بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

من خواطر الصيف - من حديث الشاي بالمغرب

تاريخ نشر المقال 03-11-21 09:30:03

    ساورتني في البداية وأنا أهم بكتابة هذه الخواطر، فكرة تسميتها( من لغو الصيف ) على غرار ذلكم الإبداع الرائع الماتع ، الذي أخرجه للناس قبل عقود خلت، عميد الأدب العربي الراحل، الدكتور طه حسين، تنقل فيه بين الحقيقة والخيال، والجد والهزل، فأبدى وأعاد، وأجاد و أفاد ...
لكن معنى اللغو القريب، وهو ما لا يُعتدّ به من كلام وغيره ، ولا يرجى من ورائه نفع ولا فائدة ، جعلني في النهاية أتراجع عن ذلك و أتحول إلى هذا الاختيار...
إنها خواطر من وحي أجواء الصيف أو القيظ كما كانت تسميه العرب، وهو فصل له بين فصول السنة، سحره وجماله، وخصوصياته ومذاقه ، يحلو فيه السمر، وتكثر فيه الأفراح والمسرات وتبادل الزيارات ، مع الاستمتاع ببعض لحظات الراحة والاستجمام ، حتى إنه كما قال إيليا أبو ماضي:
ما أُحَيْلى الصيف ما أكرمه . . . ملأ الدنيا رخاء ورفاها
عندما ردّ إلى الأرض الصّبا . . . ردّ أحلامي التي الدهر طواها
كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى . . . فشفى آلام نفسي وشفاها
في هذا السياق تأتي هذه الخواطر :
الموضوع الأول : من حديث الشاي بالمغرب :
لا شك أن الشاي مشروب كل الفصول، لكنه في فصل الصيف أكثر حضورا في حياة الناس، و مادة أساسية في الأعراس والحفلات، وشتى المناسبات التي تكثر عادة في هذا الفصل البهيج.
وعند استعراض تاريخ الشاي بالمغرب، يلاحظ أنه عند دخوله إلى البلاد خلال القرن الثامن عشر الميلادي، استقبل بكثير من الريبة في أمره و من الاحتياط في التعامل معه ، بل وضع بادئ الأمر في الميزان، متأرجحا بين الحلال والحرام و ما بينهما ...
وقد لخص العلامة المهدي الوزاني ذلك عندما قال : وأما الأتاي فقد حرمه بعض قضاة العصر، و ألف فيه تأليفا سماه ( رقم الآي في تحريم الأتاي ) و الحق أن ما سلم من عوارض تحريمه يرجع في حقه إلى أصل الإباحة
وقد سئل عنه بعضهم فأجاب:
أرى شرب الشاي اليوم جرحا . . . فلا تبقى إذَاَ معه عدالة
فلم يحـــرم ولم يكــره و لكـــن . . . رأينا كل ذي سفه عدا لهْ
و حدث الحافظ عبد الحي الكتاني عن قاضي الجماعة بفاس محمد بن رشيد العراقي {ت1348هـ} عن والده الموثق العدل رشيد العراقي ، أنه كان يقول في قوله صلى الله عليه وسلم : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) إن الأتاي - الشراب المعروف - ذهب بما يوجد منهما ، فهو مُذْهب للقوى ونَضارة الوجه، مُبْل للشباب ، مُعَمِّرٌ للوقت، شاغل لأنفَس ساعات الليل والنهار بلا طائل
ولم يكن هذا الموقف، مقتصرا على الفقهاء فحسب ، ولا على المغاربة دون المشارقة ، بل نجد عالما مشرقيا متنورا كالعلامة الموسوعي محمد فريد وجدي يقول: يُستعمل الشاي عند الصينيين واليابانيين لتمويه طعم الماء، فإن ماءهم رديء الطعم، و يزعمون أنه منشط للجهاز الهضمي ، والدورة الدموية ، ومُعَرِّق ، و مُدِرّ للبَول .
تأثيره على المجموع العصبي يشبه تأثير القهوة ، أي التنبيه وهو لهذا السبب يعتبر من الأشربة الضارة التي لا يجوز استعمالها إلا لضرورة كالعقاقير ، ولكن اعتاد الناس استعماله يوميا لغير ضرورة ، فتراهم يتعاطون منه مقادير كبيرة تعود على صحتهم بأشد الأضرار.
حيلة ابن المؤقت المراكشي لصد أهله عن شرب الشاي : سجل لنا العلامة الراحل عبد الله الجراري في رحلته الماتعة عشرة أيام في مراكش - خلال شهر جمادى الثانية من عام 1353هـ = 1934م - مواقف ثلة من علماء عصره ومثقفيه من الشاي كان من أبرزهم العلماء السادة : محمد المختار السوسي ومحمد بن عثمان المسفيوي المراكشي وعبد الجليل بلقزيز وابراهيم الإلغي السوسي و محمد ابن عبد الرازق وأحمد بن الفضيل و ابن الموقت المراكشي وامحمد العثماني ومصطفى بن المبارك والناظر أحمد الرجراجي الرباطي وبعض الشباب الناهض إذ ذاك كأحمد شوقي الفحلي الدكالي وغيرهم رحم الله الجميع .
كانت لقاءاتهم لا تخلو من تقديم كؤوس الشاي، و في كل مرة يثار حوله النقاش بشكل من الأشكال، وكان القوم منقسمين إزاء ذلك إلى مقبلين على الشاي - بنسب متفاوتة - ويمثلون الأغلبية، و إلى مقاطعين له، وهم أقلية، اشتهر من بينهم واحد بلقب المحرِّم ...
