بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

قراءة لحديث: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة

تاريخ نشر المقال 10-04-19 06:41:40

    روى الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه قال : حدثنا يحيى بن يحيى قال : أخبرنا هشيم عن داود بن أبي هند عن أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة
عن هـذا الحديث تأتي هده الورقات لتتناوله من خلال مقدمة و مبحثين أولهما من حيث الصناعة ، و أهم ما قاله العلماء في مفرداته و معناه ، و ثانيهما عن فضل لزوم مـذهب أهل السنة و الجماعة ، و خاتمة في فقه الحديث وآفاق المستقبل ...
أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم ، و أطلعه الله تعالى على غيوب مما كان و ما يكون إلى قيام الساعة ، و هـذا شيء معلوم ضرورة ، مقطوع به لأهل العلم و الإيمان ، مقطوع به عند أهل المعرفة و الإتقان
يقول الله تعالى :{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } [الجن: 26]
و حديث أهل الغرب من أعلام نبوته صلى الله عليه و سلم ، و هو إخباره باشيء قبل وقوعه ، و الأحاديث في هـذا الباب ، بحر لا يدرك قعره ، و لا ينزف غمره على حد تعبير أبي الفضل عياض رحمه الله
المبحث الأول
أخرج هذا الحديث مسلم في الصحيح في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه و سلم : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى ياتي أمر الله و هم كذلك
و في آخر الباب ساق حديث أهل الغرب ، في إطار ما يعرف عند علماء الحديث بالشواهد ، و يقصدون بها وبالمتابعات ، تلك الأحاديث التي يؤتى بها لتقوية حديث الباب كما هو الشأن هنا ، و قد يتساهل فيها غير الشيخين ، لأن الاعتماد على الأصل الصحيح لا عليها
و تفرد مسلم بالنسبة للبخاري بلفظ أهل الغرب و نظم ذلك العلامة المحدث محمد المدني بن الحسني فقال من قصيدة طويلة :
فليس تزال طائفة بغـــرب . . . بفضل الله قائمة السنام
كما جاء الحديث بذا صريحا . . . عن المختار مولانا التهامي
فمسلم في الصحيح روى فأضحى . . . صحيحا عندنا دون اتهام
و جاء الحديث بلفظ أهل المغرب عند غير مسلم ، رواه بذلك عدد من كبار المحدثين حسب ما نقل عنهم أو وصل إلينا في كتبهم كالحافظ بقي بن مخلد ، و أبي العرب التميمي الإفريفي و الحافظين الدارقطني و أبي ذر الهروي
كما رواه بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية ، و قال : حديث مشهور رواه عن داود الأئمة ، منهم شعبة و ابن عيينة .
و أورده بهذا اللفظ كذلك السيوطي في الدر المنثور معزوا إلى مسلم ، و صاحب كنز العمال باللفظين من غير عزو .
و بلفظ المغرب معزوا إلى مسلم ، و غير معزو إليه ذكره عدد من المحدثين و الفقهاء والإخباريين من أهل العلم
وبعد الكلام على الحديث من حيث التخريج و المظان ،ننتقل إلى الكلام عليه من حيث السند والرجال كالآتي :
أولا: قوله : حدثنا و أخبرنا و مذهب مسلم التمييز بينهما ، فحدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ ، و هو مذهب جمهور المحدثين .
ثانيا: العنعنة و هي رواية الحديث بصيغة : فلان عن فلان من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع ، و مذهب جماهير أهل الحديث و الفقه و الأصول ، أنه متصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا ، و بشرط ثبوت اللقاء بين الراوي و المروي عنه بالعنعنة
و رد مسلم هذا الشرط و اكتفى بثبوت المعاصرة ، و إمكان اللقاء بينهما ، كما صرح بذلك في مقدمة الصحيح .
على أن ما كان في الصحيحين عن المدلسين بعن، محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى أو منزل بمنزلة السماع .
