بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

نظرات في فتاوى الشيخ الرحالي الفاروق

تاريخ نشر المقال 18-03-19 09:16:29

    نظرات في فتاوى الشيخ الرحالي الفاروق : في إطار النشاط العلمي (حوارات ) الذي دأب المجلس على تنظيمه منذ سنوات في شهر رمضان ، شاركت في هذا الحوار بورقة من صميم تراث المجلس و رسالته، و يتعلق الأمر بفتاوي أستاذنا الكبير العلامة الرحالي الفاروق رحمه الله .
- هذا الحوار سيأتي في توطئة و ثلاثة محاور كالآتي:
توطئة :
للفتوى في الشريعة الإسلامية ، مكانة رفيعة سامية ، و أهمية بالغة عالية، بسبب توغلها في مختلف مناحي الحياة ، وارتباطها الوثيق و العميق بالمجتمع و هموم الناس و بالشريعة في أصولها و فروعها ، و ممايدل على شرفها و شرف القائمين بها قول النبي صلى الله عليه و سلم : العلماء ورثة الأنبياء من هنا جاز لأبي إسحاق الشاطبي رحمه الله أن يقول في الموافقات : "و على الجملة فالمفتي مخبر عن الله كالنبي و موقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي و نافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي ، و لذلك سُموا أولي الأمر، و قٌرنت طاعتهم بطاعة الله و رسوله في قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم } و الأدلة على هذا المعنى كثيرة " و في تفسير الآية للعلماء كلام طويل الذيل لا يتسع المجال هنا لبسط القول فيه
وبعد فتحاشيا للإثقال عليكم ، بالتوسع في معاني كلمة فتوى وهي من أصعب الكلمات و أعصاها على التحليل اللغوي و الصرفي على حد تعبير الزميل الأستاذ محمد البايك في كتابه لفتوى بين أحكام الشرع ومقتضيات اللغة و حسبي - هنا - أن أقدم بعض الإشارات المساعدة على فهم المعنى الاصطلاحي ، دون التوغل في التفاصيل و ذلك من خلال ثلاث نقاط :
1- الفتوى بمعنى البيان . يقال: أفتاه في الأمر: أبانه له .
2 - الفتوى بمعنى الجواب على السؤال . يقال : أفتاه في المسألة يفتيه إذا أجابه
3. - قد تختص الفتوى ببيان المشكل والجواب عما أشكل ؛ حيث إن أصلها من الفَتَى، وهو الشاب الحدث، الذي شب و قوي، فكأنه يقوي ما أشكل ببيانه .
و من ثم قال صاحب الكليات : الإفتاء هو تبيين المبهم وقال صاحب التعريفات: الإفتاء هو بيان حكم المسألة
ويقال: الفُتوى والفُتيا والفَتوى، والجمع : فَتاوِي بكسر الواو، ويجوز فَتاوَى بفتحها للتخفيف .
أما الفتوى في الاصطلاح:
فمن تعاريفها عند الفقهاء أنها هي الإخبار بالحكم الشرعي مع المعرفة بدليله ، أّو هي الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام
قال زميلنا الراحل الدكتور محمد رياض رحمه الله معلقا على التعريف الأخير خرج بالقيد الأخير حكم القاضي، لأنه مبني على الإلزام عند من يرى ذلك
فالمفتي إنما يخبر بفتواه من استفتاه ، فإن شاء قبل قوله ، وإن شاء تركه، ولا يُلزمه بالأخذ بها .
وفي هذا احتراز عن حكم الحاكم وقضاء القاضي؛ فإن الحاكم أو القاضي يخبر الخصوم بقوله على سبيل الإلزام .
"فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم، ويتميز القاضي بالإلزام"[3] .
وقولهم : بالحكم الشرعي يدل على أن الفتوى تختص ببيان الحكم الشرعي، دون غيره من الأحكام .
وفي هذا احتراز عن بيان الأحكام غير الشرعية؛ كاللغوية والطبية والعقلية؛ فإن ذلك لا يدخل تحت الفتوى بمعناها الشرعي الخاص، وإن كان داخلا تحت المعنى اللغوي العام للفتوى، وهو البيان والجواب .
وقوله: مع المعرفة بدليله يفيد أن الفتوى إنما تصدر عمن يعرف الدليل، وذلك هو العالم بالشرع، وهو الفقيه المجتهد، وهذا يشمل: ما أخبر به المفتي عما فهمه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، مما نص عليه الكتاب والسنة، أو أجمعت عليه الأمة، ولما استنبطه وفهمه باجتهاده، ويشمل أيضا ما أخبر به عما فهمه عن إمامه الذي قلده من كتاب أو ألفاظ هذا الإمام[5] .
لذا فقد ذهب كثير من الأصوليين إلى أن المفتي هو المجتهد، وأنه لا يفتي إلا مجتهد، وهذا يشمل المجتهد المطلق ومجتهدي المذهب[6] .
وهذا فيه احتراز عن العامي المقلد؛ فإنه مجرد ناقل لقول غيره، وفيه احتراز أيضا عن الراوي؛ فإنه يخبر عن الحكم الشرعي، وإنما هو ناقل للفظه فقط، مع أن كلا من المقلد والراوي يشترك مع المفتي في بيان الحكم الشرعي .
قال ابن القيم: حكم الله ورسوله يظهر على أربعة ألسنة: لسان الراوي، ولسان المفتي، ولسان الحاكم، ولسان الشاهد .
المحور الأول - الرحالي الإنسان
لقد مرت اليوم على وفاة العلامة الفاروق أكثر من ثلاثين عاما جعلت الجيل الجديد لا يعرف هذا الرجل إلا بالسماع في أحسن الأحوال بعد أن كان يملأ الدنيا و يشغل الناس ، و من ثم وجب تعريف الأجيال الصاعدة بعلماء الأمة خاصة ورجالاتها في شتى المجالات عامة في هذا السياق تأتي هذه الترجمة الموجزة عن شيخنا الرحاي رحمه الله
هو العلامة الجليل أبو عبد الله محمد الرحالي بن رحال بن العربي بن الجيلالي بن عبد الخالق الفاروق ينحدر من أصول نزحت من أولاد الولي الصالح السيد أحمد بن موسى السملالي بسوس الى بلاد السراغنة فاستوطنت قبيلة أولاد حمو ...
ولد حوالي 1315هـ / 1897م حسب وثيقة ذات طبيعة خاصة عندي صورة منها مؤرخة بـ 28 يناير 1933 م لم يستطع من لا يحيل معرفة كنهها ، وكان والده من أهل الخير والفضل والفراسة التي قلما تخطيء، واسع الكسب والفلاحة معدودا من أعيان السراغنة ووجهائها
يقول عنه ابنه – المترجم - : اشتهر بمدرسته التي تجمع بين قراءة القرآن ودراسة العلم وهو رحمه الله أمي لا يقرأ .