ومنهم العلامة محمد ابن الموقت المراكشي {ت 1949م} الذي قدم لنا العلامة الجراري مقاطعته للشاي في هذا المشهد اللطيف : ... ولم يستقر ابن الموقت المذكور معنا غير هنية ، ثم استأذن في الذهاب، فلم نلبث أن أخرناه ريثما يتناول الشاي معنا .
قال: إنه مقاطع له، وشُرْب البُن أيضا، فقلنا له : وكيف حالك إذَاَ مع أهلك ؟
أجاب : لقد ارتكبت في صرفهم عن ذلك والمشاركة لي في الفكرة حيلة وهي : أخذت أجلب لهم ما خبث من نوع الشاي، حتى كرهوه عن طواعية واختيار، فنجَحَت بهذا حيلتي و خلصت من هذا المأزق الحرج ...
بين الشاي و السكر: نقل القاضي العباس المراكشي في الإعلام في سياق ترجمة العلامة عبد الكبير بن عبد الرحمن بن المجذوب الفاسي {ت 1295هـ كما في الإعلام 1296هـ كما في إتحاف المطالع } أنه حدث أن القاضي العدل مولاي أحمد الملقب دبيزة لقصره، كان لا يقبل شهادة من يشرب أتاي من العدول، ورأى عدلا من عدوله مرة يشتري سُكَّرا، فلما جاء لأداء شهادة ، قال له أتشرب الماء الفاسد يعني أتاي ؟ فقال له : لا ، فقال : رأيتك تشتري السكر، فاعتذر له بأنه اشتراه لسيدي المجذوب الفاسي والد المترجم، و كان لايرد أحد كلامه ...
وكان قد زعم بعض الأدعياء، أن السكر حرام، لأن صُنَّاعَه يعقدونه بدم الخنزير أو بعظام الموتى إن فُقِد الدم وهو ما أنكره عامة الناس وخاصتهم إذ السكر الأبيض عندهم معدود من أطيب الطيبات ، وصار متداولا بين الناس من أمرائهم وفقهائهم وقضاتهم وتجارهم، فضلا عن غيرهم و بالغوا في استعماله هو والأتاي حتى قال قائلهم:
إن الأتاي لنعمة ما فوقها . . . ما يجتبى إلا نعيم الجنة
وقال الآخر:
امدح الكأس ومن أعملها . . . واهج قوما قتلونا بالعطش
إنما الكــأس ربيــع باكـــر . . . فإذا ما لم نذقه لم نعـــــش
و قد أطال صاحب المعيار الجديد، القول في هذا الموضوع مستفيضا في مناقشته من شتى الجوانب، منتهيا إلى الرأي الصائب، و الاختيار الصحيح، وهو أنه لم يثبت شيء يعتمد عليه في الحكم بالتحريم، فيبقى الأمر على مراعاة الأصل في الأشياء وهو الطهارة .. معقبا على ذلك بقوله ( من نظمه) :
ألا قل لمن رام نيل المنا . . . و جلب السرور ودفع العنا
عليك بشرب الأتاي تفز . . . بجسم طويل خصيب الهنا
ولا سيما إن تحافظ على . . . شروط أتتنا عن أهل الفنا
كعنبر زبد وسمن صفــــا . . . و خل وفي من أهل الثنا
المفاضلة بين الشاي و القهوة :
تفيد كثير من المصادر أن القهوة سبقت الشاي إلى الظهور والانتشار في البلاد العربية بنحو ثلاثة قرون، وينسب اكتشافها إلى أبي بكر بن عبد الله العيدروس باعلوي العدني { 851 – 914 هـ} أحد أعلام التربية والصلاح في وقته.
وإذا كان لفظ شاي آسيويا غير عربي، لا يو جد له ذكر، في معاجم اللغة وقواميسها قبل العصر الحديث، فقد كان لفظا (قهوة )و (بُن ) عربيين، عرف الأول منذ القديم بمعنى الخمرة، ثم أصبح منذ الفيرزبادي يعني البُنّ وتعنيه .
قال في تاج العروس : .. البُن بالضم و هو شيء يتخذ كالمُرِّيِّ ، و قال ابن السمعاني رحمه الله هو شيء من الكوامخ ... وقال الحكيم داود رحمه الله تعالى : بُنّ : ثمر شجر باليمن يغرس حبه في آذار وينمو ويقطف في آب، ويطول نحو ثلاثة أذرع ، على ساق في غلظ الإبهام ، و يزهر أبيض يخلف حبا كالبُندُق ، و بما تفرطح كالباقِلا، وإذا تقشر انقسم نصفين، وقد جرب لتجفيف الرطوبات ، والسعال و البَلْغَم ، و النزلات، وفتح السُّدَد ، وإدرار البول ، وقد شاع الآن اسمه بالقهوة، إذا حمص ، و طبخ بالغا .
أما الشاي فقال الرشيدي {ت 1282هـ = 1865م} في العمدة : إن اسم الشاي وارد من لغة الصين ، و قال بعضهم الچاي - بجيم بثلاث نقط - لفظ فارسي الأصل و ليس لهذا الاسم ما يرادفه في اللغة العربية ولما كثر استعماله في الأقطار العربية استبدلوا في المشرق چيمه شينا وبعضهم زاد في آخره هاء "الشاهي" وفي المعرب استبدلوا جيمه تاء مسبوقة بهمزة
و يبدو أن القهوة تعرضت في أول الأمر، إلى أكثر مما تعرض له الشاي من رفض وعدم التقبل حتى إن الإمام المغربي المالكي المبرز أبوعبد الله الحطاب {1054هـ} بعد أن أقر بإباحة شرب القهوة، لم يلبت أن عاد ليعدد مساوءها بما يشبه التحريم ونص كلامه :
(ظهر في هذا القرن وقبله بيسير شراب يتخذ من قشر البن يسمى القهوة واختلف الناس فيه فمن متغال فيه يرى أن شربه قربة ، ومن غال يرى أنه مسكر كالخمر والحق أنه في ذاته لا إسكار فيه وإنما فيه تنشيط للنفس ويحصل بالمداومة عليه ضراوة تؤثر في البدن عند تركه كمن اعتاد أكل اللحم بالزعفران والمفرحات فيتأثر عند تركه .
