مدخل إلى علم أسباب النزول :
علم أسباب النزول علم يعرف بالوقائع والأحداث التي نزل من أجلها القرآن الكريم في بعض آياته وسوره، وقد أشار العلماء إلى ما له من أهمية كبرى بين علوم القرآن.
فقال الواحدي : إنه يمتنع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها (1)
وقال ابن تيمية : معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب& . (2)
وقال السيوطي، ردا على من زعم أنه لا طائل تحت علم أسباب النزول بجريانه مجرى التاريخ : بل به فوائد ; نلخصها فيما يلي :
1 – وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
2 – تخصيص الحكم عند من يرى أن العبر بخصوص السبب.
3 – الوقوف على المعنى، وإزالة الإشكال.
4 – قد يكون اللفظ عام ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب قطعي، وإخراجها بالاجتهاد ممنوع. (3)
ومعرفة سبب النزول بمثابة معرفة سبب النص الأدبي وظروفه، وذلك كما قال الدكتور صبحي الصالح رحمه الله متوقف على التمهيد له: بإزاحة النقاب عن الظروف النفسية والاجتماعية التي دفعت الأديب إلى التفكير فيه، ثم حملته على اختيار ألفاظه، وابتداع معانيه (4)
ثم يقول : ولئن كانت معرفة جو القصيدة والظروف التي نظمت خلالها تعين على الفهم السديد، وتسعف بالذوق السليم، وتواكب الشرح الأدبي جنبا إلى جنب، لتكونن معرفة قصة الآية، والأسباب التي اقتضت نزولها أعون على دقة الفهم، وأدنى إلى استلهام أرجح التأويل، وأصح التفسير (5)
بل عن العلماء قالوا إن تفسير القرآن الكريم يحرم على من جهل أسباب نزوله.
قال الواحدي وهو يحدث عن أسباب النزول بأنها : أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار (6)
ومعلوم أن نزول القرآن الكريم على قسمين: قسم نزل ابتداء، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال، وهذا الأخير هو الذي تتبعه العلماء وصنفوا فيه.
وفي هذا الإطار، يأتي هذا البحث المتواضع الذي يهدف إلى التعريف بكتاب قيم من كتب أسباب النزول، والذي سنتحدث عنه أولا في سياق كتب علم أسببا النزول عموما، ثم نتحدث عنه ثانيا منفردا.
أولا : التصنيف في علم أسباب النزول وأشهر مصنفاته:
يلاحظ منذ الوهلة الأولى قلة المؤلفات المستقلة في هذا العلم، بالقياس إلى غيره من علوم القرآن، ولقد حاولت جمع أهم وأشهر المؤلفات في أسباب النزول، فألفيتها لا تبلغ العشرين مصنفا، ولعل السيوطي عني ذلك عندما قال عن هذا العلم: أفرده بالتصنيف جماعة 7) وهو الذي قال عن علوم أخرى كـ: (غريب القرآن وناسخه ومنسوخه) على سبيل المثال : أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون
وقبل أن أقدم أهم ما وقفت عليه من مصنفات علم أسباب النزول، تجدر الإشارة على أن أهم مصادره وأصحها ما رواه أصحاب الكتب الستة عن رسول الله صلى عليه وسلم، وعن الصحابة رضي الله عنهم، مما يمكن الوقوف عليه في محله من هذه الكتب.
وبعد، فهذه قائمة بأهم مؤلفات في علم أسباب النزول مرتبة ترتيبا زمنيا :
1 – أسباب النزول (9 لأبي الحسن علي بن عبد الله بن جعفر المعروف بابن المديني (تـ: 234 هـ/777م)، وهو أقدم مؤلف في هذا العلم، كما قال السيوطي. (10)
2 – القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن (11 لأبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن أصبغ القرطبي الأندلسي (تـ:402 هـ/1011م).
3 – أسباب النزول (12لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (تـ:468 هـ/1075م) قال السيوطي : ومن أشهرها كتاب الواحدي على ما فيه من إعواز
4 – أسباب النزول (14لأبي جعفر محمد بن علي بن شعيب المازندراني (تـ : 588 هـ/1192م).
5 – أسباب النزول (15لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (تـ:597 هـ/1200هـ).
6 – أسباب النزول والقصص الفرقانية (16
لمحمد بن أسعد القرافي (تـ : 667هـ/1268م).
7 – اختصار أسباب النزول للواحدي (17 لأبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي (تـ : 732 هـ/1332م).