و من المعلوم أن أحد قسمي التدليس هو أن يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمع منه موهما سماعه قائلا : قال فلان أو عن فلان ...
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم :" فصل في الإسناد المعنعن : و هو فلان عن فلان قال بعض العلماء: هو مرسل و الصحيح الذي عليه العمل و قاله الجماهير من أصحاب الحديث و الفقه و الأصول انه متصل بشرط أن يكون المعنعن غير مدلس ..." ومثله في ألفية العراقي مع التبصرة و التذكرة و غير ذلك
وتردد على ألسنة و أقلام كثير من المعاصرين
يقول الدكتور نور الدين عتر في كتابه " منهج النقد في علوم الحديث " :
" و الصحيح الذي عليه العمل التوسط فيه و أنه من الحديث المتصل ، ذهب إلى هذا جماهير الأئمة من أهل الحديث و غيرهم ... و ادعى أبو عمر بن عبد البر و الداني إجماع أهل النقل على ذلك
لكنهم اشترطوا لكي يحكم للمعنعن بالاتصال شرطين :الأول أن يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه بالعنعنة ، و الثاني :أن يكون بريئا من وصمة التدليس"
أما موقف ابن المديني و البخاري و غيرهما من الإمام مسلم في عدم اشتراط اللقاء بينهما والاكتفاء بإمكان ذلك فقد أطال فيه القول النووي في شرح صحيح مسلم مما لا يتسع المقام لبسطه وأكتفي في هذا السياق بكلمة مختصرة للدكتور محمد أديب صالح في كتابه "لمحات في أصول الحديث " :
"و مما يؤيد المذهب المختار و هو الذي عليه ابن المديني و البخاري و غيرهما أنه بجانب اشتراط أن لا يكون الراوي مدلسا ، يلاحظ أنه إذا ثبت التلاقي بين الراوي و المروي عنه غلب على الظن الاتصال حتى يظهر خلاف ذلك "
ثالثا : الحديث المرفوع : و هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم قولا أو فعلا أو تقريرا ، أضافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما إلى اليوم بغض النظر عن اتصال إسناده أو عدمه ، و اشترط الخطيب رفع الصاحب
قال العراقي :
و سم مرفوعا مضافا للنبي . . . و اشترط الخطيب رفع الصاحب
و ذلك محمول على الغالب ، و صورة المرفوع القولي أن يقول الصحابي أو غيره : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم .
أما رجال الحديث فكلهم ثقات أثبات وهم على التوالي بإيجاز :
1 - يحيى بن يحيى الحافظ الحنظلي التميمي أبو زكرياء النيسابوري : ثقة ثبت ، قال أحمد : ما أخرجت خراسان بعد ابن لمبارك مثله .
سمع من مالك و الليث و روى له الشيخان في الصحيحين مات سنة 226هـ
2 - هشيم بن بشير الواسطي أبو معاوية ، محدث بغداد و حافظها ، ثقة ثبت
روى عن الزهري و الأعمش و حميد الطويل و داود بن أبي هند و غيرهم .
روى عنه شعبة، والثوري، وابن المبارك، ويحيى بن يحيى الحنظلي، وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، و غيرهم
كان رأسا في الحفظ، إلا أنه صاحب تدليس كثير ، احتمل لأمانته ، توفي سنة 183هـ
قال عنه الذهبي : كان مذهبه جواز التدليس بعن، و نقل الحافظ ابن عبد البر ـ في ذهاب هشيم إلى التدليس ـ عن أبي عيسى الترمذي قال : حدثنا حسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن المبارك قال : قلت لهشيم : مالك تدلس و قد سمعت كثيرا ؟ قال : كان كبيران يدلسان : الأعمش و الثوري ...."
3 - داود بن أبي هند أبو بكر القشيري ، و قيل أبو محمد مولاهم البصري ، ثقة متقن ، كان يهم بأخرة
روى عن سعيد بن المسيب و أبي عثمان النهدي و غيرهما
روى عنه حماد بن سلمة و هشيم بن بشير الواسطي و غيرهما .
