أحببت بمناسبة عيد العرش المجيد، أن أخصص هذا البحث للحديث عن شخصية عبد الله الكامل لثلاثة اعتبارات متداخلة: هي:
1- لما يلاحظ من تقصير مؤرخينا في التعريف بهذا الرجل الفذ، على الرغم مما لتاريخ المغرب من صلة وثيقة بذريته.
2- لكونه ملتقى نسب ملوك الدولتين الشريفتين الإدريسية المؤسسة لعرش المغرب العتيد، والعلوية الموطدة لأركانه، الضامنة لوحدة المغرب استقراره.
3- لما كان يربط الإمام مالك بن أنس بالمولى عبد الله الكامل من روابط التلمذة له، و ما كان له من علاقة به وأنجاله.
على هذه الأسس والقواعد يقوم هذا البحث المتواضع.
ـ المحور الأول:
ـ التعريف بعبد الله الكامل(1)
هو أبو محمد عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بينت الحسين بن علي بن أبي طالب.
لقب بالكامل لكمال خلقه وخلقه -بفتح الخاء وضمها- ولعلو نسبه من جهة أبيه وأمه، حتى قالوا «إنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين» (2)
ولا عجب في ذلك، فقد ورث الجمال والكمال عن أبويه، فهذا جده الحسن السبط كان أشبه الناس بجده الأعظم (ص).
روى البخاري في صحيحه عن عقبة بن الحارث قال: «رأيت أبا بكر حمل الحسن وهو يقول: «بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيها بعلي، وعلي يضحك».
وأبوه الحسن الثاني من كبار التابعين، كان يقول لمن يغلو فيهم: «ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فابغضونا»(3)
أما أمه فاطمة بنت الحسين فتابعية كذلك، روي عنها نغير حديث(4) وكانت عابدة ناسكة، ذكر ابن سعد في الطبقات، أنها كان تسبح بخيوط معقود فيها.(5)
وكانت شبيهة بجدتها البتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يروي أبو الفرج في مقاتل الطالبيين، أن الحسن بن الحسن خطب إلى عمه الحسين، وسأله أن يزوجه إحدى ابنتيه، فقال له الحسين: اختر يا بني أحبهما إليك - يعني فاطمة أو سكينة- فاستحيى الحسن، فقال له الحسين رضي الله عنه: «فإنني اخترت لك ابنتي فاطمة، فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله(ص).(6)
ومن هذا كله حق لمصعب الزبيري أن يقول: «انتهى كل حسن إلى عبد الله بن الحس، وكان يقال من أحسن الناس؟ فقال عبد الله ابن الحسن. ويقال من أفضل الناس؟ فيقال عبد الله بن الحسن. ويقال: من أقول الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن»(8)
واختلف في تاريخ ولادته، فعن ابنه موسى أنه ولد سنة 75هـ(9) وفي مقاتل الطالبيين أن ولادته كانت حوالي 70هـ(10) وذكر صاحب كتاب الأنوار، في ذكر آل النبي المختار أنه ولد سنة 68هـ (11) ولا نعرف سنده في ذلك.
