بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

الفكاهة والضحك - نماذج من الكتاب والسنة ( في تكريم العلامة الأديب الفقيه محمد بنبين )

تاريخ نشر المقال 29-04-21 07:22:33

    مقدمة:
لم يكن لي أن أتأخر عن المشاركة في هذه الندوة التكريمية، لاعتبارات كثيرة يأتي في مقدمتها حق النابهين من أبناء مدينتنا الحمراء علينا أن نكرمهم ونحتفل بهم كل في مجال عطائه ، تقديرا لما قاموا به من رفع راية بلدهم عاليا، وإشادتهم بها من على مختلف المنابر، ومن شتى المواقع، واعترافا لهم بالجميل وتذكيرا للأجيال بما صنع أسلافهم من أمجاد....
وعلى الرغم من إيماني بهذه الحقيقة، فقد وجدتني في حيرة من أمري، وأنا أفكر في الجانب الذي يمكن أن أشارك به في ندوة تكريم العلامة الأديب الأستاذ محمد بنبين، وذلك لأن معرفتي بالرجل جد محدودة، ولم تتح لي فرصة اللقاء به إلا في مناسبات معدودة... لكن حيرتي – لحسن الحظ- لم تتطل، إذ سرعان ما قفزت إلى ذهني فكرة تناول موضوع الفكاهة والضحك، لأن الفقيه بنبين أبن مدينة مراكش المشهورة بخفة ظل أبنائها وسرعة بديهتهم، وميلهم إلى الدعابة والمرح ورواية النكتة واصطناعها، وهو في الوقت ذاته أحد تلامذة وأصدقاء شاعر الحمراء: محمد بن إبراهيم، ورواة شعره البارزين، وهو القائل:
ترسل النكثة اللطيفة سهما . . . و المصابون في الحضور كثير
و المحتفى به عالم من جامعة ابن يوسف وراوية، حافظ لكثير من الشعر العربي:
دع المباهج لا تحفل بمتعتها . . . وانهض إلى ثمرات العلم تجنيها
وكن كبنبين بالعرفان ذا شغف . . . فبين بين إلى بنبين أهديها
كما أنه رجل نكثة وفكاهة، وقد سمعته أكثر من مرة يقول: "إن الضحك يطيل العمر"، بل لعل الفكاهة والضحك هي مفتاح شخصيته، وعلى أساسها قامت شهرته. ولا عجب قد اكتملت فيه كل صفات الظرف الذي عرفوه بأنه "يكون في صباحة الوجه ورشاقة القد ونظافة الجسم والثوب، وبلاغة اللسان، وعذوبة المنطق، وطيب الرائحة، والتقزز من الأقدار... ويكون في خفة الحركة، وقوة الذهن، وملاحة الفكاهة والمزاح".
إلا أنني بعد الاطمئنان إلى هذا الاختيار، لم البث أن واجهني سؤال كبير لا يمكن تجاهله أو تجاوزه وهو: هل لأمتنا أن تضحك وهي تمر اليوم بأحلك فترات تاريخها، وتعاني من كل الويلات و الأزمات و النكسات، حتى ليصدق عليها قول حكيم المعرة:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة . . . وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
وقد كان الضحك ليس دائما علامة فرح وسرور، وفي المثل المغربي السائر "كثرة الهم تضحك" وقال الشاعر:
وربما ضحك المكروب من عجب . . . السن تضحك و الأحشاء تضطرم
وقد يكون الترويح عن النفس فرصة لاستجماع القوى لنهضة قوية راشدة كما قال الشاعر:
الجد شيمة وفيه فكاهة. . . طورا و لا جد لمن لم يلعب
وكان التابعي الكبير الإمام الشعبي رحمه الله يمزح ويحب المزاح، فقيل له: يا أبا عمرو أتمزح؟ قال: إن لم يكن هذا متنا من الغم.
ومن ثم اخترت أن يكون حديثي عن الفكاهة و الضحك في إطار التصور الإسلامي، ومن خلال نماذج من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وذلك من خلال ثلاثة محاور كالآتي:
المحور الأول: الفكاهة والضحك في الإسلام:
إن أول ما يلفت انتباه الباحث وهو يتلمس الطريق إلى عمق هذا الموضوع، هو: وفرة النصوص وغنى المادة، في مقابل ندرة الدراسات العلمية الجيدة على ضوء الكتاب والسنة، اللهم ما كان من بعض النظرات العابرة والمتفرقة هنا وهناك في كتب التراث، وفي بعض الدراسات الحديثة...