قال السيوطي وهو يتحدث عن كتب أسباب النزول : ومن أشهرها كتاب الواحدي على ما فيه من إعواز، وقد اختصره الجعبري، فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئا (18
8 – "تقريب المأمول في ترتيب النزول ": (19)
للجعبري المذكور قبله، والكتاب عبارة عن منظومة أولها :
مكيها ست وثمانون اعتلت . . . نظمت على وفق النزول لمن تلا
وآخرها :
(إن الذي فرض) انتهى جحفيها . . . (وهو الذي كف) الحدبى انجلا (20)
9 – العجاب في بيان الأسباب :
لأبي الفضل شهاب بن محمد بن علي بن حجر العسقلاني (تـ : 852 هـ/1448م)
10 – أسباب النزول (21لأبي القاسم محمد بن إبراهيم القمارشي (من رجال القرن التاسع الهجري) . (22)
11 – لباب النقول في أسباب النزول (23
لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (تـ : 911 هـ/1505 م).
12 – أسباب النزول (24 لعطية الأجهوري (تـ : 1194 هـ/1780 م).
13 – يتيمة الدر في النزول وآيات السور (25لأبي عبد الله الحنبلي (26)
ثانيا : العجاب في بيان الأسباب (27 لابن حجر العسقلاني.
يقول السيوطي في سياق حديثه عن التصنيف في علم أسباب النزول : وألف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر كتابا مات عنه مسودة، فلم نقف عليه كاملا (28 وهذا الكلام ينطبق تماما على نسخة بن يوسف كما سيأتي.
التعريف بالمخطوط :
عنوانه الكامل : العجاب في بيان الأسباب كما نص على ذلك مؤلفه نفسه في الورقة : ظهر، وذكره السيوطي وعبد الحي الكتاني باسم أسباب النزول (29
مؤلفه : شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (733 -852 هـ/1332 – 1448 م).
وصف المخطوطة :
تقع النسخة الموجودة من هذا الكتاب بخزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم : 258 في 200 ورقة، مسطرة 19 / مقياس 2.16x 3.12، نوع الخط : مشرقي.
ناسخه : شيخ الإسلام عبد الحق بن محمد السنباطي، تلميذ ابن حجر، نقله من خطه ومن خط شيخ آخر.
تاريخ النسخ : انتهى نسخه ليلة 6 شوال 889هـ.
تحبسيه : حبسه السلطان المولى عبد العزيز بن السلطان المولى الحسن الأول على مسجد "المواسين" بمراكش في رابع عشر صفر الخير عام (1321 هـ).
أوله : يلاحظ أن أول الكتاب ناقص بمقدار ضئيل، هو بداية المقدمة التي يقول في آخرها : " وإنما قدمت هذه المقدمة ليسهل الوقوف على أصوافهم لمن تصدى للتفسير، فتقبل من كان أهلا للقبول، وترد من عداه، ويستفاد من ذلك تحقيق حجم الكتاب لقلة التكرار فيه". (30)
آخره :"قوله تعالى : (31) : "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" (الآية) (32)
وبعد ذلك وفي الورقة الأخيرة من الكتاب يقول ناسخه :
"إلى هنا انتهى ما وجد من أسباب النزول للشيخ الإسلامي العالم العلامة الحافظ الشيخ شهاب الدين أبي الفضل أحمد (...) (33) بخطه (.....) وكتبه من أوله إلى "أما قوله : "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم" (34) من خط الشيخ الإمام العالم العلامة كمال الدين (....)، ومن "أما قوله :"نساؤكم حرث لكم" إلى هنا من خط الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ مؤلف هذا الكتاب شيخ الإسلام شهاب الدين (...) بالرحمة والرضوان عبد الحق بن محمد السنباطي (...) غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولمن دعا لهم بالمغفرة ولجميع المسلمين.
وكان الفراغ من كتابة ذلك في الليلة المسفر صباحها عن السادس من شهر شوال المبارك سنة تسع وثمانمائة (...) بخير لمحمد وآله وصحبه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه (...).
وبعد، فإن قيمة هذا الكتاب تكمن – بعد شرف موضوعه – في مكانة مؤلفه الذي لا يختلف اثنان في أنه من أئمة المحدثين الأعلام، ومن الحفاظ النقاد القلائل، مع جودة أسانيده علوها.
وظاهر أن حجم الكتاب، لو تم لكان أكب مما بشر به مؤلفه في المقدمة، لأن مائتي ورقة التي سودها ابن حجر من هذا الكتاب، لم تتجاوز الآية الثامنة والسبعين من سورة النساء، مما ينبئ بوضوح عما كان سيكون عليه الكتاب لو تيسر إتمامه.

