بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

من جهود جلالة المغفور له محمد الخامس في خدمة القرآن و علومه

تاريخ نشر المقال 10-05-25 12:03:25

    مقدمة :
لعل من نافلة القول أن نؤكد على اشتهار المغاربة بحفظ القرآن الكريم، و قد جرى على الألسنة ما يشبه المثل السائر :" نزل القرآن بلغة العرب، ففسره العجم، وحفظه المغاربة و نطق به المصريون" و هو شيء إذا كان حقا في الماضي الغابر، فإنه في الوقت الحاضر، لا نبالغ إذا قلنا إن المغاربة أصبحت لهم– بحمد الله – الريادة في كل ذلك ...
لن أطيل بالحديث عن دخول القرآن الى المغرب و انتشاره به من لدن الفتح الإسلامي على يد عقبة بن نافع الفهري رحمه الله سنة62 هـ، إلى يومنا هذا و أكتفي بالإشارة الى ما أولى بلدنا المغرب الأقصى ، هذا النبع الصافي الفياض الذي" لا يخلق على كثرة الرد، و لا تنقضي عجائبه " من عناية و اهتمام فائقين ، و الى المكان الأسنى الذي وضع فيه أسلافنا القرآن الكريم وت كيف مثلوه في سلوكهم و وجدانهم، و في سأئر أحوالهم، و على رأسهم من ولاهم الله مقاليد الأمور في هذا البلد الأمين
يقول الأستاذ علال الفاسي رحمه الله :" الأسرة العلوية في المغرب قامت على أساس الدعوة الى توحيد الدولة المغربية و جمعِ كلمتها حول إمام من سلالة الرسول و مبايعتِه على العمل بكتاب الله و سنة رسوله. و قد كانت سجلماسة مقرا للدراسات القرآنية و مفزعا لحفاظ كتاب الله "
وبلغت عناية السلطان سيدي محمد بن عبد الله بالقرآن الكريم إلى درجة أن كان يقول :" إن أهل القرآن و المعرفة أولى بالولاية من غيرهم " و ذلك - طبعا - في زمان كان عدد المتعلمين قليلا ،و قصته ليلة خرج متنكرا لتفقد الأحوال في قبيلة احمر بنواحي آسفي وما تلا ذلك من تنحية قائدها و استبداله بفقيه مقريء مشهورة
و على هذا السنن سار من بعده ابنه السلطان المولى سليمان ثم المولى عبد الرحمن والمولى محمد بن عبد الرحمان ، و في هذه القبيلة قرأ كذلك السلطان الحسن الأول والمولى عبد العزيز و المولى عبد الحفيظ
في هذا السياق، تأتي هذه المشاركة، لتلقي بعض الأضواء على ما كان لجلالة المغفور له محمد الخامس، من جهود مشرقة، في سبيل خدمة كتاب الله عز وجل و علومه .
المحور الأول – شخصية محمد الخامس و نضاله من أجل الحرية و الاستقلال
أبصر محمد الخامس النور بفاس عام (1327هـ - 1909م) في وقت كان والده المولى يوسف لا يزال خليفة –لأخيه السلطان المولى عبد الحفيظ- على فاس، قبل أن يختاره الله، ليتربع على عرش أسلافه الميامن، عقب توقيع الحماية مباشرة سنة 1912م، وتنازل أخيه المذكور له عن العرش.
في هذا الكنف ولد محمد الخامس، وفيه تربى و تلقى تعليمه العربي الإسلامي، فحفظ القرآن الكريم و استظهره ، ودرس علوم العربية والدين، كما درس اللغة الفرنسية، ووقف على ثقافة الغرب وحضارته.
و كان المولى يوسف قد عين للمولى محمد وإخوته، أساتذة أكفاء، كالفقيه السيد محمد بن الحاج محمد النصيري(1) (ت 1356 هـ). و الأستاذ محمد بن عبد المجيد أقصبي(2) (ت1364هـ) و قدور أو عبد القادر بن غبريط التلمساني {ت 1373هـ} والفقيه الشاعر الوزير السيد محمد المعمري الزواوي{ت 1392هـ} و غيرِهم رحم الله الجميع. و كان هذا الأخير هو المشرف على تربية الأمير محمد بن يوسف و كان ذلك خيرا بالتأكيد كما عبر أحد الباحثين لأن الأستاذ المعمري،لم يكن متشبعا بتعاليم القرآن فحسب ، بل كان مفتحا على ثقافة ذلك العصر...