ويحصل له انشراح باستعماله غير أنه تعرض له الحرمة لأمور ... - ذكر جملة منها - وأضاف : ومنها ما يرجع لذات الشارب لها، كما أخبرني والدي - حفظه الله تعالى - عن الشيخ العارف بالله العلامة أحمد زروق أنه سئل عنها في ابتداء أمرها فقال: أما الإسكار فليست مسكرة ولكن من كان طبعه الصفراء والسوداء يحرم عليه شربها ; لأنها تضره في بدنه وعقله ، ومن كان طبعه البلغم فإنها توافقه،وقد كثرت في هذه الأيام واشتهرت وكثر فيها الجدال وانتشر فيها القيل والقال، وحدثت بسببها فتن وشرور واختلفت فيها فتاوى العلماء وتصانيفهم ونظمت في مدحها وذمها القصائد فالذي يتعين على العاقل أن يجتنبها بالكلية إلا لضرورة شرعية، ومن سلم من هذه العوارض كلها الموجبة للحرمة فإنها ترجع في حقه إلى أصل الإباحة ، والله أعلم ...)
ويسلمنا هذا إلى ما قاله الشعراء في الموضوع و هو كثير نقتبس منه هذه الأقباس :
قال بعضهم في ذمها وقد سئل عنها :
أقول لأصحابي عن القهوة انتهوا . . . ولا تجلسوا في مجلس هي فيه
فليست بمكروه ولا بــــمحرم . . . ولكن غدت مشروب كل سفيه.
و قال أحد المتأخرين فقهاء المغرب ويبدو أنه يميل إلى تفضيلها على الشاي :
اغنم أخي قهوتنا . . . وطعمها ولونها
ولا تمِل لعاذل . . . في شربها ولو نهى
وقال عبد الغني النابلسي :
هذه القهوة هذه . . . هذه المسئول عنها
كيف تعزى لحرام . . . وأنا أشرب منها
ومثله قول لشيخ عبد النافع من أولاد الشيخ محمد بن علي بن عِراق{ ت 933هـ }:
هذه القهوة هذه القهوة . . . ليست المنهي عنها
كيف تدعى بحرام . . . و أنا أشرب منها
و في مدحها قال أحدهم:
عليك بشرب البن في كل ساعة . . . ففي شربه يا صاح خمس فوائد
نشاط ٌ واحباط ٌ وإذهاب بلغم . . . ونور لأبصار وعون لعابدٍ
وقال الآخر:
قهوة البن حلال وشفا . . . أيد الله به أهل الصفا
لو يكن في شربها من ريبة . . . ما سقوها عند قبر المصطفى
ويتصدى محمد المبارك الجزائري لمن يفضل القهوة على الشاي قائلا من قصيدة طويلة :
قهوة الشاي و هي ألطف قهوة . . . لم تدع لي في قهوة البن شهوه
أبسوداء يعدل الشاي وهو الـ . . . شــاه كلا لتلك أعظم هفوه
لو درى الناس ما له من مزايا . . . ما خطوا نحوها لعمرك خطوة
ما ابنة البن في الحقيقة إلا . . . من جواريه صادفت حظوة
شرب الأتاي صرفا و ممزوجا – القسم الأول
جاء في الأرجوزته الشهيرة للفقيه الأديب المعروف عبد السلام الزموري{ت 1278 هـ}:
وإن يكن منعنا فذاك لا . . . وحقكم يصلح إلا في الملا
أو الذي أولع الحناوي . . . أو اشتكى ضرا فللتداوي
قال العلامة المكي البطاوري شارحا على طريقة الفقهاء و بمصطلحاتهم : .. والنعناع بقل معلوم، أجمع على استعماله الخصوص و العموم، و الناظم رحمه الله، خرق الإجماع في استعمال النعناع ... والحاصل أن العمل جار بخلاف ما ذهب عليه الناظم رحمه الله من أنه لا يصلح إلا في ثلاثة أحوال :
الحالة الأولى في الجمع الكثير و هو معنى قوله إلا في الملا
الثانية إذا كان شاربه مولعا بالأتاي الحناوي و هو نوع من أرذل الأتاي ، نسب للحناء لشبهه بها في الورق و الرائحة و في الطعم ، لأن النعناع يصلح طعمه.
الثالثة إذا اشتكى الإنسان ضرا فيصلح له استعماله للتداوي لأن في النعناع منافع وأدوية كثيرة ...
و الحقيقة أن المسألة ليس فيها إجماع، بل اختلفت فيها الأذواق بين معارض ومحبذ، مما تعكسه الأمثال المغربية بشكل صريح، فموقف الفريق الأول يعبر عنه مثل قولهم : أتاي الرفيع ما يحتاج ربيع فيما يعبر عن الموقف الثاني مثل قولهم : أتاي بنعناعو خير من عشا تاجر بمتاعو أو أتاي بلا إقامة ، بحال القايد بلا حكامة والمراكشيون يسمون النعناع الإقامة كما هو معلوم .
على أن هذه المواقف، لا تنفي أهمية النعناع مشروبا صرفا، أو مضافا إلى الشاي عند من يفضلونه ممزوجا بالنعناع و غيره من الأعشاب و المعطرات كما سيأتي ...
