بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

ملامح النبي وصفاته وتصحيح صورته أمام التيارات المناهضة للإسلام

تاريخ نشر المقال 24-10-20 04:09:58

    ملامح النبي وصفاته
وتصحيح صورته أمام التيارات المناهضة للإسلام
توطئة
تحدث القرآن الكريم في آيات مكية وأخرى مدنية ، عما نال الأنبياء والرسل من أذى ، وما تعرضوا له من استهزاء بهم ، فقال تعالى: { يا حسرة على العباد ما ياتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون }[يس 30 ] وقال : {ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا }[الرعد:32 ]
و لم يكن بدعا بعد ذلك أن يتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم – بدوره- لما تعرض له غيره من الرسل والأنبياء، بل وأن يكون نصيبه من ذلك أوفى وأدهى بحكم خاتمية رسالته وعالمية دعوته وامتدادها إلى قيام الساعة ...
{وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر ءالهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون } الأنبياء :36 / وقال : { وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا } الفرقان :41 –
لقد افتروا الكذب فقالوا عن الرسول الكريم : إنه شاعر ، وكاهن وساحر.
واتهموه بالجنون والكذب { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا بئاية كما أرسل الأولون }[الأنبياء 5]
{فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } الطور[ 29]
{وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلاها واحدا إن هذا لشيء عجاب }[{ص }4-5 ]
ولم يمر ذلك دون رد أو متابعة ، بل جاء رد القرآن الكريم حاسما بتصحيح الصورة في الأذهان بالأدلة الدامغة ، والوقائع الناطقة بصدق الرسول الأمين ودناءة مهاجميه الكاذبين وسخافة ما يدعون متوعدا إياهم بالخزي والهوان في الدنيا والآخرة {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا }
[ الأحزاب 57 ]
{ والذين يوذون رسول الله لهم عذاب أليم }[التوبة 61]
واستمر الطعن في الإسلام والافتراء على نبيه عليه الصلاة والسلام ،لم ينقطع منذ تلكم القرون الخيرة إلى اليوم فادعى بعض الأساقفة – على سبيل المثال - منذ أكثر من ثمانية قرون أن {سيدنا } محمدا كان يقول لقومه لست أموت ولكن أرفع الى السماء فلما مات تركوه يومين حتى نتن ثم دفنوه... و نسوا أو تناسوا أنه مكتوب في القرآن {إنك ميت و إنهم ميتون } الزمر: 30
وفيه أيضا : {و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } آل عمران: 144
وفيه :{و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون } الأنبياء :34
وكان صلى الله عليه و سلم يستعيذ بالله من عذاب القبر , وعندما مات فاحت منه لأصحابه رائحة المسك وكان بعضهم كأبي بكر الصديق و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يقول: بأبي أنت و أمي طبت حيا و ميتا سيرة ابن كثير : 4 518 /
وتتابعت الإساءات وتكررت بعد ذلك فكان منها قبل قرن أو يزيد كتابة اسمه المكرم الشريف المرفع المبارك محمد المنيف على صناديق الوقيد ، ثم تجدد ذلك اليوم بشكل أوقح لكن دون أن ينال – كل ذلك - شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يحجب – عن العقول والأنظار - الصورة الحقيقية له
كناطح صخرة يوما ليوهنها * * * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
سيماء رسول الله
