توطئة
يشعر الباحث وهو يهم بالحديث عن الصلات التاريخية و الحضارية والإنسانية بين البلاد الإفريقية فيما بين بعضها البعض، بسعادة غامرة ورغبة أكيدة في الاطلاع على ما ظهر و ما خفي من ذلك ، متحديا كل الصعوبات و الموانع، التي آن الأوان لإزاحتها وتجاوزها، بوضع معاجم للأعلام البشرية والجغرافية، تضبط الأسماء وتُعَرِّفُ بها، وتحدد الأزمنة والأمكنة ، وكشافات وفهارس للتراث الإفريقي المخطوط على وجه الخصوص، و فيه من كتب الفقه والنوازل الشيء الكثير، بالإضافة إلى حل مشكل اللغات الإفريقية التي أضحت في أمس الحاجة إلى موسوعات وقواميس، لتقريب الشقة بين الإخوة، وتيسير عمليات التواصل بينهم بسهولة و يسر، مع إعطاء لغة القرآن مزيدا من العناية والاهتمام ...
و تواجه الباحث من جهة ثانية في مثل هذا الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، صعوبات أخرى تتعلق بالوفر لا بالنقص ، و بالتداخل الإيجابي الواضح في تراث بلداننا بين العقيدة والمذهب والسلوك، بشكل يتعذر معه الفصل بينها في معظم فترات التاريخ المشترك، أو تغليب دور على آخر بالإضافة إلى صعوبة الإحاطة بالموضوع من كل جوانبه وتتبعه عبر كل مراحله، لكن حسبنا التأسي بالحكمة القائلة: ما لا يدرك كله لا يترك جله، أو على الأصح لا يترك بعضه و يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ...
و مهما يكن فإن من شأن مثل هذه الندوة المباركة، وما سيتلوها من ندوات، أن تساعد على تحقيق كثير من المطامح، وبلوغ جملة من المطالب، وملء العديد من الفراغات، وفي الوقت ذاته رفع ما يمكن رفعه من المصاعب و المتاعب أمام المهتمين، للوصول إلى كثير من الحقائق الغميسة ، وإخراجها من حيز الخفاء و الغموض، إلى رحاب التجلي والوضوح ...
وبعد فتنطلق هذه المداخلة مما تفيده كثير من المصادر والأبحاث التاريخية، من أن العلاقات المغربية الإفريقية، علاقات عريقة ضاربة في أعماق التاريخ ، اشتد عودها وتقوت عراها ، بدخول هذه البلاد في الإسلام، الذي دان به أهل المغرب، وعدد من بلدان إفريقيا، منذ القرن الهجري الأول، قبل أن يصل إلى أكثر بلاد غرب إفريقيا عن طريق الصحراء مع المغرب الكبير والطريق الساحلي إلى السنيغال، ومنها إلى سائر أرجاء غرب إفريقيا، مما يطول شرحه و لا يتأتى في هذه العجالة بسطه. ثم توطدت هذه الروابط أكثر بانتشار المذهب المالكي فيها، و هو موضوع هذه المقالة، التي سيكون التركيز فيها - أساسا - على إفريقيا الغربية الواقعة وراء الصحراء الكبرى وشمال المنطقة شبه الاستوائية، أي المناطق التي كان للمغرب علاقات بها على مر التاريخ دون إغفال صلاته مع بقية بلاد إفريقيا قدر الإمكان، وحسب ما تجود به المصادر المراجع المتاحة لحد الآن.
و بما أن هذا الحديث ينصب على دخول المذهب المالكي وانتشاره في إفريقيا عبر المغرب خاصة، فلن نخوض في موضوع دخول الإسلام إلى بلاد إفريقيا، وما رافق ذلك من صعوبات، مما أفاضت الحديث فيه كتب التاريخ و السير ... و إنما سنركز – أساسا - على دخول مذهب الإمام مالك ...
هذه المشاركة تأتي في مدخل و ثلاثة محاور كالآتي :
مدخل- يهدف إلى تحديد معاني مفردات عنوان البحث: "المذهب المالكي - المغرب - إفريقيا"
كان مسلمو إفريقيا - ككل مسلمي تلك العهود التي سبقت ظهور المذاهب الفقهية في صدر الإسلام - على مذهب جمهور السلف من الأئمة، وربما بعثوا إلى المشرق من يسأل لهم عن بعض المسائل و النوازل، التي تعترضهم في حياتهم اليومية، خصوصا إلى المدينة النبوية المنورة، حيث كان أمثال الفقهاء السبعة و غيرهم من علماء التابعين ...
و كان القرآن في المغرب و الأندلس وفي بعض البلاد الإفريقية - في أول الأمر- المصدر الوحيد للتشريع، و لم يحتاجوا إلى الاستعانة بسنن رسول الله صلى الله عليه و سلم، إلا بعد احتكاك المسلمين بنظم الشعوب المفتوحة في المشرق و المغرب حين وجدوا أنفسهم بسبب ذلك أمام مشاكل تشريعية معقدة، مما استدعى نشأة المذاهب الفقهية .
و المذهب في اللغة: الطريق وعند الفقهاء : "حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة، في الأحكام الاجتهادية، استنتاجا واستنباطا"، وأصحاب المذاهب الفقهية علماء أجلاء وأئمة أعلام، سطع نجمهم في الأفق خلال الدور الذهبي للاجتهاد، من أول القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع الهجري، فسَّروا للناس ما ورد في الكتاب والسنة، واستنبطوا منهما الأحكام، تسهيلا على ما عجزوا عن فهمه منهما، وكانوا جملة من المجتهدين، دونت مذاهبهم وقلدت أقوالهم وآراؤهم، وقد اختفت - اليوم - أكثر هذه المذاهب من حياة الناس، ولم يبق لها وجود إلا في بطون الكتب.
أما المذاهب السنية التي بقيت إلى اليوم في العالم الإسلامي، و المُقَلَّدَةُ من جمهور المسلمين فأربعة منها المذهب المالكي، الذي ينسب إلى إمام دار الهجرة مالك بن أنس (93- 179هـ)،والمنتشر في أقطار الغرب الإسلامي و أكثر بلدان إفريقيا، وأصول مذهبه كثيرة لا يتسع المجال –هنا- لتفصيل القول فيها .
قال الشاعر المغربي الكبير مالك بن المرحل :
لا تخالف مالكا رأيه . . . فبه يأخذ أهل المغرب
أما مفهوم " المغرب " فقد كانت بلاد الإسلام في تلكم العصور الأولى مقسمة إلى قسمين : شرق أو مشرق، وغرب أو مغرب، و كان العباسيون قد قسموا مملكتهم إلى جهتين انطلاقا من عاصمتهم بغداد :
1 - المشرق و يشمل بلاد فارس و ما إليها شرقا .
2 - المغرب و يشمل الشام و إفريقية و ما إليها غربا.