وعلى الرغم من أن محمدا الخامس، اعتلى عرش أسلافه المنعمين، وهو في سن مبكرة، فإن أعباء الملك، ودقة الظروف التي كانت تمر بها البلاد، لم تحل بينه وبين الانكباب على المطالعة والاستيعاب لما يقرأ، مع شدة الملاحظة، وقوة الإدراك، الشيء الذي أثار إعجاب عالم في حجم الشيخ الراحل أحمد حسن الباقوري وزير مصر سابقا فقال في حق جلالته:
"رأيت في السلطان حين التقيت به، عقلا ورأيا، ورأيت فيه فهما وعلما، وقدرت أنه لو لم يكن سلطانا، لكان عالما له في مقام العلم منزلة رفيعة ومكان مرموق"(3).
كان محمد الخامس لا يكتفي بالعلم المجرد، بل كان يترجم ذلك إلى سلوك في الحياة، فكان المثال في المحافظة على الواجبات الدينية، مؤديا للصلاة في أوقاتها المعلومة لا يتخلف عن ذلك، بل طالما وقف إماما بالمسلمين وخطيبا فيهم، كما حدث بجامع ابن يوسف بالدار البيضاء في ربيع النبوي عام 1355هـ وبالجامع الكبير بطنجة خلال رحلته التاريخية إليها سنة 1947م وبجامع القرويين بفاس وجامع حسان بالرباط عام 1375هـ وبتطوان عام 1377هـ، وبغيرها من المدن والمساجد ...
مواظبا على تلاوة القرآن الكريم ، كثيرا ما رؤي وهو يمشي راجلا بعد صلاة العصر في غالب الأيام في المشور السعيد بالرباط ثم يتوقف فجأة فيخلع حذاءه و يسجد – عندما يصل الى سجدة من السجدات المعلومة - نور الله ضريحه وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كان رحمه الله بكل ملامحه وهيئته. وجها عربيا مشرقا، فصيح اللسان، حلو العبارةـ رائع النبرات شديد التأثير في النفوس، مع الصدق في القول. والصدور عن إيمان قوي لا يتزعزع، وفراسة لا تخطئ ولا تخيب، وبإيجاز تام، كان محمد الخامس ذلك الإمام الفذ، الذي تكاملت فيه أرفع الصفات والخلال، وقد وفق أستاذنا الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله إلى التعبير عن ذلك بدقة عند ما قال:
«اجتمع فيه [محمد الخامس] في تناسق وانسجام، ونِسَب متعادلة ما لم يجتمع في غيره، فهو ثائر ومتطور، وهو محافظ ومتحرر، وهو متدين ومتحضر، يلتقي عند قلبه وفي فكره الشرق والغرب، والروح والمادة دون أي تناقض أو اضطراب، وهو فوق ذلك إنساني كبير، يثق بالإنسان، ويؤمن بالإنسانية، ويفكر في مصير الحضارة والمدينة، تفكير الذين ساهموا في خلقها وبنائها وإقامة دعائمها على وجه الأرض، فهو سليل سلالته عريقة لها في سجل الحضارة مقام مرموق»(4)
امتاز رحمه الله، بامتلاك مجامع القلوب، لما طبع عليه من سلامة الطوبة، والإخلاص في العمل والنية، حتى ليخاله من يقرأ سيرته العطرة، نبيا من الأنبياء، ما جاء إلى هذا العالم، إلا ليؤدي رسالة سامية مقدسة، ثم يرحل قافلا إلى جوار ربه راضيا مرضيا.