لم يهتم المسلمون في فجر الإسلام ، بالتصوير أو النحت ، لارتباطهما إذ ذاك بالأصنام ، وإنما اهتموا بالتصوير بالحرف و الكلمة، باعتبارهما المادة الخام لفن القول ، أو بالخط والزخرفة، والنقش على الجدران والقباب وغير ذلك ، مما عرف بفن الأرابسك
كما كانت الإحالة على الشبيه ، وسيلة لتقريب الصورة من المخاطبين ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه السلام كان يأتيه أحيانا في صورة دحية الكلبي ، ومثل ذلك قول أبي بكر الصديق {رضي الله عنه } وقد احتمل الحسن بن علي {رضي الله عنهما } على كاهله :" يا بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي "
ومن الصور الوصفية الرائعة ، وصف أم معبد النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها أبي معبد ، ولم تكن يومها مسلمة ، ولا عرفت الرسول الكريم ، أو رأته من قبل :
"رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه في أشفاره وطف وفي عينيه دعج وفي صوته صحل لا تشنؤه من طول و لا تقتحمه من قصر لم تعبه نجلة ولم تزر به صعلة كأن عنقه إبريق فضة إذا نطق فعليه البهاء وإذا صمت فعليه الوقار له كلام كخرزات النظم أزين أصحابه منظرا وأحسنهم وجها أصحابه يحفون به إذا أمر ابتدروا أمره وإذا نهى انتهوا عند نهيه "
قال أبو معبد : هذه والله صفة صاحب قريش ولو رأيته لاتبعته و لاجتهدن أن أفعل
ووفق أبو جعفرأحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة ابن عبد الحق الخزرجي في مقامع الصلبان إلى تلخيص عدد من صفات النبي عليه الصلاة والسلام في معرض رده على ذلك القسيس القوطي الذي طعن في شخص الرسول الكريم حين قال :
هذه جملة من آيات سيد المرسلين والنبيين محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ومن بشارات الأنبياء به إلى ما جبله الله عليه من الخلق العظيم والزهد في الدنيا والعلم والحكمة والبيان والصفح والوقار ولين الخلق والرأفة والرحمة والتواضع لله والصبر والجود .
وملك الحجاز واليمن كلها واليمامة كلها وأقصى نجد إلى العراق ومات ودرعه مرهونة عند يهودي فيما أكل أهله .
وكان بعد ما ملكه الله رقاب عباده وأوطأ له في الأرض من في الأرض وأخضع له الملوك ، يؤاكل العبد واليتيم ويحملهما كالأب الرحيم .
ويركب الحمار ، ويمشي في الأسواق راكبا وراجلا ويجلس على الأرض ويأكل عليها ويلبس العباءة ويرقع ثوبه ويخصف نعله ولم يشيد قصرا ولا غرس نخلا .
وكان يجوع حتى يجعل الحجر على بطنه ويصلي الليل بطوله حتى تورمت قدماه وإذا قام الليل في الصلاة يسمع لصوته أزيز كأزيز المرجل من البكاء وكان أشد حياء من البكر ولم يغضب قط ولا أكل وحده ولا ضرب عبيده ولا منع سائله من رفده ، وكشف بشرته ليقتص منه عكاشة بن محصن – رجل من المسلمين – من شيء لم يتعمده ، فلما وصل إليه تبرك خديه في بطنه ، ويبكي صلى الله عليه وسلم وهو إذ ذاك تهابه الملوك وترتعد منه الجبابرة ، ولو كان سبق في حكم الله تعالى أن يكون إنسان تام إلها تاما كما تزعمون ، لم يكن غير محمد صلى الله عليه وسلم ، لكماله وجلاله ، وبيان فضله على جميع أولاد آدم ، فتلك صفاته وآياته التي علمها جميع العالم و ما أبلغ قول القائل :
و أحسن منك لم تر قط عيني و أجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
هذه نماذج من مئات الصور، المستقاة من كتب الحديث والسيرة والشمائل، وهي في مجموعها، تمتاز بكونها ليست جامدة في أكثر الأحيان، بل تصف الرسول الكريم في أحوال كثيرة، مما يعطي للصورة بعدا أخلاقيا عظيما حسب المناسبات المختلفة والمواقف المتعددة التي يكون فيها النبي عليه الصلاة والسلام ...
