الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال
العالم بالتراث وتحقيقه
لعل من أكثر المواقف حرجا ، أن يتناول المرء أعمال رجل جاوز القنطرة، وأصبح محل تقدير وإكبار من عامة الناس وخاصتهم، ويزداد الأمر صعوبة عندما يتعلق بتظاهرة تكريمية له كما هو حالنا اليوم. مع أن الوضع السليم فيما يبدو هو أن مثل هؤلاء الأعلام لا يضيرهم في شيء أن تقال فيهم كلمة حق دون أدنى حرج، والكمال لله وحده، وحسب المرء أن تقل أخطاؤه.
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها********كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
وأن يكون التكريم فرصة لوضعهم في-ميزان الاعتدال-خصوصا من لحق منهم بالرفيق الأعلى، وأصبح في حاجة إلى الدعاء، وما صلح من أعماله.ولسان حاله يقول:
يا ناظرا في الكتاب بعدي********مجتنيا من ثمــــــــار جهدي
بي افتقار إلى دعـــــــــاء ******** تهديه لي في ظلام لحدي
من هذه القناعات اخترت أن أساهم في هذه التظاهرة المباركة الكريمة ، مفضلا أن يكون حديثي مطبوعا بالطابع العلمي- قدر المستطاع - محتكما إلى ما تواضع عليه العلماء وأقروه،مؤمنا بأن الحقيقة فوق كل اعتبار،مع العلم أن الأستاذ إقبال ليس في حاجة إلى مثلي لتلميع صورته.فأعماله تضعه في مصاف العلماء الراسخين المخلصين الذين من حقهم علينا أن ننصفهم ونعتني بتراثهم بعد وفاتهم.
إن تعدد جوانب اهتمامات المكرم ، وتبريزه وشموخه في كثير منها،جعله كعبة الطلاب والباحثين،يأتونه من كل فج عميق ليرتووا من معين علمه الفياض،ويأخذوا بأقباس من رياض أدبه الجم.وقد كنت لحسن حظي من الذين شرفوا بالارتواء من ذلك المعين، و الأخذ بأقباس من تلك الرياض.
على أن صلتي بالأستاذ إقبال يمكن تقسيمها إلى نوعين أو مرحلتين:
1- علاقة غير مباشرة ومن جانب واحد ، ترجع إلى السنوات الأولى من دراستي،حيث كنا نسمع بالأستاذ الشرقاوي إقبال،ونتمنى التعرف عليه واللقاء به.وكان صدور كتابه - شاعر الحمراء في الغربال- بالنسبة لنا في ذلك الوقت من أعظم الفتوحات،على الرغم مما قوبل به من عدم الرضى ، من بعض محبي الشاعر ومريديه.
والواقع أن الأستاذ أطل على قرائه ، من أول كتاب ينشره ناقدا لاذعا، قاسيا أحيانا، ناقش صاحبه حيا فرد عليه تحديه بصرامة، كانت تجعله أحيانا ينخر وينخر-بكسر الخاء وضمها- نخرا ونخرات.ووضعه بعد وفاته في الغربال، فبان له على غير الصورة المرسومة له في كثير من الأذهان، فلم يخف إشفاقه عليه وهو ينطق بالحكم الصادر في حقه مخافة أن يظهر للناس كما هو.
2- علاقة مباشرة: كنت قد زرت الأستاذ الشرقاوي في بيته مرات قليلة أيام اشتغالي بتحقيق كتاب نفس الصباح في غريب القرآن وناسخه ومنسوخه لأبي جعفر أحمد بن عبد الصمد بن عبد الحق الخزرجى،المتوفى بفاس سنة 582هـ،وكان الأستاذ يومها قد انتهى من تأليف كتابه –معجم المعاجم-،وكانت جلسات مفيدة جدا، دار الحديث خلالها عما استدركه من أسماء الكتب على من سبقه من المؤلفين في المعاجم،كحسين نصار في المعجم العربي على سبيل المثال.وفي المقابل،ما فات أستاذنا نفسه مما رد عليه بلطف ولباقة.وانتهى اللقاء بمشهد مؤثر عندما أوقفني بباب البيت وطلب مني أن أنتظره،ليعود بعد قليل وعلامات الحياء بادية على وجهه،وبيده نسخة من مؤلفه : مكتبة الجلال السيوطي وهو يعتذر عن طلب ثمنها.برد الله مضجعه ونور قبره.