وفي مقاتل الطالبين أن عبد الله الكامل ولد في بيت فاطمة بنت رسول الله (ص) في المسجد.(12)واختلف كذلك في تابعيته، فجعله ابن حبان طليعة مشاهير أتباع التابعين، بالمدينة(13) وقال غيره: إنه تابعي، وهو الصحيح، لثبوت روايته عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو صحابي سمع من رسول الله (ص) وروى عنه.(14)
إخوته: كان لعبد الله الكامل اثنا عشر أخا وأختا ثلاثة منهم أشقاء، وهم: حسن، وإبراهيم، وزينب التي تزوجها الوليد بن عبد الله بن مروان ثم فارقها، وستة من أبيه، هم: محمد، وجعفر، وداود، وفاطمة، وأم القاسم، وأم كلثوم(15) وثلاثة من أمه، وهم: القاسم: ومحمد الديباج، ورقية.وكانت أمه فاطمة بنت الحسين، قد تزوجت بعد وفاة أبيه الحسن المثنى، من عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان المعروف بالمطوف، زوجه إياها ابنها عبد الله الكامل.(16)* شيوخه:
روى عبد الله الكامل عن ثلة من خيرة علماء عصره، من أجلهم
1- والده الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي طالب.(17)
2- أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب.(18)
3) إبراهيم بن محمد بن طلحة، قريب أمه.(19)
4) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابن عم جديه: الحسن والحسين رضي الله عنهما.(20)
5) عكرمة مولي عبد الله بن عباس.(21)
6) عبد الرحمان بن هرمز الأعرج.(22)
7) أبو بكر بن عمرو بن حزم.(23)* مكانته العلمية وتلاميذه:وصفه ابن حبان بأنه من عباد أهل المدينة وعلماء بني هاشم(24) وقال يحيى بن المغيرة الرازي عن جرير: كان مغيرة إذا ذكر الرواية عن عبد الله بن الحسن، قال: هذه الرواية الصادقة.(25)
وثقه ابن معين، والنسائي، وأبو حاتم.(26)
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: أخبرنا مصعب قال: ما رأيت أحدا من علمائنا يكرمون أحدا ما يكرمون عبد الله بن حسن بن حسن»(28)
وكان عبد الله الكامل ذا منزلة من عمر بن عبد العزيز الذي قال مرة وقد جاءه في حاجة: إذا كانت هناك حاجة، فأرسل إلي، أو اكتب، فإني أستحيي أن يراك الناس على بابي،(29) وكان شيخ بني هاشم في زمانه.(30)
وفي صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب الاستخارة: باب قول الله تعالى: «قل هو القادر» حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن بن عيسى، حدثني عبد الرحمان بن أبي الموالي، قال: سمعت محمد بن المنكدر، يحدث عبد الله بن الحسن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله السلم، قال: كان رسول الله (ص) يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها..» الحديث.(31)
أما تلامذته، فمن كبار الأئمة ومشاهير العلماء منهم:
1- ابنه موسى بن عبد الله الكامل(32)
2- ابنه يحيى بن عبد الله الكامل(33)
3- مالك بن أنس الأصبحي.(34)
4- ليث بن أنس الأصبحي(34)
5- أبو بكر بن حفص بن عمرو بن سعد.(36)
6- إسماعيل بن علية.(37)
7- سفيان بن علية.(38)
8- سفيان الثوري.(39)
9- سعيد بن الحسن.(40)
10- أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي(41)
11-عبد الرحمان بن أبي الموالي(42)
12- أبو خالد سليمان بن حيان الأحمز.(43)
13- عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله بن حطب(44)
14- يزيد بن الهاد.(45)
15- روح بن القاسم (46)
16 - حسين بن زيد بن علي بن أبي طالب(47) وغيرهم.