بدأ الرحالي دراسته في مسقط رأسه ، بحفظ القرآن الكريم بقراءة نافع أولا ، ثم بقراءة حمزة التي كان الاقبال عليها بالسراغنة في ذلك العهد كبيرا ـ ثم أتم حفظ بقية القراءات السبع ، كل ذلك على الفقيه المقريء الشيخ أحمد بن المختار الرحالي [ ت 1345هـ ]
ثم أقبل على حفظ المتون الأساسية والعلوم الأولية على يد العلامة السيد امحمد أجسيم السوسي استدعاه والد المترجم من مراكش فمكث في ضيافتهم مدة ثلاثة أعوام بأجرة شهرية
ولما أحس بتقدمه في طلب العلم تطلعت نفسه الى الاغتراف من حياض جامعة ابن يوسف بمراكش فرحل إليها و بعد إجالة النظر في الدروس الموجودة بها وقع اختياره على دروس معينة واستخلص لنفسه بعض العلماء من أبرزهم:
محمد بن التاودي السرغيني( ت1347 هـ )
أبو شعيب الشاوي البهلولي المعروف بابن الرامي( ت1349هـ )
عبد السلام بن المعطي السرغيني (ت 1350هـ)
العربي الرحماني البربوشي( ت 1354هـ )
أبوشعيب الدكالي (ت 1356هـ )
محمد بن عمر السرغيني المعروف بابن نوح (ت 1356هـ)
محمد بن أبي بكر السرغيني (ت 1357هـ)
وبعد سبع سنوات من الجد والاجتهاد بمراكش، تاقت نفس المترجم للرحيل الى فاس، فاستأذن شيخه وعمدته العلامة ابن الرامي في ذلك فأذن له بقوله :"إذا أردت أن تتبرك فلا بأس "
وفي جامعة القرويين جلس المترجم للأخذ عن نخبة من علمائها الأجلاء منهم:
أحمد بن الجيلالي الأمغاري( ت1352هـ)
أبو شعيب الدكالي (ت1356هـ) الذي أخذ عنه من قبل بمراكش، وسيرحل اليه مرة أخرى إلى الرباط بعد مرحلة فاس
الحسين بن محمد العراقي (ت1356هـ)
عبد الرحمن بن محمد بن القرشي( ت1358هـ)
مولاي عبد الله الفضيلي (ت1363هـ)
محمد بن أحمد بن الحاج السلمي (ت1364هـ) وهو عمدته بفاس وكان يزلفه ويقربه
وبعد عامين من التقاط الدرر، وكتابة الطرر، عاد العالم الشاب إلى مسقط رأسه، وتراب نعله، ومسكن أهله وعشيرته، فتلقاه القوم بالأعلام، وأقاموا الأفراح والولائم، وأجروا الجياد ،وأطلقوا البارود احتفاء بمقدم نابغتهم المرجو، لتحقيق كل الآمال .
عاد الشيخ الى مسقط رأسه، ليستريح قليلا، وليتهيأ لتحقيق الحلم الذي ظل يراود اسرته ،وهو أن يتولى القضاء في بلده، لكن الانتظار طال، وبدأ الرجل يسأم من فضول الكلام، وضيق درعا بكثرة الملام ،ففكر في نشر العلم ،وتوجيه الناس، مقررا بناء مدرسة ،يكون عليه إرشاد طلبتها، وعلى والده نفقتهم .
وفعلا تم بناء المدرسة المذكورة بقلعة السراغنة، وجلس الشيخ الرحالي، ما يربو على أربعة أعوام ، يقرأ مع الطلبة ما يناسبهم من علوم وفنون، الى أن فاجأته الأقدار، بوفاة والده المفضال، سنة 1350هـ فلم يجد بدا من الانتقال الى موضع الفاجعة، وتولي إدارة مصالح أهله، وتسيير شؤونهم ،ردحا من الزمن .
وفي هذه السنة كادت أمنية الوالد الراحل تتحقق، بتولي المترجم خطة القضاء ،عقب وفاة قاضيها العلامة السيد عبد السلام السرغيني، نزولا عند رغبة السكان هناك، وترشيحهم له، لكن الظروف حالت دون ذلك، لحكمة يعلمها الله ...
وبعد سبع سنوات من ذلك ،نجد الرحالي أستاذا مبرزا بالجامعة اليوسفية، يشد إليه الأسماع والأبصار والأفئدة ، بعلمه الغزير وحفظه الخارق، وشخصيته الجذابة .
ويظل مرابطا في محراب العلم والأدب، لا يتزحزح عن ذلك، إلى أن أبعد هو وثلة من رفاقه عن عملهم بسبب نشاطهم الوطني وتعبئتهم للعلماء من أجل مواجهة المستعمر ...
ويمر الشيخ الرحالي في هذه الآونة بتجربة قاسية وامتحان صعب، لكنه يتجاوز كل ذلك بإيمان وصبر.
ومن شعره في تلك الأيام الصعبة، متغنيا ببيعة الملك الشرعي للبلاد ،الملك المجاهد محمد الخامس طيب الله ثراه :
يا بيعة في بلاد الغرب باركها رب وشعب وأخيار
وكلهم نحو هام التاج شاخصة منهم عقول وآمال وأنظار
ومن ذلك بمناسبة عيد العرش سنة 1949م :
الشعر يبغي في الحياة مجالا والشعر سحر يستحيل حلالا
يا عرش جاء العيد وهو مبشر بنجاحكم وبنهضة تتوالى
وطدت أمرك في البلاد مسايرا أجدادكم وسموت أنت فعالا
قال أستاذنا العلامة الشيخ محمد المكي الناصري في حق المترجم له مواقف دينية و وطنية تبيض وجه العلماء ، و تؤكد دورهم الحاسم في حياة الأمة ، فقد كان رحمه الله ثاني اثنين من علماء مراكش الذين أصدروا فتوى ضد عملاء الاستعمار والمدفوعين للتمرد على العرش ، و نشرت هذه الفتوى في صحافة ( الوحدة المغربية بطنجة ، و عند إعلان الاستعمار وعملائه عن تنصيب دميته إماما للمغرب سنة 1953 رفض الموافقة على بيعته الباطلة مسجلا قولته التاريخية الشهيرة : الدين يمنعنا و ا؟لإسلام لا يسمح لنا فتعرض للأذى و التشريد طيلة أيام المحنة وإلى ذلك أشار المؤرخ البريطاني الراحل روم لاندو نزيل مراكش ، فبعد أن تحدث عن ظروف اعتقال شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي بفاس أردف قائلا : و ثم عالم آخر رفض أن يوقع البيعة و هو أحد مدرسي جامعة مراكش عاصمة الكلاوي و قد ألقي عليه القبض ، و ضرب حتى أقر بالخطأ و الندم
و إقراره هذا لم يكن سوى كتابته في وثيقة الخزي قوله تعالى { إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان }
وبعودة الملك المجاهد الى عرشه الماجد وشعبه الناهض عاد السهم الى نزعته والحق الى عصبته وعاد المبعدون إلى وظائفهم ومناصبهم وخرج المترجم من محنة سنوات الأزمة رافع الرأس عطر الذكر فكان من العلماء الذين قربهم إليه محمد الخامس رحمه الله ، إذ أصبح الشيخ الرحالي في بداية الاستقلال رئيسا لجامعة ابن يوسف وللمجلس العلمي بها وعندما اعتلى الملك الحسن الثاني قدس الله سره العرش أحاط المترجم بنفس العناية والتكريم، وكان هذا الأخير عند حسن الظن، حيث ساهم في الدروس الحسنية مساهمة فعالة أبانت عن مدى تمكن علماء المغرب من العلوم الاسلامية و العربية، بشكل عز نظيره في العصر الحاضر.