أما اللقاء الثاني،فكان على غير موعد بخزانة ابن يوسف بمراكش،عندما التقينا في الجناح المخصص للمخطوطات،وكنت يومها أبحث عن مخطوطات لها علاقة بأطروحتي لنيل دكتوراه الدولة،وكان الأستاذ يعد ترجمة لابن البناء لنشرها في المعلمة، فشجعني ذلك على سؤاله عن النسخ المخطوطة لكتاب-عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل-لابن البناء المراكشي،قبل أن تقوم بتحقيقه الأستاذة-هند شلبي-.فقال إن لديه نسخة مصورة منه،ووعدني بنسخة عنها،سلمني إياها فيما بعد.
وجرناا الحديث إلى ذكر مؤلفات ابن البناء المراكشي المختلفة ومترجميه، وكنت يومها قد تتبعت الموضوع بكثير من الاهتمام.فقال لي كلمة مازلت أذكرها باعتزاز كبير،وإن كنت لا أضع نفسي في هذا المقام: أنت أحق مني بالكتابة عن ابن البناء، ولاشك أن هذا تواضع منه, وتشجيع لمثلي.
ثم توالت اللقاءات في مناسبات مختلفة كان الأستاذ إقبال فيها النجم الثاقب،رحمه الله.وكان يتحدث أحيانا عن مشاريع أعمال خصوصا في مجال تفسير القرآن الكريم تدل على ذوق عال في فهم الكتاب.
قالوا يزورك أحمد وتزوره**********قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زرته فلفضله أو زارني*********فلفضله فالفضل في الحالين له
وبعد،فإن هذه المساهمة المتواضعة تتناول الأستاذ الشرقاوي المحقق بصفة عامة،ومن خلال تحقيق وشرح المحاضرات بصفة خاصة.
و التحقيق:كما هو معلوم اصطلاح معاصر يراد به عناية خاصة بالمخطوطات،حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، أو بتعبير آخر هو الاجتهاد في جعلها ونشرها مطابقة لحقيقتها كما وضعها صاحبها ومؤلفها،و ذلك باتباع الطريقة العلمية الخاصة بالتحقيق والتزام أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ.
والشرح من صميم التحقيق، لأن من واجب المحقق أن يشرح الكلمات الغريبة والمصطلحات المجهولة بتعليقات كافية....إلى جانب قيامه بباقي متممات العمل التحقيقي من تخريج الآي والأحاديث والأقوال والأمثال والأشعار، ونسبة النصوص المنقولة إلى أصحابها، مع التعريف بالأعلام غير المعروفين تعريفا موجزا، والإشارة إلى مصدر أو مصدرين للتراجم.
و الأولى بالمحقق أن لا يتنزل إلى ما بعد عصر المؤلف في مصادر التحقيق،إلا أن يتعلق الأمر بنقول المتأخرين، وأن تراعى في ذلك المصادر المختصة، وأن يتقمص شخصية المؤلف ويعيش عصره،و يستعمل مصادره ومراجعه،و ما كان متداولا إبان تأليفه للكتاب المزمع تحقيقه
و الأستاذ الشرقاوي إقبال باشر نشر وتحقيق مخطوطات قيمة،إما بمشاركة نخبة من الأساتذة كما حدث في نشر البيان والتحصيل لأبي الوليد ابن رشد الجد، والمعيار المعرب للونشريسي،و مختارات من ديوان شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم، أو بمفرده، كما حدث عندما نشر: فنون الأفنان في عيون علوم القرآن لابي الفيض محمد مرتضى الحسيني الشهير بالزبيدي (ت 1205هـ).
و لاشك أن غاية الأستاذ هي إخراج النص سليما واضحا، عمدته في ذلك ذوقه السليم وتكوينه المتين في العلوم العربية، و كثرة محفوظاته الأدبية ومعرفته الواسعة بالمكتبة العربية الإسلامية.
