ساحة جامع الفنا بعيون شتى
( من وحي ذاكرة مراكش للأستاذ عبد الرحمن الملحوني)
هذه قراءة لمجموعة من النصوص المكتوبة، عن ساحة جامع الفناء بمدينة مراكش، منها ما هو صريح واضح، ومنها ما هو وارد محتمل ...
نصوص كُتِبَ بعضُها بأقلام مغربية، وبعضُها الآخر بأقلام أجنبية، منها ما هو قديم، ومنها ما هو حديث، صدرت كلُّها عن رؤى مختلفة، تبعا لاختلاف الثقافات والتخصصات التي تنتمي إليها، لكنها تمثل في مجموعها قطعَ فسيفساء، بها تكتمل الرقعة، وتزدان اللوحة، و بها كذلك تُسَد ثغرات، وتملأ فراغات، في تاريخ هذا الصرح الشامخ، دون أن يكون هناك أي تعارض بين هذه الأخلاط، لأن الساحةَ في النهاية ملتقى المتناقضات... وصورتها المثالية المبتغاة، موزعةٌ بين هذه الرؤى، وبين ما لا نهاية له من النصوص الحالية والآتية ...
والباحث حين يرجع ليتتبع المسار التاريخي لساحة جامع الفناء، يجد أنه لم يكن – هناك - فيما هو معروف من الكتابات، في العهود الأولى من تاريخ المغرب- قبل العصر السعدي - شيء اسمه جامع الفنا ، دون أن ينفي ذلك قِدَم الساحة، أو يتعارض مع بداياتها المحتملة، إما في شكل مشور ملكي ، أو سوق عام، انطلق بُعَيد تأسيس يوسف بن تاشفين لمدينة مراكش، ثم ساحة لتنفيذ أحكام الإعدام، وغير ذلك من الاستعمالات، الواقعة حقيقة أو افتراضا ...
يذكر صاحب الاستبصار، و هو مؤرخ مراكشي عاش في القرن السادس الهجري، أن يوسف بن تاشفين، أسس مدينة مراكش سنة 459هـ، وأول ما بنى فيها دارَ الأمة وهي الآن - أي في عصر المؤلف- معلومةٌ بها ، ثم اختط سورَها ولده علي سنة 514هـ
وجلب يعقوب الموحدي – فيما بعد - التجار إلى قيسارية عظيمة، لم يبق في مدن الأرض أعظم منها، وأمر بعمارتها أول 585هـ
لا شك أن الساحة موضوعَ الحديث، كانت موجودةَ في هذا الإطار، قريبةَ من دار الأمة من جهة، ومن الأسواق التجارية الكبرى، دون تعيين بالذات لتضارب الأقوال في ذلك ، مع الإشارة إلى أن سوق الكتبيين، كان قريبا من الساحة، في محيط المسجد العظيم، ومنارته الشامخة الحاملين لنفس الاسم...
و لعل أولَ نص يوحي بعلاقة ساحة جامع الفناء بما ذكر، ما جاء في ترجمة الفقيه الثائر أبي القاسم عبد الرحيم بن إبراهيم الخزرجي الغرناطي المعروف بابن الفرس، والملقب بالمُهْر {توفي في حدود 600هـ} من أنه خرج يوما مع بعض أصدقائه على باب من أبواب مراكش برسم الفرجة، فلما كان عند الرجوع نظروا إلى رؤوس معلقة، فتعوَّذ أصحابُه بالله من الشر و أهله، في حين راح هو يقول : والله ما الشرفُ و الهمةُ إلا في هذه الموتة ... فلم يلبث أن رام الثورة، و استجاب له عالم كثير، فقتل في بعض جهات درعة، وسيق رأسه إلى مراكش، علق في جملة تلك الرؤوس.
قال في الإحاطة : .. فقطع رأسه و هزم جيشه، وسيق إلى باب الخليفة، فعلق على باب مراكش، في شبكة حديد، و بقي به مدة من عشرين سنة
وفي هذا ما يدعم قول من قال: إن الساحة سميت بجامع الفناء- بفتح الفاء - لهذا السبب مع الإشارة إلى ما لكلمة الفرجة في النص من دلالة ... بغض النظر عما يحمله نص ابن الخطيب من تشويش على ملابسات العملية وعلى مكانها و مسارها ...
