بطاقة تعريفية

فضيلة الدكتور محمد عز الدين المعيار الإدريسي

مواقع التواصل

كلمة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي لعام 1443 هـ

تاريخ نشر المقال 21-10-21 07:24:29

    من الجدل العقيم والنقاش الذي لا ينتهي ولا يستقيم ، ما يثار ويدور كلما حل ربيع النبوي من كل عام حول مشروعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فتجد من بين من نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين من يبدع و من يكفر، كما تجد في المقابل من يجيز ويبارك و نحن كذلك كما تجد أحيانا من يسرف و يبالغ في حين أن الاحتفاء برسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على الدوام لا يتخلف بحال طيلة العام كما يتجلى ذلك في مظاهر شتى هي من صميم العبادة وأركان الدين في التشهد و في الأذان والصلاة وفي الدعاء والأوراد و في كل لحظة يذكر فيها اسمه الشريف أما ما يصاحب إحياء ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم فلا يختص بشيء معين كما هو الشأن بالنسبة لعيدي الفطر والأضحى اللهم إلا ما يكون فيه من إكثار مما هو مشروع من الصلاة والسلام عل سيد الأنام استجابة للأمر الإلهي من فوق سبع سموات {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ورغبة في مزيد من الأجر والثواب لقوله عليه الصلاة و السلام في الصحيح:" مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا"
فما الذي يُبَدَّعُ به الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وما الذي أحدث المسلمون في الدين مما ليس منه، و يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
أليس الواجب و الأدب والصواب هو أن يعبر المؤمن بهذا الاحتفال عن فرحه بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم و عن حبه الذي هو من حب الله عز وجل كما قال جل ذكره {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وفي الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " فو الذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده " .
وإلى جانب محبة جنابه الشريف صلى الله عليه وسلم أُمِرْنا بتعظيمه وتوقيره ولنا في سنة الصحابة الكرام وفعلهم الإسوة الحسنة وقد كانو بعد نزول قوله تعالى:{ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)[النور:63]، لا ينادونه صلى الله عليه وسلم إلا بلفظ "يا رسول الله" "يا نبي الله" و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله.
كما أن لنا في سيرة إمام دار الهجرة مالك بنِ أنس رحمه الله ما يستأنس به لهذا التعظيم والتوقير فقد كان من تعظيمه الكبير لمدينة رسول الله ، أن كان لا يركب دابة فيها ويقول كما في الشفا :" أستحيي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة"
وهل الاحتفال بعيد المولد سوى مظهر من مظاهر تعظيمه عليه الصلاة والسلام ؟ .
والأدلة على أن مولده كان حدثا عظيما كثيرة من الكتاب والسنة والصحابة عندما أرادوا وضع بداية لتاريخ الإسلام طرحت عليهم عدة اقتراحات منها ميلاد رسول الله ، وبعثته والإسراء والمعراج قبل أن ينتهوا إلى رأي الخليفة عمر بن الخطاب الذي وافقه عليه جمهور الصحابة منهم عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا
و من بركات مولده صلى الله عليه وسلم على قومه ما رأوه بأعينهم في عام مولده من حماية بيت الله، واندحار أبرهة وجيشه { الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } الآيات
" وكان قدوم الفيل مكة وهلاك أصحابه في الجاهلية يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، وكان أول المحرم من تلك السنة يوم الجمعة ، و ولد النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفيل بخمسين يوما ، و كان مولده يوم الاثنين ."
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: " كان جيران البيت مشركين يعبدون الأوثان، ودين النصارى خير من دينهم، فعُلِم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ، بل كانت لأجل البيت، أو لأجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي وُلِدَ في ذلك العام عند البيت، أو لمجموعهما، وأيّ ذلك كان، فهو من دلائل نبوته".