كان مرهف الحسن، متيقظ الضمير، شديد التعلق بالحرية، محبا للخير ساعيا إليه، رافضا للظلم متمردا عليه، اعتلى عرش أسلافه المنعمين والحماية تأخذ بخناق البلاد، والشعب يعاني من عنت المستعمر وتسلطه، فكان وهو الملك الشاب المؤمن، يرى ذلك فيتألم، ثم يخلو إلى نفسه، شاكيا متضرعا إلى ربه أن يمده بعونه ونصره، حتى إذا واتته الفرصة، كسر ذلك السياج الذي أراد الاستعمار إقامته بينه وبين شعبه، وانتفض يقود بنفسه الحركة الوطنية والمقاومة الباسلة، رافعا صوته في كل مكان بضرورة استقلال بلاده، معلنا بفخر واعتزاز، انتماء المغرب إلى العروبة والإسلام ويلجأ الاستعمار –بعد يأسه- إلى نفي الملك وأسرته الكريمة إلى كورسيكا، ثم إلى مدغشقر، منصبا مكانه الصنيعة ابن عرفة، لكن ثورة الملك والشعب، لم تلبث أن انفجرت في غضب وسخط، فأفسدت على المستعمر مؤامرته الدنيئة، وعجلت بعودة الملك إلى عرشه ظافرا منتصرا، وعمت الفرحة العارمة الشعب كله، والتقى الحبيبان في أروع صور اللقاء المفعم بالحب والوفاء.
عاد محمد الخامس، وبدأ منذ أول يوم يضع اللبنات لمغرب الاستقلال، لكن القدر المحتوم لم يمهله طويلا، فلم يلبث أن توفاه الله إليه، ليكمل المشوار من بعده رفيقه في الكفاح، ووارث سره البار، جلالة المغفور له الحسن الثاني ، ثم من بعدهما أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله في تفان وإخلاص وتأكيد على أن مدرسة محمد الخامس، خالدة على مر الزمان لا تتوقف أبدا عن البناء والتشييد، والترقي بالمغرب إلى أعلى مدارج التقدم والازدهار
.
المحور الثاني: من عناية محمد الخامس بالقرآن الكريم
من حسن حظ المغرب وأهله، أنها ترسخت فيهم منذ القديم ظاهرة تأسيس التربية والتعليم ، على حفظ القرآن الكريم قبل كل شيء، وأنهم دأبوا على قراءة الحزب بالمساجد والزوايا بانتظام ومواظبة في أوقات معلومة من كل يوم.
و من المعلوم أن القرآن العظيم ظل محور التربية و التعليم في بلدان المغرب الكبير ، مما أكده من العلماء مثل ابن سحنون {ت256هـ } في "رسالة آداب المعلمين " و القابسي{ت 403هـ} في " الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين و المتعلمين " ثم ابن خلدون {ت 808 هـ} فيما بعد في مقدمته و غيرهم. وكان رأي القاضي أبي بكر ابن العربي المعافري {ت543هـ} تقديمَ العربية و الشعر على سائر العلوم وعن ذلك يقول في قانون التأويل :في "ذكر ترتيب الطلب ... و أولها المقصدُ الى تعلم علم العربية و الأشعار فإنهما ديوان العرب التي دفعت إليها ضرورة فساد اللغات ، ثم تَنْتَقِل الى الحساب فتتمرن فيه حتى ترى القوانين ... ثم انْتَقِلْ الى درس القرآن فإنه يتيسر لك بهذه المقدمات و يا غفلة أهل بلادنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب الله في أول أمره و يقرأ ما لايفهم و ينصب في أمر غيره أهم "
وارتباط اللغة العربية بالقرآن ارتباط وثيق ، بهما معا انتشر الإسلام و قامت حضارته ، و هي حقيقة كان يدركها جلالة المغفور له محمد الخامس فناضل من أجلها و عمل على تحقيقها
يذكر جورج سبيلمان Georges Spillmann في كتابه : " المغرب من الحماية الى الاستقلال 1912- 1956م" أن جلالة المغفور له محمد الخامس شجب في زيارته الرسمية الى فرنسا سنة 1945 م" التهميش الذي يعرفه التعليم الإسلامي على اختلاف مستوياته ، و خاصة الوضع الذي يوجد عليه تدريس العربية ..."
وجورج سبيلمان هذا ( بين قوسين ) عسكري فرنسي بالمغرب يكتب التقارير للسلطان {ت 1980م} كان يتقن اللغة العربية كما تعلم الأمازيغية ، وحفظ من القرآن بعض السور و بعض الأحاديث والأذكار، وتزوج امرأة مغربية من نواحي زكورة تدعى ماما أزوڭاغ تنكر في هيئة فقيه ( مولاي سليمان ) فصلى بمجموعة من الأشخاص في إحدى قرى الجنوب له عدة مؤلفات ترجم بعضها الى اللغة العربية ...
