بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

من حديث الألقاب العلمية

تاريخ نشر المقال 05-08-19 11:03:24

    من العقد التي بات يعاني منها - في العصر الحاضر - كثير من الناس، والتي أضحت في الوقت ذاته، مما يعكر صفو أجواء العديد من الملتقيات العلمية، سواء في الأوساط الجامعية والأكاديمية، أو في غيرها من المنتديات الثقافية- عُقَدُ ألقاب علمية أضحت وسيلة للتفاخر، و التراتبية بين الناس، بعضها مأخوذ من التراث العربي الإسلامي، وبعضها مستورد من منتجات حضارة الغرب الحديثة، تطلق دون تحقيق أو تدقيق، و من غير تمحيص أو روية، بل دون استحقاق أحيانا... حتى أصبح الزهد في هذه الألقاب أسلم لذوي المروءات ... ولسان حالهم يقول مع القائل – قديما - في ذم المعتمد بن عباد وأبيه:
مما يزهدني في أرض أندلس . . . أسماء معتضد فيها و معتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها . . . كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
و مع الشاعر العراقي – حديثا - :
فتنـنةُ الناس – وُقینـا الفتنا- . . . باطلُ الحمد ، ومكذوبُ الثنا
لم تـزلْ – ویحك َ یا عصر أفق- . . . عصرَ ألقــــاب كبار وكنى
حكم الناس على النّاس بـما . . . سمعوا عنھم، وغضوا الأعیُنا
فاستـحالت – وأنا من بعضھم . . . أذني عینا ، وعیني أذنــــا
وقبل تقديم نماذج من الألقاب العلمية المتداولة اليوم، هذه وقفة قصيرة عند الألقاب بصفة عامة :
اللقب هو اسمٌ ثان للإنسان، غير الاسم الأول، يُسمى به للتَّعريف، أو التَّشريف ، أو التَّحقير ، و هذا الأخير منهيٌّ عنه لقوله تعالى {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} أي يعاير بعضُكم بعضًا بلقبه، فلا يُدْعى الرجل إلا بأحب أسمائه .
قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه . . . و لا ألقبه و السوأة اللقبا
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: ... فإن تكريم المخاطب وبيان منزلته، بألا يواجه باسمه، بل بكنيته، و إذ نال من الرياسة نهاية المقصود ، لم يخاطب إلا باللقب المحمود، فالاسم موضوع للتعريف، و اللقب الجميل مذكور للتشريف.
وقد يجعل اللقب علما من غير نبز ، فلا يكون حراما، و منه تعريف بعض الأئمة المتقدمين بالأعمش و الأخفش و الأعرج و نحوه، لأنه لا يقصد بذلك نبز ولا تنقيص ، بل محض تعريف مع رضا المسمى به
سئل عبد الرحمن بن مهدي قيل له : أترى غيبة أوهجنة قول الرجل : الأعمش وسالم الأفطس، وعاصم الأحول ، وحميد الطويل ، وعمران القصير ... وأمثال هذا ؟ قال : لا أراه غيبة و لا هجنة، وربما سمعت شعبة يقول ليحيى بن سعيد :يا أحول ما تقول؟ ويا أحول ما ترى
والعلاقى - مقصور- والعلائق : الألقاب، واحدتها عِلاقة لأنها تُعَلَّق على الناس.
يراعى في ذلك المعنى بخلاف الأعلام، و لمراعاة المعنى فيه ، قال الشاعر:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب *** إلا ومعناه إن فَتَّشْتَ في لقبه.
قالت العرب قديما: لكل مسمى من اسمه نصيب
كما قالوا : اسم على مسمى ...
و يبدو أن كثيرا من أهل العلم و الأدب ، أصبحوا لا يقنعون بألقابهم (درجاتهم) الجامعية التي أحرزوا عليها، وباتوا يتطلعون إلى ألقاب أعلى تميزهم عن أقرانهم، فأصبحنا نسمع مثل : العلامة و الشيخ والإمام، و المفكر، والبروفيسور وغير ذلك ، بل إن بعضهم لا يجد حرجا في أن يكتب اسمه مسبوقا بلقب من مثل هذه الألقاب ...
في حين كان علماء المسلمين، يقتصرون في استفتاح مؤلفاتهم، على تقديم أنفسهم، إما بأسمائهم مجردة ، أو مقرونة بعبارات تنم عن تواضع جم، وحياء كبير، بعيدا عن ادعاء الكمال في العلم...