وقد نشرت قبل بضعة قرون صور مزعومة للنبي الكريم في كتب تراثية في بعض البلاد الإسلامية ،بل ما تزال تباع في الأسواق بعض الرسوم والصور المتخيلة لأب البشر آدم وأمهم حواء في موقف محتشم ، وأخرى لأب الأنبياء إبراهيم الخليل، وإسماعيل الذبيح ، والروح الأمين جبريل ، و ثالثة لنبي الله يوسف الصديق مع زليخة بين يدي العزيز، ورابعة لنبي الله سليمان وجنوده وخامسة لبعض صحابة رسول الله وآل بيته كأبي بكر الصديق و علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين والى جانبهم صورة للبراق وأخرى لبعض أولياء الله الصالحين كل ذلك في صفحة واحدة كانت إلى عهود قريبة تحتل الصدارة على جدران كثير من البيوت المغربية دون أن تثير– فيما يبدو- فضول أحد...
وسبق ذلك وجاء بعده انتقال هذا الأمر إلى التمثيل خصوصا بعد ظهور السينما فقوبل في البداية بالرفض التام في معظم بلدان العالم الإسلامي ، ثم سرعان ما لقي استحسانا وقبولا، حين تم عرض فيلم "ظهور الإسلام" عن قصة الدكتور طه حسين وإخراج إبراهيم عز الدين لما وجد الناس فيه من قيم ومبادئ سامية كانوا يتشوقون إلى رؤيتها ... ثم جاء فيلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد الذي عرضه في أول الأمر على أهل العلم في كثير من البلاد الإسلامية ومنها المغرب و في سجل فتاوى المجلس العلمي لمراكش فتوى للشيخ الرحالي الفاروق رحمه الله و مما جاء فيها :"إن هذا المقام يجب أن يتنزه عن التمثيل حتى لا يقع أي مساس بشخصية الرسول صلى الله عليه و سلم , , , وبناء على تصفحنا لهذه القصة نزولا عند رغبة الأستاذ المذكور _ مصطفى العقاد_ فإننا نعلن أننا نقف من هذه القصة موقنا الأول _ أي موقف الرفض_ سدا للذريعة و خوفا من أن تمتد الأيدي إلى خدش الديانات و هتك المقامات "
وعلى الرغم من المآخذ التي أخذت على مثل هذه الأعمال و موقف بعض العلماء منها،كموقف شيخنا الرحالي المشار إليه آنفا ، و موقف أبي الفيض أحمد بن الصديق الغماري في رسالته "إقامة الدليل على حرمة التمثيل" فإنها دلت على تعطش الناس وتطلعهم لمعرفة الرسول الكريم في ملامحه وأوصافه وفي سيرته وأعماله
و إن كان هذا لا يعني قبول رسم أو تمثيل شخص رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يدل على رفضه مثل هذا الحديث الذي رواه الشيخان واللفظ لمسلم عن عائشة {ض}أن أم حبيبة و أم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله {ص} فقال رسول الله {ص }:" إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا و صوروا عنه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل يوم القيامة "
كما يدل على رفض ذلك مثل هذه الواقعة التي أوردتها كتب السيرة و التي باء بإثمها الحكم بن أبي العاص الأموي أبو مروان بن الحكم وهو من مسلمة الفتح كان يحكي النبي {ص} ويمثله في مشيته و حركاته فالتفت النبي {ص} يوما فرآه فلعنه و نفاه إلى الطائف
ترجمه الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب و نقل أنهم ذكروا أن رسول الله {ص}كان إذا مشى يتكفأ و كان الحكم بن أبي العاص يحكيه فالتفت النبي {ص} يوما فرآه يفعل ذلك فقال {ص}:"فكذلك فلتكن" فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ , فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ,,, الاستيعاب :1 / 359
والواقع أن شخصية الرسول بهرت الناس جميعا حتى من غير المسلمين مما عبر عنه المنصفون منهم بصريح العبارات وواضح الإشارات مثل : توماس كارلايل الذي اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ، في كتابه "الأبطال" النموذج للبطل في صورة رسول ، بعد أن كان الناس يرون بطلهم إلاها ، كما عده مايكل هارت في كتاب "المائة" أعظم رجل عرفته البشرية ومثله أنتوني ناتنج في كتابه :"العرب " الذي قال :
" لعل أشد ما يستأثر بلب دارس التاريخ العربي من غير المسلمين إنما هو ما طبع عليه محمد من صفات الإنسانية ، كان أكثر الناس فهما للقصور البشري، ومن ثم كان أرحم الناس بالناس ... ولقد كان آية في الرحمة حتى للعدو المنهزم ... "
ومن هنا كانت الرسوم الأخيرة، المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الجارحة لمشاعر المسلمين ،نشازا وافتراء على الحقيقة والتاريخ ،وإن دلت في الوقت ذاته – للأسف - على عدم قيام المسلمين بالواجب في تقديم الصورة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته الى الناس كافة كما تحدث عنها القرآن الكريم :
{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء :107 { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } الآية - آل عمران :159 { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم :4
وهو ما اهتم به الصحابة منذ عصر النبوة، فسجلوا لنا بدقة وأمانة، صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقيقية خلقا وخلقا ...