و على الرغم مما عرفته مدينة مراكش على عهد بني مرين من إهمال و خراب ، فإنها لم تغب عنها البهجة، كما في الأبيات التالية المعروفة للقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الملك المراكشي {ت703هـ}:
لله مـراكش الحمــــــراء من بـــلدِ وحبـــــذا أهلُها الساداتُ من سـكنِ
إن حــلها نازحُ الأوطان مـغتربٌ أسلوه بالأنس عن حزن وعن وطن
بين الحديث بـها أو الـعيان لهـــا ينـشا الـتحاسد بين الـعـــــين والأذن
وللاستئناس نورد في هذا السياق ما نقله ابن الموقت في الرحلة المراكشية، من أن بعض المؤرخين، ذكر أن السر في كون مدينة مراكش أهلها في سرور، يرجع إلى أن مؤسسها رحمه الله تحرى بوساطة منجميه وضع أول حجر من تأسيس بنائها، في برج العقرب الذي هو برج الغبطة والسرور ، لتبقى دائما دار سرور و حبور
ونتجاوز نصا آخر لابن الخطيب في رحلته خطرة الطيف ، لأن الحديث فيه عن مكان غير معلوم، في سياق غير مفهوم، لا علاقة له بمدينة مراكش ، وإن كان يتعلق بما يشبه حلقة: لـكهل قد استظل بقيطون، وسل سيف لاطون، و تحدى برقية لديغ و مداواة مبطون...
و يصل بنا المطاف إلى العهد السعدي، حيث نجد في أخبار أحمد المنصور سلطان المغرب لأنطونيو دي صالدانيا {ت1656م} الأسير البرتغالي بمراكش {من 1592 إلى 1606م} ما يفيد الجديد في تاريخ الساحة بالتحديد، حيث يقول :
لم يَكُف الشريف عن العناية بمراكش، ولما كان قد بلغ درجة من العظمة لم يصلها أحد قبله، وبما أنه كان يتوصل بأخبار الإسكوريال التي بلغ بها الملك فليبي الثاني أعلى مستوى الإتقان، فإنه أراد في هذه السنة البدء في تشييد مسجد بإمكانه منافسة كل الصروح العظيمة المعروفة إلى حدود ذلك التاريخ، وبما أنه أرسل في طلب معلومات مفصلة عن كل المساجد الشهيرة، فقد توصل بما يتعلق بالقرويين في فاس والزيتونة في مصر ، وبالمسجد الأكبر في اسطانبول، ولما زود بكل هذه المعلومات، ذهب إلى رياض الزيتون،حيث قر عزمه على تشييد مسجده، ووضع له الحجر، وأمر بإعداد كمية كبيرة من المواد، وهي هنالك الجير و الطابية للجدران، ثم شرع في بناء يوحي بالعظمة.
وكان الموقع مربعا،طوله خمسمائة خطوة من كل ناحية، وعرض جدرانه أربعون شبرا، وعلى الرغم من اشتغال ما يزيد على ثمانمائة رجل بين معلمين وعمال، في أعمال البناء بدون توقف فإن الجدران لم تبلغ من العلو أزيد من ثمانية أشبار على مستوى الأرض، والسبب أن دخول مولاي الناصر إلى بلاد البربر أنهى كل ذلك، إذ وقفت أشغال البناء عند هذا الحد،ولم تعد للمغاربة قدرة فيما بعد على مواصلتها.
و هذا ما أكده وبينه معاصره عبد الرحمن بن عبد الله السعدي{ت1066هـ = 1655م} في كتابه تاريخ السودان حين قال : .. وقد أدركت أن الأمير السلطان مولاي أحمد أنشأ بناء الجامع، ووضعه وضعا عجيبا فسمي بذلك جامع الهناء، ثم شغل عنه بترادف تلك المحن، فلم يكمله حتى توفي، فسمي جامع الفناء
ثم نجد للساحة في أوائل الدولة العلوية ذكرا على لسان أبي علي اليوسي {ت1102هـ } في المحاضرات عند قوله: دخلت في أعوام الستين وألف مدينة مراكش ،عند رحلتي في طلب العلم، وأنا إذ ذاك صغير السن، فخرجت يوما إلى الرحبة أنظر إلى المداحين، فوقفت على رجل مسن عليه حلقة عظيمة، وإذا هو مشتغل بحكاية الأمور المضحكة للناس فكان أول ما قرع سمعي منه أن قال : اجتمع الفاسي، والمراكشي، والعربي، والبربري، والدراوي فقالوا: تعالوا فليذكر كل منا ما يشتهي من الطعام، ثم ذكر ما تمناه كل واحد بلغة بلده، وما يناسب بلده، ولا أدري أكان ذلك في الوجود أم شيء قدره، وهو كذلك يكون، وحاصله أن الفاسي تمنى مرق الحمام، ولا يبغي الزحام، والمراكشي تمنى الخالص واللحم الغنمي، والعربي تمنى البركوكش بالحليب والزبد، والبربري تمنى عصيدة انلي وهو صنف من الذرة بالزيت، والدراوي تمنى تمر الفقوس في تجمدرت وهو موضع بدرعة يكون فيه تمر فاخر، مع حريرة أمه زهراء، وحاصله تمر جيد وحريرة.