من ذلك من رجال الغرب الإسلامي - على سبيل المثال - ما نجده عند أبي الحسن الرعيني الإشبيلي {ت666هـ} في أول برنامج شيوخه : قال العبد الفقير إلى رحمة ربه، الغني به، علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن هيصم الرعيني ويعرف سلفه قديما ببني الحاج
و مثل ذلك عند محمد بن سليمان الروداني {ت1094هـ} في أول كتابه صلة الخلف بموصول السلف : يقول العبد الفقير محمد بن محمد بن سليمان تولى الله حاله في المقام والرحيل
بل يذهب أحمد بن المحجوب المراكشي {ت1362هـ = 1943م} أبعد من ذلك في أول كتابه : الستر العام فيما يتعلق بتعظيم الطعام : يقول أسير ذنبه و رهين عيوبه ، أفقر الورى طرا، وأحقر من يمشي على الثرى أحمد ...
و كانت لمخاطبة العلماء من طلبة العلم و محبي أهله، آداب من جملتها يا أستاذ، أيها العالم ...
و إلى جانب ذلك لم يكونوا يجدون أدنى حرج في الثناء على الرجل ومدحه وتعظيمه بما هو أهل له كقول عطاء بن أبي رباح في روايته عن عبد الله بن عباس : حدثني البحر ...
- لقب الشيخ - أ/1:
الشيخ: من الألقاب العلمية التي تكاد تحتكرها – اليوم - بعض الجماعات وتستأثر بها، متجاهلة أن الألقاب العلمية لا تعطى جزافا، ولا يتحلى بها من لا يستحقها ...
إن لفظ الشيخ يعني في الأصل مرحلة متقدمة من العمر كما في قول الله تعالى:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} ، و منه قول الشاعر:
زَعَمَتْنِي شَيْخاً ولَسْتُ بِشَيْخٍ *** إنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبَا
وقول الآخر :
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيخة عَبْشَمِيَّة ... كأَنْ لَمْ تَرَ قَبْلي أَسيراً يمانِيَا
و أُطْلِقَ لقبُ الشيخ كذلك ، على ذوي المقامات الرفيعة ، و المكانات العالية بين أقوامهم، ومنه قول امرئ القيس:
تَاللَهِ لا يَذهَبُ شَيخي باطِلا. . . حَتّى أُبيرَ مالِكاً وَكاهِلا
من هنا جاء لقب الواحد من أهل العلم بالشيخ، توقيرا له ، كما يوقر الشيخ الكبير بغض النظر عن سنه
يقول أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني:
يا أهل أندلس ما عندكم أدب ... بالمشرق الأدب النفاح بالطيب
يدعى الشباب شيوخا في مجالسهم ... و الشيخ عندكم يدعى بتلقيب
و قد يجتمع في الرجل السن و العلم، كما في حال أبي عمر الطلمنكي{ت429هـ} الذي قال يوما لطلبته : اقرؤوا و أكثروا فإني لا أتجاوز هذا العام، فقلنا له : ولِمَ يرحمك الله ؟ فقال : رأيت البارحة في منامي منشدا ينشدني :
اغتنموا البر بشيخ ثوى . . . ترحمه السوقة و الصيد
قد ختم العمر بعيد مضى . . . ليس له من بعده عيد
بين قوسين - قبل متابعة الكلام على لقب الشيخ، نستأنس بهذا الحديث البليغ للشيخ محمد جواد مغنية أحد علماء لبنان البا رزين رحمه الله {ت1979م} بعنوان جنة الأساطير:
أنا أكره الألقاب و أشعر بنوع من الكراهية لمن يحبها ويتهالك عليها ... ومن أعطى نفسه فضائل ليست فيها، فقد عاش في جنة الأساطير ، تماما كذلك الطفل المدلل الذي سأل أباه أن ينزل القمر من كبد السماء، ليلعب به فطبولا أو كهذا الشيخ ، الذي كتب بالخط الطويل العريض على ما جمع و طبع : تصنيف فلك الفقاهة، سلطان قلم التحقيق والنباهة، شيخ الطائفة، وقدوة مجتهدي الفرقة المحقة، نائب الإمام، وباب الأحكام، غياث المسلمين، وحجة الإسلام، آية الله في الأنام ، الفقيه المخالف لهواه الخ ...