توفي سنة 139هـ أو سنة 140هـ
4 - ابو عثمان النهدي البصري، و اسمه عبد الرحمن بن مل بميم مثلثة و لام ثقيلة، مشهور بكنيته ، من كبار التابعين ثقة ثبت ، كثير العبادة، أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يلقه .
روى عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود و أبي موسى و سعد بن أبي وقاص و أبي بن كعب و عبد الله بن عباس و غيرهم .
روى عنه خالد الحذاء و عاصم الأحول و داود بن أبي هند و أيوب السختياني و غيرهم .
مات في حدود 95هـ و هو ابن 130 سنة
وعنه قال :"أتت علي ثلاثون و مائة سنة أو نحوها ، و ما مني شيئ إلا و قد عرفت النقص فيه إلا أملي فإني أرى أملي كما كان "
5 - سعد بن أبي وقاص أبو إسحاق القرشي الصحابي الجليل ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، و أحد الستة الذين ترك عمر فيهم الشورى .
شهد بدرا و الحديبية و سائر المشاهد .
كان مجاب الدعوة مشهورا بذلك ، تخاف دعوته و ترجى ، و لا يشك في إجابتها عندهم لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك .
روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن خولة بنت حكيم
روى عنه أبو عثمان النهدي و جابر بن سمرة و غيرهما
توفي في نحو 54هـ و قيل بعدها
المبحث الأول
ننتقل بعد الكلام على الحديث من حيث الصناعة إلى الكلام عليه من حيث مفرداته ومعانيه
يقول النبي صلى الله عليه و سلم :"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " أي لا يأتي زمان في المستقبل إلا وهم كذلك .
و اختلف العلماء في المعني بـ "الغرب" تبعا لاختلاف معانيه في اللسان العربي فقال بعض العلماء إن المقصود بأهل الغرب : العرب ، لأن الغرب في اللغة الدلو العظيمة ، التي تصنع من جلد البقر للسانية ، و هم أصحابها لا يسقي بها أحد غيرهم .
و قال آخرون :إن المراد بأهل الغرب أهل القوة و الاجتهاد في الجهاد ، لأن الغرب في اللغة الحدة و الشوكة .
و أكثر العلماء على أن المقصود بالغرب الجهة ، لأن الغرب في اللغة غرب الأرض ، و هو المغرب في مقابل المشرق
قال صاحب القاموس المحيط :الغرب: المغرب ، قيل : و منه " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق "
و هذا المعنى هو ظاهر الحديث و عليه و قع تركيز الشراح و غيرهم من أهل العلم كما سياتي مفصلا إن شاء الله
"ظاهرين" الظهور : الظفر بالشيء والاطلاع عليه ، و قال ابن رجب : الظهور العلو ومنه قوله تعالى:{ و معارج عليها يظهرون } [ الزخرف: 33 ] و قول النبي صلى الله عليه و سلم :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق "
و من الشراح من ذهب إلى احتمال أن يكون قوله صلى الله عليه و سلم " على الحق " خبرا ثانيا لقوله " لا يزال " لأنه ليس المعنى على الظهور على الحق ، بل إنهم ظاهرون وأنهم على الحق ، و هو ضد الباطل ، أو هو متعلق بظاهرين ، بتضمين معنى محافظين مداومين على إقامة الحق و شعائر الدين .
و شذ أبو محمد بن حزم الأندلسي ، فحمل الحديث على الذم و قال : إن من يتدبر في الحديث يجد لفظه يوجب الذم لا المدح ، فهذا الخبر إن صح - حسب زعمه - إنذار بظهور أهل المغرب على الحق و غلبتهم إياه و طمسهم لآثاره ، و هو أعظم حجة عليهم
و أشار إليه ابن حجر في الفتح فقال : "و أبعد من أبدع فرد على من جعل الحديث منقبة لأهل الغرب على أنه مذمة "
و هذا أمر غريب من صاحب رسالة فضل الأندلس و ذكر رجالها كما سنرى لا حقا
المبحث الأول : الحلقة السادسة
بالرجوع إلى معنى هذا الحديث من منظور كثير من علماء المسلمين ، نجدهم تطغى على عدد منهم النزعة الإقليمية الضيقة كما سيأتي .