وكان الشيخ الرحالي الى جانب مشاركته في الدروس الحسنية و ختمه لصحيح الإمام البخاري ليلة السابع و العشرين من رمضان من كل عام يلقي دروسه العلمية بالجامعة اليوسفية و يقوم بالخطابة بجامع الكتبيين بمراكش، و يواظب على دروسه الشعبية في عدد من جوامع مراكش و مساجدها ، خصوصا منها جامع روض الزيتون الجديد، و مسجد أبي الفضائل بالقنارية، وجامع ابن يوسف .
و ظل رئيسا لجبهة العلماء بمراكش، الى أن أسست رابطة علماء المغرب أوائل الستينيات، فكان أحد مؤسسيها البارزين ومستشاريها الدائمين، كما ظل رئيسا للجامعة اليوسفية الى أن أسست كلية اللغة العربية بمراكش سنة 1963 فكان اول عميد لها و كان يريد ها أن تكون كلية للدراسات العربية كلها، تشبثا منه بأنها امتداد لجامعة بن يوسف ذات التاريخ المجيد .
وعندما أسست دار الحديث الحسنية كان الشيخ الرحالي من اوائل أساتذتها المبرزين ، إذ ظل على مدى سبعة أعوام يلقي فيها دروسه الحديثية بمستوى علمي رفيع ...
ولما أسست أكاديمية المملكة المغربية سنة 1980 كان من أوائل أعضائها .و في دليل المملكة المغربية و حصيلة أعمالها في ذكراها الثلاثين ترجمة موجزة للشيخ مع صورة شمسية لعلها من آخر صوره
ولما أحدث المجلس العلمي الأعلى و المجالس العلمية سنة 1981 كان الشيخ الرحالي اول رئيس للمجلس العلمي بمدينة مراكش ..
وفاته و آثاره
انتقل المترجم الى جوار ربه ليلة الاثنين 18 جمادى الثانية عام 1405 هـ موافق لـ11 مارس 1985 م بالمستشفى العسكري بمدينة مراكش ووري الثرى في حشد هائل بالمشيعين بمقبرة باب أغمات رحمه الله و اجزل ثوابه.
و ترك من خلفه تراثا علميا أصيلا ، منه ماهو مخطوط ومنه ما هو مطبوع ،و فيما يلي اهم هذه الآثار:
أ- إنتاجه قبل الاستقلال :
1- مقالاته في مجلة لسان الدين و في ذلك يقول العلامة الراحل الشيخ عبد الله كنون: وقد نشرت له منها الكثير في مجلة لسان الدين التي كنت أصدرها من تطوان أيام الحماية ، إذ كانت علاقتنا ،متمكنة منذ الأربعينات
2- ; فتاوى فقهية و احكام شرعية قال عنها المؤلف رحمه الله ، بأنها لو جمعت لكانت جزءا زاهيا بالمحاسن ناطقا بالمعاني
3- مطارحات ادبية و مغامرات سلبية أيام السواد و الحداد، و مصارعة بين العدل و الظلم و الحق و الباطل ،لو كتب له البقاء لأقرت العيون و أبهجت النفوس ، و كانت فنا من فنون الأدب
4- فتح العلي القادرعلى توحيد الامام ابن عاشر و هي طرر كتبها عام 1360هـ
5- الإعلام و الاشادة بما انطوت عليه مقدمة البداية و هو تعليق فريد على مقدمة بداية المجتهد و نهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ،و يجمع تلاميذه ، على أنهم لم يرومن الشيوخ من فتت البداية و فك رموزها و أعاد الفروع إلى أصولها ، كما كان يصنع الشيخ الرحالي.
-6-كلمة في ذكر التوحيد و الاشادة بفضله و اعتبار حكم العقل في الدين.
-7-كلمة تتعلق بالجناب المحمدي
وهذا الانتاج باستثناء ما نشر في مجلة لسان الدين، يعتبر ضائعا ، إذ تعرض بيت الشيخ إبان الأزمة للتفتيش ، فضاع منه ما ضاع و الأمل في الله كبير أن ينجو بعضه ، فيتم العثور عليه في قابل الأيام.
ب- إنتاجه بعد الاستقلال:
-1- تحقيق الجزء الأول و الثاني من المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي. و هو مطبوع بالإمارات العربية( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، تحقيق الرحالي الفاروق وعبدالله الأنصاري وعبدالعال إبراهيم ومحمد العناني، طبعة الأمير خليفة بن حمد آل ثاني، ط.1، 1402هـ-1982م، الدوحة – قطر)
-2- دروسه الحسنية التي ألقاها بين يدي جلالة الملك الحسن الثاني بالقصر الملكي العامر،و قد طبعت منها وزارة الوقاف والشؤون الاسلامية ، أربعة دروس ، ونأمل ان يتم طبع الباقي منها.