ولا مدلول وراء ذلك إلا الأحلام ومضغ الكلام ولهذا الشيخ المغرق في المتاهات ، أكثر من شبيه و يا للأسف...
إن مكانة الإنسان وشخصيته تنبع من ذاته ومواهبه ، لا من الأزياء و الألقاب
لقب الشيخ أ/2
يظن كثير من الناس، أن المغرب لم يعرف في ماضيه الطويل، لقب الشيخ قبل دخوله من بلاد الحرمين عن طريق بعض الجمعيات و عدد من الطلبة المغاربة المتخرجين بالجامعة الإسلامية ...
والحقيقة أن لقب الشيخ ظل متداولا عبر التاريخ المغربي بمعاني مختلفة، من ذلك ;شيوخ الموحدين من أصحاب المهدي و أهل داره و غيرهم من الأعيان، ومن ذلك أيضا شيخ القبيلة الذي لا يزال إلى اليوم يطلق على عينة من موظفي وزارة الداخلية.
وتسمى أحد ملوك السعديين بمحمد الشيخ الملقب بالمهدي ، و كان من العلماء وله مؤلفات ...
كما اشتهر بعض العلماء المغاربة المعاصرين من خريجي الجامعة المصرية بالشيخ، كأستاذنا الشيخ محمد المكي الناصري، والشيخ حدو أمزيان رحمهما الله
لكن يبدو أن هذا اللقب استعمل أكثر، بمعنى الأستاذ و المربي، كما توثق ذلك و تخلده فهارس وبرامج و معاجم الشيوخ، ككتاب :الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض الذي يقول عند أول ترجمة في فهرسته : باب من اسمه محمد من شيوخنا: 1- الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسين التميمي أجل شيوخ بلدنا سبتة
وعلى غرار ذلك جاءت ;فهرسة ما رواه ابن خير عن شيوخه {ت575هـ} وبرنامج الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن التجيبي {ت610هـ} و برنامج شيوخ الرعيني {ت666هـ} ;و برنامج شيوخ ابن أبي الربيع السبتي {ت688هـ} و غير ذلك إلى أن نصل إلى معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب لعبد الحفيظ الفاسي {ت1383هـ}
وتحدث العلامة أبو علي اليوسي {ت 1102هـ} في فهرسته عن شيوخ التعليم أولا ثم عن الأشياخ في الدين ثانيا، محليا بعضهم بألقاب وأوصاف تعرب عن تقديره الكبير لهم كقوله عن أبي بكر بن الحسن التطافي {ت1100هـ} من الفئة الأولى : الشيخ الإمام العالم العلامة ، وقوله عن مَحَمد ابن ناصر الدرعي الأغلاني {ت 1085هـ} من الفئة الثانية شيخنا الإمام وأستاذنا وبركتنا، علم الأعلام، ومصباح الظلام، وقدوة الأنام، وشيخ الإسلام
يقول الدكتور عبد الله المرابط الترغي رحمه الله : وجود الشيخ في الفهرسة عنصر أساسي ، لأن أي رواية لابد أن تتم على يد شيخ. وذكر الأسانيد لابد أن يعود إلى ما عند الشيخ من أسانيده، فلا نتصور فهرسة غاب عنها شيوخها
لقب الشيخ أ/3
( شيخ الجماعة – 1 )
عرفت الحواضر العلمية الكبرى في المغرب - عبر التاريخ - عددا من العلماء الأفذاذ ، انتهت إليهم في زمنهم الرئاسة العلمية، فوصفوا بشيوخ الجماعة، وهو لقب يكاد ينفرد به المغاربة - بالإضافة إلى مشاركتهم لعلماء المشرق في كثير من الألقاب العلمية، بما فيها شيخ الإسلام الذي اشتهر به كثير من العلماء...
وفي كتب التراجم المغربية ، أسماء عدد غير يسير ممن حملوا هذا اللقب، منهم شيخ الإسلام أبو زيد عبد الرحمان ابن الإمام {ت741هـ} من معاصري شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية{ت 728هـ}
و لعل من أواخر علماء المغرب الذين اشتهروا بهذا اللقب : شيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي {ت1356 هـ = 1937م } و شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي {ت1384هـ = 1964م }
أما لقب شيخ الجماعة موضوع هذا الحديث، فيبدو أنه من الخصوصيات المغربية، ويمكن القول – مؤقتا – بأنه بدأ يتردد في كتب التراجم منذ أواخر القرن الثامن الهجري على الأقل ، واستمر إلى أوائل استقلال المغرب، و ستأتي الإشارة إلى معنى هذا اللقب و إلى أسماء بعض العلماء الذين حملوه ...