إن الضحك دافع فطري في الإنسان، وقد من الله تعالى به على عباده، ونسبه إلى نفسه، فقال: {وانه هو أضحك وأبكى} وهو من السمات التي تميز الإنسان عن سائر الحيوان. وقد عرف المناطقة القدامى الإنسان بأنه حيوان ضاحك، مثل ما عرفوه بأنه حيوان ناطق، وما تتطلبه الفكاهة والضحك من قدرات ليست في متناول أي كائن حي غير الإنسان، كما تؤكد أحدث الدراسات العلمية في الموضوع، دون أن نتحدث عن عالم الملائكة والجن، وطبيعة ضحكهم، كقوله صلى الله عليه وسلم لجبريل:" مالي لم ار ميكائيل ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار."
بل إن الكائنات الحية الأخرى من حيوان وطير أو نبات ترتسم على أساريرها أو أعضائها ما يفيد فرحها واستبشارها.
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا . . . من الحسن حتى كاد أن يتكلم



ومن أجل وأعظم ما جاء في الضحك عدة أحاديث نبوية صحيحة ورد فيها أن الله يضحك ضحكا يليق بجلاله، وعظيم شأنه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
على أن الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى.
من هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الأخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيستشهد" .
وعن أبي رزين العقيلي، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره"، قال قلت يا رسول الله: أيضحك الرب؟ قال "نعم" قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا .
عقب على هذا الحديث ابن تيمية رحمه الله فقال: "جعل الأعرابي العاقل، بصحة فطرته، ضحكه دليلا على إحسانه وإنعامه، فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود ، وأنه من صفات الكمال، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك. وقد قيل في اليوم الشديد العذاب:" أنه كان يوما عبوسا قمطريرا" .
والمسلم لا يتجاوز مذهب علماء أهل السنة و الجماعة في هذا الباب، و لا يقول كيف؟ بل يسلم بذلك، ويؤمن بأن الله عز وجل يضحك كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح، وأن الضحك من صفات الكمال والجمال والجلال. وأن الاتصاف به يبعث على الرضى ويبشر بالعطاء.
وننظر بعد ذلك في أحوال نبينا وسائر الأنبياء عليه وعليهم السلام جميعا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فنجد الضحك صفة من صفاتهم.
قيل إن يحيى لقي عيسى عليه السلام فقال: ما لي أراك لاهيا كأنك آمن؟
فقال له عيسى: ما لي أراك عابسا كأنك يائس؟ فقالا: لانبرح حتى ينزل علينا الوحي: فأوحي إليهما: إن أحبكما لي أحسنكما ظنا بي.
وكان ضحكهم التبسم، قال تعالى في حق سليمان عليه السلام: { فتبسم ضاحكا من قولها} وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الابتسامة دين ندين لله تعالى به، وخلق كريم نثاب عليه، "تبسمك في وجه أخيك صدقة"
وسيأتي أن جل ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسما.
وهذا يدل على أن أهم ضوابط الفكاهة والضحك في الإسلام هو الوسطية والاعتدال. والله تعالى يقول في حق هذه الأمة: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} . ومن تم لا يختلف التعامل مع الضحك عن غيره من الدوافع والرغبات في إطار التربية والتهذيب والارتقاء بها إلى ما يحافظ على إنسانية الإنسان ويرفع من شأنه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" .
ويقول كما في حديث حنظلة: "ساعة و ساعة"
فالمنهي عنه ليس الضحك في حد ذاته، والاستغراق فيه، وهو الذي يؤدي غلى موت القلب ويذهب الهيبة. أما ما تنبسط به النفس من الملح فهو كما قال أبو علي اليوسي: - للعقل فاكهة-. كما أن الحكمة السابقة هي غذاؤه وقوامه. فلا بد لكل منهما في استصلاح العقول وإزالة حساوتها، - أي صلابتها وقساوتها- و تنمية ذكائها. غير أن الملح تكون بقدر الحاجة كالملح للطعام، وغلى ذلك أشار القائل:
أفد طبعك المكدود بالجد راحة . . . قليلا وعلله بشيء من المــــــزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن . . . بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يضحكون ويمازح بعضهم بعضا. سئل النخعي رحمه الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يضحكون ويمزحون؟ فقال نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي. وكانوا يتناشدون الأشعار ويتذاكرون الأخبار وأمور الجاهلية، وكان ذلك في المسجد فيضحكون والرسول صلى الله عليه وسلم جالس بينهم، وربما ضحك وتبسم .