كما نشرت المطبعة الملكية بالرباط سنة 1389هـ،/1969 م ، محاضرته الدين النصيحة في كتيب خاص
-3- ملامح في الاقتصاد الاسلامي كتيب طبعته له جمعية التضامن الاسلامي
-4- دروسه في التفسير بكلية اللغة العربية بمراكش و كانت تتناول ثلاث سور هي الإ سراء و النور ويس
-5- دروسه في الحديث النبوي بدار الحديث الحسنية بالرباط
-6- إرشاد كل تائه وغافل وساري الى الحديث الذي ختم به الامام البخاري و هي ختمته لصحيح البخاري
-7- نشرة العلماء بمراكش و كانت تصدر بها ابتداء من سنة 1956م مرة كل شهر، وكانت ما تزال مستمرة الى حدود سنة 1958م
-8- مقالاته الكثيرة التي نشرت في مختلف الصحف و المجلات و قد طبع جملة منها الزميل احمد متفكر في أربعة أجزاء
-9- فتاويه و قد جمعنا بفضل الله منها الكثير
-10- رسائله وهي كثيرة ومفيدة و قد جمعنا منها هي الأخرى الكثير
المحور الثاني - الرحالي الفقيه المفتي:
بدأ الطالب الرحالي الفاروق حياته العلمية بطموح كبير بلوغ هدف منشود مرسوم في الذهن منذ أول الطريق ، وهو أن يحقق في مستقبل الأيام ، أمله وأمل والده و أسرته ، في أن التربع على كرسي القضاء و الفتوى في بلده السراغنة - كما تمت الإشارة إلى ذلك ، ومن ثم جاء انكبابه على تحصيل علم الفقه و أصوله ، و حفظ المتون و الأمهات و الشروح والحواشي ، حتى إنه لما أتم دراسته بالجامعة اليوسفية بمراكش و أراد الرحيل إلى فاس للالتحاق بجامعة القرويين قال له شيخه و عمدته العلامة ابن الرامي و قد استأذنه في ذلك : إذا أردت أن تتبرك فلا بأس و هو يعني بذلك أن تلميذه النابغة بلغ غاية في العلم لم يعد بعدها في حاجة إلى الرحلة ...
و على الرغم من تبريز الشيخ الرحالي في شتى العلوم و المعارف العربية الإسلامية فإن تألقه كان - بالدرجة الأولى - في علمي الفقه و الحديث ، لكن شاء الله تعالى ألا يتحقق حلم الرجل بأن يصبح قاضيا ، على الرغم من أن ذلك ، كاد أن يتم بعد وفاة شيخه القاضي العلامة السيد عبد السلام بن المعطي السرغيني ، لما أراده الله له ، ليكون ذلكم الأستاذ الكبير ،و العالم النحرير الجهبيذ ، و المربي الحكيم والمصلح المجدد و الداعية المفتتح عليه ، الذي نفع الله به البلاد و العباد طيلة حياته وبعد مماته رحمه الله و أسكنه فسيح جناته ...
تراثه الفقهي : أمضى الشيخ الرحالي على إنتاج علمي قيم سبق ذكره ضمن تراثه منه :
1- فتاوى فقهية و أحكام شرعية قال عنها : إنها لو جمعت لكانت جزءا زاهيا بالمحاسن ناطقا بالمعاني
2- فتح العلي القادر على توحيد الإمام ابن عاشر و هي طرر كتبها عام 1360 هـ
3- الإعلام و الإشادة بما انطوت عليه مقدمة البداية و هو تعليق فريد على مقدمة بداية المجتهد و نهاية المقتصد لأبي الوليد ابن رشد الحفيد {595هـ} و يجمع تلامذته الذين حضروا دروسه في الخلاف العالي على أنهم لم يروا من الشيوخ في ذلك العهد من فتت البداية و فك رموزها و أعاد الفروع إلى أصولها كما كان يصنع الشيخ الرحالي الفاروق .
و هذه الكتب الثلاثة من إنتاج العلامة الرحالي قبل الاستقلال ، تعتبر ضائعة أو في حكم الضائع ، إذ تعرض بيته - نفعه الله - إبان الأزمة للتفتيش فضاع منه ما ضاع ...
4- ملامح في النظام الاقتصادي الإسلامي كتيب صغير نشرته جمعية التضامن الإسلامي ضمن مطبوعاتها، و قد جاء في كلمة تقديمه للأستاذ عبد الرحيم بن سلامة رئيس جمعية التضامن الإسلامي : يعتبر الأستاذ الرحالي الفاروق من العلماء المرموقين الذين تمتاز أبحاثهم و محاضراتهم بالأصالة و التجديد ، و بحثه لمحات في النظام الاقتصادي الإسلامي يعكس هذا الاتجاه في أسلوب عالمنا الفاروق
و الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي إذ تنشر هذا الكتاب الصغير للأستاذ الفاروق لها الشرف أن يكون لها الفضل في إصدار أول كتاب له ، لما ينطوي عليه هذا الكتاب من فوائد بالغة الأهمية
5- فتاواه التي نسأل الله العون على إتمام مراجعتها و التعليق عليها ...
6- مقالات في بعض الصحف و المجلات و قد جمع جملة منها السيد أحمد متفكر في مقالات الشيخ الرحالي الفاروق
هذا عن الرحالي الفقيه أما الرحالي المفتي فأنطلق في الحديث عنه من انطباعين لباحثين من المهتمين بتراث الشيخ رحمه الله :
الأول للأستاذ الفقيه محمد الهبطي رحمه الله و نصه : إن بضاعته - أي الشيخ الرحالي الفاروق - الإفتائية التي أمكنني الوصول إليها في مظانها و الاطلاع على ظاهرها و باطنها ضئيلة جدا
و الثاني لأحد الزملاء الذي قال مرة من على منصة علمية إنه شاهد منذ سنوات بمقر المجلس العلمي بمراكش فتاوى الشيخ الرحالي الفاروق في مجلد ضخم أسود اللون" ، و قال مرة أخرى إنه " وقف على مجموعة كبيرة من الفتاوى بحوزة أحد المراكشيين "
و الحقيقة هي أن هذه الفتاوى ليست بالضئيلة جدا ، بل هي من الكثرة بمكان نسأل الله تعالى تيسير إخراجها ، أما المجلد الضخم المذكور ، فليس سوى سجل من السجلات الإدارية أو الكنانيش التي كانت معروفة في الإدارة المغربية ...
تمثل فتاوى الشيخ الرحالي من أوراق هذا السجل نحو الثلث و عددها نحو 80 فتوى تليها فتاوى الشيخ عبد السلام جبران بنسبة 10 في المائة و عددها 30 فتوى و باقي الأوراق بيضاء لا شيء فيها ، مع العلم أن جل هذه الفتاوى كتبت مسبوقة بنصوص الأسئلة كما توصل بها المجلس العلمي أو بملخصها على الأقل ، مع تفاوت الأجوبة من حيث الإيجاز و الإطناب ، وتوجد ضمن سجل الفتاوى بعض الرسائل التي سننشرها كذلك في آخر الفتاوى
و الجدير بالذكر أن هذا السجل لم تحترم فيه التواريخ في الترتيب ، مما يدل على أنه لم تكن تكتب فيه الفتاوى ، بعد صدورها مباشرة عن الشيخ و بعثها إلى المستفتين ، وإنما كان يتم ذلك - فيما يبدو - بعد مدة من الزمن ، بعد أن يتجمع عدد منها، دون مراعاة كبيرة للتواريخ ...