نعم جاء في صحيح البخاري عن معاذ بن جبل أنه قال عن هذه الطائفة : هم بالشام ، و بذلك أخذ الإمام أحمد ، لكن معاذا ـ كما هو معلوم مات في خلافة عمر بن الخطاب في وقت كانت رقعة الإسلام لم تتسع خصوصا من جهة الغرب بالشكل الذي عرفته فيما بعد ...
و في حديث أبي أمامة في مسند أحمد أن هذه الطائفة ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس أي نواحيه .
و رأى ابن حجر إمكانية التوفيق بين الأخبار ، بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس و هي شامية ، و يسقون بالدلو ، و تكون لهم قوة في جهاد العدو و حدة .
التشريق و التغريب عند العلماء من الأمور النسبية ـ كما سيأتي بيانه مفصلا ـ فكل مكان له شرق و غرب ، و دون التعرض ـ الآن ـ لجزئيات ما دار حول تحديد مفهوم الغرب أو المغرب من اختلاف بين المؤرخين و الجغرافيين ، فإن الاختيار الميل إلى رحابة الغرب و اتساعه حسب ما يستفاد من الحديث لأن الرسول الكريم تحدث من المدينة العاصمة الأولى للدولة الإسلامية فكل ما كان غربها فهو غرب و كل ما كان شرقها فهو شرق و في الحلقات القادمة مزيد من البيان
أقوال العلماء في تحديد مفهوم الغرب في الحديث النبوي الشريف :
أ - الشام
1 - ابن تيمية {ت728هـ }
تردد شيخ الإسلام ابن تيمية، بين الإقليمية الضيقة، وسعة الأفق إلى حد ما، فقال مرة إن هذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام ، و وسع الدائرة قليلا مرة أخرى فقال : أما الطائفة بالشام و مصر و نحوهما فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام و هم من أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي و كان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل المغرب ، و يقولون عن الأوزاعي إنه إمام أهل المغرب ...
و يقول :" و في مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال :" لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم حتى تقوم الساعة " .
و قال :" و قد ظهر مصداق هذه النصوص على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار ..."
2 - ابن كثير{ت774هـ }
قال الإمام ابن كثير في شمائل الرسول في معرض الكلام على حديث أبي داود " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةمن يجدد لها دينها ":
" و سيأتي الحديث المخرج من الصحيح :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى ياتي أمر الله و هم كذلك "
و في صحيح البخاري : و هم بالشام
و قال كثير من علماء السلف : إنهم أهل الحديث و هذا أيضا من دلائل النبوة ، فإن أهل الحديث بالشام أكثر من سائر أقاليم الإسلام و لله الحمد ، ولاسيما بمدينة دمشق حماها الله و صانها ... "
3 - الألباني {ت1420هـ = 1999م }
وقف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وهو من المحدثين المعاصرين عند حدود الشام رافضا غير ذلك فقال :" و قد أبعد النجعة من فسره من المعاصرين ببلاد المغرب المعروفة اليوم في شمال إفريقيا لأنه مما لا سلف له مع مخالفته لإمام السنة ـ يعني الإمام أحمد ـ وشيخ الإسلام ـ يعني ابن تيمية ـ و إذا عرفت هذا ، ففي الحديث بشارة عظيمة لمن كان في الشام من أنصار السنة المتمسكين بها و الذابين عنها و الصابرين في سبيل الدعوة إليها نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم و أن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد "
وقال في كتابه تخريج أحاديث فضائل الشام و دمشق لأبي الحسن علي بن محمد الربعي {ت444هـ} معقبا على حديث"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة": على اعتبار أن أهل الغرب هم أهل الشام كما قال الإمام أحمد و أيده شيخ الإسلام ابن تيمية في " فضل الشام و أهله " من وجهين :
الأول : ورد ذلك صراحة في بعض الأحاديث
الثاني : أن لغته و أهل مدينته في أهل الغرب أنهم أهل الشام ، فراجعه فإنه مهم مفيد جدا ، و لعل من نفى ذلك من المعاصرين و ذهب إلى أن المراد
ب ـ بلدان المغرب و الأندلس
كثيرون هم العلماء الذين استدلوا بهذا الحديث على فضل أهل المغرب لكن دون إقصاء غيرهم ممن يدخل تحت الحديث و ذلك منذ وقت مبكر (القرن الثالث و الرابع الهجريين ) و نستعرض ـ هنا ـ أقوال بعض العلماء و ذلك على النحو التالي:
1 ـ الحميدي {ت488هـ }
قال أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأزدي الحميدي دفين بغداد صاحب " الجمع بين الصحيحين" و "جذوة المقتبس ":
"و قد جاء في فضل المغرب غير حديث من ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح ( و بعد أن ساق الحديث كما هو في صحيح مسلم دون زيادة أو نقصان " عقب عليه قائلا: و هذا النص و إن كان عاما لما يقع عليه فللأندلس منه حظ وافر لدخولها في العموم و مزية لتحققها بالغرب و انتهاء آخر المعمور فيه و بعض ساحلها الغربي على البحر المحيط و ليس بعده مسلك ..."
2 ـ الطرطوشي {ت520هـ}
جاء في رسالة الإمام الزاهد أبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي دفين الأسكندرية إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين : " و مما اتحفك به و هو خير لك من طلاع ذهبا لو أنفقته في سبيل الله : حديث رواه الأئمة الثقات عن رسول الله فروى مسلم في كتابه الصحيح نقل العدل عن العدل عن رسول الله أنه قال :" لا تزال طائفة من أهل المغرب ظاهرة على الحق حتى ياتي أمر الله " و الله أعلم هل أرادكم ر سول الله معشر المرابطين أو أراد بذلك جملة بلاد المغرب و ما هم عليه من التمسك بالسنة و الجماعة و طهارتهم من البدع و الإحداث في الدين و الاقتفاء بأثر من السلف الصالح رضي الله عنهم
و إنا لنرجو أن تكون أولى بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، و لقد كنا في الأرض المقدسة ـ جبر الله مصابها ـ تترى علينا أخبارك و ما قمت به من أداء فريضة الله ـ تعالى ـ في جهاد عدوه و إعزاز دينه و كلمته ، و كان من هناك من العلماء و الفقهاء و حماة الدين و العباد و الزهاد يدعون الله ـ سبحانه و تعالى ـ في نصرك و تأييدك و الفتح على يدك ... "
3 ـ عياض {ت 544هـ}
قال القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي في الشفاء :"و قوله :" لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " يذهب بعضهم إلى أنهم أهل المغرب ، و قد ورد "المغرب" كذا في الحديث بمعناه "
و قال في مشارق الأنوار :" و ( لا يزال أهل الغرب ) قال معاذ : هم أهل الشام و ما وراءه فحمله على أنه غرب الأرض خلاف الشرق ، و قيل : المراد هنا أهل العدة و الاستنصار في الجهاد و نصرة دين الله "
و قال في شرحه لصحيح مسلم المسمى إكمال المعلم بفوائد مسلم مستعرضا مختلف الأقوال في المقصود بأهل الغرب :"قال علي بن المديني: هم العرب و المراد بالغرب الدلو الكبيرة لاختصاصهم بها ، و قيل :إنه على ظاهره ، و إنما أراد غرب الأرض ، قال معاذ في الحديث : هم بالشام و قد جاء مفسرا في حديث رواه الطبري :"بيت المقدس أو أكناف بيت المقدس " و قيل : هم أهل الشام و ما وراء ذلك ، و قيل المراد :أهل الشدة و الجلد ، و غرب كل شئ حده ..."
