بسم الله الرحمن الرحيم
خواطر و انطباعات حول التعليم العتيق بالمغرب
أحيي في البداية الإخوة الأفاضل الذين نظموا هذا اللقاء و أخص بالذكر الزميل الأستاذ الهاشمي أرسموك رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم شيشاوة والأخ الأستاذ الحبيب أرسموك الذي ظل على اتصال بالعلماء إلى أن تم بفضل الله وتوفيقه الاتفاق على موعد هذا اللقاء المبارك في رحاب هذه المدرسة العتيقة العريقة كما أحيي كل الزملاء الحاضرين من رؤساء المجالس العلمية و أعضائها ، وكل الإخوة الحضور
وبعد فإن حديثي هذا ليس سوى خواطر و انطباعات حول التعليم العتيق بالمغرب في إطار أبعاد الزمن الثلاثة الماضي و الحاضر و المستقبل
1- لاشك أن الماضي هو الذاكرة وهو التاريخ الذي لا تكتمل الصورة دونه ، و لا يستقيم الحديث عن البعدين الآخرين في غيابه
هذا الماضي للأسف الشديد نجهل عنه أكثر مما نعلم مع أنه انطلق منذ فتح المغرب على يد عقبة بن نافع الفهري رحمه الله و كان من حظ هذه الجهة من وطننا العزيز أن تعرف – فيما يظهر – أقدم مدرسة عتيقة في المغرب و أن تضم تربتها رفات أحد أبرز رجال التربية والتعليم بالمغرب و يتعلق الأمر بشاكر صاحب عقبة الذي كان يعلم المومنين دينهم ، يجتمعون إليه في الرباط المعروف باسمه إلى اليوم
و لا يخفى أن محور التعليم العتيق منذ ذلكم العهد هو القرآن الكريم و هو ما أكده كل من ابن سحنون في "رسالة آداب المعلمين " و القابسي في " الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين و أحكام المعلمين و المتعلمين " قم ابن خلدون فيما بعد في المقدمة و لا عجب أن يشتهر المغاربة بحفظ القرآن الكريم لا يلحقهم في ذلك لاحق ، وهنا تطرح مجموعة من الأسئلة التي لا يتسع المجال ـ هنا ـ لذكرها و مناقشتها ، آملين أن تتاح الفرصة المناسبة لذلك في المستقبل القريب
2- الحاضر: عرف التعليم العتيق كما يعلم الجميع تطورا كبيرا خصوصا بعد صدور الظهير الشريف رقم 1.02.09 سنة 2002م بتنفيذ القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق وإذا كان بعض الناس قد انزعجوا من هذا التطور و خافوا على التعليم العتيق من تراجعه عما كان عليه من حيث رسالته و مستواه فإن الواجب يفرض على العاملين في هذا الحقل التعامل مع النظام الجديد بكثير من المرونة و الذكاء لأن كثيرا من حقوق التعليم الديني في المغرب ضاعت بسبب غياب القوانين التي ليست – في الواقع - كتابا منزلا من السماء و إنما هي اجتهادات قابلة مع المستقبل للتعديل شيئا فشيئا حتى تقرب من الكمال ، لكن هذا لا يعني غض الطرف عن بعض الصعوبات و الاختلالات القائمة و هنا يمكن أن نذكر بعض الأمور المتعلقة بهذا الشأن و في مقدمتها العناية بالقرأن الكريم والحاضر في هذا امتداد للماضي ، فيلاحظ اليوم أن عدد العلماء بالقراءات من الحفاظ في تناقص سنة بعد أخرى لا يكاد الناس يجدون بعد وفاة أحدهم من يخلفه من ذلك على سبيل المثال ما تعرفه مدرسة سيد الزوين من تراجع في هذا الباب ، فبعد أن كان بها عدد من القراء بالعشر {العشراويين } لم يبق منهم اليوم أحد بعد موت آخرهم وهو الأستاذ الطاهر الحريري رحمه الله ، و القراء بالسبع الباقون أصبح عددهم قليلا، و لا ينتظر أن يخلفهم أحد في ظل الوضعية الراهنة ، و القراءة بالإرداف الذي تشتهر بها المنطقة مهدد بالانقراض إن لم يهـيأ الخلف ، و هذه الأشياء تدعو إلى البحث عن الحلول الناجعة للحفاظ على هذه المميزات و الخصوصيات دون التفريط في المكتسبات.
3- المستقبل : في ظل المؤشرات الحالية بدأت تظهر بعض البوادر التي تدعو إلى التفاؤل و التطلع إلى مستقبل زاهر للتعليم العتيق خصوصا بعد أن أصبحت الشهادات التي يمنحها التعليم العتيق تعادل الشهادات في التعليم العمومي مما فتح الباب أمام خريجيه لولوج الجامعات و حصول النابهين منهم على أعلى الدرجات العلمية في التخصصات الشرعية و الأدبية بالإضافة إلى ولوج مختلف أسلاك الوظيفة العمومية مباشرة أو عن طريق المباريات و مع ذلك فلابد أن تتضافر الجهود من أجل مراجعة برامج التعليم العتيق من حيث الكم و النوع و حسب مناهج التربية و علم النفس ...
و لا يفوتني بهذه المناسبة أن أشير إلى ما ينبغي أن تحظى به الفتاة من عناية ورعاية في هذا التعليم و ذلك لما سجلته كثير منهن في الماضي من صفحات بيضاء مشرقة في تحصيل العلم و العناية بالقرآن الكريم ، و لما برهنت عليه كثيرات منهن اليوم من جدارة و استحقاق في أن تنافس أخاها الرجل في هذا المضمار.
أ/د.محمد عزالدين المعيار الإدريسي
رئيس المجلس العلمي المحلي لمراكش