و قد نسخت في السجل الفتاوى 43 الأولى بخط جميل للأديب الأنيق الناسخ الرقيق الأستاذ محمد النفس الزكية رحمه الله ابتداء من 09 دجنبر1968 انتهاء بـ 18 دجنبر 1973 مع تقديم و تاخير للفتاوى بين التاريخين
أما الفتاوى التي جاءت بعد ذلك ، بعد وفاة السيد محمد النفس الزكية فكتبت بأكثر من خط و دون الأول جودة وجمالا .و تبتديء من 12 مارس 1976 إلى 06 مارس 1985 مع العلم أن وفاة الشيخ الرحالي كانت يوم 11 مارس 1985
و هذا لا يعني أن هذه هي كل فتاوى الشيخ ، بل هناك فتاوى ثانية وجدت عند بعض المستفتين أو المهتمين ، و أخرى في أرشيف المجلس بعضها سبق للشيخ نفسه أن نشرها في حياته في بعض الصحف و المجلات ، و الأخرى ستنشر - إن شاء الله - لأول مرة
- و أعود إلى زمن فتاوي السجل فأشير إلى أنها مابين : 09 دجنبر 1968 إلى أوائل 1985 قبيل وفاة الشيخ بقليل ، بل إن بعضها يحمل تواريخ بعد وفاته و لعل سبب ذلك أن بعض هذه تواريخ التسجيل لا الإجابة و الله أعلم .
- و المستفتون : أولا - أمير المومنين
ثم أسئلة كثيرة من : عمال مغاربة بفرنسا من باريس غيرها و من هولاندا - و أسئلة من مغاربة بالداخل دون صفة / كاتب ضبط بقصر السوق / سيدة / موظف بمحكمة السدد بورزازات / عامل بخريبكة / طالب بكلية الحقوق / سيدة ثانية / مصطفى العقاد مخرج قصة فيلم محمد رسول الله / سيد بمدرسة/ وزير التعليم العالي / وزير عموم الأوقاف و الشؤون الإسلامية / / معلم بثانوية بسطات / رسالة من الأمين العام للهيئة العلمية للمؤتمر الإسلامي العالمي و جواب الشيخ الرحالي / شخص من الرباط/ مدير مدرسة سيبويه للبنين بالعيون إقليم وجدة / شخص من تازارين / شخص من الدار البيضاء / شخص من لجنة الوعظ و الإرشاد المكلفة بشؤون المسجد بابن أحمد إقليم سطات / من أولاد تايمة أكادير / من مراكش / خليفة باشا مدينة الصويرة / سائل غير محدد / جماعة مسجد الفتح بهولندا / مغربي يريد العمرة في رمضان / سائل غير محدد / فقيه من السراغنة / سؤال من الدار البيضاء / سؤال من القنيطرة / سؤال من الدار البيضاء من رئيس مصلحة بالمديرية الإقليمية لوزارة الفلاحة / سؤال من فاس / سؤال من آسفي / من كولونيل من مريرت / سؤال من ابن أحمد / سؤال من أكادير / سؤال من مراكش / من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية / طالب علم من الفقيه بنصالح / سؤال من مراكش / جماعة من العمال بهولاندا / المندوب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بمراكش / جماعة مسجد الفتح بهولندا / السيد باشا مدينة مراكش الأستاذ محمد الكامل الجامعي / وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية / سؤال من وجدة / ناظر أوقاف مراكش / سؤال من أستاذ بثانوية محمد الخامس بتارودانت ...
على أن هناك فتاوى عديدة خارج السجل لم تدون ،و تمتاز في جملتها بالجدة والتنوع و طول النفس ...
و يمكن تقسيم فتاوى الشيخ الرحالي إلى ثلاثة أقسام :
1- قصيرة لا تتجاوز ما يقتضيه الجواب دون إسهاب و هي نوعان :
- أحادية السؤال
- و متعددة الأسئلة
و كلتاهما لا تخرج - غالبا - عن نوازل سبق للفقهاء تناول مثلها ، في إطار المذهب المالكي الذي اختاره المغاربة منذ زمن بعيد
2- طويلة و تكون غالبا من النوازل الجديدة - كما سيأتي - فهو يتصدى لها بجدية و اهتمام انطلاقا ، من الأصول الشرعية المقررة ، و القواعد الفقهية المعتبرة ...
3- أجوبة عن أسئلة هامشية تتعلق بالتفسير والحديث و العقيدة و بعض الخصوصيات
و هو في هذا السياق لايجد أي حرج في أن يعبر بصراحته المعهودة وبعفوية و تلقائية ، عن تضايقه أحيانا من الأسئلة الخارجة عن إطار الفتوى و عما يعرض للناس في حياتهم ، بل و من إرسال الرسائل غفلا من طابع البريد ، فيصدر الجواب رحمه الله بمثل قوله :
"أيها الاخوان لا تشتغلوا بمثل هذه المسائل كالمحكم والمتشابه من القرآن فان ذلك لا يعنيكم في دينكم وحسبكم أن تومنوا أن القرآن كله من عند الله أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وشأن المومن أن يبتعد عن مجال الجدال والإشكال وأن يسأل عما يعرض له في حياته من الوقائع ليعلم حكم الله فيها واعلموا أيضا أنني مشتغل بكثير من الأعمال وبكثير من الأجوبة عن الأسئلة التي تاتي من جهات أخرى ، وأن هذه الأجوبة التي يجاب بها أصحابها تتطلب صائر البريد ، ففي المستقبل أنصحكم أن لا تسألوا الا عما يعنيكم في دينكم ودنياكم و أن تبعثوا مع ذلك طابع البريد ونحن على المحبة والدين و النصيحة والسلام. هذا و نطلب منك إذا أردت أن تسأل مرة أخرى أن يكون السؤال يتعلق بأمر من أمور الدين (ف25)
- و من ذلك قوله : هذا زمان الفتنة في الدين و الدنيا ، فعليكم أن لا تأخذوا دينكم إلا على من عرفتموه بالعلم و الدين و الأمانة و النزاهة (ف46)
أما موضوعات هذه الفتاوى ، فمنها ما يدخل تحت الأبواب الفقهية ، وفق ما هو في كتب الفقه و النوازل كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، و منها ما هو جديد ، أو كثر السؤال عنه من ذلك :
- التعقيم و تحديد النسل
- اتخاذ التماثيل للأبطال و العظماء
-إيداع الأموال في البنوك و الفوائد البنكية
- الدية في حوادث السير
- تمثيل شخص الرسول صلى الله عليه و سلم في السينيما
- تشريح الجثث البشرية في كلية الطب ...
