مقدمة:
نشرت من هذه الرسائل ، على أعمدة صحيفة الميثاق، لسان رابطة علماء المغرب ، ست عشرة رسالة أوائل الثمانينيات ، في وقت كانت بعض الصحف التقدمية، ترفع عقيرتها بإنصاف المرأة وتحريرها وكانوا يربطون معاناة المرأة - للأسف الشديد - في كثير من الأحيان بالإسلام ، وكنت يومها حديث عهد بالحياة الزوجية ، وبالتدريس في الجامعة ، وكنت قد سجلت في ذلك العهد رسالة لنيل دكتوراه السلك الثالث بدار الحديث الحسنية في موضوع :"التربية الجنسية في الإسلام" تحت إشراف أستاذي الدكتور رشدي فكار رحمه الله ، وقد واجهتني بسبب ذلك معارضة قوية ،لم تنته إلا بتغيير الموضوع والمشرف معا ...
كل هذه العوامل وغيرها، تضافرت لتذكي اهتمامي بموضوع المرأة ، مع الإشارة إلى أنه كان يتجاذب الموضوع في تلك الفترة تياران متناقضان ومتطرفان في الوقت ذاته، صوت يمتاح من النظرة الغربية اللادينية إلى المرأة ، وآخر يتبنى دعوة دينية متزمتة ، ظهرت في المشرق العربي ،وظنت أنها الفرقة الناجية ، من لم يركب سفينتها غرق ...
في هذا السياق جاءت هذه الرسائل، لتعبر عن رأي – لا يدعي العصمة أو الكمال – لكنه يؤمن بضرورة الترفع في مثل هذه الأمور،عن الذاتية وعن رفض الآخر من جهة ، و يتوخى الموضوعية وتقبل ما هو صواب ، بغض النظر عن مصدره من جهة ثانية .
من هنا جاء تناول هذا الموضوع ، في ذلك الوقت ، على شكل رسائل، يبعثها شاب مسلم يعيش في بلد مسلم ، رمزت إليه باسم "عبد الله" ، الى فتاة مسلمة طاهرة الذيل ،رمزت إليها باسم "الباتول" كما تنطق وتكتب عندنا في المغرب ، وتتضمن هذه الرسائل رد فعل المتلقي كما تعكس الصراع بين موقفين متضاربين، يمثل أحدهما بشكل خاص ،عم "الباتول" وهو رجل أمي لكنه يروج لأفكار متزمتة وافدة من بعض البلاد العربية والإسلامية، حفظها حرفيا ، وتعصب لها بشكل فظيع، وثانيهما خالها ، وهو رجل تعلم في الغرب، وتشبع بالفكر المادي اللاديني بشكل غريب.
بين هذين الموقفين يمثل "عبد الله" و"الباتول" و"والدها" التوسط والاعتدال، والإيمان بالمحافظة على الهوية في جوانبها الإيجابية دون تزمت أو انغلاق ...
كان كل هذا قبل ظهور مدونة الأسرة والأطوار التي مرت منها ، لكن لم يحل ذلك ، دون العودة إلى هذه الرسائل لتنقيحها وإتمامها ، وإلحاقها بكثير من المستجدات التي حدثت في السنوات الأخيرة .
وقد كتبت هذه الرسائل بأسلوب سهل قريب التناول، بعيد عن التعقيد و الغموض - والله من وراء القصد
محمد عز الدين المعيار الإدريسي
الرسالة الأولى:
بسم الله أكتب إليك أولى رسائلي ، يا أمة الله وأمل المستقبل ، أكتبها إليك وقد أزعجني منظرك بالأمس ، وأنت خارجة من الكلية ، وكل ما أودع الله فيك من أسرار الفتنة والجمال، تلتهمه العيون الجائعة وتتلذذ به القلوب المريضة، وأنت الطيبة بنت الطيبين
لقد ورثت الجمال عن أمك رحمها الله ، وكانت فيما تحكي لي والدتي ، من أجمل النساء ، لكن الفرق بينك وبينها ، أنها كانت فتنة الصالحين بوقارها وعفافها ، وأنت لولاي لكنت طعما سائغا للذئاب الجائعة ،التي يناديها جسمك البريء إن لم تصونيه . فصونيه أيتها العزيزة الغالية ، إن كنت تحبينني حقا ، وخير ما تصونينه به لباس التقوى ، فأنا أحببتك لأسرتك ، التي عرفت بين الناس بالدين والفضل ، وأنت كما أخبرتني شقيقتي لا تفوتك الصلاة في البيت أبدا ، ولهذا تعلقت بك ،على الرغم مما رأيت منك بالأمس ، لأنني أدركت أنك ضحية لتقاليد دخيلة ، تهدد المجتمع في هويته وأخلاقه.
لا أخفيك أيتها البتول العزيزة ،أني بحثت قبلك عن فتاة أربط بها حياتي ،خوفا من الفتنة واستبداد الشهوة ، فلم أجد من تليق بي سواك ، فإحداهن كانت ترى أن الزواج لا يمنعها ، من أن تكون لها صداقات مع عدد من الرجال ،في الكلية وفي البيت ، وفي النادي، وفي الرحلات ....
لقد كانت مؤمنة تماما، بأن الحرية هكذا ينبغي أن تمارس ، وحينما حاولت نصحها ، نفرت مني، واتهمتني بالتخلف والتزمت ، فتخليت عنها غير آسف ، وقد علمت فيما بعد أنها انتهت إلى حال لا تحسد عليه، فقد وجدت الأصدقاء في كل مكان ، لكنها لم تجد الزوج في أي مكان .
وأخرى كانت ترى أن الزواج ، ينبغي أن تسبقه مرحلة طويلة من الاختبارات والممارسات ، يتعرف من خلالها كل واحد من الطرفين على صاحبه ، بل ترى أنه من الواجب أن يجربا الحياة الجنسية ، قبل أن يربطهما الزواج ، وذلك في نظرها أضمن لاستمرار حياتهما الزوجية فيما بعد ، فلما بينت لها خطر ما تدعو إليه عليها أكثر من غيرها ، اتهمتني – سامحها الله - بالجبن والغباء ، وراحت تبحث عمن يوافقها على ما تريد ، ورحت أنا أبحث عمن توافقني في الخلق والدين .
أرجو يا عزيزتي أن تكوني أنت هي تلك الفتاة التي أحلم بها ، فعودي إلى أصلك ، وتحلي بحياء ووقار أمك ، قبل أن يجرفك التيار ، وتتردي فيما تتردى فيه آلاف الفتيات ، والسلام
المخلص الوفي: م.عبد الله