محنته ووفاته:
كانت فاطمة بنت الحسين أم عبد الله الكامل، قد تزوجت بعد وفاة زوجها وابن عمها حسن بن الحسن زوجا آخر، هو عبد الله ابن عمرو المطوف كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فلما مات هذا الأخير طمع في نكاحها عبد الرحمان بن الضحاك بن قيس الفهري، وكان قد استعمله يزبد ابن عبد الملك على المدينة، فلما أبت ذلك قال لها: «والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر ولدك في الخمر، يعني عبد الله بن حسن، لكن الخليفة لم يلبث أن تدخل عندما بلغه الخبر، فعزل ابن الضحاك من ولاية تامدينة، وأمر الوالي الجديد بأن يغرمه أربعين ألف دينار، ويعذبه ويطوف به في جبة من صوف، وكذلك كان(48)
ولا يخفى أن هذه التهمة التي كان ابن الضحاك ينوي إلصاقها بعبد الله الكامل، صارت على النقيض من ذلك شهادة على مدى صلاح الرجل وتقواه، فكان فيما بعد شيخ بني هاشم في وقته، والمؤتمن على صدقات الإمام علي رضي الله عنه.(49)
على أن المحنة الكبرى التي تعرض لها عبد الله الكامل هي تلك التي تعرض لها من قبل أبي جعفر المنصور العباسي الذي حبس عبد الله الكامل وعددا من أقاربه مدة اختفاء محمد النفس الزكية كما سيأتي تفصيله في المحور الثاني، وظل المترجم في السجن إلى أن لقي الله سنة 145هـ قبل استشهاد ابنه المذكور بمدة قصيرة.(50)

المحور الثاني:
أبناء عبد الله الكامل
وتأسيس الدولة المغربية
آثرت تخصيص هذا المحور للحديث عن أبناء عبد الله الكامل، لإبراز مدى الدور العظيم الذي قاموا به من أجل نشر الإسلام في المغرب وغيره من البلاد الإسلامية، ثم تأسيس المولى إدريس الأكبر للدولة المغربية التي أصبح -اليوم- عرشها أقدم العروش على الإطلاق مع ما حافظ عليه من إمارة المؤمنين، وترسيخ مبدإ الشورى، اعتمادا على الكتاب والسنة، منذ إدريس الأكبر رضي الله عنه إلى جلالة الحسن الثاني حفظه الله ونصره.
ومعلوم أن كلا من ملوك الدولة الإدريسية المؤسسة وملوك الدولة العلوية القائمة والمؤتمنة على العرش المغربي هم من عقب الشريف النسيب المولى عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
وبيان ذلك أن عبد الله الكامل أنجب سبعة من الأبناء المذكور، هم: محمد النفس الزكية، وموسي، وإبراهيم، ويحيى، أمهم هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة (51) وإدريس، وعيسى، وسليمان، أمهم عائشة، بنت عبد الملك بن الحارث الشاعر بن خالد ابن العاص المخزوني، وفي خالد هذا يقول الشاعر: لعمرك إن المجد ما عاش خالد على العمر من ذوي كندة مقيم(52)
وقد كان أبناء عبد الله الكامل جميعا من أفذاذ الرجال وعظمائهم، يشهد لهم الجميع -حتى خصومهم- بالفضل والعلم والصلاح.
كيف لا، وهم صفوة أهل البيت ووفي ذلك يقول المولى إدريس الأكبر معزفا الأمازيغيين بنسبه.«وأنا إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عم رسول الله (ص) أبواي، ومحمد وإبراهيم، ابنا عبد الله المهدي والزاكي اخواي.(53)
والمغرب يرتبط بأبناء عبد الله الكامل من خلال أكبو أبنائه محمد النفس الزكية، وأصغرهم إدريس.أما المولى محمد النفس الزكية وبه يكنى أبوه، فقد بايعه بنو هاشم في أواخر عهد بني أمية خليفة للمسلمين، وكان ممن حضر بيعته أبو جعفر المنصور.
فلما قامت دولة بني العباس امتنع محمد النفس الزكية عن المبايعة لأبي العباس السفاح، ثم لأخيه أبي جعفر المنصور، وظل مختفيا إلى أن نال أباه عبد الله الكامل وأهله ما نالهم من أذى المنصور كما تقدم في المحور الأول، عندها عزم على الظهور بالمدينة المنورة، ثم كانت بينه وبين جيوش أبي جعفر المنصور معركة غير متكافئة، أظهر فيها محمد النفس الزكية شجاعة نادرة، لكن عدوه كان من حيث العدد كثيرا، الشيء الذي لم يلبث معه محمد النفس الزكية أن استشهد رحمه الله يوم 14 رمضان سنة 143 هـ.وكان من فضل الله عليه وعلى المغرب أن استمر عقب من ابنه القاسم، إلى أن بعث إليهم أهل المغرب الأقصى. يسألونهم القدوم عليهم للتبرك بهم والاهتداء بهديهم قلبوا الدعوة، ثم لم يلبثوا أن أسسوا الدولة العلوية الشريفة علي يد المولى علي الشريف وأبنائه الأشاوش.