ويذكر النووي في تهذيب الأسماء و اللغات، أن الصحابي نعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري كان كثير المزاح، يضحك الرسول صلى الله عليه وسلم، من مزاحه، و له أشياء كثيرة في هذا المجال، حتى قيل إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال عنه: "يدخل الجنة وهو يضحك". وقالد أحمد الشرباصي: إن نعيمان يستحق أن يسمى مضحك الرسول صلى الله عليه وسلم" .
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: كان نعيمان رجلا مضاحكا مزاحا: وكان رجلا صالحا على ما كان فيه من دعابة .
إلا أن التعوذ على المجادلة و الممازحة منهي عنه بمثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: "لا تمار أخاك ولا تمازحه".
قال الإمام الغزالي في الإحياء: إن قلت قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ينهى عنه؟ فأقول: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن تمزح و لا تقول إلا حقا ولا تؤذي قلبا، ولا تفرط فيه، وتقتصر عليه أحيانا على الندور فلا حرج عليك فيه.
وجاء كذلك النهي عن الضحك القائم على الكذب، بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له.
ومثل ذلك السخرية و الاستهزاء واللمز و التنابز بالألقاب كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن يتب فأولئك هم الظالمون.
وفي هذا السياق يأتي قول لطيف لاذع لأبي حامد الغزالي في الإحياء:" وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به، فأما من جعل نفسه مسخرة وربما فرح من أن يسخر به كانت السخرية في حقه جملة من المزاح...".
ومن آداب الضحك والفكاهة في الإسلام مراعاة المقام كما قال أحد الحكماء:" إياك والمشي في غير أرب والضحك من غير سبب .
ومن أعظم المقامات التي توجب الأدب مقام الصلاة، وما تتطلبه من خشوع وخضوع بين يدي الله عز وجل....
ومن ثم اعتبر الفقهاء الابتسام القليل من مكروهات الصلاة، والكثير من مبطلاتها، ولو اضطرارا. أما القهقهة وهي الضحك بصوت فمن مبطلات الصلاة إجماعا. وزاد الإمام أبو حنيفة فقال: "وينقض الوضوء...." وقال الباقون لا ينقض إلا أن يخرج من الأنفس ما يضحك منه بعض الناس.




عن عبد الله بن زمعة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فوعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال: "علام يضحك أحدكم مما يفعل"
كما يراعى أدب الحديث في الفكاهة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحياة الجنسية، وقد علمنا القرآن: "النزاهة في التعبير عن هذا الأمر عند الحاجة إلى الكلام فيه بما ذكر من الكنايات اللطيفة كقوله تعالى: "لامستم النساء – أفضى بعضكم ألى بعض- دخلتم بهن – فلما تغشاها حملت" .
كما علمتنا السنة ذلك، وهذا حديث شريف يعكس هذه الحقيقة بوضوح: "عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالسة، وعنده أبو بكر فقالت: يا رسول الله ، إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبث طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وأنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها، فسمع خالد بن سعيد قولها وهو بالباب لم يؤذن له، قالت: فقال خالد: يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به عند رسول الله؟ فلا والله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك تريدين أن ترجعي غلى رفاعة؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته" .
المحور الثاني: نماذج من القرآن الكريم:
قد سأل سائل: وهل في القرآن فكاهة وضحك؟ ويأتي الجواب بالطبع نعم، وأول ما يدل على ذلك هذه الكلمات: فكاهة- ضحك- هزؤ- هزل- سخرية- تبسم.
وروي عن ابن عباس رضي الله عليه في قوله عز وجل: {يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} ، قال: الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك" .
ومعلوم أن ما في القرآن من آيات الفكاهة والضحك، وما فيه من شخصيات وأحداث كلها حق، لا زيادة فيها بسبب التخيل أو الرغبة في مزيد تأثير، إذ كل ما في القرآن كذلك كما قال الله تعالى: "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" .
وما دام الأمر يتعلق هنا بنماذج فسنقتصر على بعض الصور المعبرة بإيجاز: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون. فضحكت فبشرناها بإسحاق- ذق إنك أنت العزيز الكريم- فتبسم ضاحكا من قولها- فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون.
