بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

شذرات عن رجل كان ينظر بنور الله

تاريخ نشر المقال 17-04-19 12:32:20

    ( في 26 فبراير 2018 )
توطئة :
عشت خلال الأيام الماضية ، لحظات ربانية نورانية سعيدة ، مع رجال من أعلام مدينة مراكش الأفذاذ، و متصوفتها الربانيين الكبار، كان في طليعتهم أبو الحكم ابن برجان، الذي تتبعت ما كُتِب عنه في مختلف المظان، فوجدته حاضرا في المشرق و المغرب، قامة سامقة بل نجما لامعا في سماء العلم والعرفان، ونظرت في تفسيره، فرأيت من الفهم و الشفوف مالا يهتدي إليه ، إلا من خصه الله بذلك واصطفاه له ... ولا عجب فقد قال الله تعالى في القرآن العظيم :{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
وفي الحديث القدسي:"...ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه " رواه البخاري في الصحيح
من هذا المنطلق أقدم هذه الشذرات، إحياء لذكرى ذلكم الرجل العظيم، الذي يستحق من الباحثين والدارسين خاصة و من الأمة عامة كل عناية و اهتمام ... –
مقتطفات من رسائل ابن العريف إلى ابن برجان :
كان يعتقد إلى وقت قريب، أن أبا الحكم ابن برجان، من تلامذة أبي العباس ابن العريف ومريديه ، قبل أن يظهر العكس، ويتأكد أن الأول هو الشيخ والإمام، كما تدل عليه هذه المقتطفات من رسائل ابن العريف إلى ابن برجان مع ما حلاه به من أوصاف و نعوت:
" الفقيه الفاضل أبو الحكم كبيري : الله ولي الشيخ الفاضل الإمام أبي الحكم وحافظه من البرية ... شكايتي التي شكوتها إلى الشيخ الإمام ... فأرغب أن لا أخلو من بال الشيخ و دعائه في توبة صالحة صادقة ... فتح الله لي في مبرتك ، ونفعني بمعرفتك ومحبتك برحمته ... الله ولي الفقيه الإمام أبي الحكم شيخي وكبيري ... اللهم صِل حقيقة وجود الشيخ إمامي و كبيري بوجود حقيقة المعرفة بك و التعرف منك ، و اجعله لمعالم طهارات النفوس زماما ، و لأعلام الهدايات إماما ، وبارك به و عليه بالبركة التي بدايتها من محمد صلوات الله عليه، و نهاياتها إليه ... كان من همي أن يصل كتاب الشيخ واحدي نظرا، ومتقدمي تسليما و معتبرا ... وأنت يا إمامي، بحرمة الشيب اذكرني إذا رقدت عند من له رقدت، أحبك الذي أحببتني له
من تحليات العلماء لابن برجان :
نقتصر من ذلك على تحليات و نعوت أربعة من الأعلام البارزين اثنان من المغرب و مثلهما من المشرق مرتبين حسب وفياتهم :
1 - ابن الأبار {ت658هـ} في التكملة : كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث ، والتحقيق بعلم الكلام والتصوف ، مع الزهد والاجتهاد في العبادة
2 - ابن خلكان {ت 681هـ} في وفيات الأعيان: كان عبدا صالحا، وله تفسير القرآن العظيم، وأكثر كلامه فيه على طريق أرباب الأحوال والمقامات
3 - ابن الزبير {ت 708هـ}في صلة الصلة : كان – رحمه الله - من أجل رجال المغرب، إماما ... لا يماثل بقرين... قد أخذ من كل علم بأوفر حظ... عارفا بمذاهب الناس، متقيدا في نظره بظواهر الكتاب والسنة، بريئا من مردى تعمق الباطنية، بعيدا عن قحية الظاهرية، شديد التمسك بالكتاب والسنة، جاريا في تأويل ذلك على طريق السلف وعلماء المسلمين، و ما عليه السواد الأعظم ...