أما المولى إدريس بن عبد الله فيبدو أنه كان صغيرا إبان قيام أخيه المولى محمد النفس الزكية وموت أبيهما عبد الله الكامل كما يستفاد من الخبر الآتي الذي ساقه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين قال:إن أبا جعفر لما فيض أموال عبد الله فيبدو أنه كان صغيرا إبان قيام أخيه المولى محمد النفس الزكية وموت أبيهما عبد الله الكامل كما يستفاد من الخبر الآتي الذي ساقه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين قال:
إن أبا جعفر لما قبض أموال عبد الله بن الحسن، حج، فصاحت به عاتكة بنت عبد الله وهي أم عيسى وسليمان وإدريس بن عبد الله بن الحسن وهي تطوف في ستارة يا أمير المومنين، أيتامك بنو عبد الله ابن الحسن مات أبوهم في حبسك وأموت بقبض ضياعهم… إلى آخر القصة.(54)
إن أهمية هذا النص تكمن فيما يتضمنه من تقدير سن المولى إدريس ابن عبد الله، الشيء الذي لم تهتم به المصادر والمراجع، إذ الظاهر أنه كان عندما فر من وقعة فخ عام 169هـ شابا في مقتبل العمر لم يبلغ الأربعين من عمره بعد، مع العلم أنه أصغر إخوته، وأن أباه مات سنة 145هـر وتركه وأخويه اللذين يكبرانه: عيسى وسليمان قاصرين لم يبلغوا بعد مبلغ الرجال.
ويعتبر المولى إدريس الأول صاحب الفضل الكبير في استكمال فتح بلاد المغرب ونشر الإسلام في ربوعه، وفي الوقت نفسه مؤسس الدولة المغربية، إذ ما إن بايعته قبائل أوربة وزناتة وغيرهما، واستقام له الأمر حتى نهض إلى الجهاد داعيا إلى الله عز وجل، ناشرا للحنيفية السمحة، فاتحا لمختلف مدائن المغرب، وقرأه، مما فصلته كتب التاريخ بما يضيق عنه هذا الموجز.ونذكر في ختام هذا المحور ما كان لبعض إخوة المولى إدريس الآخرين من أدوار سياسية معروفة كإبراهيم بن عبد الله الذي كان يدعو لأخيه محمد النفس الزكية، وكان على خلق عظيم ومعرفة بالتاريخ لا تجارى، لكن استشهاد أخيه المذكور أثر على عمله، فلم يلبث هو الآخر أن دخل مع العباسيين في معركة غير متكافئة، انتهت باستشهاده يوم 25 ذي القعدة سنة 145.(55)
وكان يحيى بن عبد الله صاحب الديلم قد أبلى هو الآخر البلاء الحسن في نشر الإسلام في تلك البلاد إلى أن قتل سنة 175هـ على عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في سجن ابن شاهك.(56)واستطاع سليمان أن ينجو من تعقب العباسيين له، فانتهى به المطاف إلى تلمسان، فاستوطنها على عده أخيه المولى إدريس وخلف هناك أولادا كثيرين، دخل حليم فيما بعد إلى المغرب والسوس الأقصى(57)وبذلك تتجاوز لنا الصلات الوثيقة التي تربط المغرب بعبد الله الكامل وأبنائه، مما يدعو إلى مزيد من الدراسة في هذا المجال لإغنائه.
ودخول موطأ مالك ومذهبه إلى المغرب:
كان الإمام مالك بن أنس -كما هو معروف تاريخيا- متعاطفا مع آل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، متصلا بهم، ولما ظهر العباسيون اعتبرهم مغتصبين للخلافة من محمد النفس الزكية، لأن بني هاشم ومن ثم رجع مالك وأبو حنيفة إمامة محمد النفس الزكية على إمامة أبي جعفر. وكان الإمام مالك يفتي بعد ذلك بعدم جواز طلاق المكره، تعريضا بالمنصور لذلك مما سبب له المضايقة والأذى من قبله.