و هو في نشره للمخطوط يلتزم بعدم التصرف في النص بقليل ولا كثير.كما قال في مقدمة تحقيقه لفنون الأفنان - خلا بضع كلمات وردت في كلام المؤلف على وجه لا تجيزه العربية فأصلحها.. ص 4
و يقول عن عمله في نشره لكتاب : تنبيه العارف البصير على أسرار الحزب الكبير بأنه اعتمد نسخة مخطوطة كتبها- تلميذ المؤلف- المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي(ت 1237هـ-1822هـ).
"وفي المخطوط أخطاء فاحشة،ولكنها ليست بالفاشية،يبرأ الزبيدي منها قطعا لتمكنه في العربية، فتعلق بالجبرتي و تكون من جهله، وعسى أن تكون من سهوه، وقد قمت بإصلاحها تنزيها عنها ودرءا لضررها على ضعف القراء
و هذا التدخل من الناشر المحقق يقتضي الإشارة في الهوامش إلى ما تم إصلاحه، ما لم يتعلق الأمر بالقرآن الكريم وحتى يكون منسجما مع قوله:
; وبعد فقد أديت إلى القارئ ما ألفيته في المخطوط على الأمانة وقدمته إليه كما هو عليه. فليثق أنه يقرأ ما نسخه الجبرتي من مسودة نسخته حرفا حرفا، وكلمة كلمة، وعبارة بعبارة من غير تعديل الخ...
مع العلم أن الجبرتي ليس مجرد ناسخ من عامة الناس، بل هو مؤرخ مصر في زمنه ومفتي الحنفية بها، فكيف يجهل أو يتهم بالسهو دون دليل يبرئ ذمة الناشر أو المحقق؟
ولم يخف الأستاذان أحمد الشرقاوي و الطيب المريني دنيا، رحمهما الله في تقديمهما لمختارات من ديوان شاعر الحمراء-محمد بن إبراهيم-ما فاتهما حين قالا:
و أعجلنا وشك المناسبة عن التهميش على القصائد و المقطعات، وعن شرح الأحوال التي نزلت عليها إل قليلا، فمعذرة للقراء عن هذا النقص .
ونصل بعد هذا إلى النموذج الأساس الذي اخترناه لملامسة صناعة التحقيق عند الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال، وأعني كتاب المحاضرات لليوسي، وهو عمل مشترك بينه وبين المرحوم الدكتور محمد حجي الذي تربطه به علاقة ظلت على امتداد حوالي نصف قرن من الزمن متينة حميمة منذ أن جمعهما العمل بمدرسة المعلمين بمراكش إلى نظمهما الموت في مدة متقاربة في الشهور الأخيرة. وقد عبر الأستاذ إقبال غير ما مرة عما يكنه للدكتور حجي من حب وإعزاز وتقدير لسعيه المشكور في خدمة الكتاب المغربي، كما نلمس ذلك من إهدائه بعض كتبه "كمكتبة جلال الدين السيوطي" و "معجم المعاجم" و"بانت سعاد في إلمامات شتى". و الظاهر أنه هو الذي تولى معظم أمر تحقيق المحاضرات، ثم تجمعهما المقدمات الممهدات.... وهما معا يقولان: (إن المحاضرات ظلت بحاجة إلى طبعة محققة تحقيقا وثيقا و أمينا معه الهوامش والشروح و التخريجات التي تساعد على قراءتها مأمونة ومفيدة). مع العلم أن آخر نشر للكتاب كان للدكتور حجي سنة 1396هـ/1976م. وفي التقديم يذكر أنه كان قد شرع مع زميل له في تحقيق المحاضرات، ثم صرفتهما عن ذلك صروف الدهر وظروف العمل، لكنه نزولا عند رغبة بعض الناس و إلحاحهم نشر المحاضرات مجردة عن كل تعليق لتسد الفراغ الذي أحدثه نفاذ الطبعة الحجرية الفاسية من السوق. ومن هنا جاءت إعادة طبع الكتاب مع تحقيقه بتعاون مع الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال....ويعترف المحققان أنهما واجههما منذ البداية من عويص المحاضرات، ما جعلهما يفكران في الإلقاء به إراحة لهما من تعب تفهمه وتفهيمه، ولكنهما آثرا تجشم المشقة في تحصيله على تركه وإهماله، وبذلا في تحرير النص تحريرا وثيقا أمينا غاية الوسع وأمد الطاقة (-المقدمة-)
وبهذا الإصرار واصلا عملهما في تغطية المحاضرات بالشروح والتخريجات والتراجم وسودا طررها بالهوامش والتكملات، بل تجاوزوا ذلك إلى أن حاضرا مع اليوسي كما قالا....