ثم أصبح فيما بعد يعني بلاد المغرب الكبير و الأندلس، و كانت للمغرب الأقصى – كما لا يخفى - الصدارة بين بلدان المغرب الكبير، في فترات كثيرة من التاريخ، خصوصا بعد أن انضوت جميع هذه البلاد تحت لوائه لقرون...
و لم يكن مصطلح الغرب الإسلامي، متداولا في القديم، و إنما شاع استعماله في العصر الحديث، ولعل ليفي بروفنصال أبرز من دافع عن هذا المصطلح و روج له
أما" إفريقيا " بمعنى هذه القارة الكبيرة الواعدة ، فهناك اضطراب بين المؤرخين في تحديدها، حيث كان يطلق عليها في القديم بلاد السودان، على أساس لون بشرة غالب ساكنتها، ثم بدأت تتحدد حسب أجزائها كبلاد السودان، أو بلاد الزنج أو بلاد الحبشة أو غير ذلك، في حين كانت تونس هي المعروفة – إذ ذاك - بإفريقية
المحور الأول – أسباب انتشار المذهب المالكي و أهم خصائصه
أولا - الأسباب وهي :
أ – أسباب ذات اعتبارات أدبية، أشبه ما تكون بالمناقب والبشائر، التي تنشرح لها الصدور، وتطمئن بها القلوب مع ما في ذلك من الأسرار والمعاني مما يدخل في إطار الغيب، الذي أطلع الله عليه رسوله الكريم، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}الآية فمن أعلام النبوة، وهي إخباره صلى الله عليه وسلم بالشيء قبل وقوعه :
أ- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم:"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة"
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة "
قال يحي ابن معين:"سمعت سفيان بن عيينة يقول:"نظن أنه مالك بن أنس"وقال أيضا: "من نحن عند مالك، إنما كنا نتتبع آثار مالك، وننظر إلى الشيخ إن كان كتب عنه وإلا تركناه "
وقد روى عن مالك خلق كثير من العلماء، جمع الحافظ أبو بكر الخطيب أخبارهم فبلغوا حوالي ألف أو نحوها - قال ابن تيمية وهؤلاء الذين اتصل إلى الخطيب حديثهم بعد قريب من ثلاثمائة فكيف بمن انقطعت أخبارهم أو لم يصل إليه خبرهم" و كان منهم عدد كبير من الأفارقة
ب - أسباب تتعلق بـ (مَدَنِيَّةِ المذهب) وذلك من أجل سكنى ومدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، ولا يخفى أن تعلق مسلمي إفريقيا برسول الله وبآل بيته شيء يجري في دمائهم، دون مغالاة أو انحراف عن تعاليم الدين السمحة، وفي احترام تام لسائر الصحب الكرام وآل البيت الأطهار، ولم يكن اختيارهم لمذهب مالك ، نابعا مما كان غالبا عليهم من البداوة ،كما قال ابن خلدون ومن تابعه على ذلك، وإنما لميلهم إلى اقتفاء أثر أهل المدينة، فيما كانوا عليه من التشبث بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده .
ومعلوم أن أول تجسيد لوحدة الأمة الإسلامية في إطار كيان سياسي قائم على البيعة والشورى، كان بالمدينة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو النموذج الذي ظل مسلمو إفريقيا يرونه المثل الأعلى الذي يجب الاقتداء به و السير على سننه
وعلى غرار المدينة قلت البدع في معظم بلاد إفريقيا، في ظل التمسك بمذهب إمام دار الهجرة، ومما يعد من فضل المغرب والأندلس، أنه لم يذكر على منابرهما أحد من السلف إلا بخير ، حتى قرن أبو الوليد الطرطوشي هذا التعلق بحديث أهل الغرب فرد ذلك إلى ما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين ،والاقتفاء لأثر السلف الصالح.
و أرجع غير واحد من العلماء، قلة أهل البدع في المغرب والأندلس إلى التمسك بمذهب مالك بن أنس هذا المذهب الذي أعتبر أسلم المذاهب، أو أقلها على الأصح اشتمالا على أهل الأهواء والبدع بالقياس إلى ما كانت تعرفه بعض المذاهب الأخرى،
والذين قاوموا العبيديين الروافض بافريقية هم المالكية بالدرجة الأولى، وهم الذين تعرضوا لأقسى ألوان التنكيل والترويع والتقتيل، كما هو مسجل في كتب التاريخ والتراجم
وربما كانت هذه المحن والشدائد، وراء تمسك معظم مسلمي إفريقيا بمذهب الإمام مالك، الشيء الذي طبع حياتهم الفكرية بكثير من الاحتياط والميل إلى الوضوح وتجنب التعقيد والتأويل، وغير ذلك مما ينسجم مع الطبيعة الإفريقية ، و على كثرة المذاهب الفقهية التي عرفتها بلاد إفريقيا بنسب متفاوتة ، فإنه لم يكتب لأي منها أن تشبث به أهل هذه البلاد ، تشبثهم بالمذهب المالكي، الذي استقروا عليه فيما بعد، على الرغم مما كان لبعضها من نفوذ وسلطان وقه، ومن ثم اعتبر عدد من الفقهاء كالقراقي وابن جزي، حديث أهل الغرب شهادة لأهل المغرب ولإمامهم، بأن مذهبه حق توفيقا من الله تعالى وتصديقا لقول رسوله الكريم .
و هذه الوحدة المذهبية من القواسم المشتركة بين هذه البلدان ، ومما يؤهلها لتحقيق وحدة جزئية عظيمة للأمة الإسلامية ، في هذا الجناح الغربي من العالم الإسلامي وفي كل إفريقيا .
هذه الوحدة التي ظل الإحساس بها عميقا لدى كل مسلم، منذ أرسى قواعدها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة النبوية المطهرة و إلى ما شاء الله .
ج - أسباب تتعلق بشخصية الإمام مالك ، الذي كانت له هيبة عظيمة فاقت كل هيبة ، حتى قال سعيد بن أبي هند الأندلسي :"ما هبت أحدا هيبتي عبد الرحمان بن معاوية ، حتى حججت فدخلت على مالك، فهبته هيبة شديدة صَغَّرَت هيبة ابن معاوية
وعلى الرغم من هذه الهيبة، فقد كانت علاقة الإمام مالك بطلبته، تتميز بكثير من المحبة والمودة بسبب أخلاقه العالية، ورحابة صدره، وعظيم عنايته بالراحلين إليه، خصوصا من بلاد المغرب، الذين كانت علاقته بهم تتسم بكثير من الاهتمام الموصول، حتى بعد رجوعهم إلى بلدانهم .