أما تلك الرسوم و الصور المزعومة فلا تصور شخص رسول الله وأخلاقه أبدا ، لا على الحقيقة ولا على التأويل ، وإنما تعكس نفسية الرسام الذي رسمها ، و ثقافته التي استقى منها تصوره، وقد يكون ذلك ناتجا عن جهله بسيرة رسول الله من جهة وعن قصور المسلمين في إعطاء الصورة الحقيقية لرسولهم الكريم كما سبقت الإشارة الى ذلك ، وإلا فإن صورته صلى الله عليه وسلم الخارجية الظاهرة تنبيء عن صورته الداخلية المرتسمة على وجهه الشريف ،كما قال عبد الله بن سلام : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه وقيل : قدم رسول الله ، قدم رسول الله ، فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجه رسول الله عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ... الحديث
كيف ننصر الرسول :
من أهم ما يميز المسلمين في علاقاتهم بغيرهم من أتباع الرسالات السماوية السابقة احترامهم لعقائد هؤلاء جميعا وتوقيرهم لكل الرسل والأنبياء كما قال الله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُسُلِهِ} وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يعامل المسلمون بالنقيض ؟ ولماذا هذا الهجوم المغرض على رسول الله ؟ حتى إن كثيرا منهم - للأسفِ الشَّديد - لم يتورعوا عن اتُّهامه صلى الله عليه وسلم بتهم زائفة ملفقة فيما يتعلق بشخصه ودعوته ، وتصويره صورا متخيلة كاذبة والإساءة إليه برسوم كاريكاتورية ساقطة . وإن المرء ليستغرب حين يرى مثل هذه الأخطاء الفكرية والسلوكية من أُناس كان من المفترض بحكم الحضارة والثقافة التي ينتمون إليها ،وما تحمله من شعارات وإعلانات و مواثيق راقية وما تدعو إليه من حوار بين الأديان أن تكون لغتهم وسلوكهم غير هذا ...
وإذا كان من حق كل إنسان أن يقبل أو يعرض عن حريته في الفكر والتعبير وفي غير ذلك مما يرغب فيه من أنشطة وممارسات فإنه حين يمارس حريته يبقى في الوقت ذاته مسئولا عن كل ما يصدر عنه ....
إنها لا تصح الإساءة إلى الآخرين على أساس الظن والتخمين فتلصق تهم باطلة بشعب أو أمة بأكملها ولعل خير ما تواجه به من المسلمين – اليوم - مثل هذه الحملات المغرضة ضد النبي صلى الله عليه وسلم القيام بالواجب في التعريف بالدين الحنيف وبالقيم السامية التي جاء بها ، و الخدمات الجلى التي قدمها للبشرية و بإظهار الصورة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما تحلى به من خلق عظيم وسلوك قويم ورحمة بالناس أجمعين ...