- القروض البنكية من أجل التجارة أو السكنى
- النظر إلى أفلام الخلاعة في التلفزيون
- كراء محلات للأبناك
- شرعية عقد التأمين
- المقابر
- الوقف المعقب
- الاستعاضة بالصدقة عن الأضحية نظرا للنقص في عدد رؤوس الماشية
- مقاطعة صلاة الجمعة و الأعياد في فترة من نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه
و أختم هذا المحور بشهادات في حق الشيخ الرحالي من بعض أقرانه وتلامذته :
قال عنه العلامة الأستاذ عبد الله كنون : كان الفقيد العزيز ممن يحقق ما يعلم و أن تعلم شيئا شيء ، و أن تحققه شيء آخر ، و كان ممن يحسن البلاغ ... وكان يؤمن بالعقلانية و هي من مبادئ المعرفة في الإسلام ، بل هي مناط التكليف في هذا الدين الحنيف ، فلا يخلط علمه بالغيبيات التي لا ثبوت لها و لا يجعله مطية للتدجيل و فتنة الناس و صرف الوجوه إليه
و قال شيخنا العلامة عبد السلام جبران المسفيوي رحمه الله في معرض حديثه عن مجالات تبريز الشيخ الرحالي و تفوقه : أما الإفتاء إذا وجهت له مسألة علمية خلافية ، فإنه يستقي أصح الأقوال فيها و أقربها للصواب ، و يستدلُ عليها من جواهر ألفاظه بالنسق المستطاب
و قال الدكتور محمد يسف أحد تلامذة الشيخ بدار الحديث الحسنية : كانت طريقته في تقرير المتن و تحرير السند و تحليل النصوص و استنباط الأحكام و استخلاص النتائج و الدروس آية في المحافظة و الالتزام بنهج الأ ولين وطرائقهم مضافا إليها من خصوصياته و إبداعه ما يخلق في نفس السامع رغبة متجددة في متابعة عروضه التي كانت تعابيرها تسمو بالمضمون إلى أرقى مستويات البيان مع فنية رائقة في الإلقاء و جمالية فذة في الإملاء
كنا نحس و نحن نتابع إملاءاته و عروضَه الشيقة أنه مسيطر على مادته العلمية سيطرة مطلقة ، ضابط لها لا يخشى عليها من تفلت أو شرود
و لم يكن علم الحديث مادتَه الوحيدة التي برز فيها و أجاد و لكن له مشاركته الموفقة و إسهاماتُه الجادة في مجالات شتى و فنون علمية مختلفة "
مذهبه في الإفتاء :
لا شك أن الشيخ الرحالي كان على مذهب الإمام مالك بن أنس الأصبحي و هو المذهب السائد في المغرب حكومة و شعبا - على حد تعبيره - منذ زمن طويل ، و أمد بعيد ، و أنه أرجح المذاهب المتبعة في الأمة الإسلامية
فالإمام مالك رحمه الله إمام الأئمة ، و مجتهد من أشهر المجتهدين و مذهبه أرجح المذاهب في العالم الإسلامي ، و لا يسوغ لمن يقلده أن يرجع إلى مذهب غيرِ مذهبه و لا أن يفتي بما يخالفه ، بل حسبُ المقلد أن يقتصر عليه ويستغني بما فيه
فهو على هذا فقيه مقلد يرجع إلى روايات أهل المذهب المالكي و أقوالهم ، لكن فتاويه تدل على أنه ليس مقلدا صرفا يجمد عند الأحكام الجاهزة و لا يتجرأ على الرجوع إلى الأصول و المفاضلة بين نصوص المذهب بل هو على أقل تقدير ملتزم بمذهب إمامه جملة و تفصيلا ملم به
قال الأستاذ محمد الهبطي رحمه الله :"إننا نسمح لأنفسنا مع كثير من التحفظ خوف التجني على شخصيته الإفتائية أو محاباتها و الانحياز إليها بأن نقول إنه قائم مقام إمامه في الفتوى يتأدى به فرض الكفاية فيها و أنه في درجة أبي الحسن الصغير و إبراهيم الأعرج و أبي راشد الوليدي و عبد الله العبدوسي و القباب و الونشريسي وابنه و القوري وابن هلال و ابن خجو و عبد القادر الفاسي و العربي بردلة و التسولي وغيرهم من المفتين المغاربة الكبار ..."
و مصادر الشيخ المعتمدة لديه في فتاويه هي كتب المالكية في الفقه و أصوله مع النظر في كتب المذاهب الأخرى للإفادة و الاستئناس و غير ذلك من المصادر و المراجع من ذلك كله دون ترتيب :
- تحفة ابن عاصم ( ف3)
- مختصر خليل (ف3 ،28)
- الزرقاني على خليل (ف3)
- العدوي في حاشيته (ف32)
- أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات (ف46)
- أشهب (ف46)
- سحنون (ف46)
- أبو عبد الله المواق (ف46)
- صاحب الرسالة (ف46)
- ابن عاشر في منظومته (ف50)
- العمل الفاسي
- التسولي
مع الإشارة أحيانا إلى كتب المذاهب الأخرى بالإضافة إلى كتب الحديث
- كالحلية لأبي نعيم (ف4)
- وصحيح البخاري (ف30)
- صاحب الإبريز (ف32)
-و الطبراني في الكبير (ف37)
كتب الشافعية (ف43)
- الروض المربع شرح زاد المستنقع لفقيه الحنابلة في عصره منصور بن يونس بن إدريس البهنوتي {{ت1051هـ} (ف45)
-- الإمام أبو شامة شيخ النووي (ف45)
- الإمام البوصيري في البردة (ف45)
- السيوطي في " النُقاية في أربعة عشر علما " أحال عليه في فتوى التشريح عند قوله :"ذكر في كتابه النقاية أربعة عشر علما من بينها علم التشريح و عرفه بأنه علم باحث عن أعضاء الإنسان و كيفية تركيبها ثم بين هذه الأعضاء و شرحها شرحا وافيا و قال :" إنه من العلوم الكفائية و زاد أن نسبته إلى علم الطب كنسبة الصرف إلى النحو ..."