أما عن صلة مالك بعبد الله الكامل بالذات فترجع لها السبب بالدرجة الثانية، ولسبب آخر أسبق منه،
وهو صلة التلمذة له والرواية عنه، والاقتداء به في بعض الأمور الفقهية كما سيأتي…وقبل أن نوضح ذلك نقف أولا مع مقولة مشهورة، مفادها أن الإمام مالكا روى في الموطأ عن والده عبد الله.(58)
ويقول الدكتور عباس الجراري إن مالكا يروي في موطئه عن عبد الله الكامل والد إدريس.(59)
ووهم الأستاذ عبد الهادي الحسين حين قال: «هناك
من يقولك إن عبد الله الكامل روى الموطأ عن الأمام مالك، وولده إدريس رواه عن والده.(60) محيلا على نص عبد الرحمان الجيلالي المتقدم آنفا.شغلتني هذه القضية، فرحت ابحث فيما استطعت الوصول إليه من روايات الموطأ عن عبد الله الكامل فلم أحد له فيها ذكرا، ثم رجعت إلى عدد من المظان التي اهتمت بشيوخ مالك، فلم أعثر له فيها على ذكر كذلك، مثل «كتاب التعريف بين ذكر في موطأ الإمام مالك من الرجال والنساء».(61) المحافظ أبي عبدالله محمد بن يحيى ابن الحناء الأندلسي(416) والتمهيد لابن عبدالبر (ت403هـ) وشيوخ مالك لابن خلفون (636) وغيرها.
والذي تحقق لنا هو تلمذة مالك الله الكامل وروايته عنه، أما أن له ذكرا في الموطأ فأمر نتركه معلقا حتى يتأكد لنا أو يثبت عكسه.
ويقودنا هذا إلى نقطة أخرى ذات ارتباط بسابقتها، وتتعلق بدخول الموطأ إلى المغرب، وفي هذا الصدد يقول صاحب الأزهار العاطرة.
«وعلى مذهبه (أي مذهب مالك) كان إدريس وجميع العلماء من أهل المغرب الأقصى، بسبب تقليد إدريس لمالك، وتحصيل كتابه الموطأ وحفظه له»(62)
والواقع أن المولى إدريس الأكبر، كان عند دخوله المغرب قد أثر الاتجاه السني، واتباع مذهب مالك، مما كان فيه للمغرب الخير العميم، وبذلك جمع المولى إدريس بين أمرين عظيمين ضمنا لهذا البلد الأمين التقدم والازدهار، والوحدة والاستقرار، وهما العرش الذي ظل على مدى أكثر من اثني عشر قرنا مصدر عظمة المغرب وشموخه، ومذهب مالك الذي ظل وعلى نفس الامتداد الزمني من أهم عوامل نجاة المغرب من الاختلاف المذهبي، والتباين الفقهي، الشيء الذي عانت منه كثير من البلاد الإسلامية التي سمحت بتعدد المذاهب الفقهية ويبدو من خلال ما تقدم من المولى إدريس بن عبد الله، الذي كان يحفظ موطأ مالك، أول من دعا المغاربة إلى مذهب مالك وقراءة الموطأ(63) قبل أن يرسخ من بعده خلفه ووارث سره المولى إدريس الأزهر الذي اختار عامرا القيسي لقضاء فاس، وكان كما قال ابن أبي زرع «رجلا صالحا ورعا فقيها، سمع من مالك وسفيان الثوري، وروى عليهما ثم خرج إلى الأندلس برسم الجهاد، ثم جاز إلى العدوة فوفد منها على إدريس فيمن وفد عليه من المغرب.(64) وهكذا يظهر أن أبناء عبد الله الكامل. وبالتحديد ابنه إدريس الأكبر ثم حفيه إدريس الأصغر هما اللذان أدخلا مذهب مالك إلى المغرب وفي الوقت نفسه موطأ مالك.ونعود في آخر هذا المحور إلى ما سبقت الإشارة إليه من رواية مالك عن عبد الله الكامل واقتدائه به في بعض الأمور الفقهية، فنسوق في هذا الإطار أطهر ما أحذه مالك عن عبد الله الكامل، وهو السدل في الصلاة. ففي المدونة قال ابن القاسم: قال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة: لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه.(65)
وفي مقاتل الطالبين أن عبد الله بن الحسن كان يصلي على نفسه في المسجد، وأنه خرج فأقامت تلك الطنفسة دهرا لا ترتفع… وعن مصعب ابن عبد الله قال: سئل مالك عن السدل فقال: «رأيت من يرضى بفعله، عبد الله بن الحسن بفعله»(66)
ومثل ذلك تقريبا في البيان والتحصيل، وفيه أن مالكا رأى عبد لله بن الحسن وغيره يفعل ذلك.(67)وهذا وغيره يفيد أن الروايات تواترت على أن مالكا أخذ السدل عن عبد الله الكامل، لكن في رواية أبي بكر بن خيثمة الآتية ما يعضد مذهب مالك في السدل، ونص كلامه:
«أخبرنا مصعب قال: ما رأيت أحدا من علمائنا يكرمون أحدا ما يكرمون عبد لله بن حسن بن حسن، وعنه روى مالك الحديث في السدل، مما يجعل للسدل عند مالك سندين اثنين، هما الحديث والعمل، والله أعلم.