ويبدو أن الفقيه الأديب محمد الشرفي {ت1269هـ} كان من الموثرين له صرفا كما يفهم من قوله :
إن شئت انشراحا في انشراح . . . بنهر سبو انزلن عند الصباح
وصب من الأتاي مذاب تبر . . . بأقداح اللجين مع الصباح
وقل طربا إذا استروحت راحا . . . على اللذات ذا يوم الصباح
شرب الأتاي صرفا و ممزوجا – القسم الثاني
ومن الداعين إلى شرب الشاي بغير نعناع العلامة الأديب سليمان الحوات {1160 - 1231 هـ = 1747 – 1816 م} :
دعوا شربكم للخمر فالخمر مسكر . . . وفي الشرع كل المسكرات حرام
وهيموا بشربكم أتاي فإنه . . . حلال وليس في الحلال ملام
. . .
هو النعمة الكبرى على كل شارب . . . واكسيره لا قهوة ومدام
ومذهبنا ان لا يشاب بغيره . . . سوى العنبر الشحري فهو ختام
ومن المفضلين لشرب الشاي بالنعناع أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن صالح الإلغي السوسي {ت 1303هـ} :
إليك اختطاب الآخرة لكن . . . تُزَوجه بابنة القصب
و رُشَّ لها عند تزويجها . . . بنعنع أدى إلى الطرب
ويبدو أن مشروب النعناع، كان من المشروبات المعروفة إلى حد ما لدى بعض الأسر المغربية، قبل أن ينتشر شرب الشاي ويصبح كثير من الناس يعتبرون النعناع، من المواد الأساس لتهيئ الشاي.
وللطبيب الفقيه الشاعر المغربي عبد الوهاب بن أحمد أدَرَّاق{ت 1159هـ = 1746م} في النعناع أشعار تدخل في هذا السياق ، وربما كانت دعوة إلى البديل، في أول ظهور مشروب الشاي، :
يُنَبِّه الشهوة للطعام . . . ويهضم العسير الانهضام
ويُذهب الأوجاع من فؤاد . . . و ما يَحُلُّه من الفساد
ويمنع الألبان من أن تنعقدْ . . . بمَعْدة أو بمعي أو بكبدْ
ويُخرج الديدان من أمعاءِ . . .ويطرد البر من الأحشاءِ
كذا يُفتت حصر المَتانةْ . . . وكُلْية وإن بها متانةْ
يَشفي البواسر إذا ما اسْتُعْمِلا . . . أكلا و شربا وضَمادا وطِلا
فخُذْ من النعْنَعِ ما تيسرا . . . قبل الغذاء وبعده الخيرَ ترى
وله كذلك :
ألا هل من الأعشـــاب نبت يوافق . . . موافــــقة النعـــناع بل ويــطـــابق
فكـــم من خــــصـال حازها وفوائد . . . و كم من مــزايا لا يفي بــها ناطق
يسارع بالتســليم عــرفا على الــذي. . . يمر بـــه فـــي روضـــه ويســـابق
فما العنبر الشحري ما المسك ما الشدا . . . إذا فاح طـيب كلها منـــه سارق
إذا عبق النعناع فاغن به ولا . . . تعرج على روض خلا منه عابق
ففي طبعه حر بآخر أول . . . ويبس عليه المعتنون توافق
ولكن به لين من الماء عارض . . . تزيد به أسراره والدقائق
يؤنس بالتفريج نفسا مشوقة . . . ويذكى حجا من للمعارف عاشق
ويرسل مقوال الفتى بمقوله . . . ويفتح أبوابا عليها مغالق
ومنها :
له في علال الصدر سهم مفوق . . . وفي خفقان القلب سيفه بارق
وفي المعد اللاتي تفاقم ضعفها . . . له الحجة العظمى على الغير فائق
وفي الغشيان الصعب قد شاع نفعه . . . وللقيء والإسهال بالفور عائق
ويخرج ديدان البطون بأسرها . . . وللسم دفاع وللبرء سائق
وفي ألم القلب الضعيف بدت لنا . . . منافعه الجلى فسوقه نافق
فمالي لا أثني عليه وأعتني . . . بنظم لآليه وفضله سابق
مجالس الشاي و أماكن شربه :
تعددت مجالس شرب الشاي و تنوعت، حسب شرائح المجتمع على اختلاف مقاماتهم وأقدارهم وقد كان الشاي بدأ خاصا بالطبقات الميسورة، قبل أن ينتشر ويصبح شعبيا بل أضحى في فترات من تاريخ المغرب، نصف معيشة فئات عريضة من المجتمع .
قال العلامة الأديب المؤرخ محمد المختار السوسي في كلمة له بعنوان "المشروبات الإلغية" :
" ... إن مشروب إلغ الخاص هو الأتاي، الذي يعرفه كل أحد، وقد دارت قواف كثيرة حوله في مناسبات ..."
شرب الشاي في ضيافة السلطان المولى الحسن الأول :
كتب الديبلوماسي الفرنسي إمانويل شلومبيرجر في إحدى رسائله إلى أمه من مدينة مراكش بتاريخ 12 أبريل 1882م :" قُدِّم لنا الشاي الذي يراعى في تهيئته ... العناية المفرطة والتدقيق اللذين يتطلبهما، و من المثير أن العرب يجبرونك على شرب ثلاثة أو خمسة كؤوس منه، وُضِعت فيه أعشاب عطرية من كل الأصناف، وخصوصا النعناع، وفي الوقت ذاته أتونا بسلال كبيرة مطرزة بالحرير مملوءة بحلويات ..."
