بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

تقديم كتاب الستر العام فيما يتعلق بتعظيم الطعام تأليف العلامة أحمد ولد الحاج المحجوب المراكشي - تعليق:ذ.أحمد متفكر - تقديم: د.عزالدين المعيار - سلسلة التوعية 13

تاريخ نشر المقال 02-03-25 04:51:03

    بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم : تعددت النعم الإلهية على العباد و تنوعت { و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } أعلاها نعمة الإسلام و افظيمان ، ثم تأتي بعدها كل النعم ، متفاوتة من حيث الأولوية، وفق حاجة و ظروف كل إنسان ،فمنهم من يرىأن أعظمها نعمة الأبناء، على حد قول القائل :
نعم الإله على العباد كثيرة . . . و أجلهن نجابة الأولاد
و منهم من يرى أن أعظمها نعمة المال، مصداقا لقول الله تعالى :{المال و البنون زينة الحياة الدنيا} فبه يتحقق العيش الكريم، إذا أنفق على الوجه الصحيح .
يا حبذا المال أصون به . . . عرضي ويقربني به الى ربي
وهناك من يرى أن أجل النعم الصحة، و في الحديث : ; نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة و الفراغ
و الواقع أن الإنسان يرتبط بالنعم وفق ما ركب الخالق فيهن أو هيأه لاكتسابه من ميول ودوافع فطرية ، تشتد و تضعف حسب قربه أو بعده من حب البقاء، ولذلك كانت شهوتا البطن و الفرج أهم ميول الدنيا كما قال أبو حامد الغزالي في الإحياء ، إذ بالأولى يتحقق البقاء الشخصي، و بالثانية يتحقق بقاء النسل ...
و الطعام والأمن نعمتان تتوقف عليهما حياة الإنسان وطمأنينته، و الدول المتقدمة -حقا-
هي التي توفر لشعوبها الغذاء و الأمن ، فقد يستغني الإنسان راضيا أو كارها عن كثير من الحاجيات، لكنه لا يمكن أبدا أن يستغني عن الطعام و الشراب و لا معنى للحياة دون أمن و استقرار، و لهذا بعد أن امتن الله تعالى على قريش برحلة الشتاء و الصيف، وبعد أن مكنهم من إيلافهم هذه النعمة، أمرهم بالعبادة و أعلمهم أن الله تعالى هو الذي أطعمهم و أمنهم فقال :{ فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و أمنهم من خوف }
وشكر النعمة و التحدث بها واجب { فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون} ، { و أما بنعمة ربك فحدث } و ثواب ذلك و جزاؤه، الزيادة في النعم { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، و لئن كفرتم إن عذابي لشديد} ، {نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر} و على العكس من ذلك يأتي عقاب من جحد وكفر بالنعمة { فكفرت بأنعم الله فأذاقها لباس الجوع و الخوف بمل كانوا يصنعون} ولا يعرف قيمة نعمة الطعام إلا من حرمها، و لا يجحدها إلا من كفر بأنعم الله ، و ظن أنه بمنجاة من رفعها عنه {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن الى ربك الرجعى} في هذا الإطار ، و إحياء لذكرى العلامة أحمد بن المحجوب المراكشي يسعد المجلس العلمي المحلي بمراكش أن يقوم بنشر هذا الأثر الجليل الذي قام بإعداده و التعليق عليه الزميل الباحث الأستاذ أحمد متفكر مشكورا ...
و تجد الإشارة - هنا – الى أن تأليف هذا الكتيب، تزامن مع نهاية الحرب العالمي الأولى {1914 -1918م}ن تلك الحرب التي اكتوت بنيرانها جل أمم الأرض و كانت من أبرز سماتها كثرة الأمراض والمجاعات و الوفيات، وكان المغرب يعيش الى جانب ذلك السنوات الأولى من عهد الحماية التي بأن منذ 1912م ...
في هذه الظروف الصعبة، و ما كانت تعرف البلاد من أزمات اقتصادية و اجتماعية ألف العلامة أحمد بن المحجوب كتابه هذا، حيث كانت هناك فئات من ذوي اليسار ربما يلقون ما فضل عليهم من طعام في الأزبال و القاذورات، غير مقدرين لهذه النعمة التي أكرمهم الله بها، في وقت لم يكن السواد الأعظم من الأمة يجد من القوت ما يكفيه، و لعل هذا من الأسباب التي جعلت المؤلف يبالغ في تعظيم نعمة الطعام الى درجة قد تعافها النفس وتأباها إلا في حالة الضرورة القصوى، و المجاعة القاتلة ...
على أن المؤلف حين كتب ما كتب لم يكن ذلك تحت تأثير هذ العامل فحسب، بل هناك عامل قوي آخر، كان يستولي على عقله و قلبه، و على علمه و عمله، هو التأثير الصوفي و لعلالعنوان الذي اختاره وهو " الستر العام فيما يتعلق بتعظيم نعمة الطعام " يحيل الى هذه الامرجعية، كقول أبي القاسم القشيري في رسالته:" العوام في غطاء الستر و الخواص في دوام التجلي" و قول اظبي العباس زروق في قواعد التصوف:" تعظيم ما عظم الله متعين، و احتقار ذلك ربما كان كفرا" و حديث الصوفية عن الطعام وأدبه كثير، و دعوتهم على رياضة النفس على الجوع و القناعة بالقوت القليل مستفيض، و هم يرون أن في ذلك حكمة بالغة كقول البوصيري:
فلا بالمعاصي كســـر شهوتهـــــــــــا . . . إن الطعــــــام يقوي شهوة النهم
و النفس كالطفل إن تهمله شب على . . . حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
و قول أبي ذؤيب الهذلي :
و النفس راغبة إذا رغبتها . . . و إذا ترد الى القليل تقنع
و قد ألفت في الطعام و آدابه و ما يتعلق به، مؤلفات خاصة منها مما هو مطبوع :
- القناعة و التعفف لأبي بكر ابن أبي الدنيا {ت281هـ}
- القناعة لأبي بكر ابن السني {ت364هـ}
- قمع الحرص بالزهد و القناعة ... لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي {ت671هـ}
- آداب الأكل ( أرجوزة في 347 بيتا ) لأحمد بن عماد الدين الأقفهسي الشافعي {ت808 هـ}
و غير ذلك مما يأتي- اليوم - كتاب "الستر العام"للعلامة أحمد بن المحجوب ليضاف إليه و يعززه ، سائلين الله تعالى أن يثيب صاحبه، و يتقبله منه عملا نافعا لا ينقطع، و أن يجعل سعينا خالصا لوجه الله ...
محمد عزالدين المعيار الإدريسي