4 - ابن الزيات {ت 617هـ }
قال أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي عرف بابن الزيات في كتاب التشوف :
"و قد جاء في الحديث الصحيح من قضل أهل المغرب ما لا يدفعه دافع و لا ينازع في ثبوته منازع كمثل ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج بسنده إلى سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله : "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة"
و من حديث سعد بن مالك أن رسول الله قال : "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة "
و من تأول قوله عليه السلام على أن الغرب الدلو و أنه أراد أهل الغرب و هم العرب فيبطل تأويله بما رويناه من طريق بقي بن مخلد في مسنده قال :" حدثنا يحيى بن عبد الحميد أخبرنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي عن سعد عن النبي قال :" لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة أو يأتي أمر الله "
و خرجه الدارقطني في فوائده بسنده إلى سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله :" لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق في المغرب حتى تثوم الساعة
ذكره أبو ذر بن أحمد بسنده و لفظه :"لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ... "
5 - - القرطبي { ت 656هـ}
قال أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" بعد أن ذكر جملة من التأويلات :
"... وقيل أراد به غرب الأرض و هو ظاهر حديث سعد بن وقاص و قال فيه : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة و رواه عبد بن حميد ... ورواه بقي بن مخلد في مسنده ...
قلت : وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدمة و على أن المراد به أهل المغرب في الأرض لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي - إنما هو الشام وآخره حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى و ما بينهما وكل ذلك يقال له : مغرب. فهل أراد المغرب كله أو أوله ؟ كل ذلك محتمل ..."
6 ـ الكتاني {ت 1382هـ = 1962م }
نختم أسماء علماء هذه المجموعة بالعالم المحدث محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني الذي بعد أن استعرض جملة من أقوال سابقيه ـ في كتابه : البيان المغرب عن معاني بعض ما ورد في أهل اليمن و المغرب ـ كالإمام القرطبي الذي ذهب إلى أن أهل الغرب هم العلماء و الحافظ السيوطي الذي لم يستبعد أن يراد بالغرب مصر و قول الجزنائي في جني زهرة الآس والبوجمعاوي في وشي الديباج إن المراد بأهل الغرب أهل المغرب الذي هو ضد المشرق ... قال :" و على كل حال فالمتعين عندي في حديث الطائفة بالمغرب ... هو أن المراد به طائفة من المسلمين من المغرب أو الشام أو الحجاز لا تزال فيهم بقية الذب عن دينهم و التمسك به و إن انفردوا و خالفهم الغير و المراد ببقاء ظهورهم على الحق إلى أن تقوم الساعة ظهور حجة و دليل في الغالب ... "
ملحوظة : لقد قال بهذا الذي ذكرنا ، قبل هؤلاء العلماء ، أعلام مشاهير منهم أبو العرب التميمي {ت333هـ} في " طبقات علماء افريقية و تونس " و غيره ... و إنما اقتصرنا على بعض النصوص لقوتها و وضوحها
و لا تفوتني أن أشير في الأخير، إلى ملحظ هام لاحظه العلامة ابن خلدون في مقدمته وهو عدم معرفة إخواننا في المشرق بدقائق أمور المغرب
قال:"و أنا ذاكر في كتابي هذا ما أمكنني منه في هذا القطر المغربي إما صريحا أو مندرجا في أخباره و تلويحا لاختصاص قصدي في التأليف بالمغرب و أحوال أجياله و أممه و أن الأخبار المتناقلة لا تفي كنه ما أريد منه ، و المسعودي إنما استوفى ذلك لبعد رحلته كما ذكر في كتابه مع أنه لما ذكر المغرب قصر، في استيفاء أحواله و فوق كل ذي علم عليم و مرد العلم كله إلى الله "