وذكر الشيخ عبد الحي الكتاني أن عبد الجليل برادة المدني أنشده في الأتاي بمكة المكرمة عام 1323هـ :
أرى كل ما تحوي مجالس أنسنا . . . جنودا لدفع الهم سلطانها الشاه
فلا عجب إذ لم تتم بدونه . . . فما تم أمر للجنود بلا شاه
و هذا الرجل هو عبد الجليل بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي جيدة برادة { 1240-- 1327هـ}، مغربي الأصل ولد وعاش بالمدينة المنورة ومن شعره فيما نحن فيه قوله :
إذا مجلس للأنس تم نظامه . . . وما دار فيه كأس شاي معنبر
لعمري و إن حاز المسرات ناقص . . . وما هو في عد المجالس يذكر
ولأحمد بن محمد بن مسعود المعدري البونعماني { 1315 - 1341هـ} في مجلس شاي مهيب:
إذا مجلس الأتاي لم يمض بالذكر . . . ومدح النبي من نظيم و من نثر
و لا ذكرت في الصلاة على النبي . . . و لا سردت في حكاية ذي سر
فإن اللعين لا شك فيه حاضر . . . بأهل الندى فاذكرن تنج من خسر
من المجالس الخاصة إلى المقاهي العامة:
المقهى و تسمى أيضا القهوة من باب تسمية المحل باسم الحال، و قد كانت عند ظهورها بالمغرب في حدود القرن 13 هـ / 19 م ربما قوبلت بنوع من الخوف من ارتيادها كما عبر عن ذلك الشيخ محمد العلمي
واحذر دخولك للقهوات إن بها . . . جل الفواحش مع كذب وغيبات
كم قهوة أصبحت للهو جامعة . . وكم بلايا بها لأهل الديانات
كمحنة شغلتهم عن بيوتهم . . . و عن صلاة وأوراد وطاعات
ولم تكن المقاهي خاصة بمشروب البن بل كان إلى جانبها مشروب الشاي وغيره من الأعاصير والمشروبات والحلويات ، و مع مرور الزمان وقع الإقبال على المقاهي بل تحولت بعضها إلى أندية أدبية و ملتقيات فكرية
بعنوان "مقهى المعتمد" يقول الشاعر الكبير إسماعيل زويريق :
هنا أقضي الهنيهة من حياتي . . . رضيَّ البال محترم الطويه
مفضلة أيا مقهاي عندي . . . على كل المقاهي الجيليزيه
و قال في مطلع قصيدة أخرى له بعنوان "في المقهى" :
موعد القهوة قد حان فدع . . . عنك ما يلهي بعد غد
إلى أن قال :
هاتها معصورة في قدح . . . من زجاج لا من الطين الصدي
هاتها و الماء لا تنسى فلا . . . تحتسى إلا بماء بارد
( ملحق –
قال العلامة المختار السوسي في المعسول : في ترجمة العلامة محمد بن العربي الأدوزي : " ... وله رحمه الله نظم كثير في الأتاي منه :
أرحنا بمشمولة يا هلال . . . أدرها فخمرتها لي حلال
إذا ما بدت خلتها شعلة . . . بكف هلال حكاه هلال
فكل شراب له سكرة . . . وهذا شراب يزيل الضلال
فهذا الشراب شراب الهدى . . . فأين الفحول وأين الرجال
وقال فيموضع آخر :" وله رحمه اله أرجوزة صغيرة في الأتاي وآداب متعاطيه تدل على أريحيته التي ذكرناها آنفا فلنقتطف منها ما يروق اتباعا لبعضهم الذي اختار منها ونقح بعض أبياتها :
هل لك في نشر حديث في أتاي . . . فإنه لمنيتي بل منيتاي
إذا جلست للأتاي في الأصيل . . . أو في الشروق مع نديمك الأصيل
فاقض الحديث كله في الكأس . . . فقه صحيح جاءنا من فاس
واختر له طول البقاء نعم الأنيس ... و لا يتم ذا إلا يوم الخميس
...
هل يستحب عدد الشاربين ؟ . . . نعم وفيه واجب للمقسطين
ثلاثة ندب إذا السكر قل . . . بل واجد يجب عند من عقل
ومنتهاهم أربع إذا انتدوا . . . ( وإن يزد فيهم فما ستاعدوا )
وهي في ديوان محمد بن العربي بن إبراهيم الأدوزي ( 1249 - 1323 هـ) ( 1833 - 1905 م) للشاعر بديعي
هل لك في نشر حديث في أتاي فإنه لمنيتي بل منيتاي
إذا جلست للأتاي في الأصيل أو في الشروق مع نديمك الأصيل
فاقض الحديث كله في الكأس فقه صحيح جاءنا من فاس
واختر له طول البقا نعم الأنيس ولا يتم ذا سوى يوم الخميس
مع الشباب لامع الشيوخ ذاك إذا تساووا ينتفي عنك قذاك
الشيب مات فيهم داعي الطرب من بعد رشفهم زمانا من ضرب
هل يستحب عدد للشاربين؟ نعم وفيه واجب للمقسطين
ثلاثة ندب إذا السكر قل بل واحد يجب عند من عقل
ومنتهاهم أربع إذا انتدوا (وان يزد فيهم فما ستاعدوا)
وان يكونوا مثل عشرين رجل فأربأ بنفسك عن الفضول زل
خير الطعام مأكل عن ضفف هذا لمن تكيل تبره القفف
ليس على من خالف الكؤوسا عزل إذا لم يغرم الفلوسا
أما الذي يقبض رأس الكأس فمخرج على اتفاق الناس
وان يرق كأسا على الفراش ان كان مرة فلا تحاش
وان يعد فمستحق للأدب من لم يقم إليه بالنعل عجب
سترك للمقراج عن عيون لغير عذر ليس من مسنون
ومن يكن قربه مدخنا أهل الظرافة يرونه خنا
ما غسل طبلة أمام الناس ببعض الكم بهيمة ليست محل الحكم
وبعضهم يمسح بالكرزية يارب نجنا من الرزية
من رد فضل الذوق للبراد فما له فضل بذاك النادي
ومن يذق بمثل نصف الكأس راقبه يا بخيل بالعساس
غسل المقيم الكف قبل المس يجب فعله لدى ذي النفس
فبعضهم من بعد أكل يشرب دليله كلوا قبيل واشربوا
والواو لا ترتيب تقتضيه وإنما المسنون نقتفيه
(فالخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع)
والشرب والخبز وسمن تجمع هذا هو الراجح والمتبع
وان يكن بيض وخبز وشراب مجموعة فبدعة عند الصحاب
وبعضهم يقدم النعناعا لكنما التأخير أيضا شاعا
والناس في أذواقهم أصناف والطبع في قلب الفتى كشاف
هل لك من معنبر يا صاح؟ عجل به يا صاحب الملاح
فإنه محبب لنفسي ومرهم لكبدي وراسي
...