ولعل هذا التحامل الظالم على الإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام وتزييف الحقائق ما جعل عالمة منصفة كالمستشرقة الألمانية الراحلة آنا ماري شيمل {1922- 2003م} تقول في جرأة وصدق :
لا تلوموني علي حبي لرسول الإسلام.. حبي وشغفي بالإسلام ورسوله بلا حدود، حتى إنَّ البعض يقول إنني أخفي إسلامي، وأنا أقول مقولة لشاعر هندوسي: (قد أكون كافراً أو مؤمناً فهذا شيء علمه عند الله وحده، ولكني أود أن أنذر نفسي كمحب مخلص لسيد المدينة العظيم محمد رسول الله).. فلماذا تلومونني على حبي ودفاعي عن رسول الإسلام الذي أحبه، في حين لم يتعرَّض شخص في التاريخ للظلم الذي تعرَّض له محمد في الغرب.. فأساطير القرون الوسطى اتهمته بأنَّه كان كاردينالاً استاء لعدم تعيينه بابا فانفصل عن الكنيسة وأسس ديانة جديدة، واتهمته رواية فرنسية بأنَّه شارك مع شخصين آخرين في تكوين نوع من الثالوث الشيطاني! وجريمة لا تُغتفر في حق محمد ارتكبها الأدباء الإنجليز؛ حوَّلوا اسم محمد ليكون مرادفاً للشيطان.. وحوَّل الأدب الألماني (محمد) إلى (ماحوم)، واتهموا المسلمين بأنَّهم يعبدون أصناماً ذهبية لماحوم.. وللأسف فإنَّ مثل هذه الصور الشنيعة راسخة في اللاوعي الجماعي للغرب، وهو ما يفسر العداء الغربي للإسلام.. أليس هذا الظلم دافعاً لي لتوضيح حقيقة رسول الإسلام والدفاع عنه حتى لو كلفني ذلك حياتي.. فإنَّ (الساكت عن الحق شيطان أخرس)؟!
ومن أجل بلوغ هذا الهدف النبيل ،لا بد أن تستعمل كل السبل الايجابية والأساليب المؤثرة ، حيث يبذل كل واحد ما في وسعه من أجل إيصال هذه الرسالة النقية الجلية إلى كل إنسان في كل مكان وتصحيح تلك الصورة القاتمة التي ولدها الحقد والكراهية الناتجين عن أخطاء من الطرفين وقصور من الجانبين مما لم تزده الأحداث الإرهابية المؤلمة التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة في كثير من الجهات إلا عمقا وربما حمقا - في بعض الأحيان - وتبديلها بصورة واضحة ناصعة تدافع عن الإسلام و قيمه و مبادئه السامية ، و تنصر النبي الكريم شعراً و نثراً باللسان وبالقلم بمختلف اللغات ، و بكل الوسائل الممكنة كالسينما والأنترنيت والمسرح وكل وسائل الإعلام على اختلافها ، وباغتنام مناسبات الاحتفال بالمولد النبوي لإبراز ملامحه صلى الله عليه وسلم وصفاته من خلال العناية بالمولديات شعرا ونثرا و كتابة السيرة بأسلوب جديد معاصر والتعريف برسول الله وسيرته عبر كل السبل الممكنة مع التواصل مع المنصفين والمعتدلين من غير المسلمين ممن لا يقبلون هذه الإساءات والعمل على الخروج بما يضمن مقاطعة كل ما يسئ للأنبياء والرسل ويثير معتنقي الأديان من إصدارات ...
مثال الشعر:
لقد أدرك رسول الله {صلى الله عليه وسلم } أهمية الشعر في معركته ضد خصوم دعوته و الرد على افتراءاتهم ، باعتباره ديوان العرب وأهم وسائل الإعلام في ذلك الزمان فكان يقول لحسان بن ثابت : اهجهم أو هاجهم ، وجبريل معك رواه الشيخان
و لم تتأخر قريش حين بلغها خبر توجه شاعر كبير كالأعشى ميمون نحو رسول الله أن ترصد طريقه وتسأله أين يريد حتى إذا أخبرهم أنه يقصد محمدا { صلى الله عليه وسلم } ليسلم ساوموه على ذلك ...
