تحدث القرآن الكريم في آيات مكية وأخرى مدنية ، عما نال الأنبياء والرسل من أذى ، وما تعرضوا له من استهزاء المكذبين ، فقال تعالى :{ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا }
و لم يكن بدعا بعد ذلك أن يتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم – بدوره- لما تعرض له غيره من الرسل والأنبياء، بل وأن يكون نصيبه من ذلك أوفى وأدهى بحكم خاتمية رسالته وعالمية دعوته وامتدادها إلى قيام الساعة ...
{ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزؤا أهذا الذي بعث الله رسولا }
لقد افتروا عليه الكذب فقالوا : إنه شاعر، وكاهن، وساحر.
واتهموه بالجنون والكذب {بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا بئاية كما أرسل الأولون}
{وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلاها واحدا إن هذا لشيء عجاب }
ولم يمر ذلك دون رد أو متابعة ، بل جاء رد القرآن الكريم حاسما بتصحيح الصورة في الأذهان بالأدلة الدامغة ، والوقائع الناطقة بصدق الرسول الأمين ودناءة مهاجميه الكاذبين وسخافة ما يدعون متوعدا إياهم بالخزي والهوان في الدنيا والآخرة {إن الذين يوذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا }
{ والذين يوذون رسول الله لهم عذاب أليم }
واستمر الطعن في الإسلام والافتراء على نبيه عليه الصلاة والسلام ، لم ينقطع من تلكم القرون الخيرة بل تتابعت الإساءات وتكررت بعد ذلك، فكان منها قبل قرن أو يزيد كتابة "اسمه المكرم الشريف المرفع المبارك محمد المنيف على صناديق الوقيد" ثم تجدد ذلك في العصر الحاضر بشكل أوقح لكن دون أن ينال – كل ذلك - شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يحجب – عن العقول والأنظار - الصورة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم
كناطح صخرة يوما ليوهنها * * * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
لقد حمى الله رسله الكرام وانتقم لهم ،فقال سبحانه :{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون }
و كفى الله نبيه المصطفى المستهزئين فقال له:{ فاصدع بما تومر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزءين } كما قال له في آية أخرى:{ يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس }
روي أن المستهزئين في الدنيا يفتح لهم باب من الجنة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سد عليهم فذلك قوله تعالى :{ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } وعلى هذه الوجوه قوله عز وجل:{ سخر الله منهم ولهم عذاب أليم }
وجاء في تفسير قوله تعالى {إنا كفيناك المستهزءين } أن الله تعالى أعلم رسوله الكريم أنه قد كفاه المستهزئين من كفار مكة ببوائق إصابتهم من الله تعالى لم يسع فيها رسول الله ولا تكلف فيها مشقة، وعن ابن عباس أن {المستهزءين} كانوا ثمانية كلهم مات قبل بدر
وكان صلى الله عليه وسلم محاطا بحراسة من أصحابه ممن يريد مسه بأذى
إلى أن نزل قول الله تعالى:{والله يعصمك من الناس} فأخرج رأسه من القبة وقال لحراسه :"يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني ربي" ، فلم يقدر أحد على أن يصيب منه مقتلا مع حرصهم على ذلك
وتظل حماية الله لرسوله قائمة وعصمته له من الناس سارية ، دون أن تعفينا من أداء الواجب في نصرة رسول الله ونشر صورته الحقيقية في الآفاق