بقراط الحكيم (ف46)
جالينوس (ف46)
أطباء العرب : الحرث بن كلدة و الرازي و ابن سيناء (ف46)
المحور الثالث - نماذج من فتاوى الشيخ الرحالي الفاروق
آثر هذا العرض الاكتفاء في هذه العجالة بالإشارة إلى بعض النماذج التي تدل على قيمة هذه الفتاوى من حيث المادة العلمية و الاهتمام بنوازل الوقت و التصدي لها بشجاعة تجعل الشيخ أحيانا سابقا لعصره ، و حين تحس بعكس ذلك و يبدو الشيخ متزمتا فلا تتعجل فقد يكون له رأي في الموضوع كما سيأتي
1- حكم اتخاذ التماثيل:
يقول الشيخ الرحالي رحمه الله : اطلعت على الكلمة القيمة التي حملت توقيع نخبة ممتازة من العلماء الغيورين على الدين ، وأحب أن أعقب على كلمتهم ، لأنهم قد أتوا بالأدلة على أن اتخاذ التماثيل منهي عنه في شريعتنا ، وأتوا بالدليل على أنه كان مباحا في عهد سليمان عليه السلام أي أنه كان مباحا ثم حرم ، وذكروا أن علة التحريم هي مضاهاة خلق الله ، وأنها باقية ما بقيت الدنيا، والتعظيم والفتنة التي تنشأ عند النظر ، وسد باب التشبه بمتخذي الأصنام والإسراف [ هكذا و لعله يعني تجاوز الحد في الثناء] وفرار الملائكة من المكان الذي فيه تماثيل، فهم قد رأوا أن التحريم أمر معقول المعنى وأنه معلل بما ذكروا ، وأرى أنه ما دام اتخاذ التماثيل كان مباحا على عهد سليمان عليه السلام ، ومحرما على عهد نبينا عليه أفضل السلام ، فينبغي أن تكون علة التحريم غيرَ موجودة على عهد سليمان عليه السلام فأبيح ، وموجودة على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم فحرم .
و إذا نظرنا الى العلل التي ذكروها وجدناها لا تصلح أن تكون علة للتحريم ، أو أنها وان صلحت فهي غير موجودة في اتخاذ التماثيل في الوقت الحاضر، فمضاهاة خلق الله الذي جعلوه علة اذا كان متحققا في اتخاذ التماثيل وكان علة صحيحة للتحريم لما فيها من تجرؤ على الخالق عز وجل ، كان اتخاذ التماثيل محرما في جميع الشرائع ، لأن الاجتراء على الله أمر لا تبيحه شريعة من الشرائع و كان صنع الغواصات – مثلا – حراما لأن فيه مضاهاة للحوت بل ان مضاهاتها للحوت أقوى من مضاهاة اتخاذ الحوت له وكذلك الانسان الآلي والسينما وهذا أمر لا يقبله العقل .
وكذلك التعظيم الذي جعلوه علة للتحريم فهو وان صلح علة للتحريم فهو ليس متحققا في اتخاذ التماثيل اذ لو كان متحققا لحرم أيضا في جميع الشرائع لأن تعظيم غير الله لا تبيحه شريعة .
وكذلك الفتنة التي تحدث للإنسان عند النظر لو كانت متحققة في اتخاذ التماثيل بقطع النظر عن حالة المجتمع الفكرية ، لكانت التماثيل محرمة أيضا في جميع الشرائع وما يقال هنا في باب سد التشبيه بمتخذ الأصنام يقال أيضا في الإسراف
أما فرار الملائكة، فهو ليس علة للتحريم، وانما هو نتيجة له، وأثر من آثاره.
وأرى أن العلة هي دعوتها الى إحياء الوثنية عند من لديهم استعداد لذلك لقرب عهدهم بها ، وهذه العلة لم تكن موجودة على عهد سليمان في اتخاذ التماثيل ، لأن المجتمع وقت ذاك كانت عقيدة التوحيد فيه راسخة بتأثير من سبقه من أنبياء بني اسرائيل ولذلك أبيح اتخاذها ، وكانت موجودة على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم لأن المجتمع الذي ظهر فيه كان مجتمعا وثنيا، فحرم اتخاذ التماثيل قطعا لدابر الوثنية وسدا لبابها ، ولنفس العلة حرم التصوير ، وبناء المساجد على القبور ، واتخاذ الأضرحة
واذا نظرنا الى مجتمعنا الحالي، ورأينا الوثنية أصبحت أمرا بعيدا عن فكره ، وقارننا بين حال مجتمعنا اليوم والمجتمع الذي أبيح له اتخاذ التماثيل في عهد سليمان عليه السلام ، و رأينا أن مجتمعنا يفوق المجتمع الآخر بعدا عن قبول الوثنية ،حكمنا بأن علة تحريم التماثيل غير متحققة عندنا كمالم تكن متحققة هناك، وقد ذهب جمهرة من العلماء الى أن الحكم اذا كان معللا بعلة وزالت تلك العلة ، فإن الحكم لا يبقى ومن أقوالهم المشهورة أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، ولهذا نجد عامة العلماء في مختلف البلاد الإسلامية، يبيحون أو يسكتون عن التصوير وعن بناء الأضرحة، وعن اتخاذ القبور في المساجد ، مع ورود النهي عنها ، شأنها شأن التماثيل
و بناء عليه فإن عمل تمثال للأبطال أمر يبيحه الشرع إن لم يدع إليه ، لأن فيه تعظيما لمباديء التضحية و الإخلاص ، و الخلق الكريم التي أمر الشرع بتعظيمها ، و كانت بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم لإتمامها إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
2 - تشريح الجثث البشرية في كلية الطب :
نص السؤال : من وزير عموم الأوقاف و الشؤون الإسلامية
وبعد فيسعدني أن أبعث إلى سيادتكم نسخة من رسالة وردت علينا من السيد وزير الصحة العمومية في شأن التشريع لتشريح الجثث البشرية في كلية الطب لأغراض علمية ، و طلب موافاته بعناصر هذا التشريع من الكتاب و السنة مع اعتبار عنصر الاجتهاد
و عليه فنظرا لما تكتسيه هذه القضية من خطورة ، أحببنا أن نعرف وجهة نظركم في الموضوع على ضوء التشريع الإسلامي الحنيف ...