4 - شمس الدين الذهبي { ت748هـ} في سير أعلام النبلاء : حلاه بالشيخ الإمام العارف القدوة أبي الحكم ، عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال و وصفه في العبر بالعارف شيخ الصوفية و لا يخفى ما لمثل هذا القول من الحافظ الناقد الإمام الذهبي من اعتبار ....
يعقوب المنصور الموحدي وصلاح الدين الأيوبي
في انتظار تحقق بشرى ابن برجان {ت 536هـ} بفتح بيت المقدس عام {583 هـ } :
ترجع صلتي بتفسير ابن برجان و تطلعي للوقوف عليه، إلى أوائل التسعينيات عندما كنت أدرس مادة إعجاز القرآن مع طلبة سنة الإجازة بكلية اللغة العربية بمراكش، وبالضبط يوم كنت أبحث عن نص - للاختبارات - من تراث إعجاز القرآن الغيبي ، حيث ساقتني الأقدار إلى النص الآتي في صلة الصلة لابن الزبير في سياق ترجمة أبي زكرياء يحيى بن أبي الحجاج {ت590هـ} و فيه أنه استخرج من تفسير أبي الحكم ابن برجان من كلامه على سورة {الم غلبت الروم } فتح بيت المقدس في الوقت الذي فُتِح فيه على المسلمين، وحقق وعين ما كان أغمض فيه ابن برجان و أبهم، ووقف عليه المنصور – الموحدي – فبقي مرتقبا له ومعتنيا في نفسه به، حتى كان ذلك على حسب ما قاله ، فأمر أن يحضر مجلسه ، ويرتسم في جملة طلبته
ووقع في المشرق ما يشبه ذلك لأبي المعالي محيي الدين بن زكي الدين الدمشقي الشافعي {ت598هـ} قال ابن خلكان : وكانت له عند السلطان صلاح الدين رحمه الله المنزلة العالية، والمكانة المكينة، ولما فتح السلطان المذكور مدينة حلب، يوم السبت ثامن عشر صفر، سنة تسع و سبعين وخمسمائة أنشده القاضي محيي الدين المذكور، قصيدة بائية أجاد فيه كل الإجادة، وكان من جملتها بيت هو متداول بين الناس وهو:
وفتحك القلعة الشهباء في صفر . . . مبشر بفتوح القدس في رجب
فكان كما قال لأن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاثين و ثمانين و خمسمائة ، وقيل لمحيي الدين من أين لك هذا ؟ فقال : أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
قال التادلي: لما أشخص أبو الحكم ابن بَرَّجان من قرطبة إلى حاضرة مراكش، سئل عن مسائل عيبت عليه، فأخرجها على ما تحتمله من التأويل. فانفصل عما ألزمه من النقد، وقال أبو الحكم: والله لا عشت ولا عاش الذي أشخصني بعد موتي. يعني السلطان. فمات أبو الحكم. فأمر السلطان أن يطرح على المزبلة، ولا يصلى عليه، وقلد من تكلم فيه من الفقهاء فدخل على ابن حرزهم - أبو الحسن علي بن حرزهم - رجل أسود كان يخدمه و يحضر مجلسه فأخبر أبا الحسن بما أمر به السلطان في شأن أبي الحكم فقال له أبو الحسن :إن كنت تبيع نفسك من الله فافعل ما أقول لك، فقال له: مرني بما شئت أفعله ، فقال له : تنادي في أسواق مراكش وطرقها : يقول لكم ابن حرزهم: احضروا جنازة الشيخ الفاضل الفقيه الزاهد أبي الحكم بن برجان و من قدر على حضورها و لم يحضر فعليه لعنة الله ففعل ما أمره به، فبلغ ذلك السلطان فقال: من عرف فضله و لم يحضر جنازته فعليه لعنة الله"
- كانت وفاة أبي الحكم ابن برجان سنة 536هـ ، وكانت وفاة أمير المسلمين علي بن يوسف سنة 537هـ