موسيقة متعت الأسماعا وأزمعت أفراحنا إزماعا
ففي الغناء للنفوس منفعه ولطف موقع لذهن سمعه
...
تأثر الغناء في الأرواح تأثر الشراب في الأشباح
وكل ذي طبع سليم يطربه وينعش الروح به ويعجبه
فينبغي إحضاره لدى الشراب لذي المروءة وأرباب الصواب
إذقته وقت سرور وفرح وجمع شمل وانشراح وترح
ومنها في ديوانه وهي ضمن أرجوزته عن الرحلة الى مراكش :
فصل وللأتاي شدة اعتنا من متوسط وزائد الغنى
وجب ان يفرد بالكلام لكن أبت نوازل الايام
لكنه لابد أن نذكر في رجزنا هذا قليلا اصطفى
فلا تمل الى مقال المنكر بفهمه الضعيف شرب السكر
وقولهم صفى بالعظام أو بالدم فيما شاهدوه أو رووا
بشاهدي عدل يكون الحكم حسبما أدى إليه الفهم
من أين يعرفان ما هنالك؟ ودونها قد سدت المسالك
معامل السكر لايرهاها سوى نصاراها ولا يغشاها
من ادعى أنه ذو عرفان ما ذاك إلا النقل عن نصراني
وقوله ليس له من اعتبار في الحل والحظر ولا له يصار
وليس إلا أنه طعام أهل الكتاب الحل والسلام
ان الاتاي حله لاينكر ولا قلاه من بعلم يذكر
يشربه كل من أهل الله وما بهم محرم أو ناه
قد ألف العلامة الزرهوني مؤلفا كالجوهر المكنون
في كونه حلا فمن ذا ينقض كلامه من بعده أو يعرض؟
من دولة الشريف اسمعيلا الملك المعظم الجليلا
بدئى شربه الى أن انتشر وعم من بغربنا من البشر
ووجد الناس ذوو الاكرام للواردين غاية الانعام
ان كان كان كل خير مشتهى أو لم يكن لم يك أنس انتهى
لذاك فالرجل ذو الاموال من عالم أو حاكم أو وال
او من له مروءة أو الشرف أو من بمال غيره قد اغترف
لابد أن يتخذ (الطبلة) في منزله لوارد ذي شرف
تزيد من وداده ومن قواه ومن ترحب بضيف قد عراه
يشرق منها الوجه من مضيف إشراق شمس زمن المصيف
وتكلم الطبلة من وراءها فلا يبالي ان يرى سواها
وهي دليل الخير ان أتت على الباقيات الصالحات بالولا
فواجب تنظيفها من الوسخ كذلك البراد ان كان اتسخ
الحك والتصقيل للأواني لابد منهما مدى الاوان
ومن يقيم الشرب بين الناس فلا تكن لشرطه بناس
شرط وجوبه نقاء الاردية حرية أصالة أريحية
وشرطه الكامل أن يكونا من أمة للملف يلبسونا
وان يكون نقي الاطراف مستجمعا شمائل الظراف
في (حلبة الكميت) شيء كثرا ومنه يستمد من قد غبرا
وهو جليل النفع في أبوابه وكم مليك جد في اكتسابه
وان يكون متواضعا على مذهب من قد حضروا من الملأ
وليس يخرج ولو أحيانا برأيه عن قصدهم ما كانا
من المحال رعى كل أحد من جالسيه بتمام المقصد
لكن من يوافق الغالب ما عليه من لوم إمام الحكما
والحر واجب كما مر وان لم يك فالترتيب للغير زكن
يقدم العبد على الحرطاني والكهل قبل الشيخ والغلمان
وليس تجويز لحر أن يقيم بين الحراطين بشرع مستقيم
اذ المجانسة في الأمور شرط مسلم لدى الخبير
وللضرورات أمور بالخصوص والمرء لايحتاج معها للنصوص
ومن أقام لهم الحرطاني عليهم العود مدى الازمان
لأنه أكثر خلق الله سخافة وزائد المناهي
ولم أشم من جنسه من اصطفى هيهات منهم أن يرى خل وفى
ان كان لابد له من اشتغال فليكنس الزبل لخيل وبغال
هذا الذي ورث عن أجداده لايرث الجد سوى أولاده
ولا ترج الخير من فرع دني يمنعه الطبع من الوصف السني
والخير في معادن الاخيار يطلب لامن معدن الاشرار
هذا إذا اسود وان اغبر لا يدن من (الطلبة) ما بين الملا
لأن هذا منصب شريف أولى به الابيض والظريف
وكل لون من سوى البياض ينبذ عند الشرب بافتراض
حتى الذي اسود من الاواني بأصله أو عارض الادران
من المقاريج أو البرارد أو المضارب أو المخادد
فواجب إلغاؤه والباقي من غير ما ذكرت للحذاق
ذا مذهبي ولسواي مذهب وللفتى اختيار ما ينتخب
يقول لاينكر عند الانس ما سوى السواد قط بين الندما
لابأس بالقاني أو الاخضر أو أصفر فاقع إذا الشرب انتدوا
ان الزمردي قال قد علا على الجميع عند قوم فضلا
تعارضت في الاكدر الادلة تعارض الشهود في الاهلة
لكنما البياض خير جنسه عندي والمرء فقيه نفسه
لك الخيار فاجتهد أو اتبع في المذهبين ماتشا أو اخترع