و أعود فأقول إنه بروح مؤمنة بعظمة القرآن، عاملة بتعاليمه متعطشة إلى الكشف عن أسراره، وما يحمله من هذي ونور، انطلق محمد الخامس، يعيد بناء الدراسات القرآنية، ويتولى حمايتها بنفسه من مؤامرات المستعمر ومضايقاته، فأكد على ضرورة قيام التعليم على حفظ القرآن وفهمه، لما يحمله من مبادئ سامية، من شأنها أن تقي الناشئة الاستلاب وفقدان الهوية، وتؤهلهم فيما بعد للانفتاح على الثقافات الأجنبية المختلفة، والاقتباس من العلوم والتقنيات الحديثة.
في هذا السياق جاء تعليم ولي العهد مولاي الحسن ( جلالة الملك الحسن الثاني فيما بعد ) و الأمراء القرآن الكريم
وكان جلالة المغفور له محمد الخامس قد عين القارئ السيد عبد الرحمن بنموسى ضمن هيئة التدريس بالمدرسة المولوية، أستاذا لمادة القرآن الكريم، في حين عين الأستاذ عبد الهادي بوطالب لتدريس مادة التفسير والأستاذ محمد الفاسي لتدريس مادة التاريخ والجغرافية والأستاذ البرنوصي لتدريس مادة العربية و الأستاذ أقصبي لتدريس مادة الفقه .
و من مظاهر عناية محمد الخامس بالقرآن الكريم
1 – طبع المصحف الشريف :
أول مصحف شريف مطبوع بالمغرب بالمطبعة الحجرية الفاسية هو المصحف الذي صدر عن مطبعة الحاج الطيب بن محمد الازرق بفاس ، ووقع الفراغ منه يوم الخميس 4 شعبان ، عام 1296 هـ / 1879م . وصفه العلامة محمد المنوني بأن كتب بخط مغربي لا بأس به ، مبسوط مشکول مجدول ، موقف على طريقة الهبطي ، وخال من اسم الناسخ (70) (71) به 251ص ، مسطرة 19 مقیاس 180/22 موضوع في سفر مفتی بجلد احمر مذهب ، من نوع تجليد المطبعة التي أخرجته . ثم طبع على عهد جلالة المغفور له محمد الخامس :
أ- مصحف شريف : كتبه بخطه السيد أحمد بن لحسن زويتن الفاسي {ت1381هـ = 1961م } تم تصحيحه على يد ثلاثة من مشايخ القراءات بالمغرب ، ومراجعته من طرف مراجع المصاحف الشريفة بمشيخة المقاري المصرية الشيخ على محمد الضباغ .. وطبع - على الحجر – بالقاهرة بمصر ، بعناية الحاج محمد المهدي الحبابي ومحمد الحبابي الفاسيين عام 1347هـ = 1929 م، و أعيد طبعه – بنفس الخط - عام 1349 هـ = 1931 م
ب - مصاحف عديدة كتبها خطاطون بارعون، تخصصوا في نسخ المصاحف والتفنن في زخرفتها وتلوينها .
