الحمامات في الدين و الأدب و التاريخ
الحمام مرفق ضروري في الحياة البشرية المتحضرة ، كان معروفا قبل مجيء الإسلام بقرون ، والظاهر أن بلاد الحجاز لم تعرفه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الغالب عليها الحر، و من ثم لم يحتج أهلها الى الحمام، وكذلك كان الشأن على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ولم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم حماما و لا خلفاؤه المذكورون آنفا ، والحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الحمام موضوع
وعلي رضي الله عنه لما قدم العراق كان بها حمامات ، و قد دخلها غير واحد من الصحابة ، كما بُني بالجحفة حمام دخلها ابن عباس وهو محرم
وروى الترمذي و الحاكم بسند حسن عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام
ونقل القاضي عياض عن الواقدي قوله: عاش مالك تسعين سنة لم يَخضِب شيبته و لا دخل الحمام و في رواية و لاحلق قفاه
و خصص الشيخ ابن تيمية لموضوع الحمام نحوا من 43 صفحة من الجزء 21 من فتاويه { من 300 الى 342} في سياق حديثه عن غسل الجنابة
وعن الحمامات العامة بالدرجة الأولى وفي آداب دخولها يقول ابن جزي في القوانين الفقهية في الكتاب الجامع الباب الثاني عشر لدخول الحمام :
وهو للرجال دون النساء بعشرة شروط:
1- أن يدخل وحده أو مع قوم يستترون ويتعمد أوقات الخلوة
2- أن يستر عورته بإزار صفيق
3 - أن يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور
4- أن يغير ما يرى برفق
5- أن لا يمكن الدلاك من عورته من السرة الى الركبة إلا امرأته ومملوكته
6- أن يدخله بنية التداوي والتطهر من الوسخ
7 - أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو عادة
8 - أن يصب الماء على قدر الحاجة
9 - أن يتذكر به جهنم
10 - إن لم يقدر على دخوله وحده أن يكتريه من قوم يحفظون أديانهم
* أما النساء فاختلف في دخوله ، فقيل يمنعن من الحمام إلا من ضرورة كالمرض أو شدة البرد وشبه ذلك ، وقيل إنما منعن حين لم يكن لهن حمامات منفردة فأما مع انفرادهن دون الرجال فلا بأس ، ثم إذا دخلت فقيل تستر جميع جسدها ، وقال ابن رشد لا يلزمها من الستر مع النساء إلا ما يلزم الرجل ستره من الرجال فإن النساء مع النساء كالرجال مع الرجال
- قراءة القرآن في الحمام :
روى محمد بن سحنون في كتاب آداب المعلمين عن أبيه قال : حدثني سحنون عن عبد الله بن نافع قال : سمعت مالكا يقول : " لا أرى لأحد أن يقرأ القرآن وهو مار على الطريق إلا أن يكون متعلما ، ولا أرى أن يقرأ في الحمام
- نقل أبو منصور الثعالبي في تقبيح الحمام : قال بعض السلف - القائل في بهجة المجالس أبو هريرة - :بئس البيت الحمام يكشف العورة ويذهب بالحياء ، وفي الخبر أن الحمام من بيوت الشياطين
وذم الفضل الرقاشي الحمام فقال : هتك الأستار ويذهب بالوقار ويؤلف بين الأقذار
وقد عد بعض العلماء الحمام من المرافق السبعة اللازم وجودها في المصر ، وإلى ذلك يشير العلامة محمد بن الحسن الحيمي :
المصر في صحة التجميع مشتــرط * * * فاسمع حقيقة ما يحويه تفصيلا
وال ، وقاض ،طبيب ، جامع ، وكذا * * * سوق ، ونهر ، وحمام كما قيلا
- كثيرا ما كانت الحمامات تبنى بجوار المساجد ، ويحرص أصحابها على فتحها قبل الفجر بمدة كافية لاغتسال الجنب وغيره ثم حضور الصلاة بعد ذلك مع الجماعة في وقتها
و للحمام في الشعر حديث طويل الذيل كقول القائل :
و للحمام حـاءات ثمــان * * * إذا كملت فقد كمل النعيـم
فحمام وحنـاء وحـوض * * * وحكاك له حجر يحـــوم
وحجام يزيــن ثم يـعطي* * * حديدته وأنت به عليـــم
وحاء حديث من تصغي إليه* * * رخيم الدل منظره وسيــم
وحاء ثامن وهو المــؤدي * * * إليه وذاك الحاء العظيـــم