د- يضاف إلى ما تقدم ذكره، سبب رابع أشار إليه الدكتور حسين مؤنس وهو أن المالكية امتازت بأنها لم تكن مذهبا فقهيا فحسب، بل مذهبا سلوكيا أيضا، و أن الذين تخرجوا بمدرسة الإمام مالك من تلامذته، المباشرين و غير المباشرين، عرفوا كيف يقيموا لأنفسهم في البلاد التي استقروا فيها، سلطانا روحيا معنويا وسياسيا، دون أن يثيروا مخاوف أهل السلطان"
ثانيا - خصائص المذهب المالكي بالمغرب :
قبل الحديث عن خصائص المذهب المالكي، تجدر الإشارة إلى مدارسه الفقهية وهي أربع : المدرسة المدنية، و المدرسة المصرية ، و المدرسة العراقية ، والمدرسة المغربية، وهذا يفيد أن حظ إفريقيا من هذه المدارس مدرستان : المصرية، والمغربية، هذه الأخيرة التي امتازت بانفتاحها على كل المدارس المذكورة، ثم بتنوعها وتفرعها بدورها إلى ثلاثة مدارس على الأقل هي : القيروانية والفاسية و القرطبية أو الأندلسية، دون أن يعني ذلك أي تمايز بينها أو اختلاف، ويكفي هذه المدرسة - في شمولها و تنوعها - تقديرا و اعتبارا في المذهب:
أولا - أن رواية موطأ الإمام مالك المعتمدة عندهم هي رواية يحيى بن يحيى الليثي{ت 234هـ} وهي التي إذا أطلق الموطأ، لم يَنْصَرِف إلا إليها، دون غيرها من الروايات حتى قال القائل: وحيثما موطأ قد أطلقا . . . لها انصرافه لديهم حققا
ثانيا – أن المدونة بصيغتها الأخيرة لسحنون بن سعيد التنوخي {ت240هـ} مُقَدَّمَةٌ على غيرها من الدواوين بعد الموطأ .
قال القاضي عياض:" هي أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها عند المغاربة ، و إياها اختصر مختصروهم و شرح شارحوهم ، و بها مناظراتهم و مذاكرتهم "
أما عن خصائص المذهب فمن أهمها:
1ـ الوسطية والاعتدال : ولا شك أن الوسطية هي سر قوة الإسلام وبقائه واستمراره {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}
وهي من خَصائصِ هذه الأُمَّة ، وعلى أساسها قام المذهب المالكي ،فجاء مذهبا وسطا عدلا، تظهر وسطيته وتتجلى في أصوله و فروعه و في أحكامه ومواقفه فهو يقول بالقياس، ويأخذ بالرخص، و يكره شذوذ الأقوال والأحكام، ويحرم استعمال الحيل ويعاقب المحتال بنقيض قصده كنكاح المحلل و طلاق المريض
ثانيا: التطور و التجديد: من سمات المذهب المالكي قابليته للتطور والتجديد، تجاوبا مع الحياة و مواكبة للعصر في ظل الشريعة الإسلامية الغراء ، كالعرف الذي يحرص على مراعاة أحوال الناس وعاداتهم وتقاليدهم، وهو في اصطلاح الفقهاء:"ما استقر قي النفوس من جهة العقول، و تلقته الطباع السليمة بالقبول" ،و مثل ما عرف في المغرب بـالعمل رعيا لمصلحة الأمة و ما تقتضيه حالتها الاجتماعية “كالعمل الفاسي”، أ و العمل المطلق أو العمل السوسي أو ”العمل الوزاني”..أو العمل الرباطي أو غيرها وهي من الأمور التي استحدثها فقهاء المغربة و جعلوها مصدرا تشريعيا يرجع إليه في القضايا التي لم يرد فيها نص من الكتاب ولا السنة الثابتة و لا تخضع لضوابط القياس و كان منطلقها من قرطبة ليمتد فيما بعد إلى أقطار المغرب الكبير
و ظل الفقه المالكي نشيطا متجاوبا مع الحياة ،متأثرا بها ومؤثرا فيها ،بحسب الظروف والملابسات، من ذلك على سبيل المثال قول الفقيه المغربي الشفشاوني ابن عرضون {ت992 هـ} بحق المرأة في اقتسام الثروة مع زوجها على التساوي، مقابل الخدمة التي تقوم بها والجهد الذي تبذله داخل البيت وخارجه، وهو ما نظمه صاحب العمل الفاسي فقال:
وخدمة النساء في البوادي للزرع بالدرس وبالحصاد
قال ابن عرضون لهن قسمة على التساوي بحساب الخدمة
لكن أهل فاس فيها خالفوا قالوا لهم في ذلك عرف يعرف
ويتصل بذلك فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، أصل المصلحة المرسلة، التي هي من أهم أصول المذهب المالكي و أكثرها إغناء له ، لِمَا تحقق من مصالح العباد الدينية والدنيوية في حدود المصالح المشروعة، لا حسب كل ما تهواه الأنفس ويشتهيه الناس ...
ثالثا- الواقعية: تعني الاهتمام بما هو واقع ، أو يمكن أن يقع، مما فيه نفع للناس، ويتجاوب مع الفطرة في بساطتها ووضوحها دون تكلف. وفي توجيه الإمام مالك للرعيل الأول من تلامذته، ما يؤكد ذلك إلى درجة تحذيرهم من كثرة الرواية ،وهو أمير المؤمنين في الحديث ـ كما هو معروف ـ فيقول:" إنما العلم نور يضعه الله في القلوب " والعلم المطلوب هو العلم النافع، كما قال لأبي بكر و إسماعيل ابني أبي أويس :"أراكما تحبان هذا الشأن و تطلبانه ؟ قالا : نعم ، قال : إن أحببتما أن تنتفعا به ، وينفع الله بكما فأقلا منه وتفقها " و كان الإمام مالك يأبى كثرة السؤال.
قال أسد بن الفرات (ت 213هـ) وهو أحد تلامذة مالك من إفريقية :" كان ابن القاسم و غيره يجعلونني أسأل مالكا ، فإذا أجابني قالوا لي : قل له : فإن كان كذا و كذا ، فضاق علي يوما و قال : هذه سلسلة بنت سلسلة ،إن كان كذا، كان كذا ، إن أردت – ذلك - فعليك بالعراق
رابعا- المرونة: وهي مطلوبة في الحياة، ولابد من إزاحة الحواجز والمشكلات من الطريق ، لتسير الأمور على هدى من الله، دون تعقيد أو تعثر، و تتجلى في المذهب المالكي بوضوح في قاعدة مراعاة الخلاف التي ترجع أهميتها إلى أمرين:
1ـ محاولة التقريب بين المذاهب ، و تضييق شقة الخلاف بينها
2 ـ الأخذ بها للفت نظر المجتهد المستنبط للأحكام بأن يراعي المآلات بعد تقريره الأدلة في المسائل ذات الخلاف و تجلى في :
أـ تصحيح بعض العقود الفاسدة المختلف فيها
ب ـ ترتيب آثار العقود الصحيحة على العقد الفاسد المختلف فيه .