ولو عرضت هذه الحريرة على العربي لم يشربها إلا من فاقة، إذ لا يعتادها مع الاختيار، ولو عرضت العصيدة على الفاسي لارتعدت فرائصه من رؤيتها، وهكذا.
والملاحظ أن نص المحاضرات، عبر عن الساحة باسم الرحبة و هي تناسب الفِناء بكسر الفاء، و إطلاق الرحبة على الساحة نجده عند البيذق كما نجده في البيان المغرب و في الذيل والتكملة ونعت اليوسي الحلايقية أو الساردين بالمداحين، وهو في كل ذلك يقدم لقطة حية، من إحدى حلقات جامع الفناء في ذلك العهد، بشكل دقيق، الغاية منه الفرجة، والترويح على النفس بحكاية الأمور المضحكة للناس
و يعود بنا المؤرخ غستون دوفيردان{ت1979م} في كتابه تاريخ مراكش من التأسيس إلى الحماية إلى ماضي الساحة فيقول :... بها كانت تجري مهرجانات الخيل و البارود، و بها ينفذ حكم الإعدام كان بها جزار- سياف - استأجره أهل الحرفة لهذا الغرض، يقطع رأس المجرم مستعملا سكينا عاديا فيأخذ الرأس يهودي و يعلقها على حائط دقت فيه مسامير
ثم يقول : ولئن صرح لمبير سنة 1867 أنه علق بها في يوم واحد خمسة وأربعون رأسا فإن إركمان لم ير طوال مقامه بمراكش إلا رأسا واحدة معلقة، وصاحبها قائد شق عصا الطاعة فقتل وقد استمر قطع الرؤوس لكنها صارت تعلق في مكان آخر: ففي 1900 رأى السيد دي سيكو نزاك و معه القبطان لاراس استعراضا به 130سجينا من كلاوة ، يتقدمهم بعض اليهود يحملون ثلاثين رأسا من رؤوس الثوار، علقت على أبواب المدينة.
و قد كان ينعقد يوم الجمعة سوق كبير يملأ الساحة، إلا أن ذوات القرون من الدواب كانت مقصاة منه
و لم يثر انتباه العلامة عبد الله الجراري من ساحة جامع الفنا في الثلاثينيات من القرن العشرين كما في رحلته: عشرة أيام في مراكش سوى ما أحاط بسيارتهم – الحافلة – بمجرد وقوفها من الضعاف وطالبي حمل ما مع المسافرين من الأثقال ... حتى إن امرأة أوروبية كانت بالسيارة، لم تجد مخلصا ، بل أخذها الرعب و الفزع مما ساورها حينذاك . هذا أخذ بحقيبتها ، و هذا قبض على قميصها ، و ذاك بيدها مما جعلها ترفع عقيرتها طلبا للنجاة، و ما أفادها سوى أن جاء كاتب مركز السيارة و شرع يذود تلك الجماعة البائسة بصفة رائدُها القوة ، وبذلك تسنى لنا الخلاص جميعا
و في هذه الفترة أو بعدها بقليل، خلال فترة الحماية كان يعيش قريبا من ساحة جامع الفنا، شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم، في البيت - الذي تحول هذه الأيام إلى خراب – بحي رياض الزيتون القديم، وكان يجلس كثيرا بمقهى فرنسا، المطل على الساحة...
