- الشعر وليد الموسيقى - نشر بجريدة العلم - 05 يناير 1970
نعم الشعر وليد الموسيقى ، و هي التي فرضته في شكل كلام موزون مقفى، والأوزان الشعرية لم تظهر إلا على يد الشعراء المغنين، نجدها قد ظهرت في الشعر اليوناني على يد " هوميروس" وفي أوروبا على يد "التروبادور" ، كما ظهرت عند العرب على يد شعراء الجاهلية
يقول الشاعر :
تغنى فهذا اليوم يوم في الصبا . . . ببعض الذي غنى امرؤ القيس وعمرو
وكانوا يعرفون استقامة الوزن بغنائه قبل ظهور العروض
يقول حسان بن ثابت:
تغنى بالشعر إما كنت قائله . . . إن الغناء لهذا الشعر مظهار
فلما جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي{ت170هـ} بحث في الغناء فوجد للعرب خمسة عشر لحنا ، فقاسها على الشعر العربي فوجدها خمسة عشر بحرا .
من هنا يتجلى مدى ارتباط الشعر بالموسيقى ، و بأنه لابد لمن أراد أن يضع أوزانا جديدة للشعر أن يكون قد درس الموسيقى .
وتطورت الأوزان في العصر العباسي بظهور أوزان جديدة تبعا لتطور الموسيقى في ذلك العصر ، و كانت الموسيقى العربية يومئذ قد اقتبست من الفارسية بالخصوص واستفادت منها
والجدير بالذكر – هنا – أنها كثرت في الأندلس فيما بعد أنواع الموشحات ، واختلفت أوزانها ، حتى قيل إنها تجاوزت المائة .
ونطل في خاتمة المطاف على عصرنا لنرى هل هناك من تطور ؟ فنجد التطاحن على أشده بين ثلاث مدارس شعرية هي :
أولا – مدرسة الإحياء و البعث .
ثانيا – مدرسة الديوان .
ثالثا – مدرسة الشعر الحر .
أما المدرسة الأولى فكانت متمسكة بالصياغة الشعرية القديمة الموروثة ، و لم تقد أي جديد يذكر اللهم ما كان استردادها للشعر العربي شبابه، وطرقها لمواضيع حديثة و من أبرز رموزها بعد محمود سامي البارودي {ت 1904م } أحمد شوقي {ت 1932هـ} و حافظ إبراهيم{ت 1932 م} وخليل مطران {ت1949هـ} .
وجاءت بعدها مدرسة الديوان يتزعمها محمود عباس العقاد {ت1964م} وإبراهيم المازني {ت 1949م} و عبد الرحمن شكري{ت1958هـ} فكانت أكثر هذه المدارس واقعية ، وأقربها إلى فهم طبيعة الشعر ومقتضيات التطور، و من ثم كانت موفقة إلى حد ما في دعوتها التجديدية ، و في انتقاداتها لكلا المدرستين السابقة واللاحقة، مع شي من المبالغة و الغلو في مهاجمة مدرسة الإحياء و البعث .
دعت مدرسة الديوان إلى أن يكتسي الشعر الصبغة التي تتضح فيها شخصية الشاعر وسماته ، و هو شيء تلتقي فيه مع مدرسة الشعر الحر ، غير أنها ترى أن الشعر في حاجة إلى التطوير و التجديد فيما يتعلق بالمضمون لا الشكل .
كان الشعر العربي القديم ، لا يهتم بالوحدة العضوية للقصيدة، ولذلك لجأ إلى عنصر التخلص ، و تخلص الشعراء في العصر العباسي من الوحدة العضوية بالوحدة الموضوعية ، و لم تتحقق هذه الوحدة إلا على يد مدرسة الديوان ، إذ كانت أول من نادى إلى أن القصيدة شيء واحد .
لقد كانت تجربة مدرسة الديوان ودعوتها تبسيطا معقولا للشعر، إذ سمحت بالتصرف في البحور الشعرية، مع مراعاة الموسيقى، وهو أقصى ما يتسم به التطور
و نصل في الأخير إلى مدرسة الشعر الحر، فنجدها تقلب أوضاع الشعر وتطيح بنظامه .
و الشعر الحر صغير السن، قريب العهد بالوجود، ظهر خلال الربع الثاني من القرن العشرين الميلادي، و لم يزدهر إلا في أوائل الربع الثالث و هو في كلمة واحدة كناية عن التحرر من الوزن و القافية، مع إقرار التفعيلة .
و ما إن ظهور هذا اللون من الشعر ، حتى تهافت عليه الناس من صوب، واعتبروه الشعر الحق ، فكتبوا فيه حسب أهوائهم، دون أن يعترضهم قيد أو قاعدة
و بالرجوع إلى معظم شعر أعلام هذه المدرسة ، يجد المرء نفسه أمام شعر موزون مقفى ، لكنهم مع ذلك يقولون :" إن الشعر وليد أحداث الحياة، وليست للحياة قواعد معينة .