بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

كلمة بمناسبة تأبين الدكتور محمد آيت الفران

تاريخ نشر المقال 21-03-19 12:34:41

    لا أذكر منذ متى و أنا أعرف الفقيد العزيز الشريف الإدريسي الدكتور محمد آيت الفران ! كانت المعرفة في البداية من بعيد، ولعلها من طرف واحد، بحكم سبقه الدراسي، فكان من الطبيعي أن يترصد اللاحق السابق، خصوصا بعد الحصول على شهادة الباكلوريا، التي تعتبر إلى اليوم محطة تحول في تحديد المستقبل الدراسي للطالب ...
قبل أن أعود لإكمال الحديث عن علاقتي بالراحل المشمول بالرحمة والرضوان ، تجدر الإشارة إلى :
أولا - ظاهرة عدم انتباه الناس في الغالب إلى مكانة الشخص إلا بعد أن يغيبه الموت و يلتحق بالرفيق الأعلى ...
ثانيا - عدم عناية المغاربة عبر تاريخهم الطويل، بكتابة التراجم والسير، ذاتية كانت أو غيرية ، و من ثم يجد الباحث عند الحاجة إلى ترجمة ما، فراغات كثيرة يجتهد أحيانا في ملئها، حسب ما يتوفر عليه من معطيات مساعدة، وما يصل إليه من استنتاجات، لا تسلم من الخطأ في كثير من الأحيان...
ثم إن المعرفة بالصديق – عادة - لا تتجاوز حدود العلاقة المشترك فيها المسموح بها، ثم هي رؤية من زاوية واحدة، قد تناقضها مثيلاتها من زاويا مختلفة، ولهذا وجدتني عندما أردت كتابة هذه الكلمة التأبينية في حاجة ماسة، إلى ترجمة ذاتية للفقيد أهتدي بها عند مفترق الطرق ...
من حسن الحظ أن له ترجمة ذاتية موجزة ضمن كتاب الإتحافات السنية ، لكنها اقتصرت على السيرة العلمية دون تفصيل، وبشكل متداخل ، ثم كان من حسن الحظ ثانية الوقوف على جزء من ترجمة غيرية له بقلم زميله في الدراسة والتدريس الأستاذ الدكتور عباس ارحيلة بعنوان: ورقة من ترجمة نشرها على حسابه في الفيسبوك الأستاذ الدكتور محمد البندوري
لا يتسع المجال – هنا - للوقوف عند كل ما جاء في الترجمتين ، و حسبي في هذه العجالة أن أشير إلى بعض العناصر المشتركة بينهما من أهمها:
أ – تاريخ الولادة في الترجمة الأولى عام :1367هـ الموافق لـ1947م وفي الثانية 1948م و لا شك أن الأمر هنا محسوم فالقول ما قال صاحب الترجمة
ب - هناك أشياء تحتاج إلى النفي أو التأكيد مع الترتيب الزمني من ذلك 1 - ما جاء في الترجمة الأولى من أنه عمل أستاذا للتكوين بالمركز التربوي الجهوي بالدار البيضاء دون ذكر التاريخ، و ما جاء في الترجمة الثانية من أنه بعد حصوله على شهادة الإجازة في الأدب العربي؛ تم تعيينه بثانوية شوقي بمدينة الدار البيضاء سنة 1971م. فهل هي مرحلة واحدة، أم أن الأمر يتعلق بفترتين، تأتي فيه ثانوية شوقي، قبل المركز التربوي الجهوي ...