ولأستاذنا الراحل الشيخ الرحالي الفاروق كلمة جامعة في الموضوع أنقل منها ما يلي: «جاعلا إياها مسك الختام».
«القبض سنة من سنن الصلاة ما في ذلك من شك، جاءت به الأحاديث والآثار الصحيحة. والسدل سنة من سنن الصلاة كذلك كما هو مذهب الإمام في رواية ابن القاسم. وكما هو مذهب الإمام الأوزاعي، فإن مذهبة التخيير بين القبض والسدل حسبما نقله الإمام الشعراني في الميزان، وكما أشار إليه الإمام الشافعي في كتاب الأم»(68)
وفي هذا النص مع مرجعيته، ما يثبت سنية السدل: مما نكتفي فيه بهذا القدر من النقول، لأن غاية هذا البحث -بالدرجة الأولى- إبراز علاقة الأمام مالك بأبي محمد عبد الله الكامل، وقد تحققت والحمد لله.


1) من مصادر ترجمته - تاريخ رواج الحديث لأبي بكر أحمد بن زهير بن أبي خيثمة 3/ 132 (مخطوطة خزانة القرويين بفاس: السفر رقم 244، كتاب الثفاث لأبي جبان 7 / 1- كتاب مشاهير علماء الأمصار لابن حسان 127- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني 179 - 184/ رجال الطوسي 127 الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي 2/ 80 تهذيب التهذيب لابن حجر 1865 - 187. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال للخزرجي 194 - 193 كتاب الأنوار في ذكر آل النبي المختار لمحمد الفزازي53.2) أبو الفرج الأصفهاني مقاتل الطالبيين 181تحقيق السيد أحمد صقر دار المعرفة - بيروت - لبنان.
3) ابن سعد الطبقات الكبرى 5/319 - 320 دار صادر - بيروت 1377 هـ / 1950م4) نفسه 8/ 4745) نفسه والجزء والصفحة6) مقاتل الطالبيين 1807) ينفسه والصفحة8) نفسه: 1819) ابن حجر تهديب التهذيب 5/ 187.10) مقاتل الطالبيين 184.11) محمد الفزازي: كتاب الأنوار في ذكر آل النبي المختار 53.12) مقاتل الطالبين: 181.13) ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار: 127/ وذكره في كتاب الثقات 7/1 في الطبقة الثالثة/ قال ابن حجر، فكأنه لم يصح له سماعه من عبدالله بن جعفر، تهذيب التهذيب 5/ 187).14) ؟؟؟15) ابن سعد الطبقات الكبرى: 5/ 319.