وقال الحافظ ابن كثير: "هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم أنوفهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشرِّ خيبة، وكانوا قوماً نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال".
و ذكر الإمام المقريء شمس الدين ابن الجزري { ت 833هـ } في كتابه : " عرْف التعريف بالمولد الشريف ": أن مولده صلى الله عليه وسلم كان بالشعب و هو مكان بمكة معروف متواتر عند أهل مكة يخرجون إليه كل عام يوم المولد ويحتفلون بذلك أعظم من احتفالهم بيوم العيد وذلك إلى يومنا هذا,,,
حضرات السيدات والسيدات
معذرة عن هذا الانسياق مع ننكره و نأباه من جدل عقيم و عن هذا الخوض فيما ننعيه على الغير وننتقده من اشتغال بما ينبغي أن ينتهي والاهتمامِ بدله بما ينفع الناس
و إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم علينا حقوقا في مقدمتها نصرته في هذا الزمان حيث نرى من جهة تقصير المسلمين الملموس في القيام بواجب التعريف برسول الله صلى الله عليه وسلم وبطبيعة رسالته مع نشر صورته الحقيقية بين العالمين، كما رسمها القرآن العظيم وجسدها الرسول الكريم ، كما ينرى من جهة أخرى تحامل بعض الأشخاص أو الجماعات من غير المسلمين على رسول الله لجهلهم به وعدم معرفتهم بحقيقته و إنما اتخذوا موقفهم بناء على ما تخيلوه ورسموه من خلال سلوك وتصرفات المتطرفين من المحسوبين على الإسلام والمسلمين
أيتها السيادة أيها السادة
يقع هذا في وقت تجتاز فيه الأمة مرحلة عصيبة من حياتها حيث تعرف كثير من البلاد الإسلامية أوضاعا مزرية ، وصراعات داخلية رهيبة ، و تهديدا للأمن والسلام إقليميا ودوليا ، الشيء الذي مهما حاول المسلمون تبريره ، أو إلصاقه كله أو بعضه بغيرهم ، لا يمكن أن يعفيهم من مسؤولياتهم ...
نعم إن العالم لا يقف مما يقع موقف المتفرج ، في عصر تقارب فيه الزمان والمكان فأصبح العالم كما يقال :" قرية صغيرة "تطورت فيه و سائل الاتصال و نظم المعلوميات بشكل خارق ، و زالت بين الشعوب والأمم والدول الحدود والحواجز ، وأصبح العالم يموج بالتحولات والتقلبات، فمن لم يكن قويا بنفسه، و بإخوانه في اتحادات وتكتلات يضيع وتذروه الرياح ، مما يدعو أهل و العلم والإصلاح و رجال السياسة و الفكر والأدب والتاريخ والاجتماع وكل الطاقات الحية، من أبناء هذه الأمة ،إلى القيام بواجبهم كل من موقعه الخاص في هذا المضمار، و تَحَمُّلِهم لمسؤولياتهم في هذا الإطار ، بالتذكير بالقيم الإنسانية الخالدة التي جاء بها رسول الإنسانية ، والتي هي وحدها الكفيلة بتجنيب البشرية ، الوقوع في كثير من الكوارث والمآسي. فما أحوج المسلمين اليوم وغدا وفي كل زمان، وهم يواجهون هذه الظروف الصعبة القاسية ، والأزمات الخانقة المتوالية ، أن يبحثوا في سيرة رسولهم الكريم ، عن الطريق السوي السليم ، الموصل إلى بر الأمان ، المفضي إلى التصالح مع الذات ومع الآخر و مع الزمان ، المفضي في الوقت ذاته إلى عصر ذهبي جديد، لحضارة الإسلام في الحاضر و المستقبل...
إن الأمة مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تصحيح صورة الإسلام لدى الآخر، صورة الإسلام في سماحته وقيمه وأخلاقه ، و في تكريمه للإنسان، ونشره للمحبة وكراهيته للظلم و العدوان ، و التعريف بالسيرة النبوية في صفائها و تألقها ، بما يحقق ما أراد الله لها من وسطية واعتدال { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم } الآية
ولتأكيد أن الإسلام دين الإنسانية ، و أنه رسالة كونية فرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يرسل إلى العرب خاصة ، و لا إلى العجم خاصة ، بل أرسل الله إلى الناس كافة . و كتاب الله تعالى يفيض بالآيات الدالة على إنسانية الإسلام ، وكونية رسالته ن منها قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات :13 وقوله عز وجل : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
و بعد فهذه بعض الإشارات لما ينبغي الإيمان به أولا ثم القيام به ثانيا لمواجهة مختلف التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة الإسلامية و لتحقيق خيرية الأمة و قدرتها على إعادة بناء ما تهدم و إقامة الجديد الموافق للعصر و المبشر بالغد الأفضل
و ما ذلك على أمتنا بعزيز