المحور الثاني المذهب المالكي من المغرب إلى إفريقيا
كان الإمام مالك ما يزال على قيد الحياة، عند قيام الدولة الإدريسية بالمغرب، وكانت علاقته بشيخه عبد الله الكامل وبأبنائه خاصة منهم محمد النفس الزكية - جد الأسرة العلوية – و بأخيه و وارث سره المولى إدريس ، شائعة معروفة ، وكذا اهتمامه ببلاد المغرب وسؤاله عن الأحوال بها ... و من ثم يبدو أن إدريس بن عبد الله الكامل، الذي كان يحفظ موطأ مالك، هو أول من دعا المغاربة إلى مذهب مالك وقراءة الموطأ، حين قال: " نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه" و تفيد دعوته المرسلة إلى المغاربة كما رواها الإمام الزيدي اليمني عبد الله بن حمزة في كتاب الشافي على سنية المولى إدريس ، فهو كما قال الأستاذ علال الفاسي :" إمام من أئمة السنة و عالم من أعلام آل البيت"
و مما يدل على ذلك أيضا ما ذكره ابن أبي زرع و غيره أن المولى إدريس الأكبر عندما دخل مدينة تلمسان و صالح أهلها :" بنى مسجدها وأتقنه وصنع فيه منبرا وكتب عليه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وذلك في شهر صفر سنة أربع وسبعين ومئة "
ففي ذِكرُ اسمه مجردا ، ثم الترضي على أسلافه ، بدل السلام عليهم ،كما هي عادة الشيعة ما يؤكد اختياره السني، و هو ما رسخه من بعده خلفه ووارث سره ابنه إدريس بن إدريس ، الذي اختار عامرًا القيسي لقضاء فاس، وكان «رجلاً صالحاً ورعاً فقيهاً، سمع من مالك وسفيان الثوري، وروى عنهما ثم خرج إلى الأندلس برسم الجهاد، ثم جاز إلى العدوة فوفد منها على إدريس فيمن وفد عليه من المغرب. كما استكتب الفقيه المالكي أبا الحسن عبد الله بن مالك الأنصاري الخزرجي، و هو الذي تولى عقد شراء البقعة التي بنيت عليها مدينة فاس من أهلها سنة 191هـ .
ثم لم تلبث أن توالت الوفود على إدريس الثاني من الحاضرتين المالكيتين العريقتين القيروان وقرطبة، في نحو ثلاثمائة أسرة من الأولى، وفي أكثر من أربعة آلاف بيت من الثانية، مما جعل إدريس يُنْزِلُ كل بلد بعدوة من عدوتي فاس بعد بنائها، وترجع أسباب كثرة الأندلسيين إلى فرارهم على إثر وقعة الرَّبَض، عند قيام أهل أرباض قرطبة وراء جماعة من أهل الورع و الدين وعامتهم من علماء المالكية وتلامذته على الأمير الحكم الرَّبَضي {180- 206 هـ } منهم يحيى بن يحيى الليثي، وطالوت بن عبد الجبار، وعيسى بن دينار، و يحيى بن مضر القيسي و غيرهم
وكانت مدينة أغمات - في جنوب المغرب - خلال ذلك العهد دار علم وصلاح و رئاسة تجارة، فهي مقر إقامة الأمير عبد الله بن إدريس الأصغر النائب عن شقيقه السلطان محمد، وقد نزح إليها بدورها عدد كبير من الأندلسيين من أوائل القرن الثالث الهجري بعد فرارهم من فتنة الربض بقرطبة ، كما أن رباط أغمات المعروف، كان المقر الأول لزعماء المرابطين والمركز الهام لأهل العلم و رجال التصوف، يقصدونه من سائر أنحاء شمال إفريقيا، و كانت بالإضافة إلى ذلك كله ملتقى القوافل التجارية نحو بلاد السودان و غرب إفريقيا عبر الصحراء كما سيأتي
يقول أبو طاهر السلفي {ت576هـ} :"سمعت أبا العباس أحمد بن طاهر بن شيبة الفاسي بالثغر يقول: أبو علي المتيحي من فقهاء أغمات ، وإلى فتاويه يرجع سلطان المغرب ابن تاشفين لدينه، تركته في سنة عشرين وخمسمائة حيا . ومحمد بن شبونة من مشاهير فقهاء المغرب يشار إليه في المعرفة بمذهب مالك وهو يسكن أغمات خلفته بها حيا كذلك في سنة عشرين "
وفي عهد يحيى بن محمد بن إدريس بُنِي جامع القرويين من قبل سيدة صالحة محسنة تسمى أم البنين فاطمة الفهرية سنة 245هـ . و الذي سيكون مقصد طلبة العلم من كل الأصقاع و من بلدان إفريقيا على وجه الخصوص .
في هذه الفترة الإدريسية نعثر في أهم المصادر الأولى في تراجم رجال المذهب أعني ترتيب المدارك للقاضي عياض {ت544هـ} على شخصية علمية مالكية هي شخصية جبر الله بن القاسم الأندلسي الفاسي {ت350هـ} الذي ذكر ابن القاضي في الجذوة أنه سمع منه عيسى بن سعادة الفاسي، كما قال إنه نزيل عدوة الأندلس، وهو من أدخل علم مالك إلى فاس ، لقي أصبغ بن الفرج و سمع منه " و أصبغ المصري من أعلام مذهب مالك وحَمَلَتِه {ت255هـ} و إذا علمنا أن ممن أخذ عنه بمصر محمد بن المواز المصري و ابن حبيب و ابن مزين و عبد الأعلى القرطبيون قدرنا أنه من هذا الجيل وأنه سبق دراس بن إسماعيل بعقود من الزمن فهو من شيوخه، و قصة عرضه عليه الموازية – كما أوردها ابن القاضي في جذوة الاقتباس - شاهدة على ذلك، ومن تلامذته النابهين أبو موسى عيسى بن سعادة الفاسي الذي عندما توفي بمصر{ت355هـ} تنازعه الفقهاء والمحدثون، كلهم يدعيه ويقول بأنه أحق بالصلاة عليه
أما دَرَّاس بن إسماعيل أبو ميمونة {ت 357هـ} فهو الذي اشتهر بأولية نشر المذهب بفاس و المغرب وهو أستاذ الإمامين المالكيين الكبيرين: ابن أبي زيد القيرواني و أبي الحسن القابسي وهو من الحفاظ المعدودين .
و تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه كانت بالنكور في شمال شرق المغرب بالريف، إمارة سنية مالكية ينتسب أبناؤها لصالح بن منصور الحميري اليمني الداخل إلى المغرب الأقصى في افتتاحه الأول على يد عقبة بن نافع الفهري
كما كانت بسجلماسة إمارة تخلى أميرها محمد بن الفتح الشاكر لدين الله {ت347هـ} عن الاتجاه الخارجي المتطرف الذي كان عليه أسلافه، واختار المذهب السني المالكي
ثم يأتي بعد هذه المراحل، الدورُ البارز في نشر المذهب للفقيه المالكي عبد الله بن ياسين الجَزُولي {ت 451هـ} المجاهد المرابط مهدي المرابطين كما نعته بذلك ابن أبي زرع وكان قد رحل في أوائل القرن الخامس الهجري إلى الأندلس فبقي هناك أكثر من سبع سنوات يكرع من حياض العلم، قبل أن يعود إلى المغرب، فيلزم شيخه وجَّاج بن زلو اللمطي {ت 445هـ} في داره التي بناها بالسوس للعلم و الخير وسماها "دار المرابطين" إلى أن خرج منها متجهاً صوب أقاصي الصحراء رفقةَ إبراهيم بن يحيى الجُدالي أميرِ قبيلة صنهاجة بتكليف من شيخه و معلمه وجَّاج بن زلو اللمطي امتثالاً منه بدوره لتوصية شيخه الإمام أبي عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي الفاسي نزيلِ القيروان {ت430هـ} باختيار رجل صالح مؤهل للقيام بمهمة شرح تعاليم الإسلام وقواعده لقبائل الصحراء الممتدة إلى أرض السودان و تعميق وعيهم بذلك.
و أبو عمران الفاسي رأس من رؤوس المالكية و الأشعرية معا في عصره، فهو تلميذ أمثال الأصيلي و الباقلاني و أبي ذر و ابن أبي زيد القيرواني وأبي الحسن القابسي و غيرهم من كبار علماء المغرب و المشرق، وكان وراء هجرته من بلده فاس إلى القيروان موقفه من ولاة الأمر من بني أبي العافية المكناسيين و مغراوة و بني يفرن وما أحدثوا من " البدع و المظالم والمغارم و أخذهم أموال الناس بغير حق ...
و عبد الله بن ياسين عندما استجاب للأمر، بادر إلى فعل ما يمكن فعله، لكنه لم يتحمل في الأخير ما لقي من القوم من الأذى، فلم يلبت أن تركهم بعد ما ضاق بهم ذرعا ورأى من إعراضهم واتباعهم أهواءهم، ما لم يعد معه أمل فيهم، فرحل عنهم إلى بلاد السودان، التي كان أهلها قد دخلوا في الإسلام في حديث يطول... انتهى باستشهاد عبد الله بن ياسين في إحدى معاركه مع البرغواطيين بالمغرب الأقصى بعد أن وطأ لقيام الدولة المرابطية بل حتى اعتبر مؤسسها الحقيقي، ليتحمل الأمانة من بعده أبو بكر بن عمر اللمتوني {ت 480هـ} و هو ابن عم يوسف بن تاشفين، فيعود إلى الصحراء ومعه فقيه مغربي آخر هو أبو بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي {ت489هـ}، فأتم ما بدأه عبد الله بن ياسين في الصحراء، قبل أن يصير الأمر إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ليكمل ما بدأه أسلافه من تمهيد شمال إفريقيا انطلاقاً من المغرب الأقصى. وبذلك أصبح المرابطون يبسطون نفوذهم على إمبراطورية مترامية الأطراف قوية مُوحَّدة تمتد أُفُقياً من الحدود المصرية إلى البحر المحيط، وعَمُودياً من بلاد الأندلس إلى حدود النيجر ونهر السنغال جنوباً ، وستمتد مملكة المغرب على عهد الموحدين من طرابلس المغرب إلى سوس الأقصى من بلاد المصامدة و أكثر جزيرة الأندلس قال عبد الواحد المراكشي معقبا :" وهذه مملكة لم أعلمها انتظمت لأحد قبله، منذ اختلت دولة بني أمية ."
نعم ستعرف بداية العهد الموحدي، امتحان فقهاء المالكية من خلفاء الموحدين، وحربا رسمية اتخذت أشكالا مختلفة، منها محاصرة الفقهاء و إبعادهم وإحراق كتبهم، بل والتخلص منهم جسديا إذا اقتضى الأمر ذلك ، و في هذا الصدد يقول صاحب تاريخ قضاة الأندلس عن نهاية الإمامين القاضيين أبي بكر ين العربي و أبي الفضل عياض: "فجرت عليهما محن و أصابتهما فتن، و مات كل منهما مغربا عن أوطانه ، محمولا عليه من سلطانه، وقال بعضهم: سُمَّ ابن العربي، و خُنِقَ اليَحْصُبِي"
و قد سجل صاحب المعجب ما شاهده عيانا على عهد يعقوب المنصور {ت580هـ} من ذلك ، فقدم عن ذلك صورة معبرة عما وقع كقوله :"و في أيامه انقطع علم الفروع و خافه الفقهاء و أمر بإحراق كتب المذهب، بعد أن يجرد ما فيها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ففعل ذلك فأحرق منها جملة في سائر البلاد كمدونة سحنون و كتاب ابن يونس ونوادر ابن أبي زيد و مختصره وكتاب التهذيب للبرادعي و واضحة ابن حبيب و ما جانس هذه الكتب و نحا نحوها ، لقد شهدت منها و أنا يومئذ بمدينة فاس يؤتى منها بالأحمال فتوضع ويطلق فيها النار."
ويضيف المراكشي " وكان قصده في الجملة محو مذهب مالك و إزالته من المغرب مرة واحدة و حمل الناس على الظاهر من القرآن و الحديث وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده إلا أنهما لم يظهراه و أظهره يعقوب هذا"
لكن سرعان ما ستنتهي الحملة على المالكية ، و يرفع عنهم الحصار رسميا على عهد المامون الموحدي {ت630هـ} مما سيعيد المياه إلى مجاريها و الأمور إلى نصابها، و يعطي للمذهب قوة و مناعة، ونهضة جديدة وانتشارا أكبر...
