بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

من وحي زمن الجائحة - في ظلال شهر رمضان (2)

تاريخ نشر المقال 06-05-20 01:08:15

    4 / 2 في ظلال شهر رمضان
في ظروف استثنائية نادرة الوقوع في حياة البشرية وتاريخها المشترك ، وفي عزلة مباغثة غير متوقعة، وجد الإنسان نفسه - بسبب الجائحة القائمة - في حجر صحي إجباري، لكنه إيجابي ،وجها لوجه مع نفس طالما أرقته بأوامرها الشريرة، وبتآمرها عليه مع حليفها الرجيم الفتان {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ } الآية وذلك عن طريق الشهوة التي ابتدأت بالأكل من الشجرة المحرمة، وانتهت بكشف العورة والخروج من الجنة ...
إنها المعركة الدائمة المستمرة المتجددة بين الإنسان وبين الشيطان، منذ قصة الأبوين الجليلين ، إلى اليوم وإلى آخر الزمان..
وقد جاء الإسلام هاديا إلى أقوم السبل { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ} ، { إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } مبينا طريق الخير وطريق الشر { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ...
ولما كانت الشهوات، من أيسر المنافذ التي يمر عبرها الشيطان إلى الإنسان، فرض الله الصيام علينا وعلى من قبلنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لا بتحاشي المحظور فقط، بل وبترك الحلال الطيب طيلة النهار .
هكذا جاء رمضان فرصة ثمينة لمغفرة الذنوب، والتخلص من السوابق السيئة بالصيام و القيام الخالصين، ومناسبة سانحة للانتصار على النفس الأمارة بالسوء، وكسر شوكتها ، وقطع الطريق على الشيطان للاتصال بها. والوسوسة إليها .. وكان ذلك بأيسر الوسائل، وأنجع الأسباب وبعظيم الأجر والثواب " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
إن تأثير الصيام في النفوس والأبدان عظيم، بل هو جنة - كما جاء في الصحيح - يحمي الصائم ويقيه من الوقوع في المهالك ، وهو حين يمسك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، يكون قد ضيق على الشيطان منافذ الوصول إليه، كما في الحديث الصحيح: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"
والظاهر أن الشيخ ابن تيمية كان موفقا في تعليل ذلك، حين ذهب إلى أنه لما كان الدم يتولد من الطعام والشراب ، فإنه إذا أكل المرء أو شرب اتسعت مجاري الشيطان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" فإن مجاري الشياطين الذي هو الدم ضاقت، وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات التي بها تفتح أبواب الجنة ، وإلى ترك المنكرات التي بها تفتح أبواب النار ، وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره ، ولم يقل إنهم قتلوا و لا ماتوا ، بل قال :"صفدت" والمصفد من الشياطين قد يؤذي ، لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان ، فهو بحسب كمال الصوم ونقصه ، فمن كان صومه كاملا دفع الشيطان دفعا لا يدفعه دفع الصوم الناقص ..."
وقد ذهب أحد علمائنا الأفذاذ العارفين بالله الكبار إلى أنه أجمع مجربة أعمال الديانة من {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ } أن مفتاح الهدى إنما هو الجوع ، وأن المعدة والأعضاء متى أوهنت لله ، نور الله سبحانه وتعالى القلب وصفى النفس ، وقوى الجسم ، ليظهر من أمر الإيمان بقلب العادة ، جديد عادة ، هي لأوليائه، أجل في القوة والمنة من عادته في الدنيا لعامة خلقه."
والدين الحنيف حين دعا فيما يتصل بالأكل والشراب، إلى الوسطية والاعتدال فقال الله تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} بين في الوقت ذاته، أنه ليس من الدين الإضراب عن الطعام، أو التقليل منه إلى درجة الهلاك، لأن الإنسان لابد له من أكل وشرب، وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ ، فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ " الحديث
لكن دون التعارض مع أنه يكفي من ذلك الشيء القليل كما جاء في الحديث: "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"
ولا يبعد أن يكون الزعيم الهندي المهاتما غاندي، إلى جانب تأثره بالبرهمانية، قد تأثر كذلك بالإسلام في صيامه، وفي سيرته إشارات تدل على ذلك، منها قوله لأهل الهند :"إن الحقيقة ليست حكرا على أحد ، بل هي موزعة بين الخلائق، وقد وجدت جزءا من جمالها ونورها في مناجاة الشيخ الأنصاري لربه" يعني الشيخ عبد الله الأنصاري الهروي، مع ما كان يكنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تقدير كبير...
وللشاعر – اللبناني المسيحي - القروي رشيد سليم خوري { ت 1984 م } من قصيدة بعنوان عيد الفطر ألقاها بمناسبة حفل أحيته الجمعية الخيرية الإسلامية في الحاضرة بالبرازيل سنة 1933م
لقد جاع هنديٌ فَجوّعَ أمــةً . . . فهل ضَار عِلْجاً صَومُ مليونِ مسلم،
تَجَشّم عن أوطانِه صومَ عامدٍ. . . فجَشّم أوطانَ العدى صومَ مرغَمِ
. . . . . .
أكرم هذا العيد تكريم شاعر . . . يتيه بآيات النبي المعظم