2 – جاء في الترجمة الأولى – دون تحديد الزمن - أنه نال ماجستير علوم الاستشراق واللغات السامية من جامعة هايدلبيرغ الألمانية، و توج مساره العلمي بحصوله على دكتوراه في علوم العربية ، لغات سامية و فيلولوجيا الألمانية ( فرع اللسانيات) و جاء في الترجمة الثانية: أنه و إثر حصوله على شهادة الدراسات المعمّقة، اجتاز مباراة الدخول إلى كلية الآداب بمراكش في انطلاقتها الأولى سنة 1979م. وجاء ابتعاثه للدراسة بالجامعة الألمانيّة في مطلع الثمانينيات . و هو ما تؤكده تدوينة من تدويناته الأخيرة على الفيسبوك، وهو في لايبسيج، حيث جاء فيها ;طاردتني رائحة ما مع نزول أولى أدراج النفق المفضي إلى القطارات المختبئة في قعر المدينة العامرة. تذكرت للتو زمن أواسط الثمانينات التي مضت عندما كنت طالبا عابرا في باريس قبل أن استقر في مدينة هايدلبيرغ الهادئة
ومع ذلك يجد الباحث نفسه أمام فراغات و بياضات كثيرة، تبعث على التساؤل، حول مدة الدراسة في الخارج ، و رفاق المرحلة من الطلاب المغاربة، إلى غير ذلك...
لاشك أن زملاء الدراسة يعرفون الكثير عن هذه الفترة من حياة الرجل ...
وهذا يفضي بنا إلى أنه كانت هناك فترات غياب للراحل عن مدينة مراكش بسبب الدراسة في الرباط بالمغرب ثم بألمانيا، وبسب العمل بالدار البيضاء، قبل أن يعود إلى مدينة مراكش أستاذا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض
و لا تفوتني بعد ذلك الإشارة إلى أهمية تدوينات الدكتور آيت الفران على الفيسبوك في كتابة سيرة حافلة للراحل لما تزخر به من أفكار وهواجس و أسفار وأخبار ... مع ما تميزت به في آخر رحلة له إلى ألمانيا، من شعور بدنو الأجل كقوله: مد جناحيك في أفق الغائب المنتظر.. وسافر
و قوله : كان سهولي معجبا ورائقا. وكنت بجانبه أسانده على توقيع مروياته كأرنبة سباق، تحفز شقها الآخر على الوصول. كنت صاحب صوت متعب ... وكان هو الاس وجاذب الاذان والمشاعر والأبصار...
و قوله : أسافر بالقطار عادة. آثرت أن تكون رحلتي هذه المرة بين لايبسيج وبرلين بالحافلة. كانت الرحلة ممتعة، أو هي الآن كذلك ... تجربة جميلة ..على أمل أن تتكرر...
للأسف لم تتكرر، وكانت النهاية المحتومة
هناك جانب آخر من ترجمة الأستاذ آيت الفران، هو تراثه العلمي، حيث يُسَجَّلُ للأسف أن جله ، كُتِب باللغة الألمانية، و لم يترجم بعد إلى اللغة العربية من ذلك : نظرية المعنى عند عبد القاهر الجرجاني في تحليل لغة الشعر فرانكفورت وزوريخ 1990م ، و الرؤية والمنهج في مقدمات تحقيق التراث العربي عند المستشرقين الألمان" الذي قال عنه قبل سنتين إن ترجمته وتقديمه قيد الإعداد، ومن هذه المؤلفات التي قال إنها كذلك قيد الإعداد كتاب: سيبويه في ألمانيا: النحو العربي وقضاياه في دراسة المستشرقين وكتاب الدراسات القرآنية في ألمانيا من نولدكه إلى نويفريت بالإضافة إلى عشرات المقالات باللغتين العربية والألمانية الموزعة بين مجلات ودوريات مختلفة و غير ذلك من الأبحاث و المحاضرات مما يعتبر جمعه و نشره مسؤولية أهله وزملائه وطلابه، بعد المؤسسات العلمية التي انتمى إليها ...