و لا نجتاز هذه المرحلة من التاريخ المشترك، دون أن نشير إلى أنه رغم كل الظروف فإن هذه العلاقات المغربية الإفريقية، ظلت حميمية، و لعل مما يترجم عمق تلكم الروابط، هذه اللقطة الأدبية الجميلة، لأحد الشعراء الأفارقة، وما تحمله من معاني وعواطف إزاء أمير المومنين يعقوب المنصور الموحدي، إنه الشاعر أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الكانمي الذي أنشده حين دخل عليه مادحا :
أزال حجابه عنِّي وعَـيْنِي **** تراه من المَهَاَبَةِ في حِجَابِ
وقَـرَّبَني تَـفَضُّـلُه ولكن **** بَعُدْتُ مَهَابَةً عند اقْتِرابـي
فإذا انتقلنا إلى عهد الدولة المرينية فسنجدهم تربطهم ببلاد السودان علاقات متينة، تجلت فيما كان من ود و تهادي بين ملك مالي، وأمير المومنين أبي الحسن المريني ، مما تعكسه قصة الهدية التي بعثها إلى ملك مالي بعدما أوفد هو الآخر من جهته رجالا لمخاطبة السلطان، تحدث عنها الناصري في الاستقصا بإسهاب نجتزيء من ذلك قوله: «اعلم أن أرض السودان المجاورة للمغرب تشتمل على ممالك منها مملكة غانة ومنها مملكة كاغو ومنها مملكة برنو وغير ذلك، وكان ملك مالي هو السلطان منسى موسى بن أبي بكر من أعظم ملوك السودان في عصره، ولما استولى السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط وغلب بني زيان على ملكهم عظم قدره وطال ذكره وشاعت أخباره في الآفاق، فسما هذا السلطان وهو منسى موسى إلى مخاطبة السلطان أبي الحسن، وكان مجاورا لمملكة المغرب على نحو مائة مرحلة في القفر، فأوفد عليه جماعة من أهل مملكته مع ترجمان من الملثمين المجاورين لبلادهم من صنهاجة ، فوفدوا على السلطان أبي الحسن في سبيل التهنئة بالظفر فأكرم وفادتهم وأحسن مثواهم ومنقلبهم، ونزع إلى مذهبه في الفخر فانتخب طرفا من متاع المغرب وماعونه وشيئا من ذخيرة داره وأسنى الهدية، وعين رجالا من أهل دولته كان فيهم كاتب الديوان أبو طالب بن محمد بن أبي مدين ومولاه عنبر الخصي، فأوفدهم بها على ملك مالي منسى سليمان... فأحسن مبرتهم وأعظم موصلهم وأكرم وفادتهم ومنقلبهم، وعادوا إلى مرسلهم في وفد من كبار مالي يعظمون السلطان أبا الحسن ويوجبون حقه ويؤدون طاعته ويذكرون من خضوع مرسلهم وقيامه بحق السلطان أبي الحسن واعتماله في مرضاته ما استوصاهم به"
ولابن بطوطة عن مدينة مالي وسلطانها و علمائها وعادات أهلها، أحاديث طويلة الذيل، متنوعة الأخبار، طريفة التعاليق و الانطباعات نقتبس منها قوله :"وسلطان مالي هو السلطان مَنْسَى سليمان، ومنسى معناه: السلطان و سليمان: اسمه و هو ملك بخيل "... "صنع طعاما برسم عزاء مولانا أبي الحسن رضي الله عنه، و استدعى الأمراء والفقهاء و القاضي والخطيب حضرت معهم فأتوا بالربعات و خُتِم القرآن و دعوا لمولانا أبي الحسن رحمه الله ودعوا لمنسى سليمان"
وقوله : "حضرت بمالي عيدي الأضحى و الفطر، فخرج الناس إلى المصلى، و هو بمقربة من قصر السلطان، و عليهم الثياب الحسان، وركب السلطان وعلى رأسه الطيلسان، والسودان لا يلبسون الطيلسان إلا في العيد، ما عدا القاضي و الخطيب و الفقهاء فإنهم يلبسونه في سائر الأيام ..." ثم ذكر أنه إذا خرج السلطان إلى المصلى و قضيت الصلاة و الخطبة " نزل الخطيب و قعد بين يدي السلطان وتكلم بكلام كثير، و هنالك رجل بيده رمح يبين للناس بلسانهم كلام الخطيب ..."
وسيتكرر ذلك الود المشار إليه من قبل ويستمر في العلاقات المغربية ببلاد السودان ، زمن أمير المومنين أبي سالم المريني والسلطان منسى زاطة، خَلَف منسى سليمان، الذي هيأ لسلطان المغرب هدية، تحدث عنها الناصري بتفصيل بعنوان :"وفادة السودان من أهل مالي على السلطان أبي سالم، و إغرابهم في هديتهم بالزرافة الحيوان المعروف"
أما في العهد السعدي فلا يختلف اثنان في وضع العلامة أحمد باب التنبكتي{ 963- 1036هـ} في طليعة العلماء الذين ساهموا في تعميق العلاقات العلمية والروحية بين المغرب و بين السودان عامة (الغربي و الأوسط ) وبين مالي بشكل أخص كما سيأتي في مناسبات شتى ...
و على غرار ما سلف ظلت العلاقات الإفريقية على عهد الدولة العلوية الشريفة حميمية قوية وفية للتاريخ و المصير المشتركين حيث سنجد على سبيل المثال المولى إسماعيل يجعل عامله على الصحراء مسؤولا أمامه مباشرة بعد أن كان تابعا للخليفة السلطاني في سجلماسة...
و من مظاهر عمق العلاقة الروحية بين المغرب وبلاد إفريقيا ما جاء في ترجمة الفقيه السيد أحمد الشواف بن حبيب الله الوتيدي {ت 1140ه} أنه أخبر في ودان بموت أمير المومنين مولاي إسماعيل و أرخوه فوجدوه توفي في ذلك اليوم
وعندما لحق المولى إسماعيل بالرفيق الأعلى، بايع أهل توات المولى عبد الملك قبل أن يتراجعوا عن ذلك، لما بلغتهم بيعة أهل فاس وكل أهل المغرب لأخيه المولى عبد الله ، فبايعوه بدورهم وجمعوا كالعادة هدايا لرفعها إلى الأمير الجديد و بعثوها مع وفدهم لهذه الغاية
ثم إن هذه العلاقات المغربية الإفريقية عرفت في العقود الأخيرة العديد من المبادرات التي ربطت الحاضر بالماضي فلم يتردد أمير المومنين محمد بن يوسف (محمد الخامس) رحمه الله، و هو ملك في المنفى بأنتسيرابي بمدغشقر جنوب شرقي قارة أفريقيا، في أن يجلس للمومنين يفسر لهم آيات الذكر الحكيم و يفقههم في الدين، كما لم يتأخر رحمه الله بعد استقلال بلاده المغرب في الدعوة إلى أول مؤتمر للقمة الإفريقية، واحتضانه بمدينة الدار البيضاء قبيل وفاته رحمه الله أيام 16-19 رجب 1380هـ الموافق 04-07 يناير 1961م ومما جاء في خطاب جلالته بمناسبة افتتاح مؤتمر القمة :"لقد كان بودنا أن يكون نطاق هذا المؤتمر أوسع، فتشترك فيه جميع الدول الإفريقية، لأن معركة إفريقيا واحدة، ومصيرها واحد، ومطامح شعوبها وأهدافها مطامح وأهداف مشتركة بينها جميعا " وعلى عهد أمير المومنين الحسن الثاني رحمه الله تم بتعليمات من جلالته إنشاء معهد الدراسات الإفريقية، سنة 1987م مؤسسة تابعة لجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط ... كما تم إحداث رابطة علماء المغرب والسينغال عام 1408هـ = 1988م وكان مركزها بالرباط عاصمة المملكة المغربية
أما في عهد أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، فحدث عن البحر و لا حرج كما يقال، حيث توالت المبادرات و تعددت الإنجازات بشكل لم يسبق له نظير و تكفي في مجال الصلات العلمية الإشارة إلى إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي نصب جلالة الملك محمد السادس نصره الله مجلسها الأعلى بفاس في شهر رمضان 1437 هـ = يونيو 2016
و يضم المغرب اليوم جالية طلابية مهمة مشكلة من حوالي عشرة آلاف طالب، قادمين من مختلف الدول الإفريقية، ومنهم بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات عدد كبير، و لا تخفى أهمية هذه الأفواج من الطلاب في تقوية أواصر المودة والأخوة بين الأشقاء و كذلك في خدمة المذهب المالكي و نشره مما سيأتي الحديث عنه في محله.