لكن هاتيك الفروض الواجبات لاتهتكنها وانتخب في الباقيات
وكرهوا إقامة المزكوم ونحوه لضره المعلوم
ويكره السلس والقروح مع باد لغرهم ومن يكره دع
كذا الاشل وذوو العاهات وسيئوا الوجوه والصفات
أوصيك لاتشرب مع الضرير وصية من عالم خبير
فلو رأى الله له خيرا لأب صر كما في ذكره منه كتب
وللإمام الشافعي كتاب ذكر فيه كل ما يعاب
لابأس أن تكون شافعيا هنا إذا ما كنت أريحيا
تتبع ماقد سنه وشرعه في كل ما خفضه أو رفعه
والنقص لا يتبعه الكمال ونادر ليس به المقال
واستوص بالاعرج خير أو دع فما الى اسكاته من مطمع
لذاك كان الاعرج الزمخشري عذب المقال سيء المختبر
يعد حتى حجة الاسلام من دونه في الفهم والافهام
لحمقه وجهله بالبلكفة يعد أهل الدين حمرا موكفة
لا بأس أن تغلق الابواب اذ ذاك أو تتخذ الحجاب
وليس ذا الاتمام الظرف عندهم ومن حقوق الضيف
ومجلس الاتاي ما ليس يليق به سوى المهذار ان هو صدوق
وما السكوت فيه بالمحمود هل نحن في الركوع والسجود؟
وندبت في المجلس المواجهة لدى تعاطي الكأس والمفاكهة
والعدد المذكور لابن مالك لمن يريد أحسن المسالك
(ومنتهاه أربع ان جردا وان يزد فيه فما ستاعدا)
ولا نرى تقرقب التسبيح فعل أخي تجهم مشيح
فنحن في أنس وفي انشراح وفي ارتشاف أشر الاقداح
لا في مقام الذكر لكن الطغام ما ميزوا بين مقام ومقام
ان التسابيح الى الخضوع داعية وآلة الخشوع
والكأس مدعاة الى المباسطة والجمع ما بينهما مغالطة
من ليس يفرح بوقت الفرح والراح تفتر بوسط القدح
أما بخيل مبصر اضراره بكيسه أو أحد المكاره
وليس بالمذموم أن يقاما رغم أنفه من مجلس الندامى
وأن يؤد به من أقاما ففاعل التأديب لن يلاما
وكان بعض سادة ب (تزنيت) ممن علا في فضله والتثبيت
حلف لايعطي الاتاي سائلا حظا من السكر عنه مائلا
وقال لاتشرب متى العمر بقى مني وذاك فعل مرء متق
وبعضهم رفع عن أناس طبلته لعدم استيناس
ثم اختلاط الناس عند الشرب به جرى عمل أهل الغرب
قدما خصوصا عند أهل البادية لأنها في كل ضر بادية
وما على أهل البوادي من ضرر ان تركوا بعض محاسن الحضر
والأكل منصوص عليه باليمين وليس للشراب نص مستبين
كذا لبعضهم وفي الرسالة نص صريح دافع ما قاله
لكنه لا فرق في القياس الى اليمين جرى هذا الكاس
وحسن ثلاثة أو مثلها وترا وعادات لقومك اتلها
والله وتر شاهد لذلك فلا تكن مبذرا لمالك
وعندهم أن الثلاث واجبة لكنما القولة تلك, الصائبة
والكاس في قول هو المعنبر أو المنعنع وهذا أشهر
وهل الاول أو الاخير؟ فيه خلاف عنهم مشهور
وقال بالاول أهل الحاضرة وقولهم لم يخل من مكابرة
وقال بالثاني سواهم وهم من حيث صحة المزاج أعلم
وفاز أهل البدو بالحلو كما كان لغيرهم مرارة وما
قد أفسدوا أجسادهم بالوخم فجنحو للمر خوف التخم
وكثرة الالوان في الطعام على الدوام سبب الاسقام
وليس للنعنع حقا من نظير من كل مشموم بكاسك عطير
ما عابه طبع سليم أبدا وان عليه أبدا قد لبدا
لأنه جمع حسن المنظر مثل الزبرجد وطيب المخبر
يحمده حتى الذي لم يدر ما بين حلو سائغ والمر
مستنبت حتى بدار الملك أوراقه كأناها في سلك
اني رأيت سكرا وعسلا تشاجرا يوما بصوت قد علا
كل يرى حجته صوابا وقد زرى بخصمه وعابا
فأسهب الخصمان من مقول ما أحوج القلم للتسجيل
فقيد المقال للتشعب وكثرة الايراد والتعصب
فاحتشد الناس لسمع ما يقال بينهما من حجج قد تستطال
فحين ما انزعج ذاك النادي واستمع الناس الى المنادي
جاءا الى القاضي الذي لايعطي وان بسم عندهم بالمعطي
فابتدر العسل للكلام تبادر التجار للحرام
فقال من فضل بالقرآن فما له في فضله من ثان
قد شهد القرآن مني بشفا الناس استعلى بذاك شرفا
وكنت محبوبا الى النبي محبة اللذيذ والشهي
فجاش خصمه وشمر على ساعد ذي عضب شحيذ صقلا
أجف لايلوي الى الوقار أجفال موتور لأخذ الثار
فقال كيف تعتلي بذكر لك من القرآن يوم الفخر؟
وأنت من ندريه ذا ألوان وصف المنافق الذليل الوانيق