وقول الآخر :
إن حمامنا الذي نحن فيـه * * * هو في حاجة الى الحمام
فدخلنا ونحن أبناء ســام* * * وخرجنا ونحن أبناء حام
وقول الآخر في حمام :
هناك حمام بنـاه الفنــش * * * وهو الذي قد كان فيه الفحش
من الرجال ومن النسـوان * * * بكشف أعضاء لهم حســان
- مما قيل في هجاء حمام :
وحمــام عدمنا الماء فيـه * * * وأبكانا به لدغ الهـــوام
فلولا الدمع لم يبتل جسمي * * * ولولا الشمس لم تدفأ عظامي
وجدنا فيه شيخا لوذعيـا * * * كبير السن محني السنـــام
فقلنا هل رأيت الماء فيـه * * * فقال نعم ولكن في المنــام
- مما ينسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله قوله :
جسمي على البرد ليس يقوى * * * و لا على شدة الحـــرارة
فكيف يقوى على جحيــم * * * وقودها الناس والحجــارة
ولأبي محمد ابن السيد البطليوسي رحمه الله :
أرى الحمام موعظة وذكـرى * * * لكل فتى أريب ذي ذكاء
يذكرنا عذاب ذوي المعاصي * * * وأحيانا نعيم الأتقيــاء
شقا هجر يشوب نعيم وصل * * * وحر النار في برد الهـواء
إذا ما أرضه التهبت بنــار * * * تبادر سمكه هطلا بمــاء
كصدر الصب جاش بما يلاقي * * * فلج الطرف منه بالبكـاء
كأن له حبيبا بان عــــنه * * * فبان وخانه حسن العزاء
- يقول محمد بن جابر في رجزه المسمى بنزهة الناظر:
و إنما الحمام كان الفنـــش * * * ذاك الذي إذ كان ، كان العيش
والمقصود بذلك حمام بناه بمكناسة الزيتون بالمغرب - في العشر الثانية من القرن السابع الهجري - رجل اسمه يحيي بن غنصالية { غنصاليس } مهاجر إسباني معروف بابن أخت الفنش استوطن مكناسة مظهرا لدين الإسلام ، وكان الحمام كبيرا حفيلا محكما وعمر هذا الحمام ما شاء ثم خرب منذ زمان
وفي معارضة رجز ابن جابر الآنف الذكر قال الشيخ الخطيب أحمد بن سعيد الغفجميسي :
هناك حمام بناه الفنـــش * * * وهو الذي قد كان فيه الفحش
من الرجال ومن النسـوان * * * بكشف أعضاء لهم حســـان
لأجل هذا نابه الخــراب * * * فلم يكن بعد به طيــــاب
بل بان منه الماء والأكـواب* * * فما له في جوفه انسكــــاب
وصار مأوى البوم والوطواط* * * من غير درهم و لا قــــيراط
والعنكبوت عمرت أركـانه* * * بنسج أرديتها المهانــــــة
كذاك عقبى كل شكـل زاه* * * حيــد به عن طاعـــة الإلاه
- قال ابن خفاجة في الحمام :
أهلا ببيت النار من منزل * * * شيد لأبرار و فجار
نقصده ملتمسي لـذة * * * فندخل الجنة في النار
- ذكر صاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار ، في سياق حديثه عن مدينة فاس (في القرن السادس الهجري ) اتساع مكاسب أهلها ، ورغد عيشهم ،وكثرة تنعمهم ، لجمال المدينة ، و عظم حماماتها، وكثرتها ،و هي أصل النعيم ، ثم ساق قول الشاعر :
إذا زفر الحمام و اشتد غيضه *** و هاجت لواعيج به و حميم
رأيت نعيما في الحميم و احة *** و ذاك غريب في الجحيم نعيم
- قال أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حريق (ت 622هـ)
لم أدخل الحمام ساعة بينهم . . . طلاب نعيم قد رضيت ببوس
و لكن لتجري دمعتي مطمئنة . . . فأبكي و لا يدري بذاك جليسي
قال هبة الله بن الحسين الحكيم يصف حماما في دار صديق له :
ودخلت جنته و زرت جحيمه . . . وشكرت وصولنا ورأفة مالك
والبشر في وجه الغلام نتيجة . . . لمقدمات ضياء المالك
- في الأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع أن رجلا من اليهود احتفر أساس دار يبنيها لسكناه بقنطرة عزيلة من المدينة المذكورة - يعني مدينة فاس - والموضع يومئذ شعراء بالطخش والبلوط والطرفاء وغير ذلك ، فوجد في الأساس دمية رخام على صورة جارية منقوش على صدرها بالقلم المسند : هذا موضع حمام عمر ألف سنة ثم خرب فأقيم موضعه بيعة للعبادة