أعود لأستأنف الحديث عن علاقتي بالأخ محمد آيت الفران فأقول إنه في أوائل التسعينيات بدأت تتكرر اللقاءات بيننا، خاصة بكلية اللغة العربية ... قبل أن تتوطد العلاقة من خلال التعاون العلمي المتبادل بينه وبين المجلس العلمي لمراكش، خصوصا منذ زيارة الدكتورة أنتيه فولمر نائبة رئيس البرلمان الألمانى (البوندستاغ) في ذلك الوقت، و سفير ألمانيا إذ ذاك بالرباط والوفد المرافق لهما للمجلس بمقره القديم بالرميلة، حيث كان الأستاذ الدكتور آيت الفران المترجم بيننا، و ذلك سنة 2005م، ثم توالت اللقاءات و استمر التعاون بيننا فكان من ذلك تشريفه لرئيس المجلس العلمي بإلقاء محاضرة بكلية الآداب بعنوان : التفسير والمفسرون بالغرب الإسلامي أمام وفد من الأساتذة و الباحثين الألمان، بحضور عدد من الزملاء العلماء والأساتذة الجامعيين وكثير من الطلبة الباحثين... وكان لنا على هامش ذلك لقاء حافل ببيتي المتواضع كان فيه الفقيد سعيدا جدا، وصدر عنه خلاله كلام نفيس لم يسجل للأسف الشديد
وتعززت هذه العلاقة وازدادت جاذبية وتألقا، بانخراط الأستاذة الفاضلة الدكتورة فاتحة سلايعي أرملة الفقيد في أنشطة المجلس العلمي بمراكش وعضوية كل من خلية شؤون المرأة وقضايا الطفل و الهيأة الاستشارية للبحث العلمي وقضايا الشباب هذه الهيأة التي دأبت منذ تأسيسها على تنظيم محاضرة في كل شهر، تستدعي لإلقائها عددا من العلماء والأساتذة المبرزين، كان من أوائلهم الدكتور آيت الفران، الذي ألقى محاضرة قيمة بقاعة الرحالي الفاروق بمقر المجلس العلمي بالرميلة في موضوع السيرة النبوية في الكتابات الألمانية
و كان آخر عمل مشترك بيننا في المقر الجديد للمجلس العلمي بمركب محمد السادس بباب إغلي حيث تم استقبال الراحل بصحبة وفد من الطلبة والأساتذة الألمان ، وعدد من أساتذة ومسؤولي جامعة القاضي عياض بمراكش ، في إطار التعاون بين الجامعة المغربية، وجامعة هايدلبيرغ – ووكان لرئيس المجلس العلمي مرة أخرى شرف إلقاء محاضرة بالمناسبة في موضوع آداب الضيافة و استقبال الآخر ( الغريب ) في الثقافة الإسلامية بالمغرب ( من منطلقات دينية و أدبية و فكرية و فلسفية )
و بعد فقد ظل الرجل كما عرفته منذ ريعان الشباب لم يتغير في شيء، تواضع في إباء و بُعْد نظر، وعطاء في نكران ذات، و تحرك في سكينة وهدوء ...
و ستبقى زياراته إلي في المجلس، وأحاديثه الدافئة الخافتة، ماثلة بين عيني، هامسة في أذني، كلما تذكرته رحمه الله ... و كان آخر العهد بيننا الاتصال به للتعزية في والدته المشمولة برحمة الله السيدة خديجة الرماش ، في وقت لم يكن يدري ولا كنا ندري أنه آخر العهد، وأنه لم يعد يفصله عن اللحاق بأمه سوى أقل من شهرين ...
وتبقى قضية الموت في مقدمة مشكلات الإنسان الفلسفية المؤرقة،وقديما قال عمران بن حطان :
أرانا لا نمل العيش فيها . . . و أولعنا بحرص و انتظار
ولا تبقى و لا نبقى عليها . . . و لا في الأمر نأخذ بالخيار
بل الأمر كله لله { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
فـلله ما أخذ وله ما أعطى وَكُل شَيْء عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمى تغمد الله بواسع الرحمة و الرضوان، الفقيد العزيز سيدي محمد آيت الفران، وأسكنه فسيح الجنان وألهم ذويه و محبيه الصبر والسلون { إنا لله و إنا إليه راجعون}
محمد عزالدين المعيار الإدريسي