من هذه الزوايا، وما تخفيه من خبايا، نظر الشاعر الكبير إلى ساحة جامع الفنا، فجادت قريحته بالأبيات التالية ، حاملة بين ثناياها، مختلف تناقضات الساحة، وما يجري داخلها من حركات و سكنات :
أبَرْقٌ تراه العينُ في طَلعة الضُّحى . . . مُحَيَّاك أم جَنَّاتُ عَدْنِ مَزاهِـــــــــرا
بِجَمْعِ الفِنـــــــاءِ فَاحْلِلِ العينَ حيثما . . . يُريك الهَوى عُرْبَ القُرى و البَرابِرا
فما شئتَ من لهو و وعظ مُخالِفاَ . . . بآلته إن كنت تهوى المزامــــــــــــرا
وَ مِن بعد ذا تَلْقَى الطُّبيسَ المُوافيا. . . لتشهد آثارَ العُلى و الَمَفاخِـــــــــــــرا
و جُل وابتهج واجْنِ المَسَرَّةَ والتَفِتْ. . . و بالله عُذْ مهما رأيتَ التَّصَــــــــاوِرَا
وفي أوائل استقلال المغرب، عرفت ساحة جامع الفنا، إجراءات كانت ترمي إلى تغيير وجهها من حال إلى حال، مما سجله المؤرخ البولوني الأصل البريطاني الجنسية روم لاندو المتوفى بمدينة مراكش سنة 1974م في قوله :
كان المغاربة من أبناء المدن و القرى و كهوف الأطلس و خيام الصحراء يسارعون إلى عاصمة الجنوب ، و إذا ما وصلوا إلى المدينة أشبعوا عيونهم النهمة بمشاهدة آكلي النار و ساحري الثعابين و بهلوانات السوس و راقصي الشلوح بما يقومون به من رقصات مثيرة ، و لجأوا إلى الطب القديم ...
عندما جاء عهد الاستقلال، سارعت السلطات إلى تحويل مراكش إلى مركز للفضيلة ... أما السحرة و المشعوذون و آكلوا النار و الراقصون فكانوا أقلَّ حظا و أتعسَ حالا، إذ أن جامع الفناء الذي يعتبر أغرب ساحة في العالم والذي كان المكان الذي يأوون إليه في الليل، قد نُظِّفَ نهائيا منهم، وعندما زرت مراكش في عام 1956، رأيت في فِناء الجامع السيارات و الشاحنات بدلا من لاعبي السيوف و الراقصين على الحبال الذين طالما رأيتهم هناك ...
و هو ما تحمس له العلامة الشيخ الرحالي الفاروق {ت 1985م} وتجاوب معه، فراح يشيد به في عفوية و تلقائية، قبل أن يعود بالحماس نفسه، لكن بخيبة أمل، ليهاجم رجوع الساحة إلى نشاطها القديم، وذلك من خلال مقالة له بعنوان ساحة جامع الفناء مما جاء فيها : كانت ساحة جامع الفناء مكانا للآفات الاجتماعية، و مركزا للعاهات البشرية، ووكرا للخرافات و الضلالات التي لا يرضى بها العاقل، و لا يسمح بها الإسلام وحين مَنَّ الله باستقلال هذا القطر الكريم سجل التاريخ إزاحة هذه المظاهر السيئة التي عرفت بها الساحة في الداخل و الخارج و ما أن مضى على هذا الإصلاح زمن يسير، حتى فاجأنا فتحُ هذه المدرسة من جديد ، تلك المدرسة التي عهدنا فيها أنها تذهب الأخلاق، و تَهُدُّ صرحَ الفضيلة، و تُعَلم الاستجداء...
وعلى عكس رؤية الفقيه العالم، و المربي المصلح، يرى رجل المسرح المختص، الدكتور علي الراعي{ت 1999م} أن سوق جامع الفناء، أعجب تجمع فني رآه في جولاته الطويلة في بلاد العالم شرقا وغربا، زارها مرتين ، الأولى عقب وصوله إلى المغرب بيومين، إذ ذهب إلى مراكش خصيصا لدراسة مسرح الحلقة على الطبيعة ، فوجد ألوانا عدة من فنون العرض و الترفيه كلها يتم وسط حلقات من الناس، يقف الفنان أو الفنانون في مركزها، و يقدمون عروضهم.
و قد تراوحت الفنون الدرامية المقدمة، بين مشاهد التمثيل القصيرة، يشترك فيها فنانان يؤديان المشهد، فيما بينهما و بين تمثيل المقلد، الذي يضطلع فيه بأداء الأدوار جميعا ممثل واحد فائق القدرة.
ومن اللون الأول شاهد عرضا فكاهيا قام به اثنان من الممثلين أحدهما قام بدور زوج و الآخر بدور زوجة و كان العرض يدور حول شخصية الزوجة الشاكية الباكية التي يتقطع لبكاها زوجها فيبكي هو الآخر بطريقة تضحك الجمهور.