هل أنت إلا فضلة البطون قيء ذباب لاسع مبطون؟
ومن صريح وصفك الذميم وعيبك المشهر القديم
ان كنت ذا أم بلا أب ومن يميط عنك اليوم ذلك الدرن؟
أمن يكون في الورى لغية يبرز للفخار في الاندية؟
فكر اذ ذلك نحوه العسل مثل الهزبر لفريسة نسل
يقول مالك أيالون المشيب فاخرت بالاسمال ذا الثوب القشيب
آأنت ياملحون سكر تجتري علي كمثلي شرفا وتفتري
ألم أكن حرا وأنت بارد وصف ثقيل عند كل ماجد
بذمة الكفار ترضى أبدا من رضى الكفر فكفره بدا
بذاك أفصح الفوافي في الفروق وان يكن لغيره ليس يروق
لذاك ألبسوك أسود اللباس فأنت من سود الحراطين الخساس
تربط دائما كعبد يابق حين يخون سيدا أو يسرق
وبالظواهر يكون الحكم يخزي بها صاحبها أو يسمو
وسيدي القاضي الاجل المرتضى يعرف ذا وإنه عدل رضا
وبالقضاء يلزم الرضاء منك وان آلمك الرمضاء
فترك السكر شقشاق العسل ترك كمي لم يوثقه الكسل
فمال نحوه وأدنى أصبعه لوجهه وبتأن أسمعه
وليس ينفع أخا الخصام مثل تأنيه لدى الكلام
فقال يا مقلوب لسع وهو من أوصاف أمك اذا لاقت بدن
ان من أسمائك لحن الضرب فأنت كلك مثار الكرب
وفيك قيل السم من ذاك العسل نعوذ بالرحمن من كل كسل
وبك ثم الدست حتى هلكا ما لك في طريقه أف لك
وليس يشتارك في الخلية إلا الذي حاطت به بلية
تبا لمن كان الدخان يصحبه عند النفاس, ويح من يستعذبه
وهؤلاء القوم شاهدونا ولمقال الحق ناهدونا
إنك فيما ذكر الخبير من هو في اضرارك البصير
تولد الصفراء والصداعا لذى الحرارة وذا قد ذاعا
وتفسد الدماغ من محرور عوض ما تسديه للمقرور
الى سوى هذا من أدواء الجسد أنت لها السبب ان مستك يد
قد جئتني مفاخرا بما ادعيت ولو صدقت في الذي قد افتريت
لكنت عند الضيف عني مغنيا وبك كل طارق مستغنيا
ها أنا ذا أعلن فضلي الوحيد رغما على أنفك أيها العنيد
لأنني أحلى مذاقا منكا لذاك ترغب الضيوف عنكا
نعم إذا غبت فقد تنتخب من يفقد الماء كفته الترب
ألم تر الاقوام ان رأوني في طرب وفرح بلوني
فبينما هم سكوت وانقباض عن الحديث وانزواء وامتعاض
يحسبهم من جهل الاسبابا سكري رحيق أو غد واغضابا
حتى اذا ما لمحوني من بعيد كأنني الهلال في ليلة عيد
مثت حميا البشر في الوجوه لافرق بين الفدم والنبيه
فانحلت العقد بين الالسن فأصبح العى نظير الالحن
وربما بشر بي المقراج اذا بهم الى السرور عاجوا
من ذا الذي ينكر أني السفير للبشر والفرح في يوم الحبور؟
فالتفت السكر لفتة الى من حضروا نديه من الملا
كانه يشهدهم على المقول والصدق معروف لدى ذوي العقول
فشهد الكل له بفضله ومجده وقدره ونبله
فتبعتهم أنعم قد حضرت فشهرت من فضله ما شهرت
كالكعك والبسيس والكباب وغيرهن من بنات الباب
بل إنها خرت على الاذقان تظهر للسكر رفع الشان
لكنما الحلواء لم تسجد له فعابها الكعك فردت قوله
راعت إخاء العسل المصفى لأن ذوقها به قد يلفى
فجاذب الكعك وغيره الكلام معها الى أن انتهوا الى الخصام
ثم أتت ملاكمات فالصراع فثار شر مستطير في اجتماع
فشارك الناس الحضور في الزحام فلا تسل عما جرى حين الصدام
ماجوا جميعهم بوسط المحفل (في لجة امسك فلانا عن فل)
فهشم الكعك مع الحلواء وكسر باعتداء
فالتهموه قبل بل قد شربوا واستأصلوا العسل حين غضبوا
فأتت الايدي على الجميع فالتحق التابع بالمتبوع
فبعد حين رجع القاضي الى مجلسه وقد تراجع الملا
فلم ير الحاكم من عليه يحكم بالتفضيل أو إليه
فلم يجد إلا الرجال الحضرا فعزر الكل بما القاضي يرى
(ومن جفا القاضي فالتأديب أولى وذا الشاهد مطلوب)
قد أتلف الظالم والمظلوم وذهب الخاصم والمخصوم
ثم رجعنا والرجوع أحمد عن منزع طاب به المستطرد
ان الحديث ان به الاحماض ينعش قلبا حله الاعراض
...
ثم أتينا مسقط الرؤوس بلدنا الحظى في النفوس
وجمع الشمل الشتيت الله واتصل القلب بمن يهواه
ثمت ألقينا عصا التسيار والحمد لله على استقرار
ثم الصلاة والسلام بالدوام على النبي وآله الغر الكرام
وصحبه وتابعي الجميع ما جعل الختم من البديع