الجواب :
حيث إن هذا الموضوع شيء مستحدث لم يتقدم له عندنا أي بحث جاد و لا أي تشريع خاص ، فإني سأعانيه بحول الله حسب البضاعة و الاستطاعة ، نظرا لضرورة السؤال و أعرضه على أصول شرعية و نصوص فقهية عسى أن يستفاد منها حكمه و اعتباره بصفته علما من العلوم التي يشملها قوله تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون } و قوله صلى الله عليه و سلم : طلب العلم فريضة على كل مسلم
و قد نص العلماء على أن العلوم كلها مأذون فيها و مطلوبة إما عينيا و إما كفائيا و هذا جلال الدين السيوطي رحمه الله ذكر في كتابه النقاية أربعة عشر علما ... و بعد استعراض أقوال بعض العلماء من فقهاء و أطباء قال : و بعد فهذه إن شاء الله نصوص يستأنس بها في شرعية تشريح الجثت البشرية لمقاصد طبية و مصالح بشرية قال تعالى :{ سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم الحق } وقال سبحانه :{ و في أنفسكم أفلا تبصرون } و جاء في الأ؟ثر المشهور من عرف نفسه عرف ربه، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى :{ و في أنفسهم } ما الإنسان مركب منه و فيه و عليه من المواد و الأخلاط و الهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك و تعالى
و غني عن البيان أن علم التشريح المرتبط بعلم النفس يطلع صاحبه على نظام هيكل الإنسان و عجيب بنائه و تركيبه و ما يحتوي عليه من العجائب ، الأمر الذي يدل على أن علومه و أعماله و اختراعه ناشئة عن قوات باطنية و سلطات داخلية و ذلك شيء يزيد في قوة الإيمان بعظمة الله تبارك و تعالى و هذا الذي تحدث عن الفقيه و هو ما تؤكده الدراسات العلمية الحديثة من أنه لامجال لدارسة النفس الا بالتعرف على الجسم وأخذه بعين الاعتبار فمن الملاحظ ان الجسم الصحيح ينتج افعالاً نفسية صحيحة بينما يميل المرض الى اظهار النفس بمظهر آخر
إن علم النفس يقول اليوم بوحدة النفس والجسم وبتعاونهما معاً في اصدار السلوك ،ويؤكد على انه لابد في دراسة النفس من خلال الجسم والتعرف على الحواس المختلفة والجهاز العصبي والجهاز الغدي مما يلقي الضوء على الظاهرة السلوكية
3- الجوائز النقدية في المسابقات :
السؤال : هل يجوز شرعا تقديم الجوائز من النقود في المسابقات ؟ و هل تجوز القرعة عند التساوي
الجواب :تجوز شرعا المسابقة على المال ، إن كان المال من غير المتسابقين كأن يخصص الوالي جزءا من المال يجعله للسابق، وهذا شيء جائز بلا خوف، وأجاز جمهور الفقهاء جعل هذا المال من أحد المتسابقين ، ولكن لو تسابق شخصان وحدد كل منهما مبلغا من المال يأخذه الآخر إذا سبق ، لكان هذا من القمار والميسر، وهو حرام ممنوع بالاتفاق
ويقول الإمام الشافعي: إن المسابقة إنما تجوز في الإبل والخيل وضرب السهام والاعتماد في هذا على الحديث الذي رواه ابن عمر وفيه : "سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل". والحديث الذي رواه أبو هريرة: "لا سباق إلا في خف أو نصل أو حافر" . والخف كناية عن الإبل ، والنصل كناية عن السهم ،والحافز كناية عن الخيل .
وقال الفقهاء إن في هذا دليلا على مشروعية المسابقة، وأنها ليست من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو، والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة، بحسب الباعث في ذلك .
وقال الإمام القرطبي:" لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام، وكذا الرمي بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدرب على الجري" وإذا كان هناك شخصان متسابقان، ولم يعرف أيهما الذي سبق، ووقع الشك في السباق فإن المال يقسم بينهما، كما جاء في الحديث المروي عن علي، وفيه:"فإن شككتم فاجعلوا سبقهما نصفين" .
وأما القرعة فجائزة شرعا، وجوازها يمكن أخذه من قول الله تعالى عن مريم وزكرياء وقومه:"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون" .
والأقلام هنا هي السهام البرية، التي ألقوها على طريقة القرعة، ليظهر الذي يستحق أن يكفل مريم ويرعاها، وكذلك كان النبي إذا أراد السفر أجرى القرعة بين نسائه، فمن خرجت قرعتها أخذها معه ، ولا شك أن القرعة فيها حسم للنزاع وتطييب للخواطر.
4 - مقاطعة صلاة الجمع و الأعياد مدة نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه
" الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله - بيان من علماء مراكش : إنه منذ غيبة صاحب الجلالة سيدي محمد بن يوسف الملك الشرعي عن عرش بلاده ، قد ترك الناس صلاة الجمع و الأعياد نظرا لتدخل السلطة ، و حمل الخطباء على عدم ذكر جلالته في الخطبة ، و عندما انسحب السيد ابن عرفة ، أصبح ذكر صاحب الجلالة في خطب الجمعات و الأعياد أمرا واجبا بحكم الشرع ، لأن السكوت عن ذكره يؤدي إلى ترك صلاة الجمعة رأسا و لأن المندوب على ما تقرر في أصول الشريعة إذا كان خادما لمصلحة ضرورية أو حاجية ، يكون واجبا ، و الآن و قد تبددت سحب الخوف و كف عن التدخل في هذا الشأن و عبر الشعب المغربي بالإجماع عن رضاه بصاحب الجلالة فإننا نعلن للعموم أنه لم يعد هناك مبرر للتأخر عن أداء صلاة الجمعة التي هي من أهم شعائر الديانة الإسلامية ، و أن من تركها بعد ، أثم و أجرم و دخل فيما ورد " من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر و لا علة طبع الله على قلبه " و نامل أن يكون العمل في دائرة عزة الدين و المحافظة على قواعده ، و الظهاب على الصراط المستقيم و السلام عليكم ورحمة الله
الإمضاء : محمد الرحالي
5 - أختم بفتوى كان يتبناها المجلس العلمي بمراكش عن قصد و ليس عن غفلة ، يتعلق الأمر بمقدار النصاب الذي تجب فيه الزكاة في المال يقول الشيخ : " النصاب في الزكاة على حسب الدرهم المغربي هو مائتا درهم أي عشرون ألف فرنك "(ف26 ،28 ،31) ثم لا نلبث أن نفاجأ بالشيخ بعد سنوات يرفع المقدار فيقول:" إن الدينار كثيرا ما يرتفع بارتفاع الأسواق و لا يستقر أما تقدير المائتي درهم للعملة المغربية ،فإن ثمن مائتي درهم بعملتنا يتردد في الوقت الحاضر بين ألف و مائة درهم و ألف وثلاثمائة درهم ، فمراعاة لجانب الفقير ينبغي أن نحدد ذلك بألف و مائة درهم بعملتنا الورقية ..." (ف 50) و يبدو أن المجلس راجع نفسه في هذا الموضوع فكان هذا التطور في التحديد تبعا لتنبيه وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية إلى أن الدنانير كانت متساوية الوزن فيما بينها و احتفظت بوزنها القديم و لم يلحقها أي إصلاح فيما بعد الخ و أشارت إلى أن النصابمحدد بالنسبة ( للذهب في :85 غرام/ وبالنسبة للفضة في590 غرام )
و قد حرر الأستاذ الراحل العلامة الفلكي السيد محمد بن عبد الرزاق مقالة في الموضوع ، جعلت النصاب في نحو ألفي درهم مغربية ...
- السؤال: تعليق التسابيح
الجواب: تعليق التسابيح في الأعناق من شأن أهل التصوف وليس من شأننا التدخل في أمرهم والأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى على أن الذكر بالسبحة له أصل في الجملة والسلام