وكان الممثل الذي يؤدي دور الزوجة مقتدرا ، مَلَكَ ناصية الجمهورية بتقليده للترقق النسوي، تقليدا متقنا، و كان يضع ما يشبه النقاب على وجهه
أما التمثيل القائم على فن المقلد فقد قدمه فنان شعبي مشهور بالسوق يكنى : الملك جالوق – أي الملك قصدير – تعبيرا عن قِصَره ، و قد كان بدينا أشعثَ الشعر أغبَره ، مُحَطَّمَ الأسنان
أجزل له الطيب الصديقي العطاء، كي يقدم المشهد فقدمه فعلا وقام خلاله بتمثيل دور راعي البقر الأمريكي ، و دور البنت الرقيقة التي تتحدث في التليفون حديثا غراميا طويلا ، و هو دور معروف في السوق ، شاهدت مقلدا آخر يؤديه.
و إلى جوار التمثيل، شاهد حلقات ترفيهية مختلفة منها :حلقة أوصاف البلاد والأقاليم المختلفة بالمغرب ... كان الفنانان يستخدمان الحمام الزاجل ... يقصد الشرقاوي و ابن فايدة رحمهما الله ...
و كان هناك أيضا حلقة المشعوذ الذي يقرأ البخت عن طريق الفراسة ... كذلك كانت هناك حلقة سماها بهلوانات السيرك- لعله يقصد أولاد سيدي احماد أو موسى – و الذين قال عنهم مشيدا بهم إنهم يمتازون بمهارة و قدرة بدنية فائقة، لم أجد نظيرها حتى بين فناني السيرك الصيني الممتازين حقا
و من عشاق جامع الفنا من أبناء مدينة مراكش البارزين ، الشاعر الكبير الأستاذ إسماعيل زويريق الذي قال عنها :
تبـــــاركت يا ساحة قد حوت . . . من الفن ما عز عن مطلب
فـــــفي حلقاتــــك ما يبتــــــغى. . . وفي حلقــــــــاتك ما يستبي
هنا القرد يلعب مستخـــــذيا . . . يراقصني رقصــــة الأشيب
يخالسني الطرف في حشمة . . . يمد إلــــــــي يــــدي أشعب
هنا الصل ينفث مستنفجا . . . و إن لم يغــــــذ و لم يغضب
ومن عشاقها الوافدين من بعيد صاحب رواية راوي مراكش الكاتب الهندي جويديب روي – باتاجاريا الذي يقول متحدثا عن الساحة كما هي:
لعل ساحة المدينة هذه هي الساحة الأكثر غموضا في العالم، والأكثر اكتنازا بالرسوم التاريخية. هنا في ساحة الجامع جميع الناس غرباء و يفضح المستور الذي صدمه مرة بمحيط الساحة، فجعله يشيح ببصره ... و مع ذلك يقول : إنني أحب الجامع مثل أي فرد آخر، قلت بهدوء، وبوصفي راوي قصص، فأنا أكثر الناس وعيا بجماله، كل مساء في وقت الغروب، ألاحظه وهو يدير وجهه الفتي ، وجه فتاة طرية العود صوب الشمس الآفلة ، لكي يستحم في بهائها، لكنني أيضا أعي جانبه المظلم ، الكئيب، إخفاقاته.
وسترتفع أصوات عشاق جامع الفناء و الغيورين عليها، من الداخل والخارج لتنتصر، لها وتحلق بها في الآفاق... فيكتب الشاعر المغربي الكبير عبد الرفيع جواهري كتاب جامع الفنا... الصورة وظلالها ويكتب الأستاذ المقتدر عبد الرحمن الملحوني كتابه الضخم ذاكرة مراكش، و يكتب الأستاذ عبد الكبير الميناوي :ساحة جامع الفنا – أية هوية ؟ أي مستقبل ؟ ويكتب غيرهم وهم كثير، دون أن ننسى عاشق مدينة مراكش وساحتِها الولهان، الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتصولو { توفي بمراكش و دفن بالعرائش سنة 2017م} الذي استطاع بكتاباته الهادفة الذكية، انتزاع اعتراف منظمة اليونسكو عام 2001م بساحة جامع الفنا كتراث إنساني شفوي وبمنحها لقب موقع حضاري ...
تلكم بعض الأقباس والومضات، المستوحاة من الكتاب الموسوعة ذاكرة مراكش للأستاذ الكبير والباحث المقتدر السيد عبد الرحمن الملحوني رعاه الله، أقدمها عربون محبة ووفاء، لصداقة ظلت على الدوام ، متسمة بالتقدير والاحترام المتبادل من الجانبين...
د.محمد عزالدين المعيار الإدريسي