ويبدو أن المحقق كان يجعل في الاعتبار مستوى علميا معينا من القراء، ولا يهتم إلا بما يراه مفيدا، لذا نجده يقول في المقدمة: (ولكننا لم نستقص في المقابلة إلى الحد الذي يجعلنا نتتبع توافه الأمور). ولا ندري ما هي هذه التوافه وكم كنا نتمنى أن نعرف نوعيتها.
و تظهر بصمات الأستاذ الشرقاوي في تحقيق المحاضرات بوضوح في استنطاق النصوص وتوظيفها في التعريف باليوسي بتركه يقدم نفسه بنفسه وهو شيء عودنا عليه في بعض الكتب التي نشرها أو حققها و كأنه يعبر بذلك عن التزام الحياد في مثل هذه الأعمال حتى يظل المتن وصاحبه في الواجهة، ويبقى المحقق مجرد حارس يقظ ومستشار أمين.
لكنه على تواضعه هذا وحسن أدبه لا يقبل أبدا أو يسكت عما لم يصل فيه إلى الحسم ، بل يتدخل بقوة و صرامة ، وربما بأسلوب لاذع أحيانا، تاركا على عادة الكرام الباب مفتوحا أمام الباحثين لعل التوفيق يحالفهم في الوصول إلى ما لم يتيسر له كقوله تعليقا على قول اليوسي:
لله در كرام فاز فائز هم***********قدما بجلب درور منه ملبان
*أراد بالملبان الغزيرة اللبن، ولم ترد هذه الصيغة في المعاجم التي فتشناها، وفيها: "الجمهرة" و"التهذيب"و"الصحاح" و المقاييس" و"اللسان" و"التاج". فإما عرف اليوسي ما لم نعرفه أو صاغها على نحو ما جاء من أمثالها عن العرب وهم قد قالوا: "ناقة مغزار وسحابة مدرار وأرض منبات في أبنية من هذا القبيل....".المحاضرات" 1/5 الهامش 5.
وقوله:"لم نوفق إلى معرفة حكاية الياء المنقوطة هذه وما جرى فيها لأبي علي الفارسي بعد الكد في التفتيش عنها بالمظان من كتب العربية وكتب الرسم والنقط وكتب القراءات، وكذا في كتب التراجم التي ذكرت أخبار أبي علي. وانتهينا إلى أن ضاعت خطواتنا في التفتيش بدورنا، فليعذرنا القارئ في أن لم نبين له ذلك الأمر. وعسى أن يكون عنده علم بما جهلناه وعجزنا فيه."
هذان مثالان مما يمكن تقديمه أنموذجا لأسلوب المحقق الرفيع وطريقته في الشرح والتحقيق.
وهنا لا بأس أن نسجل بعض الملاحظات التي من شأنها أن تساعد على فهم طبيعة التحقيق عند الأستاذ الشرقاوي ومرجعيته، أكتفي منها في هذه العجالة بملاحظتين:
1- جاءت هذه الطبعة المحققة تحمل عنوانا جديدا هو"المحاضرات في الأدب و اللغة" مع أن الطبعتين السابقتين كانتا تحملان اسم "المحاضرات" فقط. وهو ما نص عليه اليوسي نفسه في الكتاب حين قال: "وسميته "المحاضرات" ليوافق اسمه مسماه ويتضح عند ذكره معناه، وفي المثل خير العلم ما حوضر به".
ومحاضرات اليوسي وإن كانت تدخل فعلا تحت الأدب بمفهومه الواسع، فإنها في الواقع مجموعة من الأحاديث التي لا يكاد يجمع بينها وحدة في الموضوع ، ولا يميزها منهج خاص في العرض والتقرير والشرح على حد تعبير الأستاذ محمد العربي الخطابي.
