بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

مشاركة العلماء في مسيرة فتح ودورهم في التعبئة الوطنية

تاريخ نشر المقال 25-03-19 09:10:47

    كان حدث المسيرة الخضراء ، حدثا تاريخيا غير مسبوق ، وأسلوبا حضاريا غير مألوف بين الأمم و الشعوب ، في تحرير الأوطان ، واسترجاع أجزائها المغتصبة ، اللهم إلا أن تكون الحديبية التي كانت فتحا لمكة المكرمة ، و نصرا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، و للإسلام والمسلمين ، وكلا المسيرتين السلميتين المظفرتين ، من نتاج حضارة الإسلام و أخلاقه ...
إن أوجه التشابه بين المسيرتين كثيرة ، سواء في التخطيط والإعداد أم في التنفيذ والأبعاد ، أم في التشبث بالحق والمشروعية ، والتحلي بالأخلاق والفضيلة.
روى الإمام البخاري في الصحيح كتاب المغازي باب غزوة الحديبية و قول الله تعالى : :{لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } [ الفتح :18] عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، و قد كان فتح مكة فتحا ، و نحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مئة والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض و دعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن و ركابنا
قال ابن حجر : إن قوله و نحن نعد الفتح بيعة الرضوان يعني قوله تعالى :{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا } ... المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين ، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن و رفع الحرب و تمكن من يخشى الدخول في الإسلام و الوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد و عمرو بن العاص وغيرهما ، ثم تبعت الأسباب بعضها إلى أن كمل الفتح
لقد كانت المسيرة الخضراء، حدثا أدهش العالم، وأربك كل الحسابات والتوقعات، فبعد اعتراف محكمة العدل بلاهاي – ان هناك روابط قانونية وروابط بيعة بين المملكة المغربية وبين الصحراء – مباشرة تحرك 350.000 نفر من الرجال والنساء العزل، في مسيرة خضراء سلمية نحو أرضهم لتحريرها، ونحو إخوانهم ليصلوا معهم الرحم، سلاحهم المصحف الشريف، والعلم الوطني النظيف، وصور القائد الملهم ،جلالة المغفور له الحسن الثاني.
هكذا استعاد المغرب صحراءه ، وبذلك تغلبت الحكمة والرشد على الغي و الضلال، ورجحت كفة السلم على كفة الحرب، ودخلت المسيرة الخضراء التاريخ من أوسع أبوابه ،مظهرا حضاريا متميزا، بل معجزة القرن ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسرى مكة يوم الفتح. (اذهبوا فأنتم الطلقاء) قال حفيده جلالة الحسن الثاني للمغرر بهم من رعاياه الصحراويين: إن الوطن غفور رحيم .
و اليوم و في غمرة تخليد المغرب ملكا و شعبا لذكرى المسيرة الخضراء في ذكراها الثامنة و الثلاثين ، يسعدنا و نحن نجتمع في هذا الملتقى المبارك ، على هذه الأرض الطيبة ، أن نستحضر بعض الأمثلة من مشاركات العلماء في هذا الحدث التاريخي المجيد ، وما قاموا به من توعية و تعبئة في سبيل التعريف بقضيتنا الوطنية الأولى و نصرتها ، رابطين في الوقت ذاته بين الحاضر السعيد و الماضي المجيد ، ببعض الإشارات لمواقف العلماء المشرفة ، في الوفاء والجهاد من أجل عزة المغرب و وحدته الترابية ...
لقد سارع العلماء إلى التسجيل في المسيرة الخضراء بمجرد إعلان جلالة المغفور له الحسن الثاني عن الدعوة إلى ذلك ، و كان من حسن حذي أني كنت قريبا جدا من علماء مدينة مراكش من جهة ،و أكثرهم من أساتذتي ، و من العلماء خريجي دار الحديث الحسنية بالرباط من جهة ثانية و كنت يومئذ حديث الالتحاق بها طالبا بالسنة الأولى ، فرأيت عن كتب ما يثلج الصدور ، و يبعث على الفرحة و الحبور و كيف كان علماؤنا يتسابقون إلى التسجيل ضمن البمتطوعين غير مبالين بالكبرة و تقدم السن ، و ما يعاني بعضهم من معاناة مختلف الأمراض و الأسقام
كانت مراكش يومها ملتقى الوافدين من مختلف جهات المغرب نحو الجنوب التي هي عاصمته و باب الصحراء ، لا تكاد تتوقف حركة مرور القوافل بها ليلا و نهارا ،في نظام بديع ، و حماس منقطع النظير
و انطلقت المسيرة الخضراء و فق ما رسمه لها و توخاه مبدعها جلالة المغفور له الحسن الثاني أكرم الله مثواه ...
