بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

مع فتى سنتريس : زكي مبارك

تاريخ نشر المقال 01-05-19 12:14:09

    إلى الأخ عاصم
اسمح لي أخي أن أقول لك إنك أصدرت حكما غير صحيح على الأديب العربي الكبير زكي مبارك وهو الذي كان في عصره نبع عطاء علمي وأدبي نفيس ولم يخض معركة أدبية إلا خرج منها منتصرا وكان يسمونه الملاكم الأدبي و كان النقاد يخشون المساس به ، حتى إن ناقدا معروفا أراد النيل منه فكتب مقالا يهاجمه فيه تحت اسم مستعار لكن زكي مبارك عرفه فسماه وكتب يرد عليه قائلا : لقد عرفتك بلحن القول ثم بدأ يذكر أخطاءه فسكت الناقد ولم يرد بحرف واحد
و كانت معاركه مع عمالقة زمانه كأحمد أمين ومحمود عباس العقاد وطه حسين وعبد القادر المازني وسلامة موسى وغيرهم
وله مؤلفات في القمة كالنثر الفني في القرن الرابع الهجري والتصوف الإسلامي والموازنة بين الشعراء وعبقرية الشريف الرضي وجناية أحمد أمين على الأدب العربي وليلى المريضة في العراق والأخلاق عند الغزالي والمدائح النبوية وذكريات باريس وديوانه : ألحان الخلود وغيرها من الروائع .
إن الرجل كان في المقدمة وأسلوبه فريد بين معاصريه من حيث السلاسة والعذوبة ... فأعد النظر أخي في حكمك على ضوء التراث العلمي والأدبي الضخم الذي خلفه هذا الرجل الذي لم ينصفه زمانه و نخشى ألا ينصفه من جاؤوا بعده
وعلى المودة والتقدير ...
تجدر الإشارة أولا إلى أن كتاب البدائع فيه جزءان في مجلد واحد فلم يبق من شيء منه يمكن انتظاره و توفير كتب الدكتور زكي مبارك المختلفة وهي كثيرة من شأنها أن تعود بنا إلى فترة زاهية من تاريخنا العلمي والأدبي وما عرفته من معارك قلمية ممتعة ومن ردود على المستشرقين والمتمشرقين
و معلوم أن زكي مبارك خرج من قرية في ريف مصر { سنتريس بالمنوفية } ثم درس في الأزهر ونال منه دكتوراه {أولى} ثم التحق بالسربون في باريس ونال منه دكتوراه {ثانية} وعاد الى مصر وانتمى إلى الجامعة ونال منها دكتوراه ثالثة
وقد صور الشاعر العربي الكبير الدكتور إبراهيم ناجي مسار حياة الدكتور زكي مبارك وأصالته في قصيدة ألقاها في حفل تكريمه منها :
فرح الأهل بالغلام الذي صـا * * * ر حديثا في ندوة السمـــــار
عمموه و قفطنوه فأمســــى * * * أمل القوم فارس المضمــار
ثم أمسى مطربشا واكتسى البد * * * لة ما بين ليلة ونهـــــار
ثم ضاقت بهمه مصر فاشتــا * * * ق لغير الأوطان في الأمصــار
ضم أشياءه إليه وأضحــــــى* * * في سفين تجوب عرض البحـار
ثم أمسى مبرنطا يقصد السيـــــ * * * ـن ويغزو مدينة الأنــــوار
**************
والذي يبعث السرور ويدعـــو * * * كل نفس للزهو والإكبــــــار
رجل ما ازدهته فتنة باريــــ * * * ـس وما في باريس من أسـرار
ظل في ذلك الحمى مصريــا* * * عربي الحياة والأفكــــــــــار
كلما هبت الغواني عليــــه* * * ضاق ذرعا بالغادة المعطـــــار
ومن مقال ممتع للأديب العربي الكبير محمود تيمور نشر بمجلة الهلال { عدد أول مايو سنة 1966} تحت عنوان : زكي مبارك فتى سنتريس أقتبس هذه الأقباس :
