف و التالد :"عبارة لا تليق في حق هذا الإمام الكبير الشأن عفا الله عن ابن خلدون "
وبوضع هذه الأقوال في ميزان الزمان وعقد المقارنة بينها و بين مجريات الأمور يتضح أن القول بأنه تولى قضاء بلدة داي سنة 541هـ وظل بها مدة سنتين تتناقض مع الأحداث وسياسة شد الحبل التي ظلت قائمة بين الموحدين و أهل سبتة بزعامة القاضي عياض إلى أن أمر بسكنى مدينة مراكش
أما الذين قالوا بأنه تولى قضاء داي في طريقه من سبتة إلى مراكش فقد غض الطرف عنه كثير من العلماء المحققين ...ولعل ما يستفاد من كلام ولد عياض هو الصواب و أن الرحلة انتهت بالوصول إلى مراكش في ظروف غير مبشرة بالخير كما سيأتي
ورأينا في هذا الموضوع مع الرأي الذي عبر عنه أستاذنا الراحل الدكتور محمد بن شريفة رحمه الله حين قال :" الرواية المعقولة أن أهل سبتة امتنعوا من الدخول في طاعة الموحدين، وظل قاضيهم عياض يدير أمر البلد، ويسوس أهله إلى أن حاصر الموحدون سبتة ودخلوها عام 543 هـ (1148 م )فحمل القاضي عياض إلى مراكش "
يتبع