واسمحوا لي هنا لأرجع إلى الوراء، لأذكربأن من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان ،أن المغرب أطول بلدان شمال إفريقيا استقلالا ، فهو دونها كلها لم يخضع للحكم العثماني ، وهو في الوقت ذاته آخرها تعرضا للاحتلال الاستعماري الأوروبي ،إذ سبقه احتلال الجزائر و سلبها من الدولة العلية سنة 1830م ثم جاء احتلال تونس سنة 1881م بعد مؤتمر برلين سنة 1878م ثم كان مؤتمر الجزيرة الخضراء بخصوص المغرب الأقصى ثم جاء اقتسام المغرب بين فرنسا و إسبانيا ، و لم يكن قبل ذلك شيء اسمه موريتانيا أو الصحراء بل كان كل ذلك يعرف بالمغرب الأقصى و أهل شنقيط و الساقية الحمراء و واد الذهب كلهم مغاربة ، و في هذا السياق أذكر:
علماء مغاربة من الأقاليم الجنوبية :
- ميمون بن ياسين اللمتوني الصنهاجي الصحراوي {ت530هـ} أمير مرابطي قال ابن الأبار إن أصل ميمون من صحراء المغرب و لد بمدينة مراكش في نحو 470هـ و توفي بإشبيلية سنة 530هـ ، من كبار شيوخ الحديث المغاربة
- عبد الرشيد الشنقيطي ذكره العلامة محمد مرتضى الزبيدي {ت1205هـ = 1790م} في المعجم المختص و هو فهرس مطول لمشايخه و الآخذين عنه
قال في ترجمة تلميذه المذكور أولا : عبد الرشيد الشنقيطي الشاب الصالح أحد المجاورين بالمدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - فسمع مني أشياء ، و كان وصوله سنة 1199 هـ و معه صورة فتوى ، إذ عارض بعض أهل المدينة في إدخال أهل شنقيط في وقف المغاربة ، و زعم أنهم من السودان و ليسوا مغاربة ، فوصل إلى مدينة فاس ، و استفتى علماءها ، فكتب عليه شيخنا التاودي بن سودة بأنهم من خلص المغاربة ، وكذا كتب عليها غيره من العلماء ، و اتصل خبره إلى السلطان ( محمد بن عبد الله ) فكتب له منشورا بإثبات ذلك ، فورد علي و أراني خطوطهم ، و كتب عليها كذلك بعض علماء مصر ، وتوجه إلى المدينة المنورة ثم بلغني أنه توفي بعد سنة - رحمه الله-
- الطالب أحمد المصطفى الوداني ابن طوير الجنة زاد القاضي العباس الصحراوي التشيتي أصله من أغمات لقي بمدينة مراكش السلطان مولاي عبد الرحمان ، و زار مدينة فاس و نزل في مقصورة القرويين و اشترى هناك نفائس من الكتب بواسطة السلطان مولاي عبد الرحمن الذي أدخله على أهله و زوجاته و بناته و جواريه ليتبركن به ثم سافر إلى الصويرة و منها سافر مطلع شهر صفر عام 1250هـ
له رحلته المسماة رحلة المنى و المنة و السراج في الحذف في رسم القرآن
- المختار الكنتي الحفيد
- أحمد البكاي الكنتي
- محمد المختار ابن باللعمش الجكني إمام تندوف
- ماء العينين محمد مصطفى بن الشيخ محمد فاضل بن محمد مامين الحسني الشنقيطي الذي كان شعاره - دائما - أن منطقة شنقيط في بيعة العلويين من عهد السلطان مولاي إسماعيل ، و في هذا الإطار تكررت زياراته للمفاوضة في الدفاع عن الصحراء ( تسع مرات ) كانت الأولى على عهد السلطان الحسن الأول عام 1304هـ حيث أناط به السلطان مهمة الإشراف على الطرفاية و الداخلة و ما بينهما ، و كانت ترافقه في زياراته أفواج من تلامذته العلماء حتى يساهموا في تعزيز الوحدة الوطنية
- محمد بن محمد بن محمد الأمين بن أحمد العاقب الشنقيطي الجكني من آل مايأبي الجكنيين ،نسبة إلى قبيلة جاكان المميزة بالعلم و الفضل بين قبائل الغرب الإفريقي ينتهي نسبها إلى حمير ...