2 - إذاعة القرآن الكريم على أمواج الإذاعة المغربية ضمن برامجها وكانت الإذاعة المغربية قد انطلقت بداية عهد جلالته سنة 1928م
يحكي القارئ المغربي المعروف عبد الرحمن بنموسى{ت1417هـ = 1997م } أن اتصاله الأول بالإذاعة كان بأمر من صاحب الجلالة الراحل محمد الخامس الذي أعجب بقراءته للقرآن خلال شهر رمضان لسنة 1940م وبذلك انضم لجماعة مقرئي القرآن بالإذاعة، مشيرا الى أنه سبقه للقيام بهذه المهمة السادة : مولاي الشريف الذي كان يقرأ القرآن بعد صلاة يوم الجمعة، ومحمد الحياني من مراكش الذي كان يقرأ القرآن يومي الأربعاء والسبت، ومن فاس السيد أحمد العلمي الذي كان يتولى القراءة يومي الاثنين والجمعة والسيد امحمد العوني ومحمد الحصيني اللذان كانا يتناوبان على القراءة يوم الأحد وكان عبد الله الجيراري يقرأ يوم الخميس"
المحور الثالث : من عناية محمد الخامس بعلوم القرآن
سجل الأستاذ حسن الوزاني في الدراسة التي أعدها حول كتاب "معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين " لعبد الرحمن ابن زيدان{ت 1365 هـ = 1945م } أن عدد العناوين المدرجة في إطار علوم القرآن منذ قيام الدولة العلوية الى زمنه لم يتجاوز ستة وستين عنوانا بنسبة 56 ، 3% من مجمل المصنفات الواردة في الكتاب و تتوزع كالتالي : التفسير 41 عنوانا ، القراءات 19 ، الرسم 5، الضبط 1 )
و يمكن عزو هذا الانحسار الذي عرفه مجال التفسير وباقي علو القرآن الى عدة أسباب منها :
1 - ما كانت تهدف اليه السياسة الاستعمارية ، من إضعاف علوم اللغة والدين ، وكانت المدارس التي أسستها إدارة الحماية على قلتها تحاول – كما قال الأستاذ محمد العربي الخطابي رحمه الله - بمكر و تحايل أن تبعد الناشئة المغربية عن دينها و لغتها و أن تفصلها عن جذورها الأصلية بواسطة برنامج محكم مدبر ...
و الاستعمار الفرنسي - كما هو معلوم - أخطر أنواع الاستعمار التي عرفها العالم في العصر الحديث لأن مخططه كان يقوم على صهر الشعوب المستعمَرة ثقافيًا ولغويًا، بنشر اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية ...
2 - تراجع تدريس التفسير بالقرويين وابن يوسف و غيرها من المعاهد
3 - قوة سلطة التمثل السائد حينها القائم على تصور تحيط به كثير من الخرافات، الرابط بين تدريس التفسير وما يقع من أحداث ومصائب ... و هو شيء لم يكن جديدا بل ظهر منذ وقت مبكر من تاريخ الدولة العلوية، لعل من أوائله ما عانى منه أبو عبد الله اليفرني المراكشي { المتوفى في نحو 1156 هـ}
فقد تصدر لقراءة التفسير وصحيح البخاري بعد رجوعه من فاس لموضعه بمراكش عام 1130هـ ، واجتمع عليه طلبة مراكش ، بكثرة البحث و الجدال في مجلس إقرائه وتدريسه ، ورموه بالزندقة و الجهل بأحكامها و عدم توفر شروطها حينئذ ، ورفعوا أمره للقاضي ابن بوعبدلي سيدي محمد بن أحمد ... و قالوا :إن التفسير متى قرئ بمراكش يكون به الجوع لا محالة . قال لهم الفقيه : لا قائل بهذا ، فإن ادعيتم بزعمكم عدم توفر شروط ذلك فلتحضر علماؤكم وحذاق طلبتكم بمجلسنا ... واستمروا على ذلك فلم يقدروا له على شيء من حفظه و بلاغته و اقتسمت عليه طلبة المدينة على قسمين : قسم يحبه وقسم يبغضه ... وبلغ ذلك الحاكم و ندبهم على ترك قراءة التفسير و الاقتصار على ما يتعاطاه الناس في الحديث وكتب الفقه وغير ذلك ليلا تزيد المشاحنة فيما بينهم ، وامتثل أمره ورجع لتدريس صحيح البخاري ..."
وبلغ الأمر في العهود المتأخرة من تاريخ المغرب الى تراجع كبير في مجال الاهتمام بعلوم القرآن من تفسير ورسم وقراءات وما إلى ذلك، حتى ذهب بعض الغيورين من العلماء إلى القول بأن عصر التفسير انقضى وانتهى بذهاب رجاله، وأنه ليس لأحد من المتأخرين الاشتغال به
ولعل شيئا من ذلك كان وراء تأليف العلامة أحمد ابن الخياط الزكاري (ت 1343هـ) لـ "جوابه لمن يتصدى لقراءة التفسير وليس أهلا له".
وشاع بين العامة على عهد جلالة المغفور له محمد الخامس أنه إذا فسر القرآن مات السلطان، الشيء الذي فنده الملك الشاب – إذ ذاك- بقوله: " إذا فسر القرآن يحيا السلطان ويموت الشيطان" .