المحور الثالث - أهم عوامل و وسائل دخول المذهب المالكي إلى إفريقيا سيكون الحديث - هنا - عن أهم قنوات التواصل التي دخل عبرها ومن خلالها المذهب المالكي من المغرب إلى إفريقيا و ذلك على النحو التالي :
أ – القوافل التجارية : من أشهر الطرق التجارية، التي عن طريقها انتشر الإسلام في إفريقيا عبر المغرب:
1 - الطريق الذي كان يمتد من مصر عبر برقة إلى المغرب، ومنه إلى مصب نهر السنغال.
2 - طرق القوافل التي كانت تمتد من بلاد المغرب الأقصى إلى بلاد السودان نفسه :10
ويظهر أن القوافل التجارية، بدأت تجتاز الصحراء منذ منتصف القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، قبل أن يتحدث عنها الجغرافيون بنصف قرن على الأقل وهذا مما يؤكد وجود الإسلام بالمنطقة منذ عهد مبكر.
في هذا السياق يشير الأستاذ محمد زنيبر رحمه الله، إلى أن معرفة وجود الذهب بالسودان الغربي، ورد ذكره في مصدر عربي هو كتاب الفلكي الفزاري {المتوفى حوالي سنة 180هـ= 796م} الذي كان الخليفة أبو جعفر المنصور كلفه بتأليفه استنادا إلى كتاب في الموضوع تلقاه من الهند، والإشارة إلى وجود الذهب بالمنطقة موجودة عند ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح إفريقية".
و ذكر صاحب كتاب رياض النفوس في ترجمة الفقيه البهلول بن راشد {ت183هـ} أحد تلامذة الإمام مالك بالغرب الإسلامي، أن أبا الحجاج سكن بن سعيد الصائغ قال: " كنت أعمل السلاسل من نحاس، و أطليها بماء الذهب الذي يجعل في اللجم، وأبعث بها تباع في بلد السودان، فوقع في قلبي منها شيء، فسألت البهلول بن راشد، فقال : ما عندي بها علم، ولكن اذهب إلى ابن فروخ الفارسي وانظر الجواب وأخبرني، فذهبت إلى ابن فروخ فسألته فقال: أهؤلاء الذين تبعث إليهم السلاسل معاهدون ؟ قلت : نعم، فقال : ما أرى هذا، وهذا غش ..." –
ولم تقتصر هذه التجارة على الرقيق أو الذهب أو العاج أو الملح أو العنبر أو المواد الغذائية والأفاويه أو الألبسة والعطور أو غير ذلك ، مما تحدثت عنه المصادر بتفصيل ، بل كانت إلى جانب ذلك أسواق رائجة للكتب التي تأتي من بلاد المغرب، فاقت في أرباحها كل التوقعات...
يذكر الوزان في وصف إفريقيا أنه كان يباع في تنبكتو الكثير من الكتب المخطوطة، التي تأتي من بلاد البربر. و يجنى من هذا البيع ربح يفوق كل بقية السلع .
و انسجاما مع مبادئهم و قناعاتهم الدينية أبطل المرابطون على التجار الضرائب و المكوس و احتفظوا بالزكاة و الأعشار و أخماس الغنائم و الجزية ، و سعوا في كل الظروف إلى تأمين الحركة التجارية و دفعها ...
وكانت مدينة أغمات كما سبقت الإشارة إلى ذلك منذ وقت مبكر، عاصمة للتجارة وكان أهلها هوارة من المتبربرين بالمجاورة أملياء تجار مياسير - على حد تعبير المراكشي في الإعلام – يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من مختلف السلع ولم يكن في دولة الملثمين أحد أكثر منهم أموالا و لا أوسع منهم أحوالا ...
وعلى نفس المنوال استمرت العلاقات المغربية السودانية على عهد الموحدين في المجال التجاري كما يستفاد من مثل هذا النص الذي نقله المقري في نفح الطيب عن السرخسي في رحلته عندما التقى بأبي الربيع سليمان بن عبد الله بن عبد المومن بن علي و كان حينها يلي مدينة سجلماسة وأعمالها حيث ذكر أن من كلامه في جواب رسالة إلى ملك السودان بغانة ينكر عليه تعويق التجار:"نحن نتجاور بالإحسان وإن تخالفنا في الأديان، ونتفق على السيرة المرضية، ونتألف على الرفق بالرعية، ومعلوم أن العدل من لوازم الملوك في حكم السياسة الفاضلة، والجور لا تعانيه إلاّ النفوس الشريرة الجاهلة. فقد بلغنا احتباس مساكين التجار، ومنعهم من التصرف فيما هم بصدده. وتردد الجلاّبة إلى البلد مفيد لسكانها، ومعين على التمكن من استيطانها، ولو شئنا لاحتبسنا من في جهتنا من أهل تلك الناحية، لكن لا نستصوب فعله، ولا ينبغي لنا أن ننهى عن خلق ونأتي مثله والسلام"
ويذكر الوزان أن أهل بلدة كبيرة من مملكة جنة – غينيا – يسكنها الملك و الفقهاء و العلماء و الباعة و الوجهاء من الناس ... كانوا ذوي هندام جيد جدا و يضعون لثاما كبيرا من القطن أسود وأزرق يتغطون به حتى رأسهم ، و لكن الفقهاء و العلماء يلبسونه أبيض اللون. و عدد ابن بطوطة جملة من أفعال السودان الحسنة فذكر منها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة ، و التبكير لصلاتها حتى إن من تأخر لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام
و معلوم أن أهل المغرب اتخذوا اللباس الأبيض شعارا للدولة " اللباس التقليدي " وللمناسبات الدينية والوطنية، تقليدا لإمام المذهب مالك بن أنس وكان يرى أنه يستحب لأهل العلم أن يكون لباسهم أبيض
و من عناية ملوك المغرب بالقوافل التجارية و رعايتهم لها، رسالة أمير المومنين المولى عبد الله بن مولاي إسماعيل، إلى عمال الجنوب المغربي إلى نهر السينغال ضمنها تعليماته إليهم و كانت ثلاث قوافل تتجه كل عام من فاس إلى مراكش وتارودانت والصحراء والسودان تقدر قيمة حمولتها بثلاثة إلى أربعة ملايين و تمر في العودة على التوارق وشنجيط و تافيلالت
ب – الرحلات إلى الحج و طلب العلم : تم الجمع بينهما – هنا - لأنهما طالما ارتبطا بسبب ما كان يتهدد الراحلين – في تلك العهود - من مخاطر من قبل اللصوص و قطاع الطرق، ومن تعسف بعض الولاة ... و كان من أهم ثمار هذه الازدواجية بين أداء الحج و طلب العلم، التمهيد لقيام دولة بأكملها، كما حدث بالنسبة ليحيى بن إبراهيم الكدالي حين التقى عقب قفوله من الحج بالفقيه المالكي المبرز أبي عمران الفاسي بالقيروان و حضر دروسه كما تقدمت الإشارة إلى ذلك .نتناول هذه الرحلات كالآتي:
1 - الرحلات إلى الحج: استجابة لداعي السماء، و رغبة في أداء فريضة الحج ، وتطلعا إلى تلكم الربوع المقدسة، التي هي مهد الإسلام وقبلة المسلمين ، حيث يوجد بيت الله الحرام ، و مثوى سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، مع ما في ذلك من منافع مختلفة ، كان للحج في تلك الأزمنة دور كبير في ربط البلاد الإفريقية بعضها ببعض ، و تعميق أواصر الأخوة و المحبة بينها ، كما تشهد لذلك كثير من كتب التراجم والرحلات، وتقدم الملوك والعلماء تلك الرحلات الميمونة المباركة...