من رحلة ابن بطوطة {ت779هـ }
وحمامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمامات، وأكثرها مطلية بالقار مسطحة به، فيخيل لرائيه أنه رخام أسود، وهذا القار يجلب من عين بين الكوفة والبصرة تنبع أبداً به، ويصير في جوانبها كالصلصال، فيجرف منها، ويجلب إلى بغداد. وفي كل حمام منها خلوات كثيرة كل خلوة منها مفروشة بالقار مطلي نصف حائطها مما يلي الأرض به، والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض الناصع، فالضدان بها مجتمعان، متقابل حسنهما. وفي داخل كل خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد فيدخل الإنسان الخلوة منها منفرداً لا يشاركه أحد إلا إن أراد ذلك، وفي زاوية كل خلوة أيضاً حوض آخر للاغتسال فيه أيضاً أنبوبان يجريان بالحار والبارد وكل داخل يعطى ثلاثاً من الفوط إحداهما يتزر بها عند دخوله والأخرى يتزر بها عند خروجه، والأخرى ينشف بها الماء عن جسده. ولم أر هذا الإتقان كله في مدينة سوى بغداد، وبعض البلاد تقاربها في ذلك
و في كتاب اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار لأبي القاسم الأنصاري السبتي حديث ماتع ممتع، عن حمامات سبتة كحمام القائد الذي بلغ الغاية في الكبر، يسع المئين من الناس، مرتفع السمك ، طيب الهواء، قائم على أعمدة الرخام ، مفروش بألواحه الساطعة البياض، و المسلخ متسع الساحة له بابان اثنان، و سقفه قبة مرتبة متقنة على أربع حنيات، و بالصحن صهريج كبير مرتفع عن الأرض و في وسط الصهريج سارية مجوفة فوقها طيفورمن الرخام الموصوف، يصعد الماء في جوف السارية، إلى أن يفور في الطيفور، و فيضه يملأالصهريج ... و بعد أن ذكر عددا من الحمامات ، بعضها نظير حمام القائد المذكور آنفا في الضخامة و الفخامة، أضاف قائلا : هذا و بكل دار من ديار سبتة حمام ومسجد إلا القليل، و لقد كان بمنزلنا حمامان اثنان و مسجد ...
- لقد تنوعت اليوم الحمامات وتعددت، فمنها الراقي جدا المزدان بالصهاريج والمبلط بالفسيفساء والرخام، والمتوفر على مختلف وسائل الراحة والاستجمام، ومنها الرديء الوسخ، و المتوسط العادي ، وكل ذلك يستحق الدراسة المعمقة، والوصف الدقيق، خصوصا من الجوانب : المعمارية والوظيفية والأخلاقية والاجتماعية والصحية والاقتصادية
مؤلفات عن الحمامات :
* تأنيس أرباب الاستحمام بما قيل من الأشعار في الحمام لمحمد بن ابراهيم بن محمد الخضرمي
*- مقالة في الحمامات لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن خالد المعروف بابن الجزار {القرن 4 هـ} ذكره أحمد بن القاسم ابن أبي عيينة في عيون الأنباء في طبقات الأطباء
- ;القول التمام في آداب دخول الحمام رسالة لابن عماد الأفْقَهِسي -الأب- الشافعي طبعت بدار ابن حزم سنة2000م،وهو أفضل ما ألف في هذا الباب.
- كتاب الآداب و الأحكام المتعلقة بدخول الحمام للحافظ ابن كثير - تحقيق أبي سليمان سامي بن محمد بن جاد الله - دار الوطن للنشر - الرياض - 1417هـ
- ; الإلمام بآداب الحمام رسالة من تأليف الشيخ عبدالحي الكتاني - مخطوطة .
- آداب الذهاب إلى حمام السوق رسالة للدكتور قطب الريسوني مطبوعة
- لعل للعلامة ناصر الكتاني رسالة مطبوعة في هذا الشأن .
- حدائق النمام في الكلام على ما يتعلق بالحمام لأحمد بن محمد الحيمي الكوكباني{ت 1153هـ} تحقيق : عبد الله محمد الحبشي / الدار الميمنية للنشر و التوزيع ، و دار المناهل للطباعة و النشر و التوزيع الطبعة الثانية :1406ه=1986م
- ديوان الحمامات لأحمد بن الحاج آيت وارهام
- كتاب النزهة الزهية في أحكام الحمام الشرعية و الطبية لعبد الرؤوف المناوي - ترجمة وتحقيق عبد الحميد صالح حمدان - الدار المصرية اللبنانية - 1987