وإذا كانوا قد استطاعوا أن يصدوه عن الوصول الى رسول الله فإنهم لم يستطيعوا أن يمنعوه من أن يقول في مدحه قصيدته الدالية التي مطلعها :
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمـــــدا * * * وعادك ما عاد السليم المسهدا
ثم يقول مخاطبا ناقته :
فآليت لا أرثي لها من كلالـــــــــة * * * ولا من حفى حتى تزور محمدا
نبي يرى ما لا ترون وذكــــــــره * * * أغار لعمري في البلاد وأنجــدا
له صدقات ما تغب ونائــــــــــــل * * * وليس عطاء اليوم مانعه غــــدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم * * * تراحي وتلقي من فواضله ندى،
و استخدم خصوم الدعوة الإسلامية من جهتهم فن الشعر في عهد المبعث في معركتهم ضد الإسلام ورسوله فرد عليهم شعراء الإسلام بالمثل بل استطاعوا بفضل الله هزمهم والقضاء المبرم عليهم وعلى شعرهم وكان في مقدمتهم شاعر الرسول حسان بن ثابت :
هجوت محمدا فأجبت عنـــــــــه* * * وعند الله في ذاك الجــــــــــزاء
أتهجوه ولست لـــــــــــه بكفء* * * فشركما لخيركما الفــــــــــــداء
هجوت مباركا برا حنيفــــــــــا* * * أمين الله شيمته الوفـــــــــــــــــاء
وأحسن منك لم تر قط عينــــي* * * وأجمل منك لم تلد النســـــــــــــاء
-------------------------------------
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله * * * ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمـــه * * * إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلـــــــــــــه * * * فذو العرش محمود وهذا محمـد
ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى شعراء مبدعين ينقلون صورة رسول الله المشرقة وسيرته النبوية العطرة من حيز برودة العواطف وبلادتها إلى رحاب حرارة الانفعالات وجذوتها على غرار ما فعل أولئك الشعراء الفحول الذين خلدت ذكرهم قصائدهم في المدائح النبوية من السابقين واللاحقين
و قبل شهور زار مدينة مراكش الشاعر السوري المعروف خالد البرادعي وهو يحمل بين يديه ديوانه الجديد : ملحمة محمد {صلى الله عليه وسلم } في ثلاث مجلدات وأنشد على مسامعنا مختارات رائعة منه بعثت في النفوس الأمل وردت إليها الثقة في قدرة مبدعينا على رسم أجمل الصور للرسول الأكرم وتقديم أجمل اللوحات من سيرته العطرة بشكل جديد أخاذ...
نماذج من صور رسول الإنسانية :
لرسول الله صلى الله عليه وسلم صورة إنسانية مشرقة داعية إلى أخوة إنسانية وعلاقة مودة ومحبة بين الشعوب والأمم مصداقا لقول الله تعالى :{يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} على أساس وحدة الأصل : كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى و هي علاقة حميمة تظل قائمة ما دام الاعتداء غير واقع من أي طرف {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } فإذا ساءت العلاقة لسبب ما فعلى المسلمين أن يعدلوا معأعدائهم { و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ولقد ظهرت أخلاق الإسلام الراقية في الحرب كما ظهرت في السلم حتى إنه في حال وقوع اعتداء من الطرف الآخر على الأطفال والنساء والشيوخ بالقتل وهتك الأعراض وغير ذلك ، فإن الإسلام يقف رافضا لهذا السلوك غير الإنساني داعيا الى عدم المعاملة بالمثل في ذلك ولقد مثل المشركون بجثمان حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يمثل بأحد منهم - يقول شوقي : قالوا غزوت ورسل الله ما بعثت * * * لقتل نفس و لا جاءوا بسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطـــة * * * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلــم
وظهر الرسول الكريم في صورة متلألئة يوم أحد وقد كسرت رباعيته وشج وجهه الشريف وهو يأبى الاستجابة لاقتراح أصحابه : لو دعوت عليهم - قائلا : "إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون رواه الشيخان وعندما أشار عليه أحد هم بقتل بعض المنافقين قال:"لا يتحدث أن محمدا يقتل أصحابه " رواه الشيخان
وجئ إليه برجل فقيل :هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لن تراع لن تراع ولو أردت ذلك لم تسلط علي أحمد 3/471
