نشر ملحق جريدة العلم " الفكر الإسلامي " العدد 58 الصفحة الأولى مقالا يحمل العنوان المذكور أعلاه بقلم الدكتور إدريس الخرشاف حاول فيه تقديم تفسير جديد لمفهوم "سبعة أحرف" في الحديث النبوي ...
وإذا كنا نرحب بكل محاولة جادة للدفع بالدراسات الإسلامية إلى الأمام ، والخروج بها من حالة الجمود و الدوران حول الموروث من الدراسات القديمة ، فإننا في الوقت نفسه لا نقبل إلا ما توافرت له الأدلة الدامغة الواضحة .
ومن ثم فالمحاولة المذكورة لا تزال في أمس الحاجة إلى التوضيح والانسجام مع سبب ورود الحديث الذي اعتمده الأستاذ الكريم .
إننا نميل مع الدكتور الخرشاف إلى أن العدد في الحديث مقصود، وليس للكثرة كما قال بعض العلماء، و نتفق معه كذلك على أن القراءات السبع ليست هي المرادة بهذا الحديث كما وهم بعض الناس، لكننا لا زلنا غير مقتنعين بأن المقصود بالأحرف هي حروف التهجي أو " الأصوات " لأن الحرف عند الإطلاق لا ينحصر في ذلك ، أو في الحرف الذي يقابل الاسم و الفعل عند النحاة، بل إنه يتسع لعدة معاني لا يسمح المجال – هنا – بسردها، نكتفي بذكر واحد منها يبدو أنه الأقرب إلى ما في الحديث النبوي الشريف و هو "الوجه" ومنه قوله تعالى:{ ومن الناس من يعبد الله على حرف }
وغير خاف أن العلماء اختلفوا – قديما وحديثا – في معنى هذا الحديث حتى قال السيوطي إن اختلافهم فيه بلغ نحو أربعين قولا .
ونحن هنا لسنا بصدد استعراض هذه الأقوال ومناقشتها وإبراز الراجح منها، لكن الذي يعنينا هو كيف يمكن التوفيق بين شرح الكومبيوتر الذي قدمه الدكتور الخرشاف، وبين سبب ورود الحديث ! الذي نقدمه للقاريء الكريم بنصه الكامل كما رواه الإمام البخاري عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأها على حروف كثيرة ، لم يقرء فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكِدت أن أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلم، ثم لبَّبْته بردائه أو بردائي، فقلت له كذبت فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة القرآن على حروف لم تقرئنيها! و أنت أقرأتني سورة الفرقان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله" يا عمر اقرأ يا هشام فقرأ، هذه القراءة التي سمعته يقرأها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"هكذا أنزلت"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ هذا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ منه ."
فهل يتصور أن يكون الاختلاف بين عمر بن الخطاب و بين هشام بن حزام بسبب ما جاء في شرح الكومبيوتر للحديث ؟
ثم أي هي الحكمة من إنزال القرآن على سبعة أحرف التي كان الهدف منها التيسير و التخفيف على الأمة ؟ إلى أسئلة أخرى ...
تلك أمور نترك توضيحها للدكتور إدريس الخرشاف، حتى لا نسبق الأحداث ...
مع الإشارة إلى أن غايتنا من هذا التعقيب بريئة، و لا ننفي تقديرنا للدكتور الخرشاف، وتنويهنا بجهوده المشكورة في مجال الدراسات القرآنية، جعلنا الله و إياه من أهل الله وخاصته
محمد عزالدين المعيار الإدريسي
أستاذ إعجاز القرآن وتوجيه القراءات
وجوامع الكلم بكلية اللغة العربية بمراكش