زكي مبارك مجموعة من الدكاترة اجتمعت في شخص واحد ... إنه كشكول حي مبعثر بل مسرحية مختلطة ، فيها مشاهد شتى ، من مأساة وملهاة ومهزلة ، أو لكأنه برج بابل ، ملتقى النظائر والأضداد ...فهو أديب عربي قح ، ومفكر عروبي محض ، يملكه الإيمان بالعربية والغيرة على العروبة ، على الرغم من تحليقه في أفاق أخرى من الثقافة والتفكير ... ولعل زكي مبارك يباين الذين انصرفوا إلى اللغات الأجنبية ودراساتها في أنه لم يطلب بها علما وأدبا وإن اكتسب ما تيسر له من مناهج البحث وطرق التدريس ، فكأنما كان مبعوثا إلى فرنسا لأداء مهمة والاضطلاع بخدمة ، هي التعبير عن اعتزازه بأدب العروبة وحضارتها، وإقناع المستشرقين بطول الباع والقدرة على التخريج والإبداع ... والبحوث التي توفر عليها زكي مبارك متوج أهمها بشهادة الأعلام الجامعيين في مصر وفي فرنسا أولئك الذين أناله اعترافهم أعلى الإجازات الجامعية قدرا ... وشعر زكي مبارك يتميز باثنتين : فصاحة ودماثة ، فهو لين اللفظ والأسلوب متين النسج والقافية ، وفي معانيه العاطفية طراوة وعذوبة ، وليس يعوزه الطابع الموسيقي على الإيقاع العربي المتوارث ... وأحاديث زكي مبارك تكشف عن موهبة فيه هي موهبة المسامرة والمناقلة ...فأنت متنقل في حديثه الذي تقرؤه له بين نقدات ومعابثات ونوادر ، في غضونها استدراك فلسفي أو استطراد عاطفي أو تعليق نحوي أو شكوى شخصية وكأنك تستمع إلى مذياع يتنقل مفتاحه من تلقاء نفسه بين محطات الإرسال في شرق وغرب ... وأما مشاجراته القلمية فقد كان فيها مطواعا لفطرته منساقا معه الشيمة البدوية أو الريفية في إيثار الصراحة العارية ، فهو إذا رأى شيئا ينكره انبرى ينقده ويشهر به غير آبه بما تواضع الناس عليه من الكياسة والحصافة والتزمت وتجنب الاحتكاك والهجوم ... ولا يعوز القارئ أن يلتمس صفاء نفس زكي مبارك في كثير مما كتب إذ يصادف في تعليقاته تحية لرجل كانت بينهما علاقة في درس أو مجلس وذكرى لراحل كان أستاذه أو كانت بينهما مشاركة في عمل ...ولعل أصدق وصف لزكي أنه طفل كبير ، احتفظ بما للطفولة من سرعة النسيان للإساءة ، وترك الاحتمال للحقد ، وخلوص الضمير من كوامن الضغن ، فإنك لترى الطفل غضوبا على رفيقه في شئ من الأشياء و لا تلبث أن تراه ملاعبا له ، ناسيا ما كان بينهما من مغاضبة وشحناء ، بل لعل ذلك كان منه سبيلا إلى توطيد صداقة وتمكين إخاء
سلام على زكي مبارك .. كان مثلا للجد والدأب في التكوين والتحصيل وكان شعلة في التأليف والتدبيج ، وكان شخصية بارزة في مجتمعنا الأدبي ، أحس وجودها من هو لها ومن هو عليها ..والرجل العظيم لا تخلو حياته من صديق وخصيم .
وبعد فهذه مختارات من شهادة أخرى في حق الأديب العربي الكبير الدكتور زكي مبارك تبرز مكانته وقدره وتدعو الأجيال إلى النظر في تراث هذا الرجل الأصيل وإعادة النظر في كثير من القيم والأحكام التي سادت في عهود من الانبهار بالغرب وتنكر للعربية وربما الإسلام أحيانا
رحم الله زكي مبارك وغفر له وجزاه خير الجزاء عما قدم للغته وأمته من خدمات جلى