ولا عجب فقد كان كما قالت السيدة عائشة {ض}: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما ضرب خادما قط و لا امرأة . رواه الشيخان والترمذي -
ولما لم يستطع غورث بن الحارث الفتك برسول الله عندما سقط السيف من يده وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم و قال : من يمنعك مني ؟ قال: كن خير آخذ ، فتركه وعفا عنه فجاء الى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس رواه الشيخان -
ولما وقع سهيل بن عمرو أسيرا بأيدي المسلمين في غزوة بدر وكان من أشراف قريش وأفصحهم قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو، حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم فأجابه رسول الله: لا أمثل بأحد ، فيمثل الله بي ، وإن كنت نبيا ; ثم أدنى عمر منه وقال :
يا عمر لعل سهيلاً يقف غدا موقفاً يسرك
وفي صلح الحديبية، أرسلت قريش سهيل بن عمرو إلى الرسول مفاوضا ، ودعا الرسول علي بن أبي طالب ليكتب الصلح فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل : ; لا أعرف هذا ، ولكن اكتب باسمك اللهم فكتبها علي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك"، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيلا بن عمرو" ، ويوم فتح الله على رسوله والمومنين مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة :" يا معشر قريش ، ما تظنون أني فاعل بكم ؟" فأجابه سهيل بن عمرو قائلا : "نظن خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم" فأجابه الرسول الكريم وقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
يقول ول ديورانت - على الرغم من عدم فهمه لكثير من الظواهر التي رافقت حياة النبي صلى الله عليه وسلم - عن بعض صفاته :"كان لطيفا مع العظماء بشوشا في أوجه الضعفاء عظيما مهيبا أمام المتعاظمين المتكبرين متسامحا مع أعوانه يشترك في تشييع كل جنازة تمر به ولم يتظاهر قط بأبهة السلطان وكان يرفض أن يوجه إليه شيء من التعظيم الخاص ... وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ ..."
خاتمة :
لقد حمى الله رسله الكرام وانتقم لهم ،فقال سبحانه :{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون } التوبة:64
و كفى الله نبيه المصطفى المستهزئين فقال له:{ فاصدع بما تومر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزءين } الحجر: 94-95 كما قال له في آية أخرى:{ يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } المائدة:67
روي أن المستهزئين في الدنيا يفتح لهم باب من الجنة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سد عليهم فذلك قوله [تعالى] :{ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } [المطففين:34] وعلى هذه الوجوه قوله عز وجل:{ سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } – التوبة :79
وجاء في تفسير قوله تعالى {إنا كفيناك المستهزءين } أن الله تعالى أعلم رسوله الكريم أنه قد كفاه المستهزئين من كفار مكة ببوائق إصابتهم من الله تعالى لم يسع فيها محمد ولا تكلف فيها مشقة وعن ابن عباس أن {المستهزءين} كانوا ثمانية كلهم مات قبل بدر
وكان صلى الله عليه وسلم محاطا بحراسة من أصحابه من كل من يريد مسه بأذى إلى أن نزل قول الله تعالى:{والله يعصمك من الناس } فأخرج رأسه من القبة وقال لحراسه :& يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني ربي ، فلم يقدر أحد على أن يصيب منه مقتلا مع حرصهم على ذلك
وتظل حماية الله لرسوله قائمة وعصمته له من الناس سارية ، دون أن تعفينا من أداء الواجب في نصرة رسول الله ونشر صورته الحقيقية في الآفاق

مصادر ومراجع :
- سيماء محمد : د.علي شريعتي - نشر الملتقى : 2006- مطبعة فضالة ـ المغرب للأستاذ الصديق بلعربي
- المدائح النبوية للدكتور زكي مبارك
- محمد الإنسان الكامل للدكتور محمد علوي المالكي
- الشفا للقاضي عياض
- الغيث المدرار للكتاني
- إثبات نبوة محمد لأبي العباس القرطبي
- الأبطال لتوماس كارليل
- العرب لفينج
- قصة الحضارة لويل ديورانت
- بين الإسلام والمسيحية لأحمد بن عبد الحق الخزرجي
- مقامع الصلبان لأحمد بن عبد الصمد الخزرجي