قال الله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} اضطربت الأقوال في تعيين هذا الشغل، فروي عن ابن مسعود و ابن عباس وابن المسيب: "في افتضاض الأبكار"، وعن ابن عباس أيضا "سماع الأوتار" وقال مجاهد: "نعيم قد شغلهم".
وهذا القول الأخير هو الصحيح، وإليه مال أكثر المفسرين، وقرئ في السبع "فاكهون" أي أصحاب فاكهة كما تقول: لابن وتامر وشاحم ولاحم، كما قرئ فكهون، ومعناه طربون وفرحون، مأخوذ من الفكاهة، أي لا هم لهم فهم يتمتعون في الجنة بانبساط النفس ولذة النعيم.
* وقال تعالى: {و امرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
كان الضحك مقدمة رائعة بين يدي هذه البشارة العظيمة العجيبة، { قالت يا ويلتا آلد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب} . قال وهب بن منبه: ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال هذا مقدم بمعنى التأخير.
وروي أن سارة كانت في وقت هذه البشارة بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة.
قال الراغب في المفردات: وقول من قال خاضت، فليس ذلك تفسيرا لقوله فضحكت، كما تصوره بعض المفسرين.
* قوله تعالى: {... ذق إنك أنت العزيز الكريم} أي قولوا له تهكما وتقريعا وتوبيخا: ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك في الدنيا، والمراد: إنك أنت الذليل المهان
و الذوق مستعار للإحساس وصيغة الأمر مستعملة في الإهانة، وقوله إنك أنت العزيز الكريم خبر مستعمل في التهكم بعلاقة الضدية، والمقصود عكس مدلوله، أي أنت الذليل المهان والتأكيد للمعنى التهكمي .

المحور الثالث: نماذج من السنة النبوية:
لما كانت القدوة الحسنة من أنجع وسائل التربية، فقد كان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يمزح و لا يقول إلا حقا، وجاء أيضا أنه كان لا يضحك إلا تبسما، أي أن جل ضحكه التبسم، وإلا فقد ضحك حتى بدت نواجده كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه. وفرق بعضهم بين الحالين فقال إنه كان يضحك في أمور الآخرة، ويتبسم في أمور الدنيا.
وإنه لمن علو مقام هذا الرسول الكريم وقوة شخصيته وسمو أخلاقه، أن يجمع بين جلال النبوة وبراعة الفكاهة أن يمازح الصبي والمرأة العجوز كما يمازح نساءه وأصحابه.
وصور ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفكاهته كثيرة، وهي مبثوثة في كتب الحديث والشمائل. وحبذا لو دخلت إلى المقررات الدراسية في المدارس والجامعات في إطار الأدب الإسلامي والتربية الجمالية والذوقية كما يجسدها الأدب النبوي.
وبعد، فقد احترت في اختيار نماذج من السنة النبوية في الفكاهة والضحك لكثرتها، وسمو معانيها كلها، لكن، وعملا بقول: "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، أقدم هذه الأمثلة:
1- ضحكه صلى الله عليه وسلم مع الصبيان:
* عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي: " يا أبا عمير ما فعل النغير"، والنغير طائر كان يلعب به الصبي، فمات فحزن عليه، فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم..
* وعن محمود بن الربيع قال: إني لأعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي.
2- ضحكه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين:
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له، فقلت لسودة ، والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، كلي فأبت، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الحريرة فطلبت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده لها وقال لها: ألطخي وجهها، فلطخت وجهي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها. اخرجه النسائي بسند حسن
وهذا الحديث يشهد لعدله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه حتى في لحظة المزاح.
* ومن مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ودعابته وحسن خلقه، استماعه حديث أم زرع من عائشة بطوله، وفي ذلك من الفقه. كما قال القاضي عياض: جواز المزاح في الأحايين، والمداعبة مع الأهل وسط الوجه واللسان مع الناس بالكلام الحلو السهل، فهو من حسن العشرة وطيب النفس .
* ضحكه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه:
* روى البخاري في الصحيح أن رجلا كان يقال له عبد الله ، ويلقب حمارا، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤتى في الشراب، فجيء به يوما، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"
* أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله أدع الله أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: { إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا أترابا}
* عن انس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ذا الأذنين" يمازحه، وفي الوقت ذاته يمدحه، فكأنه يقول له: يا صاحب الأذنين السميعتين الواعيتين لما سمعتا.