بسم الله الرحمن الرحيم
تسمى سورة الممتحنة ـ بكسر الحاء ـ أي المختبرة ، أضيف إليها الفعل مجازا ، كما سميت سورة براءة:الفاضحة لكشفها عن عيوب المنافقين ، و هو ما جزم به الإمام أبو زيد السهيلي ، و أصل ذلك آية الامتحان حيث يقول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المومنات مهاجرات فامتحنوهن الآية ... فوصف الناس تلك الآية بالممتحنة لأنها شرعت الامتحان ، و أضيفت السورة إلى تلك الآية ...
و روي الممتحنة ـ بفتح الحاء ـ قال ابن حجر و هو المشهور ، إضافة إلى المرأة التي نزلت فيها ، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمن بن عوف
و تسمى كذلك سورة : الامتحان و سورة المودة كما نقل الحافظ السيوطي عن الإمام السخاوي وهي خامس سورة نزلت في المدينة النبوية المطهرة ، فهي مدنية آياتها ثلاث عشرة آية ، و تعد الثانية و التسعين في تعداد نزول السور ، ـ نزلت بعد الأحزاب و قبل النساء ـ و تهتم بجانب التشريع و محورها الذي تدور حوله هو فكرة العداوة و المودة في الله
ترتبط سورة الممتحنة ، بما قبلها و ما بعدها من سور ، في المصحف الكريم ، بروابط موضوعية متينة ، فهي امتداد لقوله تعالى في خاتمة سورة المجادلة و لا تجد قوما يومنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه الآية ...
و لأن سورة الحشر وردت بين المجادلة و الممتحنة ، مورد جعل الاعتراضات المقصود بها تسديد الكلام و تبيينه للسامع ، مع ما به تمام الفائدة على حد تعبير ابن الزبير في البرهان ، فبعد أن ذكر سبحانه في المجادلة أن حال المومنين أنهم لا يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا أقرب الناس إليهم ، جاء الاعتراض في سورة الحشر بتنزيه الله عن مرتكباتهم ثم أتبع بذكر ما عجله لهم من النقمة و النكال ، ثم عاد في سورة الممتحنة إلى النهي عن موالاة الأعداء و الأمر بالتبري منهم ...
و تتصل هذه السورة بسورة الصف بعدها التي افتتحت بتسبيح الله و تنزيهه عما لا يليق به ليرتفع المومن من حال من تقدم ذكرهم في آخر سورة الممتحنة عند قوله تعالى : لا تتولوا قوما غضب الله عليهم
و إذا كان الوارد في الممتحنة ، قد جاء على طريق الوصية و سبيل النصح و الإشفاق ، فإن الوارد في سورة الصف جاء بصريح العتب و الإنكار ، ليكون بعد ما سبق في السورة قبل ، أوقع في الزجر
و كم بين قول الله تعالى في سورة الممتحنة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء الآيات ...و ما تضمنه من التلطف و الرفق ، و بين قوله سبحانه في سورة الصف: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون
أغراض السورة و موضوعها :تشتمل السورة على أربعة نداءات: واحد منها للنبي و هو النداء الثالث ، و الثلاثة الأخرى للذين آمنوا وهي كما جاء ترتيبها في السورة كالآتي :
النداء الأول : يحذر الله المومنين المهاجرين من مكة من اتخاذ المشركين أولياء لأنهم أعداء الله و أعداء الرسول و كافة المومنين لأنهم كفروا بالدين الحق و أخرجوا الرسول و المومنين من ديارهم ، و يعلمهم بأن أواصر القرابة لا تنفع إزاء العداوة في الدين .
ثم ضرب الله لهم المثل في ذلك بقطيعة إبراهيم الخليل و أتباعه المومنين لقومهم و تبروئهم منهم ، و مما هم عليه من شرك ووثنية ، ثم بين أن هذا النهي عن موالاة المشركين ، لا يشمل إلا المعتدين منهم ، أما الذين لم يقاتلوا المسلمين قتال عداوة في دين و لا أخرجوهم من ديارهم فقد أمر ببرهم و العدل في التعاملب معهم و هذا من الآية الأولى إلى التاسعة .
النداء الثاني : يبين الله حكم المومنات اللائي جئن مهاجرات ، فيوجه المومنين إلى امتحانهن و اختبار صدق إيمانهن ، فإن نجحن في ذلك فلا يرجهن إلى الكفار ، و يعوض أزواجهن المشركون ما آتوهن من المهور ، و في المقابل على المومنين ألا يحتفظوا بالمشركات بل يجب أن يفارقوهن ، و أن يسألوا ما أنفقوا عليهن و هذا في الآيتين العاشرة و الحادية عشرة .
النداء الثالث : يتناول حكم مبايعة المومنات المهاجرات اللائي جئن إلى النبي يبايعنه و يعاهدنه التزامهن لأحكام الشريعة الإسلامية فلا يشركن و لا يسرقن و لا يزنين و لا يقتلن أولادهن ببهتان يفترينه و لا يعصين الرسول في معروف ( في الآية الثانية عشرة)
النداء الرابع: يحذر المومنين من موالاة الكفار فينهاهم عن مودة من غضب الله عليهم ، فيئسوا من الآخرة ، كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( في الآية الثالثة عشر )
هكذا تنتهي السورة بمثل ما بدأت به ليتم التناسق بين البدء و الختام ، و يكون المحور الأساس الذي تدور حوله هو فكرة العداوة و المودة في الله