لقب الشيخ أ/3
( شيخ الجماعة – 2 )
وقفت قبل قليل في ملتقى أهل الحديث، على سؤال لأخ كريم وضعه منذ أكثر من سنتين، دون أن يتلقى أي رد – يقول فيه: أجد في كتب المغاربة مصطلح شيخ الجماعة فما معناه
قلت في نفسي كم كان هذا السؤال، في حاجة إلى متسابق إلى الخيرات مثل صاحبي، الذي لم أكد أستريح قليلا، لأستأنف ما كنت فيه من حديث عن لقب شيخ الجماعة حتى فاجأني بتعليق فوري ، وكأنه في سباق يخشى أن يخسره ... و يا ليته أصاب الهدف
إن من الأسماء الأولى التي تم الوقوف عليها ممن حملت لقب شيخ الجماعة أبو مهدي عيسى بن أحمد الغبريني {ت 815هـ} وعندما قلت: إن هذا اللقب بدأ يتردد في كتب التراجم المغربية، منذ أواخر القرن الثامن كنت أعي تماما ما أقول محتاطا له من أي مفاجأة محتملة ...
أما أن يقال دون سند إن لقب شيخ الجماعة كان معروفا منذ أوائل القرن الثامن الهجري، وأن الحافظ ابن رشيد السبتي {ت721هـ} ممن حمل هذا اللقب، فهذا يحتاج إلى دليل، لأن مصادر ترجمته كالإحاطة و الديباج و أزهار الرياض والإعلام و غيرها لم تشر إلى ذلك ، بل نُقِلَ عن بعضهم أنه كان ظاهري المذهب ، وإن كان المعروف أنه مالكي ، و في الوقت ذاته رجل تجاوز القنطرة وأصبح في زمانه بحق كبير مشيخة المغرب و شيخ المحدثين ...
لقب الشيخ أ/3
( شيخ الجماعة – 4 )
يكتنف معنى لقب شيخ الجماعة شيء من اللبس و الغموض ، نتج عنه اختلاف في الفهم ، فهناك من يرى أن شيخ الجماعة هو من طال أمده في خدمة العلم وتدريسه إلى أن صار معظم علماء البلد ممن تتلمذ له وأخذ عنه على حد تعبير الزميل الدكتور رشيد الحمداوي فيما فهمه من كلام الحضيكي في طبقاته في سياق ترجمته لأبي حفص عمر الفاسي {ت1188هـ}
و هناك يرى أن شيخ الجماعة هو شيْخ العُلَمَاءِ و كَبِيرهُمْ ...
و يبدو أنه لفهم هذا اللقب أكثر لابد من ربطه بلفظ الجماعة الذي يوجد في تاريخ المغرب منذ القرون الأولى مضافا إلى بعض الألقاب والمهن و الهيئات عدا حضوره في العقيدة و السلوك ...
- هناك قاضي الجماعة و يعد يحيى بن يزيد التجيبي{ت242هـ} أول من حمل هذا اللقب،
- وهناك أهل الجماعة وهم الطبقة الأولى من أصحاب المهدي بن تومرت، ويعرفون أيضا بـأهل العشرة
- ثم هناك ;شيخ الجماعة موضوع هذا الحديث ...
عن اللقب الأول يقول النباهي: الظاهر أن المراد بالجماعة جماعة القضاة، إذ كانت ولايتهم قبل اليوم غالبا من قبل القاضي بالحضرة السلطانية، كائنا من كان، فبقي الرسم كذلك، وأما قاضي الخلافة بالبلاد المشرقية فيدعى بقاضي القضاة
على غرار ذلك يمكن القول بأن شيخ الجماعة هو شيخ العلماء لكن ليس على الإطلاق، لأنه ليس كقاضي الجماعة أي قاضي العاصمة، و إنما هو شيخ علماء إحدى الحواضر الكبرى كفاس و مراكش وسلا ...
يتبع