1) – الواحدي النيسابوري : أسباب النزول: 4/ دار الكتب العلمية/ بيروت – لبنان (ط:1) 1402 هـ/1982م.
2) – ابن تيمية : مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : (13/ 339) مكتبة المعارف / الرباط – المغرب.
3) – السيوطي : الإتقان في علوم القرآن : (1/29) دار الفكر – بيروت – لبنان.
4) – د. صبحي الصالح : مباحث في علوم القرآن: (127) دار العلم للملايين – بيروت – لبنان (ط18) 1990م.
5) – نفسه :129.
6) – الواحدي أسباب النزول ، 4.
7) – الإتقان : 1/29.
8) – نفسه : 1/115- 2/20.
9) – الزركشي : البرهان في علوم القرآن، 1/22 تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم البابي الحلبي بمصر (1957 /1958م) – الإتقان : 1/29.
10) – الإتقان : 1/29.
11) – حاجي خليفة : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون : 1/76. مكتبة المثنى بغداد/ طبعة مصورة بالأوفست عن طبعة استانبول : (1941م).
12) – البرهان : 1/22 – الإتقان : 1/29 – كشف الظنون : 1/76 طبع عدة مرات.
13) – الإتقان : 1/29.
14) – كشف الظنون : 1/77.
15) – كشق الظنون : 1/76.
16) – كشف الظنون : 1/76، ويوجد منه نسخة مخطوطة محفوظة في مكتبة شستربتي رقم (5198) كان الأستاذ عاصم أحمد غانم مشتغلا بتحقيقه لنيل دكتوراه الدولة من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة عين شمس، تحت إشراف الدكتور رمضان عبد التواب ( انظر مجلة : "أخبار التراث العربي" الكويتية المجلد : 4 العددان : 40-41 الصفحة :18.
17) – الإتقان : 1/29.
18) – نفسه : 1/29.
19) – يوجد منه نسخة مخطوطة بخزانة تطوان العامة تحت رقم 8/458، (انظر فهرس مخطوطات خزانة تطوان : قسم القرآن وعلومه، 181، إعداد الأستاذين : المهدي الدليرو / محمد بوخبزة/ مطابع الشويخ – ديسبريس / تطوان – المغرب (1401 هـ-1981 م).
20) – فهرس مخطوطات خزانة تطوان : قسم القرآن وعلومه. (181)
21) – يوجد منه نسخة مخطوطة بخزانة ابن يوسف بمراكش نحن رقم 73 من تحبيس الملك العلوي السلطان المولى إسماعيل، حبسه على ضريح الولي الصالح أبي العباس السبتي بمراكش سنة 1158هـ/1754 م) عدد أوراقه : 203، آخره سورة الحشر.
22) – اسمه الكامل : أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عيسى الشعري القمارشي نسبة إلى قمارش شرق إقليم مالقة، ولم نقف على ترجمته، لكن وجدنا له ذكرا في "ثبت أبي جعفر البلوي الوادي آشي (تـ:938 هـ/1531م) ضمن أسانيده، ووصفه بالأستاذ المصنف (ثبت أبي جعفر البلودي :184، تحقيق: د. عبد الله العمراني) وفيه أنه يعمل عنه أبو إسحاق إبراهيم بن كامل الأنصاري البرساني (تـ : 888هـ/1483م).
23) – الكتاب ذكره السيوطي في الإتقان فقلا :" وقد ألفت فيه كتابا حافلا موجزا لم يؤلف مثله في هذا النوع سميته : لباب النقول في أسباب النزول" الإتقان : 1/29، وقد طبع أكثر من مرة، وذكره صاحب كشف الظنون. 1/77.
24) – عبد الحي الكتاني : فهرس الفهارس 2/778.
25) – يوجد منه نسخة مخطوطة محفوظة بمكتبة جستربيتي دبلن (41 :211). (انظر مجلة المورد العراقية، عدد خاص بالكشافات التحليلية للمجلدات الخمسة الأولى صدر سنة (1398 هـ/1978م).
26) – وضعناه في آخر القائمة لأننا لم نقف على اسمه الكامل، ولا تاريخ وفاته.
27) – لعل الكتاب حقق أو هو في طريقه إلى التحقيق بالجامعة السعودية، واعتمادا على نسخة ابن يوسف.
28) – الإتقان : 1/29.
29) – عبد الحي الكتاني : فهرس الفهارس والأثبات : 1/335، تحقيق د. إحسان عباس/ دار الغرب الإسلامي – بيروت ط.2: 1402 هـ/1982م.
30) – العجاب في بيان الأسباب" الورقة : (4 ظهر).