و هكذا بدأت حركة علمية جديدة و نهضة علمية مباركة بفضل تشجيع جلالة المغفور له محمد الخامس فظهرت - تجاوبا مع ذلك - مؤلفات وتفاسير منها على سبيل المثال كتاب "إبداء التيسير لقراءة التفسير " أو " إزالة التعسير لقراءة التفسير " لمحمد الراضي بن إدريس السناني {ت1385 هـ = 1965م }
و أصبحت تعقد حلقات ليلية في بعض الزوايا والمساجد الصغيرة ، و كان المتعارف عليه تخصيصها لمواضيع و نصوص يقوم بتدريسها الشيوخ المتأثرون بفكر الإصلاح ( السلفية ) أو المتعاطفون معه ..."
و كان التأكيد على أهمية تفسير القرآن في جامعة القرويين و جامعة ابن يوسف بإيعاز من شيوخ الإصلاح ، وكان ممن تصدر لتدريسه بجامع ابن يوسف بمراكش شيخ الجماعة العلامة مولاي أحمد بن محمد العلمي اليملاحي {ت 1358هـ = 1939 م } ،و العلامة النابغة محمد بن عبد القادر العلوي المعروف بالفقيه مسو {ت 1376هـ = 1957م } و كان معجبا بتفسير القرآن الحكيم لطنطاوي جوهري
و نختم بذكر أسماء بعض المؤلفين الأعلام على هذا العهد عناوين مؤلفاتهم في التفسير وعلوم القرآن و ذلك على النحو التالي :
1- أحمد بن محمد العلمي اليملاحي، شيخ الجماعة بمراكش (ت 1358هـ) له تفسير مخطوط في عدة أسفار كما أفاد الزركلي في أعلامه
2- محمد بن عبد المجيد أقصبي (ت 1364هـ) له عدة مؤلفات في القراءت وما إليها منها:
- "حاشية على شرح الجعبري على حرز الأماني للشاطبي" .
- "نفحة المنان على التوضيح والبيان" (13) في مقرا نافع.
3 - أبو محمد الطيب العلوي (ت 1367 هـ) له :
"المنهج الحميد إلى قواعد القراءة والتجويد" ألف عام 1362هـ وأهداه لصاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن – إذ ذاك - ( جلالة الملك الحسن الثاني فيما بعد).
4 - الحسن بن محمد بن بوجمعة البيضاوي البعقيلي (ت1368هـ = 1949م ) له:
- تفسير القرآن – مطبوع(16).
- "مقاصد الأسرار و (الخفى) و جواهر (مرضية) و الكاملة في نهاية الأخفى " من كتب التفسير وضح فيه الأحكام الشرعية من شهادة و طهارة و صلاة و زكاة من خلال سورة البقرة
5 - أحمد بن محمد بن الحسن الرهوني التطواني (ت 1373هـ = 1953م) له
- " تنبيه الأنام على ما في كتاب الله من المواعظ والأحكام"
6- محمد بن عبد السلام السائح (ت 1367هـ) له:
"تفسير ‏سورة النصر وما بعدها"
"إعجاز القرآن" .
7- محمد بن الحسن الحجوي (ت1376هـ) له:
- «حكم ترجمة القرآن العظيم» طبع بمجلة (المغرب) بتطوان.
8- أبو بكر بن الطاهر بن حجي زنيبر السلاوي (ت 1376هـ) له:
- تفسير في عدة أسفار سماه:
-«إرشاد الله المسلم الغافل اللاه» (19) اقتفى فيه آثار رشيد رضا في تفسير المنار.
9 –" إبداء التيسير لقراءة التفسير" أو " إزالة التعسير عن قراءة التفسير " لمحمد بن الراضي السناني {ت1385هـ}
10 – "منظومة في تفسير بعض غريب القرآن" لأبي بكر بن سيد أحمد الديماني {ت 1363 هـ}
11 – "نظم تفسير مبهمات القرآن" لزين بن أحمد اليدالي {ت1359هـ}
مؤلفات في بعض الأمور المتعلقة بالقرآن :
9 – إسماع المساعد و إقماع المعاند بترغيب الشارع في قراءة القرآن جماعة في المساجد لعمرو بن الجيلالي الكمبتي الأزموري {ت1361هـ = 1942م} رد فيه على من أنكر قراءة القرآن جماعة يوم الجمعة الخ ...

محمد عزالدين المعيار الإدريسي