16) نفسه 8/473 - 474.17) ابن حجر: تهذيب والتهذيب: 5/ 186 ابن حبان كتاب الثقات 7/ 1.18) نفسها.19) تهذيب التهذيب 5/ 1820) نفسه21) 22)23) تهذيب التهذيب 5/ 186.24) كتاب مشاهير علماء الأمصار 127.25) تهذيب التهذيب 5/ 186.26) نفسه 5/ 186 - 187.27) نفسه 5 / 187.28) تاريخ رواة الحديث 3/ 132 (مخطوطة خزانة القرويين بفاس، السفر رقم 244)29) كتاب الأنوار في ذكر آل النبي المختار لمحمد الفزازي 54.30) رجال الطوسي 127/ مقاتل الطلبيين 180.31) صحيح البخاري: 8 / 168كتاب التوحيد باب الاستخارة دار الفكر.
32) تهذيب التهذيب 3/ 18633) نفسه والجزء والصفحة.34) تاريخ رواة الحديث 112/ الذهبي الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 2/ 80 تهذيب التهذيب 3/186.35) تهذيب التهذيب 5/186.36) نفسه والجزء والصفحة.37) ابن حبان كتاب الثقات 7/1- تهذيب التهذيب 5/186- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال 193.38) تهذيب التهذيب 5/186 - خلاصة تهذيب التهذيب الكمال 10539) الكاشف في معرفة من له رواية الكتب السنة. 2/80.40) تهذيب التهذيب 5/18641) نفسه والجزء والصفحة.42) ابن حبان كتاب الثقات 7/1تهذيب التهذيب 5/ 18643) تهذيب التهذيب 5/ 186.44) تهذيب التهذيب 5/ 185.45) خلاصة تهذيب التهذيب الكمال 183.46) تهذيب التهذيب 5/ 186.47) نفسه والجزء والصفحة.48) ابن سعد الطبقات الكبرى 5/ 474.
49) انظر رجال الطاوسي 127 والهامش رقم 1 من الصفحة المذكورة.50) كتاب االثقاث 7/1 وفيه قبل ابنه بأشهر الكاسف في معرفة من له رواية في الكتب السنة 30/2 وفيه قبل مقتل ابنه بشهر/ تهذيب التهذيب 1/ 187وفيه مثل الذي في الكاشف.51) مقتل الطالبين 390.52) نفسه 497.53) مجلة دعوة الحق ع 250 ص 19 (ضمن مقال للأستاذ محمد المنوني).
54) مقاتل الطالبيين 396.55) انظر: رجالد الطوسى: 41 56) رجال اطوسي 23257) محمد بن علي السنوسي: الدرر السنية في أخبار السملالة الإدريسية 59 دار القلم بيروت ط 1 - 1406 - 1986.
58) عبد الرحمان بن محمد الجيلالي تاريخ الجزائر العام 1/186 دار الثقافة - ط 4 بيروت 1400هـ - 1980م.59) الدكتور عباس الجراري: أسباب انتشار المذهب المالكي واستمراره في المغرب بحث مقدم لند وة الإمام مالك 1/180 وفي كتابه وحدة المغرب المذهبية 15 - 16 وغيرهما.60) مجلة دار الحديث الحسنية العدد 3/ص 320 الهامش 12.61) يوجد منه مخطوطتان بخزانة القرويين بفاس الأولى تحت رقم 179 والثانية تحت رقم 993.62) تاريخ الجزائر العام 1/186.
63) نفسه والجزء والصفحة/ والأزهار العاطرة للكتامي: 13064) ابن أبي زرع : الأنيس المقرب بروض الفرطاس 1/ 35 تحقيق الهاشمي الفيلالي ط1 الرباط 199565) المدونة الكبرى 1/ 76 دار الفكر ط 2: 1400 هـ 1980.66) معاقل الطالبيين 189.67) ابن رشد الدريمي البيان والتحصيل ج18/ ص16 دار العرب الإسلامي 1406 هـ 1986م ( مع الإشارة إلى أن ابن رشد بين أن السدل هنا بمعنى أن يصلي الرجل مكشوف الصدر و البطن و هو ظاهر الرواية ) 68) أعمال ندوة العلامة الرحالي 229 - 300 من منشورات كلية اللغة العربية بمراكش.