ولد في نواكشوط عام 1286هـ = 1869م و توفي بمدينة مراكش عام 1385هـ = 1964م عن سن عالية
رحل مع أعمامه إلى مدينة اسمارة قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى مدينة مراكش ، حيث حلوا ضيوفا على السلطان المولى عبد الحفيظ، ومن يومها استقر المترجم بالمدينة الحمراء أستاذا مبرزا ،و واعظا مؤثرا ، و عابدا متنسكا إلى أن توفاه الله إليه
- الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد العتيق بن محمد فاضل الشنقيطي الحوضي {و لد عام 1306هـ = 1889م} أخد العلم بشنقيط كما تولى بها بعض المهمات الدينية ، سكن مدة مع أهله بإفني ، و عين بعد ذلك قاضيا بطانطان ، ثم لم يلبث أن استقر بمدينة مراكش و تولى بها مهمة التدريس بالجامعة اليوسفية
و امتدت به الحياة إلى أن جدد - بعد الاستقلال - بيعته للمغفور له جلالة محمد الخامس طيب الله ثراه
توفي بمدينة مراكش عام 1376هـ = 1957م و دفن بزاوية جده الشيخ ماء العينين الكائنة بروض الزيتون القديم ...
له :
- رحلة حجازية
- سحر البيان في شمائل شيخنا ماء العينين الحسان
- كتاب قرة العينين في كرامات الشيخ ماء العينين
- ديوان شعر
- قصيدة في آداب الأكل
نموذج من مشاركات العلماء في المسيرة الخضراء :
استقبل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني أعضاء المجلس العلمي بمراكش برئاسة العلامة الرحالي الفاروق الذي شارك في انطلاق المسيرة وقام بالوعظ والإرشاد في مخيمات المتطوعين والمتطوعات منذ وصولهم إلى إقليم طرفاية، وقد أبلغ الأستاذ الرحالي الفاروقي جلالة الملك شكر جميع العلماء والمرشدين على الفرصة التي أتيحت لهم للمشاركين في المسيرة الخضراء ومضى يقول:
فجزاهم الله خيرا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسددكم في خطواتكم وفي خططهم، وإن يبقيكم لرفع راية الإسلام ولخدمة الصالح العام،، وإننا نعتقد أن دولة الحق ستنتصر، أن دولة الظلم ستنكسر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ...
ثم خاطب جلالته وفد المجلس العلمي بمراكش بالكلمة التالية:
إننا نجازيكم فرصة للعلماء وأهل العلم، وأهل الفكر لينسجموا مرة أخرى مع المجتمع المغربي انسجاما تاما، فقد أدرك الجميع أن دور العلماء لم ينحصر، ولن ينحصر في الوعظ والإرشاد فقط، بل العلماء الذين هم ورثة الأنبياء لابد أن يقوموا بدور للتوعية السياسية حتى يتمكنوا من قيادة السباب في طريق الوطنية التي لا يمكنها أن تخالف مبادئ الدين والتشبث بالدين، فبما أن المغرب دولة إسلامية لا يمكن أن يعقل أن تكون هناك وطنية لائكية ، الوطنية الحق هي التي تكون مبنية قبل كل شيء على إتباع النهج القويم الذي رسمه الإسلام.
وإذا أمكن لكل شاب وشابة أن يسيروا في هذا الطريق النير، طريق الله، سهل عليهم أن يسيروا في طريق الحنفية الوطنية إن شاء الله.
ولهذا فهذه الخطوة كانت مباركة للجميع، للشباب، للكهول، للشيوخ، للعلماء لأهل الفكر، وإننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن مكننا من هذا الانتصار، لأنه كيفما كان الحال يمكننا أن نقول بأن المسيرة قد بلغت ولله الحمد هدفها وغايتها، بلغت هدفها، وستبلغ أهادفا أخرى إن شاء الله
وكان قد غادر مطار سلا الرباط في اتجاه طرفاية، وفد من العلماء خريجي دار الحديث الحسنية يتكون من 47 عالما بقصد بث التوعية وروح الجهاد السلمي بين المتطوعين والمتطوعات المشاركين في المسيرة الخضراء، وكان في وداعهم بالمطار السيد الداي ولد سيدي بابا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وعدة شخصيات أخرى
- كما اختارت الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب عددا من العلماء يتولون الإرشاد والإفتاء أداء للواجب الدين و الوطني في تلكم المسيرة المعجزة ، التي فاجأت العالم ، وشدت أنظاره إليها ،
فكان العالم يتولى توعية مسيرة إقليم من الأقاليم يلقي درسا في كل يوم على نحو عشرة آلاف من المواطنين
- و كان الواحد منهم يهرع إلى التسجيل في لوائح المتطوعين، وهو يقول في نفسه : سوف أكون من الأولين الذين سيضعون اسمهم في سجل المتطوعين كما أفتخر بكوني أتوفر على ورقة ناخب سأفتخر بان يكون عندي بطاقة للتطوع في مسيرة استرجاع الصحراء حتى يبقى لأبنائي وأحفادي التاج الحقيقي والصولجان الحقيقي ألا وهو صبغة الوطنية، وأقول إنها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة
محمد عزالدين المعيار الإدريسي