* إنه كتاب يتناول فيه المؤلف بطريقة المحدث المحاضر أشتاتا من أمور الدين والتصوف واللغة والأدب وأحوال المجتمع، مستشهدا بالقرآن والحديث وأقوال الأئمة وأفعالهم وسلوكهم، وبكلام العرب شعرا ونثرا الخ...*
فلماذا هذه الزيادة يا ترى؟ لعل الغاية منها هي الانسجام بين عنوان الكتاب وعمل المحقق الذي ركز على اللغة و الأدب، وهو شيء طبيعي بالنسبة لرجل لغوي يعز نظيره-في عصرنا- في الحفظ والاستحضار. لكن ذلك لا يعفيه من الرجوع في غير مجال الأدب واللغة إلى المصادر المختصة.
واسمحوا لي-هنا- أن أقدم مثالا صغيرا لايؤثر في شيء على الجهد الكبير الذي بذل في تحقيق "المحاضرات" لليوسي، بقدر ما يؤكد المرجعية اللغوية في الشرح والتحقيق.
جاء في "المحاضرات" قول النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا عمير ما فعل النغير".
علق عليه المحقق فقال : "إن الرسول الكريم كان يقوله لبني أبي أيوب الأنصاري. استوقفتني هذه الإحالة لأن الحديث رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير:"يا أبا عمير ما فعل النغير؟"
ولا أخفيكم أني لم أتجرأ على نسبة الوهم في ذلك إلى أستاذنا وهو الحافظ الحجة. فتوجهت بعد كتب الحديث إلى معاجم اللغة وكتب التراجم.
فعدت أولا إلى ثلاثة معاجم كبيرة هي:"تهذيب اللغة" للأزهري و"لسان العرب" لأبن منظور و"تاج العروس" للزبيدي، فوجدتها كلها تورد الحديث، على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله لبني أبي طلحة الأنصاري لا لأبي أيوب كما قال الأستاذ.
ثم رجعت إلى" الاستيعاب" و" الإصابة في تراجم الصحابة"، فوجدت أن عميرا هذا هو ابن أبي طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل وهو الذي يقول:
أنا أبو طلحة واسمي زيد********** وكل يوم في سلاحي صيد
و أبو عمير من جهة ثانية هو أخو أنس بن مالك لأمه أم سليم، تزوجها أبو طلحة فرزق منها أبا عمير الذي مات صبيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما أبو أيوب الأنصاري فاسمه خالد بن زيد، توفي بالقسطنطينية سنة 50هـ أو 51هـ.
فمن أين استقى هذه المعلومة؟
2- إن الأستاذ ينتمي إلى جيل علماء امتازوا ، بقوة الذاكرة وكثرة المحفوظ شعارهم:
إذا لم تكن حافظا واعيا***** فجمعك لكتب لاينفع
خصوصا من عيون الشعر العربي قديمه وحديثه، مع اهتمام خاص بالشواهد. ومن شأن ذلك أن يجعل المكتوب يقرأ بخلفية شفوية موثوقة.
وبموازاة مع الذاكرة الحافظة اعتمد في البحث على الذاكرة المكتوبة المتمثلة في الدفاتر والجذاذات التي كان يدون عليها نقوله و ملاحظاته، مما يكون المواد الأولية لتآليفه و التي تظل من البداية حتى النهاية تخضع لرقابة الذاكرة الحافظة.
ولعل هذا العمل القائم على المحفوظ في الصدر، والمكتوب على السطر على طريقة القدماء وراءه سر خاص ونكهة متميزة على الرغم من صعوبته في التهيئ والإنجاز. ومن ثم فقد يغتفر لصاحبه خروجه عن المألوف، وربما قبل منه ذلك وعد إبداعا. وفي هذا السياق ترد جملة من الأسئلة:
هل يمكن الحديث عن مدرسة مغربية في التحقيق ؟ ومن هم رموزها ؟ وما هي سماتها و مميزاتها ؟ وما هي النماذج التي يمكن تقديمها دليلا على وجودها ؟ إلى أسئلة شتى نتركها عالقة إلى فرصة أخرى.
رحم الله الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال الإنسان و العالم، وجزاه عن دينه وأمته وبلده ولغته أحسن الجزاء.