و القوافل إلى الحج و إن كانت قديمة قدم الإسلام في هذه البلاد، إلا أن تنظيمها بإحكام يبدو أنه تأخر إلى حدود القرن السادس أو السابع الهجري حيث سنجد أولى المبادرات لتنظيم ركب الحج بالمغرب تتم استجابة لدعوة من أبي محمد صالح الماجري {ت631ه}, ونظّم ملوك وسلاطين الممالك الإسلامية في إفريقيا قوافل الحج ومواكبه السنوية إلى البقاع المقدسة بالشكل الذي تحدثت عنه كتب التاريخ و التراجم و الرحلات
يذكر ابن بطوطة في رحلته أنه لما كان في إيولاتن في طريقه إلى مالي، فكر في أن يسافر مع حجاجها، ثم تراجع بعد أن ظهر له أن يتوجه لمشاهدة حضرة ملكهم، فبقي هناك نحو خمسين يوما في ضيافة أهلها، منهم قاضي ولاته محمد بن عبد الله بن ينومر، كان «من الفقهاء الحجاج» وأخوه الفقيه المدرس يحيى. ولما وصل إلى مدينة مالي لقي القاضي بها عبد الرحمن من السودان ، وصفه بأنه :" حاج فاضل له مكارم أخلاق."
وقال العمري في سياق أحداث عام 724هـ إنه قدم فيه للحج ملك التكرور موسى بن أبي بكرفي جمع كثير ووصف الملك المذكور بأنه فقيه مالكي و في صبح الأعشى أن أخَ موسى هذا وخلَفه منسا سليمان بن أبي بكر "جلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه و تفقه في الدين"
و في أنس الساري و السارب لأبي عبد الله القيسي الشهير بالسراج الملقب بابن مليح {كان حيا عام 1045هـ} معلومات جد مفيدة عن رحلته إلى الحج انطلاقا من مدينة مراكش ضمن الركب الحجازي حيث تحدث عن مراحل الرحلة من مدينة مراكش إلى المدينة النبوية و ذكر فيها أشياء مهمة كتعاطي البيع والشراء، و الالتقاء بالركب الفاسي في الطريق و الوقوف على مشهد الشيخ خليل المالكي ... وصولا إلى المدينة و الوقوف على قبر إمام المذهب مالك بن أنس كما ذكر الالتقاء بالركب التونسي بالإضافة إلى كلام على مخاطر الطريق و صعوبتها
يقول الأستاذ محمد الفاسي في تقديم الكتاب :"تعتبر هذه الرحلة فريدة من نوعها لأن صاحبها قصد الحجاز على طريق الصحراء مخترقا بلاد درعة و توات و تديكلت في أيام الوليد السعدي سنة 1040هـ (1630م) و هو يصف المراحل التي قطعها في الصحراء المغربية إلى أن وصل الفزان ثم تابع السير قاطعا البلاد الطرابلسية إلى أن دخل القطر المصري ، و لا شك أن قوافل الحجاج كانت تتبع هذه الطريق قبل القرن العاشر ولكن لم تصلنا رحلة واحدة تحدثنا عن البلاد الصحراوية و ترسم لنا بهذه الدقة المنازل و العيون و المناهل ..."
- الرحلات العلمية: تفيد كتب التراجم و الطبقات والتاريخ والرحلات أنه كان لكثير من العلماء المغاربة أثر حميد في نشر المذهب المالكي عن طريق الرحلة أو الهجرة، و قد قامت عدة رحلات عبر التاريخ بين المغرب و بلاد السودان لطلب العلم أو التدريس وكان من هؤلاء العلماء على سبيل الذكر:
- جساس الزاهد : من أهل سجلماسة . كانت له رحلة إلى المشرق . قال ابن الفرضي : كتب إلينا عبد الرحمن بن خلف التجيبي الثغري يخبرنا أنه سمع منه كتاب : الزهد ليمن بن رزق بمجريط
- و في رحلة ابن بطوطة {ت779هـ} ذِكْرٌ لعدد من العلماء و القضاة و الأئمة و الطلبة منهم القاضي أبو العباس لدكالي و الإمام الفقيه محمد الفيلالي ومحمد بن الفقيه الجزولي وصهره عبد الواحد المقريء وعلي الزودي المراكشي من الطلبة ممن كانوا بتنبكتو يُدَرِّسون أو يَدْرُسون و يتقاضون من الملك رواتب حسنة ولعل من التجار : محمد بن عمر من مكناسة و الحاج محمد الوجدي التازي
- ومن العلماء الجامعين بين الحقيقة والشريعة الذين رحلوا من بلادهم المغرب إلى بلاد السودان، الشيخ الفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي {ق 10ه} ... "كان له ستة مماليك من السودان كلهم يحفظون مدونة البرادعي عن ظواهر قلوبهم و كلهم فقهاء ... و كان قد هاجر إلى الصحراء، واستقر ببلاد توات و نشر العلم هنالك وبلغت دعوته إلى بلاد السودان، فأسلم على يده أهل عمل سلطان تنبكتو وحسن إسلامهم "، وقيل: أسلم على يده السلطان المذكور نفسه توفي المغيلي ببلاد توات وكان له عقب هنالك" و في رسالته الجوابية على أسئلة السلطان أسكيا ما يعكس الدور الكبير الذي قام به العلماء في تثبيت الثوابت الدينية وترسيخها في النفوس